أزمة الإيجار القديم.. حوار مجتمعى وتعديل تشريعى متوازن
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
فتح الحكم الصادر مؤخراً من المحكمة الدستورية العليا باب الأمل لدى مئات الآلاف من المواطنين فى حل أزمة الإيجار القديم فى مصر، والتى تمتد منذ سنوات طويلة من المنازعات بين المالك والمستأجر، فهذا الملف الشائك يعد واحداً من أعقد الملفات والقضايا التى خشيت حكومات متعاقبة من اقتحامه أو الاقتراب منه؛ ومن وقت إلى آخر كنا نسمع عن مبادرات لحل هذه الأزمة وتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتنازعين فى هذه القضية المتشعبة لكن دون جدوى على أرض الواقع.
تحدثنا كثيراً عن أن حل أى مشكلة يبدأ من الحوار الحقيقى والتفاوض بين طرفى النزاع، فكان من الضرورى أن يكون هناك حوار مجتمعى موسع حول أزمة قانون الإيجار القديم وآليات الحل والتوافق على رؤية وحلول ترضى جميع الأطراف دون تحيز أو ظلم لطرف ضد الآخر؛ تكون مقرونة ببرنامج زمنى تدريجى للوصول إلى الهدف المنشود وهو تحقيق التوازن بين حقوق المالكين والمستأجرين وأن تكون العلاقة الإيجارية مبنية على حلول منطقية عادلة.
الآن الفرصة سانحة ومهيئة أكثر من أى وقت مضى لاقتحام هذا الملف بكل تفاصيله ومراجعته ودراسة جوانبه كافة؛ وذلك بعد صدور حكم الدستورية العليا منذ أيام قليلة، والذى قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1) و(2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 فى شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص فى إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.
هذا الحكم واجب النفاذ يفك جزءاً من التشابك بين طرفى العلاقة الإيجارية وهو جزء مهم جداً يتعلق بحق المالك فى الحصول على القيمة الإيجارية العادلة، وبالتالى وجب إجراء تعديل تشريعى بقانون الإيجار القديم لتنفيذ حكم «الدستورية»، علماً أن المحكمة الدستورية العليا حددت فى حكمها اليوم التالى لانتهاء دور الانعقاد التشريعى العادى الحالى لمجلس النواب تاريخًا لإعمال أثر هذا الحكم، أى أن مجلس النواب ملزم قبل انتهاء دور الانعقاد الخامس الحالى بإقرار تعديل تشريع لتنفيذ الحكم بعدم دستورية تثبيت الأجرة السنوية فى نظام الإيجار القديم، ليتم وضع آليات تنفيذ الحكم وتحديد قيمة إيجارية مناسبة.
لقد آن الأوان لوضع حلول جذرية لأزمة الإيجار القديم، وتحقيق التوازن والعدالة فى العلاقة بين المالك والمستأجر؛ فقانون الإيجار القديم يتعلق بملايين المواطنين وهناك حالة اشتباك قائمة بين الطرفين بسببه منذ عشرات السنين، وفى الآونة الأخيرة كانت هناك بعض المحاولات البرلمانية لفتح هذا الملف وإجراء تعديلات تشريعية على القانون لحلحلته لكن بعض الظروف حالت دون استكمال هذه الخطوات، وكانت هناك مجموعة عمل حكومية برلمانية مشكلة لدراسة الملف ولكن لم نرِ نتائج اجتماعاتها وما توصلت إليه من رؤى وتصورات للحل حتى الآن.
إن مجلس النواب بادر بموقف إيجابى فور صدور الحكم بإصدار بياناً يؤكد فيه التزامه بتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا من خلال التعديلات التشريعية اللازمة لتنفيذ الحكم، وأوضح أن مكتب المجلس كان قد كلف لجنة الإسكان بإعداد تقرير ودراسة مستفيضة عن ملف قوانين «الإيجار القديم»، وتقييم أثرها التشريعى، مع دراسة الخلفية التاريخية للتشريعات الخاصة بهذا الملف، وكذلك الاطلاع على أحكام المحكمة الدستورية العليا المتعلقة بهذا الشأن كافة، مع دراسة وتحليل كل البيانات الإحصائية التى تسهم فى وضع صياغة تضمن التوصل إلى أفضل البدائل الممكنة التى تتوافق مع المعايير الدولية والدستورية بشأن الحق فى المسكن الملائم والعدالة الاجتماعية.
وننتظر وفقاً لما أعلنه مجلس النواب طرح هذا الملف على المجلس فى الجلسات القادمة فى ضوء تقرير مبدئى أعدته لجنة الإسكان، لتكن بداية للاستماع إلى وجهات النظر والمقترحات والتوصيات اللازمة لحل الأزمة، وهى خطوة مهمة تؤكد جدية البرلمان فى تناول هذا الملف للوصول إلى تعديلات تشريعية مرنة توجد حلول حقيقية على الأرض لجميع المشكلات المتعلقة بالإيجار القديم، وذلك كله يتسق أيضاً مع توجيهات القيادة السياسية بتعديل القوانين التى تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر فى ظل قوانين الإيجارات القديمة، بهدف إقامة التوازن - الذى غاب عن تلك العلاقة التعاقدية لعقود طويلة - فى الحقوق والالتزامات.
وفى ضوء ذلك نؤكد على ضرورة وضع حلولاً جذرية تحقق الصالح العام وتنفذ أحكام المحكمة الدستورية العليا، ومجلس النواب أمامه الفرصة سانحة لوضع تعديل تشريعى شامل لقوانين الإيجار القديم بعد دراستها بتأنٍ والاستماع إلى وجهات نظر جميع الأطراف، حيث إن قدرة البرلمان على إنجاز وحسم قانون الإيجار القديم سيكون من أهم التشريعات التى أقرها المجلس لأنها ستساهم فى حل أزمة كبرى اجتماعية واقتصادية لقطاع عريض من المواطنين، لذلك يجب الإسراع فى مناقشة تعديلات قانون الإيجار القديم وإجراء حوار اجتماعى موسع بشأنه بحضور مختلف الأطراف المعنية من المالك والمستأجر ورجال القانون المتخصصين، وغيرهم.
فهذا القانون المتعلق بالإيجار القديم وحل أشكالياته يحتاج إلى فترة انتقالية لضمان تحقيق التوازن بين حقوق الملاك واحتياجات المستأجرين وتحديد القيمة الإيجارية العادلة وفق ضوابط موضوعية تحقق التوازن بين طرفى العلاقة الإيجارية، على أن تكون هناك حلول تطبق بشكل تدريجى حتى الوصول إلى آلية ثابتة لضبط العلاقة الإيجارية، فلابد من حوار موسع حول هذه القضية والاستماع إلى كل وجهات النظر بشأنها.
إننا أمام حكم تاريخى وملزم من المحكمة الدستورية، له أهمية خاصة فى تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، فالدستورية أكدت على أهمية وضع ضوابط موضوعية ومرنة لتحديد قيمة الإيجار بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية، وبما يضمن تحقيق التوازن بين الطرفين، مع صياغة آليات جديدة تتيح تعديل الأجرة بناء على المتغيرات الاقتصادية بما يضمن للمالك تحقيق عوائد سنوية مناسبة، وهناك ضرورة بأن يتم ذلك من خلال حوار مجتمعى واسع يشارك فيه مختلف الأطراف المعنية من أجل الوصول إلى حلول توافقية تحقق العدالة والاستدامة، وتحقق حماية مصالح جميع الأطراف دون تغليب مصلحة طرف على حساب طرف آخر، وهو ما يسهم فى خلق بيئة قانونية تعزز من الاستقرار الاجتماعى وتدعم النسيج المجتمعى.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النائب حازم الجندي المحكمة الدستورية العليا حل أزمة الإيجار القديم المحکمة الدستوریة العلیا العلاقة الإیجاریة المالک والمستأجر الإیجار القدیم تحقیق التوازن التوازن بین العلاقة بین هذا الملف
إقرأ أيضاً:
حوار جاد لتغيير آمن بديلا للقلق في مصر
ليس خافيا ما يعيشه أنصار السيسي وحتى بعض القوى المعارضة من حالة ترقب وقلق بعد عديد التطورات في المنطقة وأهمها طوفان الأقصى وتداعياته، وانتصار الثورة السورية وتداعياتها أيضا، حتى أن السيسي نفسه حاول لمرات عديدة التدخل بنفسه لتبديد أو تخفيف هذا القلق ببعض كلمات جوفاء دون جدوى.
وعلى رأي المثل "أراد أن يكحلها فأعماها"، فإن السيسي حرص أكثر من مرة على إطلاق رسائل الطمأنة للقلقين خلال زياراته ولقاءاته المتكررة والمتزايدة للأكاديمية العسكرية وغيرها من الكليات العسكرية بمناسبة وغير مناسبة، فتترس السيسي بالمؤسسة العسكرية وليس بالشعب هو عين القلق الذي يحاول تبديده لدى أنصاره. فالحاكم المطمئن غير القلق يتحرك بشكل طبيعي بين الناس، ويكون عنوان إقامته معروفا وليس مجهولا رغم مرور 12 عاما على انقلابه.
وحين يوجه نظام السيسي إعلامه ولجانه لتشويه الثورة السورية، والتركيز على صور القتل والسحل التي جرت مؤخرا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكم هناك، في محاولة لتذكير المصريين بفضله عليهم إذ جنبهم هذا المصير، فإنه في الحقيقة يزيد الخوف والقلق لديهم من حيث يدري أو لا يدري، فأنصار النظام في مصر الذين حرضوا على الانقلاب، ثم على قتل المعارضين لهذا الانقلاب في مجازر لن تمحى من الذاكرة الوطنية، يشعرون أنهم سيكونون هدفا لردود فعل غير منضبطة حال حدوث تغيير، ولذا فإن الرسالة المبطنة لهم هي التمسك بهذا النظام والعض عليه بالنواجذ حتى يتجنبوا ذلك المصير، لكن ذلك لا يبدد القلق لديهم بل يزيده.
حين يوجه نظام السيسي إعلامه ولجانه لتشويه الثورة السورية، والتركيز على صور القتل والسحل التي جرت مؤخرا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة على الحكم هناك، في محاولة لتذكير المصريين بفضله عليهم إذ جنبهم هذا المصير، فإنه في الحقيقة يزيد الخوف والقلق لديهم من حيث يدري أو لا يدريقوى سياسية مدنية لا تخفي قلقها أيضا من احتمالات تغيير يمكن أن يفتح الباب لتصفية حسابات، وإسالة دماء، وهي أيضا مذعورة مما حدث في سوريا، خاصة أن بعضها كانت داعمة لنظام بشار الأسد، أو أنها في خصومة أيديولوجية مع التيار الإسلامي عموما في المنطقة، وساهمت هذه القوى في نشر الذعر مما حدث في سوريا في معركة الساحل الأخيرة ضد فلول نظام الأسد، وإن وجب التنويه هنا لرفضي واستنكاري التام لجرائم القتل على الهوية التي تمت للعلويين، فانتماء الأسد أو معظم أركان حكمه لهذه الطائفة لا يبرر قتل المدنيين الأبرياء منها، وحسنا فعلت السلطة السورية بفتح تحقيقات لمحاسبة الجناة.
لا يمكن لعاقل تجاهل هذه المخاوف وهذا القلق، وبعضه مشروع، خصوصا لدى بعض الأقليات الدينية أو الثقافية، ولكن الاحتماء بحكم عسكري يستغل هذا الخوف لتعزيز قبضته لن يمحو هذه المخاوف وهذا القلق، لأنه يتغذى بالأساس عليه، كما أن احتماء النظام بقواه العسكرية والأمنية، وبنائه الأسوار حول عاصمته الإدارية أو قصور حكمه لحمايته، أو بناء المزيد من السجون لاعتقال معارضيه؛ ليس كافيا لتحقيق الأمن والاستقرار، أو الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية. وهنا نستحضر ما كتبه أحد الولاة إلى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) يطلب منه مالا كثيرا ليبني سورا حول عاصمة الولاية، فقال عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل ونقِّ طرقها من الظلم.
بدلا من تغذية المخاوف والقلق تعالوا بنا إلى حوار مجتمعي حقيقي، يطرح فيه كل طرف مخاوفه وهمومه، فليس صحيحا أن أطرافا بعينها فقط لديها مخاوف، بل إن كل الأطراف المنشغلة بالشأن العام لديها مخاوف من بعضها، إذن لنكن صرحاء ومباشرين في الحوار حول هذه المخاوف، ليس لمجرد الفضفضة أو البحث عن خلاص وأمان شخصي أو طائفي،كنت ولا زلت من دعاة الحوار الجاد المنتج، وليس حوار اللقطة والشكليات وتسديد الخانات، كنت ولا زلت مع حوار شامل لا يستثني أحدا وليس مع حوار مغلق على تيار أو مجموعات تشاركت في حدث واحد مثل 30 يونيو، كنت ولا زلت مع حوار تقوده أطراف موثوقة من الجميع، وليس مع حوار إذعان وتوجيهات عُلوية ولكن بحثا عن أمان للشعب كله، وللوطن كله، بحثا عن صيغة مقبولة للعيش المشترك، بحثا عن عقد اجتماعي جديد يحدد الحقوق والواجبات، والتحديات المشتركة، وسبل التنافس الشريف سياسيا واقتصاديا وثقافيا لصالح الوطن والمواطن.
كنت ولا زلت من دعاة الحوار الجاد المنتج، وليس حوار اللقطة والشكليات وتسديد الخانات، كنت ولا زلت مع حوار شامل لا يستثني أحدا وليس مع حوار مغلق على تيار أو مجموعات تشاركت في حدث واحد مثل 30 يونيو، كنت ولا زلت مع حوار تقوده أطراف موثوقة من الجميع، وليس مع حوار إذعان وتوجيهات عُلوية، ولذا فقد دعوت أكثر من مرة -وها أنا أكرر الدعوة- لحوار تقوده جهة موثوقة مثل الأزهر الشريف، أو بيت العائلة، أو لجنة مشتركة من النقابات المهنية، أو لجنة من شخصيات وطنية تحظى بقبول عام، وتقوم هذه الجهة الداعية للحوار بوضع أجندته، وتحديد مساراته، وتحدد توقيتاته، وتحدد قوائم المستهدفين بالحوار من كل التيارات، والفئات، من المصريين المقيمين داخل الوطن أو خارجه، لتكون النتيجة وثيقة تأسيسية جديدة، تضع الحلول والتوجهات العامة لإنقاذ الوطن، واستعادة اللحمة الوطنية، وتضع تقييما أمينا لما جرى خلال السنوات الماضية وكيف يمكن تجنبه مستقبلا، وترسم الحدود الدقيقة بين ما هو مدني وما هو عسكري، وما هو ديني وما هو دنيوي، وعلاقة هذا بذاك، كما تحدد الثوابت الوطنية التي يلتزم بها الجميع، ويمكن أن تكون الخطوة العملية العاجلة هي الإفراج عن السجناء السياسيين، والدعوة لانتخابات جديدة رئاسية وبرلمانية وفق ضمانات نزاهة كافية، وتنافسية حرة لا تستبعد أحدا.
إن حوارا وطنيا مجتمعيا حقيقيا هو الكفيل فعلا بطي صفحة العشرية السوداء، بكل مآسيها، والانتقال بمصر إلى الحكم المدني الرشيد، واستعادة مكانتها اللائقة في إقليمها وفي العالم، وبدخولها مرحلة جديدة من التنمية والحرية والاستقرار والرخاء.
x.com/kotbelaraby