فتح الحكم الصادر مؤخراً من المحكمة الدستورية العليا باب الأمل لدى مئات الآلاف من المواطنين فى حل أزمة الإيجار القديم فى مصر، والتى تمتد منذ سنوات طويلة من المنازعات بين المالك والمستأجر، فهذا الملف الشائك يعد واحداً من أعقد الملفات والقضايا التى خشيت حكومات متعاقبة من اقتحامه أو الاقتراب منه؛ ومن وقت إلى آخر كنا نسمع عن مبادرات لحل هذه الأزمة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين فى هذه القضية المتشعبة لكن دون جدوى على أرض الواقع.


تحدثنا كثيراً عن أن حل أى مشكلة يبدأ من الحوار الحقيقى والتفاوض بين طرفى النزاع، فكان من الضرورى أن يكون هناك حوار مجتمعى موسع حول أزمة قانون الإيجار القديم وآليات الحل والتوافق على رؤية وحلول ترضى جميع الأطراف دون تحيز أو ظلم لطرف ضد الآخر؛ تكون مقرونة ببرنامج زمنى تدريجى للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق التوازن بين حقوق المالكين والمستأجرين وأن تكون العلاقة الإيجارية مبنية على حلول منطقية عادلة.
الآن الفرصة سانحة ومهيئة أكثر من أى وقت مضى لاقتحام هذا الملف بكل تفاصيله ومراجعته ودراسة جوانبه كافة؛ وذلك بعد صدور حكم الدستورية العليا منذ أيام قليلة، والذى قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و(2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
هذا الحكم واجب النفاذ يفك جزءاً من التشابك بين طرفى العلاقة الإيجارية وهو جزء مهم جداً يتعلق بحق المالك فى الحصول على القيمة الإيجارية العادلة، وبالتالى وجب إجراء تعديل تشريعى بقانون الإيجار القديم لتنفيذ حكم «الدستورية»، علماً أن المحكمة الدستورية العليا حددت فى حكمها اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر هذا الحكم، أى أن مجلس النواب ملزم قبل انتهاء دور الانعقاد الخامس الحالى بإقرار تعديل تشريع لتنفيذ الحكم بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية فى نظام الإيجار القديم، ليتم وضع آليات تنفيذ الحكم وتحديد قيمة إيجارية مناسبة.
لقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأزمة الإيجار القديم، وتحقيق التوازن والعدالة فى العلاقة بين المالك والمستأجر؛ فقانون الإيجار القديم يتعلق بملايين المواطنين وهناك حالة اشتباك قائمة بين الطرفين بسببه منذ عشرات السنين، وفى الآونة الأخيرة كانت هناك بعض المحاولات البرلمانية لفتح هذا الملف وإجراء تعديلات تشريعية على القانون لحلحلته لكن بعض الظروف حالت دون استكمال هذه الخطوات، وكانت هناك مجموعة عمل حكومية برلمانية مشكلة لدراسة الملف ولكن لم نرِ نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من رؤى وتصورات للحل حتى الآن.
إن مجلس النواب بادر بموقف إيجابى فور صدور الحكم بإصدار بياناً يؤكد فيه التزامه بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا من خلال التعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ الحكم، وأوضح أن مكتب المجلس كان قد كلف لجنة الإسكان بإعداد تقرير ودراسة مستفيضة عن ملف قوانين «الإيجار القديم»، وتقييم أثرها التشريعى، مع دراسة الخلفية التاريخية للتشريعات الخاصة بهذا الملف، وكذلك الاطلاع على أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعلقة بهذا الشأن كافة، مع دراسة وتحليل كل البيانات الإحصائية التى تسهم فى وضع صياغة تضمن التوصل إلى أفضل البدائل الممكنة التى تتوافق مع المعايير الدولية والدستورية بشأن الحق فى المسكن الملائم والعدالة الاجتماعية.
وننتظر وفقاً لما أعلنه مجلس النواب طرح هذا الملف على المجلس فى الجلسات القادمة فى ضوء تقرير مبدئى أعدته لجنة الإسكان، لتكن بداية للاستماع إلى وجهات النظر والمقترحات والتوصيات اللازمة لحل الأزمة، وهى خطوة مهمة تؤكد جدية البرلمان فى تناول هذا الملف للوصول إلى تعديلات تشريعية مرنة توجد حلول حقيقية على الأرض لجميع المشكلات المتعلقة بالإيجار القديم، وذلك كله يتسق أيضاً مع توجيهات القيادة السياسية بتعديل القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فى ظل قوانين الإيجارات القديمة، بهدف إقامة التوازن - الذى غاب عن تلك العلاقة التعاقدية لعقود طويلة - فى الحقوق والالتزامات.
وفى ضوء ذلك نؤكد على ضرورة وضع حلولاً جذرية تحقق الصالح العام وتنفذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، ومجلس النواب أمامه الفرصة سانحة لوضع تعديل تشريعى شامل لقوانين الإيجار القديم بعد دراستها بتأنٍ والاستماع إلى وجهات نظر جميع الأطراف، حيث إن قدرة البرلمان على إنجاز وحسم قانون الإيجار القديم سيكون من أهم التشريعات التى أقرها المجلس لأنها ستساهم فى حل أزمة كبرى اجتماعية واقتصادية لقطاع عريض من المواطنين، لذلك يجب الإسراع فى مناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم وإجراء حوار اجتماعى موسع بشأنه بحضور مختلف الأطراف المعنية من المالك والمستأجر ورجال القانون المتخصصين، وغيرهم.
فهذا القانون المتعلق بالإيجار القديم وحل أشكالياته يحتاج إلى فترة انتقالية لضمان تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين وتحديد القيمة الإيجارية العادلة وفق ضوابط موضوعية تحقق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، على أن تكون هناك حلول تطبق بشكل تدريجى حتى الوصول إلى آلية ثابتة لضبط العلاقة الإيجارية، فلابد من حوار موسع حول هذه القضية والاستماع إلى كل وجهات النظر بشأنها.
إننا أمام حكم تاريخى وملزم من المحكمة الدستورية، له أهمية خاصة فى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، فالدستورية أكدت على أهمية وضع ضوابط موضوعية ومرنة لتحديد قيمة الإيجار بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية، وبما يضمن تحقيق التوازن بين الطرفين، مع صياغة آليات جديدة تتيح تعديل الأجرة بناء على المتغيرات الاقتصادية بما يضمن للمالك تحقيق عوائد سنوية مناسبة، وهناك ضرورة بأن يتم ذلك من خلال حوار مجتمعى واسع يشارك فيه مختلف الأطراف المعنية من أجل الوصول إلى حلول توافقية تحقق العدالة والاستدامة، وتحقق حماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر، وهو ما يسهم فى خلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعى وتدعم النسيج المجتمعى.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: النائب حازم الجندي المحكمة الدستورية العليا حل أزمة الإيجار القديم المحکمة الدستوریة العلیا العلاقة الإیجاریة المالک والمستأجر الإیجار القدیم تحقیق التوازن التوازن بین العلاقة بین هذا الملف

إقرأ أيضاً:

قانون الإضراب في المحكمة الدستورية

إن أحد المظاهر البارزة للتطور الدستوري والديمقراطي التي شهدته بلادنا خلال العهد الزاهر لجلالة الملك محمد السادس هو توطيد دولة المؤسسات، التي تشتغل في ظل الدستور، والتي يرعى عملها جلالة الملك باعتباره حكما أسمى بينها بموجب أحكام الوثيقة الدستورية، ولاسيما الباب الثالث منها، ولنا في حالة القانون التنظيمي الذي يحدد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب، نموذج بارز لهذا البنيان الدستوري المتين، وهو دليل أيضا على حيوية الحياة الديمقراطية في بلادنا.
لقد نص الدستور المغربي على وجوب إصدار عدة قوانين تنظيمية، صدرت جميعها باستثناء قانونين تنظيميين، ويتعلق الأمر بالإضافة إلى قانون الإضراب، بالقانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية الذي يوجد في مسطرة ترتيب الأثر على قرار المحكمة الدستورية التي صرحت في قرارها الثاني حوله بأن الإجراءات المتبعة لإقراره غير مطابقة للدستور، ويتعين التأكيد ها هنا على أن فهما عميقا للوثيقة الدستورية يستوجب وجوبا قراءة صبورة لقرارات المحكمة الدستورية، ولا سيما ذات الصلة بفحص دستورية القوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية لمجلسي البرلمان.
ولعل المسار التشريعي الذي عبره القانون التنظيمي للإضراب والنقاش السياسي والحقوقي الذي أثاره ولايزال، يدفع للتطلع إلى قرار المحكمة الدستورية، والتي أوكل إليها الدستور، إلى جانب اختصاصات عدة، وبموجب الفصل 132 منه، البت في مطابقة القوانين التنظيمية للدستور.
برزت قضايا دستورية وقانونية خلال مسار مناقشة هذا القانون التظيمي، لا شك أن قرار المحكمة المنتظر سوف يساهم في فهمها، وأخص بالذكر ما يتعلق بالديباجة، التي لئن كانت الصيغة النهائية من القانون لم تتضمنها، إلا أن المادة الأولى منه هي عمليا ديباجة النص، بما تضمنته من إطار مرجعي وإحالات مهمة، هذا ناهيك عن الآجال المرتبطة بتعديلات الحكومة المقدمة على مشاريع القوانين أثناء دراستها باللجان البرلمانية الدائمة، وغيرها من المواضيع التي تضمنتها التقارير المنشورة للجان البرلمانية التي تولت دراسة هذا القانون التنظيمي.
للقضاء الدستوري المغربي تاريخ طويل منذ مرحلة الغرفة الدستورية، ومرورا بحقبة المجلس الدستوري وصولا إلى المحكمة الدستورية، وعلى الرغم من قلة اللجوء إليها، كما أكد على ذلك رئيسها قبل أيام في درس أكاديمي، إلا أن قراراتها والاجتهادات التي راكمتها تؤكد حرصها الدائم على علو الدستور وفرض التمسك بأحكامه.
الآن، وبعد موافقة مجلس النواب في قراءة ثانية على هذا القانون التنظيمي، على جميع الأطراف سواء المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بمضامينه أن تنتظر كلمة القضاء الدستوري، وعلى خلاف ما حاول البعض تصويره، فإن موافقة البرلمان على هذا القانون لا تشكل نهاية التاريخ، ذلك أنه ورغم أننا إيزاء قانون تنظيمي أوجب الدستور مسطرة خاصة لوضعه وإقراره، إلا أنه ليس هناك ما يحول دون تعديله أو مراجعة بعض مضامينه إذا ظهرت الحاجة إلى ذلك، فأعضاء مجلسي البرلمان يملكون حق التقدم بمقترحات قوانين تنظيمية، وليس هناك ما يحول دون ذلك.
ستتولى إذن المحكمة الدستورية، التي لا تقبل قراراتها أي طريق من طرق الطعن، وتلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية النظر في مطابقة هذا القانون التنظيمي للدستور، ولا شك أن قرارها المنتظر سيكون محط نقاش وتحليل وقراءات من لدن الفقه الدستوري، الذي عودنا على التفاعل مع اجتهادات القضاء الدستوري، وهو ما سيشكل إغناء وإثراء للحوار الدستوري والقانوني في بلادنا.
بيد أن فحص مطابقة القوانين التنظيمية للدستور ليس عملية مغلقة وممتدة في الزمن، لأن القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية منح عدة أطراف بموجب المادة 25 منه، حق الإدلاء للمحكمة الدستورية بما قد يبدو لهم من ملاحظات كتابية في شأن القضية المعروضة عليها، ومن بين تلك الأطراف أعضاء مجلسي البرلمان، هذا علاوة على أن المحكمة مقيدة بأجل الثلاثين يوما من تاريخ إحالة القوانين التنظيمية عليها.
الحكومة والبرلمان مارسا اختصاصاتهما الدستورية، ونجحا معا في إخراج قانون تنظيمي ظل الجميع ينتظر صدوره منذ أن نص عليه دستور 1962، وهذا لوحده يعد إنجازا تاريخيا، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قدما رأيين مهمين حول القانون بطلب من البرلمان، والإعلام واكب مسار دراسة المشروع، والنقابات عبرت عن آرائها بكل حرية، ولعمري إن هذه هي مقومات الديمقراطية المواطنة التي يحق لنا أن نفاخر بها الأمم.
ولأن الدستور الذي حظي بإجماع الأمة بكل مكوناتها أوكل كلمة الفصل إلى المحكمة الدستورية، وفي انتظار قرارها، هناك حاجة ماسة للإسراع بإخراج نصوص قانونية لا تقل أهمية عن قانون الإضراب وفي مقدمتها قانون النقابات، وفق ما نصت عليه أحكام الفقرة الأخيرة من الفصل الثامن من الدستور.

مقالات مشابهة

  • إسكان النواب تكشف سبب تأخر بدء مناقشات تعديلات قانون الإيجار القديم
  • بعد تصريحات الحكومة.. كيف ستطبق زيادات الإيجار القديم؟
  • مرحلة انتقالية وزيادة تدريجية.. سيناريوهات تعديل قانون الإيجار القديم
  • الإيجار القديم يدخل مرحلة الحسم.. زيادات وشيكة وتشريع جديد قيد الإقرار
  • 3 سنوات وزيادة 60%.. مفاجأة بشأن تعديل قانون الإيجار القديم
  • تحرك عاجل من الحكومة بشأن الإيجار القديم.. ماذا حدث؟!
  • رئيس الوزراء عن تعديلات الإيجار القديم: ستكون هناك فترة انتقالية
  • تحقيق التوازن.. تحرك عاجل من الحكومة بشأن الإيجار القديم
  • مجلس النواب يبحث الأمور المتعلقة بـ«الطفل وتعديل قانون الأحداث»
  • قانون الإضراب في المحكمة الدستورية