الهروب الكبير.. من الثانوية العامة
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
الخبراء: الدروس الخصوصية والضغوط النفسية والبطالة بين خريجى الجامعات.. أول الأسباب
مواطنون: الدنيا اتغيرت.. والمستقبل للتعليم الفنى
مفاجأة: الالتحاق بالجامعة عبر المدارس الفنية والتكنولوجية أسهل
عهود وعقود كان الالتحاق بالثانوية العامة حلما يداعب عقول كل تلاميذ الإبتدائى والإعدادى، وجميع أهاليهم.
ولكن الآن الأمر اختلف.
فبعد أن كانت الثانوية العامة حلما أمست كابوسا وبعد أن كانت الوجه المفضلة لكل تلاميذ مصر، قرر البعض الابتعاد عنها والفرار منها.
أول أسباب هذا الهروب الكبير هو الضغط النفسى والعصبى الذى يدخل دوامته جميع الطلبة منذ أن تطأ أقدامهم المرحلة الثانوية، وهى نفس الضغوط التى يعيشها أسرهم إضافة إلى دوامة الدروس الخصوصية التى تستنزف ميزانية كل أسرة وتكبدهم آلاف الجنيهات شهريا مما جعل الثانوية العامة مصدر رعب وشبح كبير للأسر وأبنائهم.
فى السنوات الأخيرة وجدت كثير من الأسر المصرية ضالتها فى التعليم الفنى والمدارس التكنولوجية والذى جذب عدد كبير من الطلاب فى ظل وجود مدارس فنية وتكنولوجية وتطبيقية جديدة تتيح فرص عمل مباشرة لخريجيها وهو ما انعكس على زيادة أعداد طلاب التعليم الفنى التى وصلت إلى أكثر من 2 مليون طبقاً لوزارة التربية والتعليم الفنى لعام 2023.
وأكد عدد من أولياء الأمور أن الثانوية العامة عبء كبير عليهم وعلى أبنائهم ولهذا صاروا يفضلون إلحاق أبنائهم بالمدارس التكنولوجية والفنية.
وتقول منى محمود -موظفة-، «إن ابنتها عانت كثيراً فى مرحلة الثانوية العامة من الدروس الخصوصية التى كانت تستنزف أغلب دخل الأسرة خاصة المواد العلمية الفيزياء والكيمياء، والتى وصلت إلى 200 جنيهاً فى الحصة الواحدة، ورغم كل ذلك لم تحصل إلا على مجموع 68% بالثانوية العامة».
وتضيف: المدارس الفنية والمهنية أفضل بكثير من الثانوية العامة، وخريجيها يلتحقون بسوق العمل فور انتهائهم من الدراسة مباشرة وهذه ميزة كبيرة لا تتحقق فى الغالبية العظمى من خريجى الكليات.
وتوافقها الرأى نورهان على -موظفة-، وتقول إن ابنها لم يكن يرغب فى الالتحاق بالثانوية العامة ولكنها ضغطت عليه على أمل أن يلتحق بعده بالتعليم الجامعى ولكنه لم يحصل إلا على مجموع قليل فى الثانوية العامة فاضطر إلى دخول معهد خاص من أجل الحصول على شهادة جامعية.
وأضافت: ندمت لعدم الحاق ابنى بالتعليم الفنى من البداية، خاصة وأن المدارس الفنية الآن على أعلى مستوى من الكفاءة المهنية، ولهذا أنصح أولياء الأمور بتشجيع أبنائهم على دخول التعليم الفنى.
ويقول يوسف عبدالله -مهندس معمارى-، أنه شجع أبنه على دخول مدرسة تكنولوجية تطبيقية والمدرسة توفر له تعليم عملى جيد، وتعطى للطلاب شهادات خبرة فى نهاية فترة تدريبهم فى كبرى الشركات ودائماً، ما تجهزهم لدخول سوق العمل ليصبحوا مؤهلين تماما، مع وجود فرص كبيرة لتعيين خريجى المدارس التكنولوجية التطبيقية.
ويضيف: «الحمد لله ابتعدنا عن الثانوية العامة وهمومها التى تسبب ضغطا رهيبا على الطلبة وضغوط مادية ونفسية على أسرهم».
وتابع: «الدنيا تغيرت والمدارس الفنية تقبل مجاميع مرتفعة وليست منخفضة كما كان سابقاً وأصبحت تستقطب خبراء فى مجال التعليم المهنى من أجل تعليم وتطوير الطلبة على أفضل المهارات.
وتعلن وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى، عن فتح باب التقدم للطلاب الحاصلين على الشهادة الإعدادية للالتحاق بمدارس التكنولوجيا التطبيقية والتعليم المزدوج ومراكز التميز، عبر الموقع الرسمى لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى.
وتوضح الوزارة أن هناك شروط يجب توافرها فى الطلاب المتقدمين لهذه المدارس، وأن عملية اختيار الطلاب تتم بمنتهى الدقة ووفق معايير وشروط محددة مثل الحصول على المجموع المحدد لكل مدرسة، واجتياز اختبارات القدرات والمقابلات الشخصية، مشيرة إلى أنه يتم توفير العديد من المميزات للطلاب من تدريبات عملية وشخصية وتخصصية وفق أحدث المعايير الدولية، ذلك بالإضافة إلى التعلم فى بيئة تكنولوجية تواكب أحدث التطورات العالمية وتساعد الطالب على الابتكار والتطوير المهنى والشخصى المستمر، وممارسة الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية للطلاب فى المدارس، ويحق للطالب اختيار ثلاثة مدارس كحد أقصى فى النظام الواحد، كما تهيب الوزارة بأنه لن يعتد بأى تسجيلات على أى روابط إلكترونية أخرى واعتبارها إبداء الرغبات فقط.
وتتراوح درجات قبول الطلاب بين 200-240 درجة للمجموع النهائى للشهادة الإعدادية للمدارس الفنية المتخصصة، حسب كل تخصص واختيار الطلاب للمدارس.
ومن أشهر مدارس التعليم الفنى «مدرسة نهضة مصر للتكنولوجيا التطبيقية للسياحة المستدامة» و«مدرسة البنك الأهلى للصناعات الكهربائية والميكانيكية للتكنولوجيا التطبيقية ببدر»، والتى تتيح مجالات للدراسة فى: الصناعات الميكانيكية والكهربائية والملابس الجاهزة تقع فى مدينة بدر بالقاهرة، بالشراكة مع اتحاد الصناعات المصرية وغرفة الصناعات الهندسية وغرفة الملابس الجاهزة كشريك صناعى متميز للمدرسة، بالإضافة إلى «مدرسة بنك مصر للتكنولوجيا التطبيقية لصناعة مواد البناء ببنى سويف»، والتى تعد الأولى من نوعها فى مجالات تصنيع وتركيب وصيانة الرخام والجرانيت بمحافظة بنى سويف، و«مدرسة الفواخير للتكنولوجيا التطبيقية»، والتى تعد أول مدرسة فنية لتعليم صناعة الخزف والفخار فى مصر، تم إنشاؤها فى إطار خطة الدولة لإحياء الحرف التراثية.
وأكدت بثينة عبدالرؤوف، الخبير التربوى، أن عدد كبير من أولياء الأمور يشجعون أبنائهم، على الالتحاق بالمدارس الفنية والبعد عن شبح الثانوية العامة المرعب.. وتقول: الثانوية العامة حاليا نظام تعليم مرهق للجميع، وتنوع المدارس الفنية التكنولوجية والمهنية ومدارس الشركات الخاصة الكبرى شجع الكثيرين من الأسر على الحاق أبنائهم بالتعليم الفنى، خاصة وأن فرص العمل فيه أفضل بكثير من فرص عمل أغلب خريجى الجامعات.
وتضيف: «معظم المدارس التكنولوجية والفنية تختار الطلبة الحاصلين على مجموع مرتفع نسبيا، وتعقد اختبارات قبول لمن يريدون الالتحاق بها، وهى صورة جديدة عن التعليم الفنى ساهمت فيها الدولة بتطوير تلك المدارس وتشجيعها، وهو عكس الصورة الذهنية عند أولياء الأمور قديماً بأن الفاشلين هم من يلتحقون بالمدارس الفنية والتجارية».
وأضافت الخبير التربوى: «فى الفترة الأخيرة أصبحت الثانوية العامة مصدر رعب للأهالى، وتسبب ضغطا ذهنيا وعصبيا وماديا رهيبا على الأسرة، وهناك أسر لا تستطيع مجابهة تكاليف الدروس الخصوصية بسبب ارتفاع أسعار المحاضرات والحصص للمدرسين والتى تصل إلى مئات الجنيهات فى الحصة الواحدة خاصة فى المراجعات النهائية للطلبة، وهو ما دفع الأهالى إلى تشجيع أبنائهم على الالتحاق بالتعليم الفنى فى شكله الجديد، وأيضاً هناك سبب جوهرى آخر يدفع الأهالى الفترة الأخيرة لإلحاق أبنائهم بالتعليم الفنى وهو سهولة الدخول النسبى إلى التعليم الجامعات مقارنة بالثانوية العامة خاصة مع وجود جامعات تكنولوجية وأهلية وخاصة، مما جعل الأهالى يطمئنون لمستقبل أبنائهم، فى حالة رغبتهم فى استكمال تعليمهم الجامعى، وهو ماكان يشكل قلق كبير لمعظم الأهالى لأن التعليم الفنى كان لا يؤهل إلى استكمال التعليم الجامعى.
وتابعت: فى السنوات القادمة سنشهد ازدياد أعداد طلاب التعليم الفنى، فى ظل تطوره وفى ظل إنشاء مدارس فنية على مستوى عالى وتأهيلهم مباشرة إلى سوق العمل.
ومن جانبه أكد الدكتور أحمد الجيوشى، خبير تطوير التعليم الفنى، أن الثانوية العامة أًبحت شبح مخيف لعدد من الأسر والتى أثقل كاهلها الضغط النفسى والعصبى والمادى من الثانوية العامة.. وقال: «التعليم الفنى أصبح يمثل حجر الزاوية فى عملية تطوير ونهضة البلاد فله أهمية بنفس قدر أهمية الثانوية العامة خاصة مع زيادة عدد طلابه التى وصلت إلى أكثر من مليونى طالب فى عام 2023، وفى السنوات الأخيرة اهتمت الدولة بشكل كبير بالتعليم الفنى وعملت على تطويره، وساهمت فى انتشار عدد كبير من المدارس الفنية خاصة المدارس التطبيقية والتكنولوجية، والتى تشهد إقبالا كبيرا لعدد من الطلاب وأصبح تنسيق دخولها يقترب بشكل كبير من تنسيق مدارس الثانوية العامة، كما أن المدارس التكنولوجية والفنية تضمن مستقبل جيد لطلابها من ناحية التدريبات العملية والأجور الجيدة والاحتياج الكبير لبعض التخصصات مثل التخصصات الميكانيكية التكنولوجية بالسيارات والتخصصات الطبية المساعدة مثل التمريض والمعاهد الصحية، وأهمها التخصصات التطبيقية التكنولوجية».
وأضاف خبير تطوير التعليم الفنى: «هناك أسباب عديدة وراء زيادة الإقبال على المدارس الفنية والتكنولوجية، منها الارتفاع الكبير فى مصاريف الدروس الخصوصية فى الثانوية العامة التى تكبد الأسرة الكثير من الأموال، والبطالة الكبيرة بين خرجى الجامعات، والاهتمام الكبير بالمدارس الفنية من الدولة ووجود بعض الشركات الكبرى التى أنشئت مدارس خاصة فنية للطلاب للاستفادة بخبراتهم ودراستهم بعد تخرجهم، وحاجة سوق العمل للمزيد من خريجى التعليم الفنى والمهن الحرفية وكل ذلك سيجعل للتعليم الفنى شأن كبير فى السنوات المقبلة».
ومؤخراً تقدمت النائبة إيفلين متى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، باقتراح برغبة لرئيس الوزراء ووزير التعليم لتعيين نائب لوزير التعليم للتعليم الفنى، لتطوير وتحديث أساليب التعليم والتعليم الفنى داخل المدارس مربوطا بالمصانع والشركات والهيئات.
وأشارت فى بيانها الإعلامى إلى أن ذلك يساهم فى تعزيز اختيارات طلبة التعليم الفنى ذوى المهارات المتعددة فى جميع المجالات الفنية، بحيث يكونوا نواة وسندا للمصانع والشركات وشركات البناء والأثاث والميكنة والكهرباء والسباكة والزراعة والمشغولات اليدوية والفنيات الإلكترونية وخلافه، وتغيير الثقافات بأهمية التعليم الفنى إعلاميا، ومقياس تقدم الدول بالتعليم الفنى، ولذلك لابد من تسخير كل الإمكانيات للارتقاء بالتعليم الفنى فى مصر، والذى لا يقل فى أهميته عن التعليم العام، ويساهم فى خلق جيل من العمالة الفنية المدربة على أعلى مستوى، لتساهم فى دعم الاقتصاد المصرى إلى الأمام، ما يرفع من معدلات التنمية الاقتصادية فى مصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التنمية الاقتصادية فى مصر التعليم الفني الثانوية العامة الدروس الخصوصية للتکنولوجیا التطبیقیة المدارس التکنولوجیة بالثانویة العامة الثانویة العامة الدروس الخصوصیة بالتعلیم الفنى المدارس الفنیة والتعلیم الفنى أولیاء الأمور التعلیم الفنى فى السنوات کبیر من
إقرأ أيضاً:
أثر الحرب على التعليم والمدخل لاصلاحه
تاج السر عثمان بابو
١
قبل الحرب تابعنا حالة التعليم في السودان والتدهور الكبير الذي حدث فيه، وجاءت الحرب اللعينة لتزيد الطين بلة، فقد كان للحرب التي تقترب من عامها الثاني اثر كبير على التعليم، فقد ضاع حوالى عامين دراسيين، وتأثر لما يزيد على 90 في المائة من الأطفال في البلاد، وعددهم 19 مليوناً في سن الدراسة، و17 مليوناً منهم خارج المدارس حالياً، بينهم 7 ملايين خارج النظام التعليمي قبل الحرب، مما جعل البلاد تعاني «أسوأ أزمات التعليم في العالم»، كما وصفتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة ” يونسيف” (الشرق الأوسط ١٦ سبتمبر ٢٠٢٤). كما يقول المتحدث باسم «لجنة المعلمين»، سامي الباقر، في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، إن 240 ألف معلم من العاملين بالتعليم في السودان لم يحصلوا طوال الحرب على أكثر من راتب شهر أو شهرين في الحد الأعلى، عدا ولاية البحر الأحمر، أما ولاية نهر النيل فصرفت مرتبات بين تسعة وعشرة أشهر، وصرفت الولاية الشمالية رواتب سبعة أشهر، وهي الولايات التي تعد آمنة نسبياً.
فقد تحولت بعض المدارس الي ملاذ للنازحين، فضلا عن احتلال وتدمير بعضها من طرفي الحرب، وتعطلت الدراسة لحوالي عامين، وهاجر الملايين إلى دول الجوار، وتم التحاق بعض الأبناء بمدارس وجامعات دول الجوار مثل مصر٠وتفاقمت أوضاع المعلمين جراء إغلاق المدارس، وأصبح مستقبل طلاب الشهادة السودانية في مهب الريح، فضلا عن الخلل في الامتحانات الجزئية التي تهدد وحدة البلاد، وتأتي قرارات فتح المدارس ذرا للرماد في العيون، ، فبدون وقف الحرب ورجوع النازحين لديارهم، لا يمكن استقرار التعليم وامتحانات الشهادة السودانية التي دخلت ميدان الصراع السياسي والعسكري مع الدعم السريع علما بأن التعليم حق للجميع. وقرارات فتح المدارس دون توفير مقومات التعليم من تأهيل وتعمير المدارس وخروج النازحين منها لمناطقهم وديارهم وتحسين وضع المعلمين واستقراره، وتوفير الكتاب المدرسي وبقية مقومات التعليم.
إضافة لمواصلة فرض رسوم باهظة على طلاب الشهادة السودانية (١٠٠الف جنية) لتمويل الحرب.
فما هو المدخل لإصلاح التعليم؟
٢
اصلاح التعليم بعد الحرب وتحقيق أهدافه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاينفصل عن تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع والحرية والعدالة والسلام، فالتخريب الكبير في التعليم كان في عهود الأنظمة العسكرية التي وظفت الجزء الأكبر من ميزانية الدولة للأمن والدفاع ، وأهملت التعليم والصحة والتنمية، وفرطت في السيادة الوطنية، وفتحت الباب علي مصراعيه للشركات الأجنبية المتحالفة مع الرأسمالية المحلية لنهب ثروات البلاد ، وتصدير الفائض الاقتصادي اللازم للتنمية للخارج. بالتالي من المهم الخروج من الحلقة الجهنمية للانقلابات العسكرية واستقرار النظام الديمقراطي ، وحل مشاكل الديمقراطية بالمزيد من الديمقراطية ، مما يفتح الطريق لقيام نظام وطني ديمقراطي يلعب فيه التعليم دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة، وقيام المجتمع الزراعي الصناعي المتطور. فالتعليم له علاقة مباشرة بالحياة والمجتمع ، ولا يتم لذاته مثل ” التعليم من أجل التعلم” أو ” الفن من أجل الفن” وغير ذلك من المقولات التي تعزل النظرية عن الممارسة، فالانسان عبر التاريخ كان يتعلم من خلال الممارسة ويستنبط النظرية والمعرفة منها، فالتعليم يأخذ من الناس ويعطيهم.
٣
الهدف من التعليم توفير المعارف الأساسية والضرورية للطلاب بهدف إعدادهم للحياة ، وتجعلهم يواصلون التعليم و الدراسة باستمرار مع ثورة المعلومات التي نعيشها ، كما تهدف الى تأهيلهم بالمهارات والحرف المعينة لكي يساهموا في بناء المجتمع وتغييره إلى الأفضل.
يبقي من المهم توفير مقومات التعليم من مباني وبيئة صالحة ومعلم وطالب ومناهج. فلابد من تأهيل المعلم باعتباره حجر الزاوية في التعليم لمساعدة الطلاب في شق طريقهم المستقل مع تدفق المعلومات عبر الوسائط المختلفة ، واستقراره في المعيشة والسكن ، والمنهج الشامل الذي يربط بين التعليم الذهني واليدوي، والمرتبط بأهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والملائم لتنوع السودان الثقافي والديني والعرقي واللغوي والجغرافي.، ويغرس في الطلاب روح البحث والتفكير الناقد ، إضافة للنشاط المدرسي المكمل للعملية التعليمية. اضافة للقيم والمثل التي يجب أن ترسخها المناهج مثل: حب الوطن، التواضع، نبذ العنصرية الأمانة والنظافة وحماية البيئة ، وحب المعرفة والتعلم باستمرار ، واحترام المرأة و الحقوق والحريات الأساسية، والتسامح واحترام والمعتقدات والرأي الآخر. الخ.
فلا ريب في أن التعليم شرط مهم لتقدم وتطور المجتمع، فقد أجمع المخططون على اختلاف ميولهم ومشاربهم السياسية والفكرية أن التعليم استثمار بشري له مردود عالى في المستقبل ، فالتعليم رغم أنه خدمة طبيعتها استهلاكية ، الا أنها إنتاجية في الوقت نفسه..
منذ اندفاع الثورة الصناعية في نهاية القرن الثامن عشر ، ازدادت أهمية التعليم العام والجامعي ، وازدادت أهمية مواكبة هذه الثورة التي اصبح فيها العلم مرتبطا بالإنتاج ، بالتالي زادت أهمية البحث العلمي وتخريج الكوادر التقنية والادارية والاقتصادية .الخ التي اصبح دورها مهما في تطوير الإنتاج والعملية الإنتاجية.
مع تطور مستوى المعيشة ازدادت أهمية رفع المستوى الثقافي والتعليمي ، وتدريجيا في القرن الثامن عشر كان هناك ضرورة في بلدان الغرب الرأسمالي لمحو الأمية وتعميم التعليم الالزامي ، ومساهمة رجال الأعمال والشركات والقطاع الخاص في التعليم بعد أن اتضحت فوائده الملموسة في تطوير الإنتاج.
الاقتصاديون الذين عالجوا أسباب التخلف في البلدان النامية، اشاروا الي من مؤشرات التخلف الأمية التي تبلغ حوالي 70% ، كما اشاروا الى النسبة الكبيرة من عدد الأطفال في سن التعليم الذين لا يجدون الفرصة في تلقى التعليم الالزامي، هذا فضلا عن عدم الاستيعاب الكامل للتلاميذ الذين بلغوا سن التعليم الالزامي.
٤
أشرنا في دراسة سابقة عن التعليم إلى ارتباط التعليم باحتياجات المجتمع منذ حضارات السودان القديمة، فنجد في تلك الحضارات أن السودانيين استطاعوا ابتكار لغة خاصة بهم ( المروية ، النوبية) استقلوا بها عن اللغة المصرية القديمة “الهيروغليفية” ، وأن المجتمعات في تلك الحضارات كانت مترابطة ومتوجهه داخليا، والتعليم مرتبط باحتياجات المجتمع ، وأن تلك المجتمعات مكتفية ذاتيا بمعنى توفر غذائها ، والتجارة مع الخارج كانت في السلع الكمالية. .
لكن بدخول الاستعمار التركي 1821 والبريطاني 1898 م ، أصبح الاقتصاد متوجها خارجيا بمعنى تلبية احتياجات الدولة المحتلة كما في فترة الاستعمار البريطاني عندما أصبح هدف التعليم تلبية احتياجات الدولة الاستعمارية في زراعة القطن وقام مشروع الجزيرة والمشاريع الأخرى للقطن والسكة الجديد والنقل النهري . الخ ، كما تم تدمير الصناعة الوطنية لإغراق البلاد بالسلع المستوردة ، وفي تخريج موظفين لتسيير جهاز الدولة ، كما ركز على التعليم النظري والأكاديمي كما أوضحنا سابقا ، وفي نهاية عهد الاستعمار البريطاني كانت نسبة التعليم الفنى 20%.
وبعد الاستقلال استمر الخلل في التعليم العام والعالي كما في : فصل التعليم الفنى عن الأكاديمي، وعدم ارتباطه باحتياجات التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية ، ولا ربط للتكنولوجيا بالبيئة ، ومناهج فقيرة تقوم على الحفظ والحشو ، ولا تساعد في روح الخلق والابتكار، والتوجه الطبقي للتعليم حتى أصبح للقادرين مع تزايد أعداد المدارس والجامعات الخاصة ، وازداد التفاوت بين الأقاليم في التعليم والقبول في الجامعات، فضلا عن تدهور نوعية التعليم نفسه نتيجة لهجرة الأكفاء من الأساتذة والمعلمين والفصل والتشريد ، والنقص في المعامل والمكتبات والكتاب المدرسي ، والتوسع في التعليم العالي على حساب الكم لا الكيف ودون توفير مقومات هذا التوسع ، اضافة لتحويل المعاهد الفنية الي جامعات ومعاهد تدريب المعلمين الي كليات تربية، وغير ذلك من التخريب الذي وصفناه سابقا.
٥
المدخل لإصلاح التعليم وتحقيق أهدافه بأن يكون التعليم ديمقراطيا من حيث الكم والكيف، وفي التخطيط وفي رسم سياساته وتنفيذها، يستوعب كل الأطفال البالغين سن التعليم والتخطيط الواعي والجاد لتحقيق هذا الهدف الذي اصبح من ضمن مواثيق حقوق الإنسان، فضلا عن تحقيق مجانية وإلزامية التعليم العام.
– لا يكفي تحقيق الزامية ومجانية التعليم العام ، بل يجب التخطيط لمحو امية جميع الأميين. فلا يمكن تحقيق تغيير اقتصادي واجتماعي في بلد تتجاوز فيه الأمية 70% من سكانه.
– ديمقراطية التعليم لا تنفصل عن الديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية ، بل هي مكملا لها.
– المناهج تكون بعيدة عن الحشو ومرتبطة بالبيئة المحلية، وتربط العملي بالنظري ، والتكنولوجيا بالبيئة المحلية، و تربط التعليم النظري بالعملي، وتغرس حب المعرفة والتواضع ، ومواصلة التعليم مدى الحياة، وتغرس روح التعاون والجماعية في العمل ، وتطوير قدرات الانسان وتفجير طاقاته الابداعية الايجابية باستمرار، وبحيث لا يكون التعليم مصدرا للخوف من المستقبل وعدم الثقة فيه ، وفتور من العمل لحد اليأس ، وبعث الثقة في النفوس والمستقبل، غرس التفكير الناقد والخلاق والمبدع ، واستخدام المنهج العلمي الذي يستخلص النتائج من الواقع لا من أفكار مسبقة ،ودراسة الواقع من أجل فهمه وتغييره.
– تصحيح تركيب التعليم العام والعالي بحيث يكون التعليم الفنى هو الغالب، وتحسين اوضاع خريجي المعاهد الفنية، باعتبار التعليم الفنى هو اساس التنمية ، كما أن الثورة العلمية التقنية الجارية اليوم تقود الي هذا الاتجاه الذي يربط النظرية بالعمل ، ودون التقليل من أهمية التحصيل النظري.
– توفير مقومات التعليم من اساتذة وإعادة تأهيلهم باستمرار لمواكبة الجديد وتحسين اوضاعهم المعيشية والالمام بأهداف المادة التي يدرسها ،وتوفيرالمكتبات والكتب ودوريات ومعامل وميادين رياضية ، ونشاط مدرسي وجامعى، وتحسين اوضاع الطلاب والطالبات في السكن والمعيشة والترحيل والخدمات الصحية ، ورفع ميزانية التعليم باعتباره استثمار عالي المردود، وتحقيق المساواة الفعلية بين الطلبة والطالبات في مختلف التخصصات، والتناسب بين المعلم وعدد الطلاب.
– السلم التعليمي لايقل عن 12 عاما للتعليم العام بحيث يمتلك الطلاب المعارف الأساسية التي تؤهلهم للحياة والتعليم العالي.
– أن تكون المدرسة أو الجامعة مركزا للاشعاع الثقافي في المجتمع.
– لغة التدريس مع أهمية اللغة العربية المشتركة بين كل السودانيين ، لكن هناك ضرورة لكفالة حق القوميات الأخرى في التعليم بلغاتها المحلية ، والاعتراف بالتنوع الثقافي الديني واللغوي والعرقي بالبلاد.
– تشجيع البحث العلمي الذي يرتبط بتراث وواقع السودان ، واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
– محو الأمية في التعليم العام وتطبيق نظام التعليم الشامل الذي يربط بين التعليم الفني والأكاديمي.
– قوانين ديمقراطية في المدارس والجامعات تتيح حرية تكوين الجمعيات والاتحادات والنشاط الابداعي ،واشراك الاساتذة والطلاب بما يدور في المؤسسات التعليمية ، وضمان استقلال الجامعات وحرية البحث العلمي.