المستقبل الحضاري في السودان «2- 3»
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
المستقبل الحضاري في السودان «2- 3»
الورقة التذكارية لمؤتمر اتحاد الكتاب السودانيين العام السادس: نسبنا الحضاري، قاعة الشارقة، معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية، جامعة الخرطوم، (24- 25 مارس 2013)، بمناسبة مرور نصف قرن على نشرها أول مرة للشاعر الكبير محمد المكي إبراهيم
تعريف بالورقة التذكارية وإضاءة على دورها في الحراك الفكري والثقافي
بقلم عبد الله الفكي البشير
عقد الستينيات في السودان: عقد المفارقات الفكرية والتناقضات السياسية والكبوات الكبرى“أضع افتراضي الخاص بأن بلادنا ستكون في المستقبل القريب وتحت ضغط مطالبها الخاصة منبعاً للفتاوي الجريئة والتخفيف عن الناس وتيسير اللقاء بالله عبر كل الدروب.
محمد المكي إبراهيم، 15 ديسمبر 1963
الأستاذة أسماء محمود محمد طه والشاعر محمد المكي إبراهيم والدكتور عبد الله الفكي البشيرحينما كتب الشاعر محمد المكي ورقته في بحر عقد الستينيات من القرن الماضي لم يتجاور عمره الأربعة والعشرين ربيعًا، وكان قد مضى على استقلال السودان سبع سنوات. كان العالم يعيش تراجع أمم وتقدم أخرى، ويشهد طيًا لثقافة استعمار الأرض والاستحواذ على خيرات الآخرين. كان عقد الستينيات عقد التحرير والثورات والخطاب القومي والعروبي والاتجاهات الزنُوجية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان كذلك هو عقد الحقوق المدنية، وإدخال مفهوم التنوع الثقافي في الدساتير والقوانين والقواميس السياسية وحقول البحث العلمي. فقد برز مفهوم التنوع (التعدد) الثقافي لأول مرة، إلى الوجود، غداة الحرب العالمية الثانية ومع إنشاء منظومة الأمم المتحدة[2]. ودخل مصطلح “التعددية “Pluralism” للتداول في حقل الدراسات الإثنية والسياسية عقب الحرب العالمية الثانية – من قبل فيرنفال J. S. Furnivall – وقد استوحى ذلك من واقع دراساته عن بلدان جنوب شرق آسيا، ولا سيما بورما وجاوا[3]. ثم بدأ الاهتمام السياسي بالإثنيات في عقد الستينيات في الولايات المتحدة الأمريكية، عقب انتصار حركة الحقوق المدنية (Civil Rights Movement) التي فجرها الأمريكيون المنحدرون من أصل إفريقي[4]. ثم تطوَّر مفهُوم التعدد الثقافي Multiculturalism ليشمل التعدد الديني وكريم المعتقدات واللغوي والعرقي، ويتضمن تعدد تعبيرات الجماعة والمجتمعات عن ثقافاتها، وأشكال انتقال هذه الثقافات، بالمضامين الحاملة لها، المستمدة من الهويات الثقافية أو المعبرة عنها[5]. ولم يكن السودان بمعزل عن انتصار حركة الحقوق المدنية، ولم يكن سؤال الهوية بمعزل عن المناخ الجديد في العالم مناخ الاهتمام السياسي بالإثنيات ومن ثم مفهوم التنوع- التعدد الثقافي.
كان مناخ عقد الستينيات وروحه في العالم، يختلف من دولة لأخرى، ففي ألمانيا كان عقدًا للندم والتكفير كما لاحظ المكي. أما إفريقيا فكانت في عقد الستينيات تعيش مرحلة رحيل المستعمر عن الأراضي، وليس العقول، فالمستعمر رحل عن الأرض بيد أنه ظل حتى اليوم مهيمنًا على العقول والقلوب[6]. شهد عقد الستينيات في إفريقيا بداية مرحلة البناء المتعثر لدولة ما بعد الاستقلال، وتبعتها ثقافة تغيير أنظمة الحكم عبر الثورات العسكرية. فحينما قامت ثورة 23 يوليو 1952م في القاهرة بقيادة اللواء محمد نجيب (1901م-1984م)، وأدت إلى خلع الملك فاروق (1920م-1965م) عن عرشه، وتحويل مصر من ملكية إلى جمهورية، لم تكن في إفريقيا سوى ثلاث دول فقط مستقلة وهي: إثيوبيا ومصر وليبيريا[7]. كانت ثورة 23 يوليو بقيادة اللواء محمد نجيب، وما لبث أن خلفه جمال عبد الناصر (1918م-1970م) في قيادة الثورة ورئاسة مصر في عام 1954م، فكان الخطاب العروبي القومي، وكان صيت عبد الناصر الزعيم العربي. ألقت ثورة 23 يوليو بظلالها وآثارها على كل إفريقيا: حركات التحرر، وتمدد ثقافة الثورات العسكرية التي غشيت الكثير من دول إفريقيا… إلخ، وكان الأثر الأكبر في السودان. كان لعقد الستينيات في السودان شأنٌ آخر. فقد شهد السودان في بحر الستينيات أعتى الأحداث والزلازل الفكرية والسياسية، وأضخم أنواع الإنتاج الفكري، فكان عقدًا للتناقضات السياسية والمفارقات الفكرية والكبوات الكبرى وبامتياز.
ففي عقد الستينيات في السودان، بدأ البث التلفزيوني من أم درمان، وزار الزعيم السوفيتي ليونيد برجنيف (1906م-1982م) السودان في نوفمبر عام 1961م[8]. وشهد عقد الستينيات طرح سؤال الهوية فشغل السوح الثقافية والفكرية. حدثني البروفيسور عبد السلام نور الدين في بحر عام 2011م، أن للشاعر محمد المكي إبراهيم مقالين في غاية الأهمية، المقال الأول عن الرق في السودان باللغة الإنجليزية وقد ألقاه كمحاضرة في دار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، في عام 1963م، أما المقال الثاني فقد قرأت وسمعت أجزاءً منه قبل ديسمبر 1963م، عن السريالية في الأدب الشعبي السُّوداني. فخبر المقالين كان عندي موضع احتفاء، فقد وضعتهما ضمن قائمة الموضوعات التي تتطلب مني التنقيب في دار الوثائق القومية بالخرطوم، وهل هناك أروع من التمحيص والتنقيب عن المعارف وشغل الكبار والأفكار في مظانها؟ إن دار الوثائق القومية تدفع بنفسها للذكر في هذا المقام، بل لابد لنا من ذكرها. فهي “ذاكرة السودان ومستودع تراثه الوثائقي”[9]، وحافظة أسراره، وهي الهادي في تشخيص عِللنا وأمراض وطننا، وتقبع في دهاليزها روشتات علاج أمراضنا، فلو أحسنا التواصل معها، قادة ومثقفين وأكاديميين وطلابًا… إلخ وعمَّقنا التعاطي مع مقتنياتها، وأكثرنا من الاستشارات لمحتوياتها، لتجذَّر النظرُ في قضايانا، ولكنا في صحة وعافية في حواراتنا وفي تشخيصنا للقضايا. فأسُّ قضايانا كما يقول البروفيسور عبد الله علي إبراهيم، هو في أزمة التشخيص. وأكثر ما يؤذي التشخيص، سذاجة النظر، وانخفاض السُّقوف المعرفية، وانقطاع القادة والساسة والمثقفين والأكاديميين والمشتغلين بالخدمة التنويرية عن الذاكرة والمستودع.
إن البحث والإنتاج بلا تعمق وتجذير للقضايا عبث وطفولة. كتب الشاعر محمد المكي إبراهيم في ورقته التذكارية، وهو يحث الناس على البحث والتنقيب، كتب قائلاً: “لأن البحث بلا مركز موجه عبث، والإنتاج دون الاستناد إلى محور هو الآخر طفولة”. تعود النواة الأولى لدار الوثائق إلى عام 1916م، حيث خصصت الإدارة البريطانية مكتبًا لجمع الأوراق المالية والقضائية ثم تطور الأمر في عام 1948م إلى تأسيس مكتب محفوظات السودان[10]. يقول الدكتور على صالح كرار، الأمين العام الأسبق للدار: “دار الوثائق… تعد من أقدم وأعرق دور الوثائق القومية بالعالمين العربي والإفريقي إذ تحتل من حيث الأقدمية المرتبة الثانية بعد دار الوثائق القومية المصرية، وتعود جذورها التأريخية إلى عام 1916م”[11]. تولى إدارة مكتب محفوظات السودان، البريطاني بيتر مالكوم هولت Peter Malcolm Holt (1918م- 2006م). لقد جاء البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم (1927م-2004م) مساعدًا لهولت ثم خلفه في مهمته بعد السودنة. لقد شهد عقد الستينيات تعديل مكتب محفوظات السودان إلى دار الوثائق المركزية، وذلك بموجب قانون دار الوثائق المركزية لسنة 1965م[12]. ثم في عام 1982م عُدلت مفردات القانون، وبموجب ذلك التعديل أضحت الدار هيئة ذات شخصية اعتبارية تُعرف بدار الوثائق القومية[13].
ارتبط سؤال الهوية في عقد الستينيات بأطروحات الغابة والصحراء والتي سرعان ما تحولت إلى تيار. لقد ولدت فكرة الغابة والصحراء في ألمانيا مع الخطوة التي غيرت حياة المكي. كتب المكي في “التاريخ الشخصي للغابة والصحراء”، قائلاً: “لقد سجلت مرارًا وتكرارًا أن تسمية (الغابة والصحراء) من ابتكار الأستاذ النور عثمان أبكر. وكنا قد أدرنا بيننا حوارًا حول تلك الشؤون، وكانت له أفكار سباقة عن التكوينات العرقية للسودان”. وعن الميلاد الحقيقي لتيار الغابة والصحراء يقول المكي: “وفى واحد من إضرابات الجامعة أقفلوها وطلبوا منا مغادرة الداخليات إلى حين إشعارٍ آخر. وكان متوقعًا ألا يستغرق ذلك طويل زمان، فدعاني محمد عبد الحي للبقاء معه في بيت جدته (لها الرحمة والغفران) بدلا من السفر إلى مدني (في حالته) والأبيض (في حالتي). تأخر فتح الجامعة أكثر من ما توقعنا، فامتدت إقامتنا عند جدته المبرورة إلى قريب من الشهر. وكان ذلك الشهر هو الميلاد الحقيقي لتيار (الغابة والصحراء)”. ففي هذا المناخ في عقد الستينيات كان كتاب المكي: الفكر السوداني: أصوله وتطوره، يتخلق. كتب المكي وهو لا يزال، بمعية محمد عبد الحي (1944م-1989م) في بيت جدته، كتب قائلاً: “وأطلعت محمدًا على بعض الفصول التي سجلتها من كتابي (الفكر السوداني: أصوله وتطوره)، وهو محاولة لاستكشاف العناصر المكونة للثقافة السودانية في بدايات تخلقها في العصر الفونجى، وإعادة ترتيب مراحل نشوء الفكر السوداني على ضوء التزامه بتلك العناصر الأصيلة”[14]. كما شهد ذلك المناخ في عقد الستينيات مجئ قصيدة محمد عبد الحي، القصيدة الباذخة في فلسفة الهوية وتجذير الوعي، والمتعمقة في البحث عن الذات لحد توهان قارئها، وهي قصيدة: “العودة إلى سنار”. يقول المكي: “وكان وبينما كنت أجاهد متنقلاً بين المادة الخام لذلك البحث وإعداد مخطوطته الأولى كان محمد ينغمسُ في إعداد واحد من أهم أعماله وأحقها بالخلود، فقد كان يكتب قصيدته الكبرى عن (العودة إلى سنار)” [15].
تحدث المكي عن موت تيار الغابة والصحراء والعوامل التي بعثته من جديد، كتب المكي قائلاً: “بعد ظهور تيار الغابة والصحراء، ثم إعلان موته بعد ذلك بسنوات، خفت صوته، وأقفلت ملفاته، وانشغل كل عنه بما شغله. ولكن حدثًا خارجيًّا قُيضَ له أن يبعث الحركة من مرقدها مرة أخرى ولأسباب لا تمت إلى الآداب والفنون بصلة وثيقة”. كان السبب كما يقول المكي: “ففي أوائل السبعينيات تبدى فشل السياسات الاقتصادية للدولة المايوية… وتزامن ذلك مع الطفرة البترولية التي أعقبت حرب أكتوبر 1973م، فانفتحت أبواب التوظيف للسودانيين في الدول البترولية الخليجية المجاورة، وسرت حمى الاغتراب في نفوس الشباب بشكل مؤثر”[16]. ويضيف المكي قائلاً: “حمل المغتربون السودانيون معهم إلى السعودية والخليج نفس الأفكار الساذجة وغير الواقعية التي يحملها السودانيون في أذهانهم عن العرب… ولكنهم فوجئوا بأن الأقاصيص التراثية لا تمثل الواقع، ولا تنتمي إليه، … ونشأ عن ذلك إحباط عميق ورغبة في التخلي عن انتماء بدا أقل كثيرًا من الصورة التي حملوها عنه… وفي تلك الظروف لم يجدوا ما يتكئون عليه سوى سودانيتهم، أي أفرو-عروبيتهم) أو بصيغة أخرى (غابو- صحراويتهم”. وعن أثر ذلك الحدث، حدث الاغتراب واكتشاف التناقضات، في تيار الغابة والصحراء، يقول المكي: “كان ذلك حقنة في الذراع لتيار الغابة والصحراء. لكنه لم يكن نجدة فنية أو أدبية لمدرسة تتخصص في الآداب والفنون، وإنما كان تأسيسًا لتيار اجتماعي أو إثنى يساعد المعنيين في تحديد هويتهم وممايزتها عن الهويات العربية الأخرى”[17]. وأضاف المكي وهو يتحدث عن السودان الجديد قائلاً: “ثم دخل الحلبة عنصر جديد هو فكر حركة التمرد الثانية التي قادها الزعيم الوطني جون قرنق دي مبيور مناديًا بالسودان الجديد الذي تتعايش فيه كل الإثنيات في مساواة وسلام. وبلغت الحركة أقصى مداها الفكري مع إعلان الجهاد عليها من قبل حكم الإنقاذ ممَّا خلق أزمة فكرية لدى أجيال من السودانيين عبرت عن نفسها بأشكال متعددة منها التعاطف ومنها الانتماء الصريح”[18]. ثم تحدث عن العودة الثانية، كتب المكي قائلاً: “ومن كل ذلك عادت الآفروعروبية إلى الظهور، وواكبها تيار إفريقانى. يمكن اعتباره صورة متطرفة تقع على يسارها، بينما تلقى التيار الواقف على يمينها ضربات قاصمة، وهو تيار العروبة الخالصة الذي يحاول بعض الكتاب المرتبكين بعثه في أكفانه المهترئة”[19].
وشهد عقد الستينات رئاسة الإمام الصادق المهدي للجبهة القومية المتحدة (1961- 1964م) خلفًا لوالده الصديق (1911-1961). كان السيد الصديق قد تقلد إمامة الأنصار إثر وفاة والده الإمام عبد الرحمن المهدي، إمام الأنصار، وراعي حزب الأمة، في مارس 1959م. ثم انتخب الإمام الصادق رئيسًا لحزب الأمة في نوفمبر 1964م، كما انتخب رئيسًا لوزراء السودان (25 يوليو 1966- مايو 1967م). كتب الصادق في عقد الستينيات بعض الكتب، منها كتابه: مسألة جنوب السودان. وشهد عقد الستينيات بداية الخلافات بين السيد محمد أحمد المحجوب (1908م- 1976م)، والإمام الصادق المهدي مما أدى إلى انقسام حزب الأمة[20]. عاد الحزب وتوحَّد وأعلن ذلك رسميَّا في أبريل 1969م، رفض محمد أحمد محجوب الأسس التي تمت عليها وحدة الحزب، وكان حينها رئيسًا للوزراء، فقدم استقالته[21]، وكان ذلك قبل شهر وبضعة أيام، من انقلاب 25 مايو 1969م. كما شهد عقد الستينيات اندماج حزب الشعب الديمقراطي برئاسة الشيخ علي عبد الرحمن الأمين (1906م-1983م) مع الحزب الوطني الاتحادي في عام 1965م، وتم تكوين الحزب الاتحادي الديمقراطي، برئاسة إسماعيل الأزهري (1900م-1969م)، وأصبح الشيخ على نائبًا للرئيس[22]. وفي عقد الستينات انتقل إلى الرفيق الأعلى السيد علي الميرغني (73/79/1880-1968م)، مرشد طائفة الختمية. وفي عقد الستينات أنجز الدكتور حسن عبد الله الترابي دراساته العُليا في جامعة السوربون بفرنسا، وعاد للسودان فأصبح في بحر الستينيات الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي.
وفي عقد الستينيات هبت ثورة أكتوبر المجيدة عام 1964م، وهي من الثورات الفريدة في التاريخ كما وصفها الأستاذ محمود محمد طه. لقد كتب الأستاذ محمود قائلاً: “إن ثورة أكتوبر ثورة فريدة في التاريخ، وهي لم تجد تقويمها الصحيح إلى الآن، لأنها لا تزال قريبة عهد، فلم تدخل التاريخ بالقدر الكافي الذي يجعل تقويمها تقويمًا علميَّا مُمكنًا.. ولقد يكفي أن يقال الآن إنها ثورة فريدة في التاريخ المعاصر تَمكَّن بها شعبٌ أعزل من إسقاط نظام عسكري استأثر بالسلطة مدى ست سنوات.. ثم كانت ثورة بيضاء، لم تُرَق فيها الدماء.. وكانت – إلى ذلك – ثورة بغير قائد، ولا مخطط، وبغير خطباء، ولا محمسين للجماهير وتم فيها إجماع الشعب السوداني، رجالاً ونساءً وأطفالاً، بشكل منقطع النظير، فلكأنَّها ثورة كل فرد، من أفراد الشعب، تهمه بصورة مباشرة، وشخصية”[23].
كما شهد عقد الستينيات قيام أول شراكة من أجل البحث عن السلام، فقد عُقد عام 1965م مؤتمر المائدة المستديرة حول جنوب السودان. والمؤتمر كما وصفه الدكتور منصور خالد “كان أول محاولة سودانية جادة للبحث عن السلام”[24]. كتب منصور في كتابه: السودان: أهوال الحرب.. وطموحات السلام، قصة بلدين، قائلاً: عُقد المؤتمر في السادس عشر والتاسع والعشرين من شهر مارس عام 1965م، برئاسة مدير جامعة الخرطوم، الدكتور النذير دفع الله (1922م-1982م)، وثمانية عشر ممثلاً عن الأحزاب السياسية الشمالية، وأربعة وعشرين من السياسيين الجنوبيين. وبحضور مراقبين من غانا وكينيا ومصر ويوغندا ونيجيريا والجزائر[25]. كما كان مؤتمر الأحزاب السودانية ولجنة الاثنى عشر عام 1968م، لقد تكونت اللجنة في حكومة الصادق المهدي الأولى بهدف تفعيل قرارات مؤتمر المائدة المستديرة[26].
وفي عقد الستينيات قام الحكم الديمقراطي، بعد ثورة أكتوبر والفترة الانتقالية، إذ امتدت فترة الحكم الديمقراطي من عام 1965م وحتى مايو 1969م، فكانت فترة للكبوات الكبرى. ففي أيام الحكم الديمقراطي وفي عام 1965م تم حل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان. تبعت مصادرة الحق الديمقراطي للحزب الشيوعي أن هاجمت بعض الجماعات دُور الحزب بالأسلحة وبأسلوب همجي أطلق عليه عبد الخالق محجوب (1927م-1971م): (عنف البادية)”[27]. استلف الدكتور حسن الجزولي وصف عنف البادية الذي أطلقه عبد الخالق في الستينيات، ووسم به كتابه الرصين، نموذج الإتقان في كتابة الكتب وصناعتها، عن عبد الخالق محجوب: عنف البادية: وقائع الأيام الأخيرة في حياة عبد الخالق محجوب[28]. وقد أشار الجزولي في كتابه لذلك. وعلى إثر حادثة حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان، شهد عقد الستينيات أقوى محاولة لبناء سلطة المثقف، كان ذلك يوم أن وُلد “المؤتمر الوطني للدفاع عن الديمقراطية”. كان تأسيس المؤتمر، على إثر كبوة حل الحزب الشيوعي السوداني فور إذاعة خبر قرار الجمعية التأسيسية (البرلمان) بحل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان، جاء نداء من اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لعقد مؤتمر بدار الاتحاد لكافة المنظمات الديمقراطية تحت شعار “الدفاع عن الديمقراطية”. استجابت التنظيمات والمنظمات، فوُلد في شهر نوفمبر 1965م “المؤتمر الوطني للدفاع عن الديمقراطية” والذي ضم (32) تنظيمًا ومنظمة[29]. لقد كانت بحق هبة قوية من أجل بناء سلطة للمُثقفين. وفي تناقض عجيب مع قرار حل الحزب الشيوعي تأتي انتخابات عام 1968م، فيفوز عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي في دائرة أم درمان جنوب برمزه (القطية) ليكون نائبًا برلمانيًا عن دائرة جغرافية، حيث الناس العاديين في الشارع، وليست دائرة من دوائر الخريجين، حيث الصفوة. وشهدت انتخابات 1968م كذلك سقوط السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة، في دائرة كوستي الجنوبية، وسقوط الشيخ حسن الترابي، الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي، في دائرة المسيد. كان العدد الكلي لأصوات دائرة المسيد رقم (67) هو: 17624 صوتاً، نال المرشح الفائز: مضوي محمد أحمد 7837 صوتًا، بينما حصل المرشح المنافس: حسن عبد الله الترابي 4489 صوتًا، أما بقية الأصوات فقد حصل عليها مرشحون آخرون. وعن دائرة كوستي الجنوبية رقم (62)، كتب أبو شوك قائلاً: فالعدد الكلي للأصوات كان: 17902 صوتًا، حصل المرشح الفائز: محمد داود الخليفة 12396 صوتًا، بينما حصل المرشح المنافس: الصادق الصديق المهدي 5188 صوتًا أما بقية الأصوات فقد حصل عليها مرشحون آخرون[30].
شهد عقد الستينيات تحوُّل “أزهر السودان” المعهد العلمي بأم درمان إلى جامعة أم درمان الإسلامية بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم 390، وأصبح د. كامل الباقر (1918م-1995م) القادم من مصلحة الشؤون الدينية مديرًا للجامعة في أغسطس 1965م[31]. وكان في سبتمبر 1963م قد انتهى انتداب الشيخ محمد المبارك عبد الله (1956م-1963م)، الذي جاء منتدبًا من الأزهر بمصر ليكون شيخًا للعلماء، وشيخًا للمعهد العلمي فظل شيخًا للعلماء وشيخًا للمعهد من العام 1956م وحتى العام 1963م[32].
وفي عقد الستينيات صدرت في الخرطوم أخطر وثيقتين لحل مشكلة الشرق الأوسط (الصراع مع إسرائيل)، وأخطر كتابين في الفكر الإسلامي. فقد نشر الأستاذ محمود محمد طه في عام 1967م كتاب: الرسالة الثانية من الإسلام[33]، وفي عام 1969م نشر كتاب: الإسلام برسالته الأولى لا يصلُح لإنسانية القرن العشرين[34]، وهو في الأصل محاضرة عامة[35]. كما نشر الأستاذ محمود محمد طه في عام 1967م كتابين، تضمَّنا أجرأ رأي لحل مشكلة الشرق الأوسط، ومن أقوى المواجهات لدعوة القومية العربية وأخطر رفض لخطاب الرئيس عبد الناصر القومي. كان الكتاب الأول بعنوان: التحدي الذي يواجه العرب[36]. والكتاب الثاني بعنوان[37]: مُشكلة الشَّرق الأوسط، تحليل سياسي، استقراء تاريخي، حل علمي[38]. طرح الأستاذ محمود محمد طه في كتابيه حلاً لمشكلة الشرق الأوسط قبل نحو نصف قرن من المبادرة السعودية، والتي وسمت بالمبادرة الشجاعة، وقد تبنتها الجامعة العربية في الدورة الرابعة عشر بيروت في مارس 2002م.
وشهد عقد الستينيات هزيمة العرب من إسرائيل، وشهد كذلك انعقاد مؤتمر القمة العربي في الخرطوم (29/8- 1/9/1967م)، الذي ضم إلى جانب رئيس الوزراء السوداني محمد أحمد المحجوب (1908م- 1976م)، كلاً من الرئيس جمال عبد الناصر والملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود (1906م- 1975م). وقد عُرف المؤتمر بمؤتمر اللاءات الثلاثة (لا صلح – لا اعتراف – لا تفاوض مع إسرائيل)[39]. وشهد عقد الستينيات أكبر نكسة فكرية ودينية في الخرطوم منذ استقلال السودان. ففي نهار يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968م، صدر الحكم الشرعي من محكمة الخرطوم العليا الشرعية، برئاسة القاضي توفيق أحمد صديق، عضو محكمة الاستئناف العليا الشرعية المنتدب للنظر والفصل في الدعوى – القضية رقم 1035/1968- المقدمة من الأمين داؤد محمد وحسين محمد زكي وهما من أساتذة المعهد العلمي بأُم درمان (أزهر السودان) الذي تحوَّل إلى جامعة أم درمان الإسلامية، ضد الأستاذ محمُود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري بطلب ردة المدعى عليه عن دين الإسلام.
وشهد كذلك عقد الستينيات حركة شعرية ونقدية ضخمة، فقد صدر ديوان: نار المجاذيب، للشاعر محمد المهدي المجذوب (1918م-1982م)[40]، وصدر ديوان، أمتي، للشاعر محمد المكي إبراهيم. وفي عقد الستينيات صدرت مجلة الخرطوم، كما عاودت مجلة الفجر الجديد الصدور، وصدرت مجلة الدراسات السودانية، ومجلة القلم، ومجلة العاصمة، ومجلة جامعة أم درمان الإسلامية. وفي عقد الستينيات صدرت مجلة بوليس السودان ثم تغير العنوان إلى الشرطة. وشهد نهاية عقد الستينيات الترتيب لإصدار مجلة الأحكام القضائية السودانية، باللغتين العربية والإنجليزية وكان ذلك في عام 1970م، وكانت قبل ذلك تصدر باللغة الإنجليزية. وفي عقد الستينيات صدرت صحيفة أخبار الأسبوع، وأخبار الناس، وآخر لحظة، والاشتراكية، لسان حال الحزب الاشتراكي الإسلامي، وصحيفة الميثاق لسان حال جبهة الميثاق الإسلامي، وصحيفة الأضواء، وأكتوبر[41]، وصحيفة Sudan Times وغيرها. وفي عقد الستينيات نشر جعفر محمد علي بخيت (1930م-1و979م) ست مقالات كانت بعنوان: “السلطة وتنازع الولاء في السودان”، في مجلة الخرطوم خلال الفترة بين ديسمبر 1968م ويونيو 1969م[42]. وشهد عقد الستينيات نشر البروفيسور مكي الطيب شبيكة (1900م- 1980م) للعديد من كتبه ومن أهمها: السودان عبر القرون، بعد أن خضع الكتاب لتعديل، وقد نشر الكتاب قبل ذلك بعنوان: السودان في قرن[43]. وفي عقد الستينيات أصبح العلامة عبد الله الطيب (1921م-2003م) عميدًا لكلية الآداب بجامعة الخرطوم، ونشر بعض أعماله. وفي نهاية عقد الستينيات نشر محمد عشري الصديق (1908م-1972م) كتابه: آراء وخواطر، وصدرت رواية: عرس الزين، للروائي العالمي الطيب صالح (1929م- 2009م)، كما أنجز البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم بعض الإنجازات العلمية منها: كتاب الفونج والأرض: وثائق تمليك، وفي نهاية عقد الستينيات فرغ البروفيسور يوسف فضل حسن من تحقيق كتاب: الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان، لمحمد بن ضيف الله (1728م-1810م)، فنشره عام 1970م. في عقد الستينات نشر كتاب: الصراع بين المهدي والعلماء، للطالب بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، عبد الله علي إبراهيم آنئذ، والبروفيسور اليوم. وشهد عقد الستينيات إنشاء نادي السينما وقيام المسرح الجامعي والذي أسس فيما بعد لقيام المسرح القومي الحديث بأم درمان، والذي قدم مسرحية كبيرة منها: المك نمر ومأساة الحلاج. وشهد عقد الستينيات قيام تجمع الكُتاب والفنانين التقدميين “أبادماك”، وكان أمينه العام هو رئيس اتحاد الكتاب السودانيين اليوم، البروفيسور عبد الله علي إبراهيم. أصدرت جماعة “أبادماك” بياناً بإدانة الحكم بردة الأستاذ محمود عن الإسلام في أول قرار لها.
وشهد عقد الستينيات الجدل بشأن مشروع الدستور الإسلامي، فقد وضع مشروع الدستور وتم تقديمه للجمعية التأسيسية التي أقرته في القراءة الأولى والثانية. يقول عبد الماجد أبو حسبو (1919م-1985م)، في مذكراته: في “(حكومة محجوب الثانية في مايو سنة 1967م)، تشكلت الحكومة برئاسة محمد أحمد المحجوب وأعطى الحزب الوطني الاتحادي أربع وزارات وحزب الشعب مثلها وكذلك حزب الأمة. كما أعطيت وزارتان للجنوبيين. وفي هذه الوزارة أصبحت وزيرًا للإعلام والشؤون الاجتماعية ووزيرًا للعدل وزعيمًا للمجلس، وكوزير للإعلام كنت الناطق الرسمي باسم الحكومة[44]. عندما وُضع مشروع الدستور الدائم وكنت وزيراً للعدل، كانت وزارة العدل بحكم وظيفتها مسئولة عن الصياغة وعن مشروعات القوانين. وقبل تقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية رأيت أن نعرض ذلك المشروع على العالم الدستوري الأستاذ العلامة السنهوري في مصر، وكونت وفدًا يمثل مختلف وجهات النظر من الأساتذة المختصين، والسياسيين والقضاة، لحمل مشروع الدستور وعرضه على العلامة الأستاذ السنهوري الذي درس المشروع وأبدى عليه ملاحظات قيِّمة. عرض الدستور على الجمعية التأسيسية لدراسته ومناقشته وإقراره وتمت بالفعل القراءة الأولى والثانية وأُجيزتا، وقبل القراءة الثالثة والأخيرة وقع انقلاب 25 مايو سنة 1969م[45].
ومع انقلاب 25 مايو عام 1969م، كانت نهاية عقد الستنينات، بداية النهاية لرجال الأعمال المحترفين، كما لاحظ البروفيسور عبد السلام نور الدين. كتب عبد السلام قائلاً: “إن نهاية عقد الستين كان بداية النهاية لرجال الأعمال المحترفين من ذوى الأخلاق والعمل الدائب الصبور كعثمان صالح وأبو العلاء وعبد المنعم وبابا كوستا …” …إلخ. ويضيف عبد السلام قائلاً: “حينما- أنشبت 25 مايو أظفارها الوحشية في عنق الرأسمالية السودانية التقليدية فخنقتها بالتأميمات والمصادرات والمطارادات الأمنية ليكون الطريق واسعًا وسالكًا للطفيليين القدامى والجدد من أرباب تراخيص التصدير والاستيراد الذين كانوا إلى عهد قريب أفندية وضباطًا في الجيش والإدارة ,,وقوادين,, بدرجة اسكيل “ب وسفن” في العلاقات العامة-البرسونيل – ليجلسوا على مقاعد التجارة الخارجية والبنوك والمؤسسة العامة للزراعة الآلية فحضنوا وفقسوا التنين –الإنقاذ-!!!”[46]. وخلص عبد السلام نور الدين في جرده وتأملاته وتحليلاته ومعالجاته لعقد الستينيات، قائلاً: “يبدو أن عقد الستين– باستثناء تلك الشهور الأربعة من 21 أكتوبر 1964م إلى 18 فبراير 1965م التي كانت امتدادًا لتلك اللحظات المترعة بالإشراق القومي في السودان الحديث (أيام حصار وسقوط الخرطوم 1885م- هبة اللواء الأبيض 1924م- نشأة مؤتمر الخرجين 1938م- الوعي الوطني ونشأة الأحزاب السودانية 1946م- الاستقلال 1956م) هو أيضاً النبع المسموم الذي تشرب به جسد التنين”[47]. وأضاف عبد السلام قائلاً: “إذا كان لابد لهذه الأساطير المنمقة التي نكسو بها كعبة ما مضى من تاريخنا أن تؤؤل لمتحف تاريخ الخيال عند السودانيين وأن ننظر بعقل شجاع إلى عقد الستين في أبعاده الوهمية والحقيقية فلابد من تخطى عملي لتلك النخبة وعقلها وأساطيرها”[48].
الشاهد يمكننا أن نخلص، ومن خلال هذا الجرد المجمل، إلى أن عقد الستينيات في السودان، هو عقد المفارقات الفكرية والتناقضات السياسية والكبوات الكبرى بامتياز. لقد تحكم عقد الستينيات وألقى بظلاله على مسار السياسي والفكري في السودان، الأمر الذي يتطلب من المشتغلين في مجال الأبحاث والدراسات السودانية، ويحتم كذلك على الأكاديميا السودانية الاهتمام بعقد الستينيات ودراسته بشكل خاص.
الهوامش[1] محمد المكي إبراهيم، “المستقبل الحضاري في السودان (4-4): الإنسان السوداني الجديد”، صحيفة الرأي العام، الخرطوم، 15/12/1963م
[2] مختار أمبو، “التنوع الثقافي والعولمة”، العولمة والهوية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، الرباط، 1997م، ص 221.
[3] عبد السلام إبراهيم بغدادي، الوحدة الوطنية ومشكلة الأقليات في إفريقيا، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993م، بيروت، ص 35.
[4] منصور خالد، جنوب السودان في المخيلة العربية: الصورة الزائفة والقمع التاريخي، دار تراث للنشر، 2000م، لندن، ص 401.
[5] عبد الله الفكي البشير، “الإخفاق في إدارة التنوع”، انفصال جنوب السودان: المخاطر والفرص، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة/ بيروت، 2012م، ص ص 65-112.
[6] أنظر: عبد الله الفكي البشير، “المعرفة الاستعماريـة وإرث السـودان السيـاسـي: قراءة في إسهامات البروفيسـور عثمان البيلي النقديـة”، ورقة قدمت في ندوة علمية لتأبين البروفيسور عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي (1930م-2011م). كانت الندوة بعنوان: جهود أ. د. عثمان البيلي العلمية وعطاءاته الإنسانية، مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، المدينة التعليمية، الدوحة، قطر (الاثنين 26 مارس 2012م)، ونشرت الورقة في العديد من المواقع على شبكة الإنترنت منها: www.hurriyatsudan.com
[7] إبراهيم مواكيبي وآخرون، ثورة يوليو وإفريقيا مع إشارة خاصة للعلاقات المصرية السودانية، (ندوة)، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، القاهرة، 2001م، ص 31.
[8] عبد الرحمن مختار، خريف الفرح: أسرار السودان 1950م-1970م، شركة مطابع السودان للعملة الموحدة، الخرطوم، 1996م، ط2، ص 23.
[9] علي صالح كرار، “الخدمة الأرشيفية بين النظام اليدوي والآلي في السودان بإشارة خاصة لدار الوثائق القومية”، (المؤتمر العام الأول) المكتبات السودانية وتحديات القرن الحادى والعشرين، قاعة الشهيد ،الخرطوم 17 – 18 أكتوبر 1998م.
[10] أحمد أبو شوك، دار الوثائق القومية السودانية: إرثٌ تليد… ومقرٌ جديد، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، 2008م، ص 155.
[11] علي صالح كرار، مرجع سابق.
[12] أحمد أبو شوك، دار الوثائق القومية السودانية: إرث تليد… ومقر جديد، مرجع سابق، ص 155.
[13] المرجع السابق، ص 156.
[14] محمد المكي إبراهيم، “التاريخ الشخصي للغابة والصحراء”، مصدر سابق.
[15] المصدر السابق.
[16] المصدر السابق.
[17] المصدر السابق.
[18] المصدر السابق.
[19] المصدر السابق.
[20] محمد أحمد المحجوب، الديمقراطية في الميزان، تأملات في السياسات العربية والإفريقية، ط3، دار جامعة الخرطوم للنشر، مطابع الأهرام، القاهرة، 1989م، ص 217-219.
[21] حزب الأمة القومي، “التاريخ: المراحل السبعة، المرحلة الثالثة، منذ ثورة أكتوبر 1964م وحتى انقلاب مايو 1969م”، من موقع حزب الأمة القومي، استرجاع (Retrieved) بتاريخ 3 مارس 2013م، الموقع على الإنترنت: http://www.umma.org
[22] محمد عمر بشير، تاريخ الحركة الوطنية في السودان (1900م-1969م)، ترجمة هنري رياض وآخرون، الدار السودانية للكتب، الخرطوم، بدون تاريخ نشر، ص240.
[23] محمود محمد طه، لا إله إلا الله، ط1، أم درمان، 1969م، ص 5-6.
[24] منصور خالد، السودان: أهوال الحرب.. وطموحات السلام، قصة بلدين، دار تراث، لندن، 2003م، ص 243
[25] المرجع السابق، ص 243
[26] منصور خالد، جنوب السودان في المخيلة العربية: الصورة الزائفة والقمع التاريخي، مرجع سابق، ص 27.
[27] محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الفارابي، بيروت، دار كوش للطباعة والنشر والتوزيع، لندن، ط1، 1999م، ص 153.
[28] حسن الجزولي، عنف البادية: وقائع الأيام الأخيرة في حياة عبد الخالق محجوب، منشورات مدارك، 2006م.
[29] محمد أبو القاسم حاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل 1956م-1996م، مج 2، دار بن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1996م، ص 318-320.
[30] للمزيد أنظر: الفاتح عبد الله عبد السلام وأحمد أبو شوك، الانتخابات البرلمانية في السودان (1953-1986) مقاربة تاريخية– تحليلية، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، 2008م.[31] المعتصم أحمد الحاج، أزهر السودان: المعهد العلمي بأم درمان تاريخه وتطوره (1912م-1965م)، ط1، مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية، جامعة أم درمان الأهلية، أم درمان، 2007م، ص 107-111.
[32] الأمين محمد المحيسي، “المعهد بين الماضي والحاضر من سنة 1912م- إلى 1957م”، مجلة معهد أم درمان، مشيخة السودان العلمية، العدد الأول، جمادي الأول 1377هـ/ ديسمبر 1957م، ص 40.
[33] محمود محمد طه، الرسالة الثانية من الإسلام، ط1، أم درمان، 1967م، ص الخاتمة؛ محمود محمد طه، نحو مشروع مستقبلي للإسلام، ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه، 1. الرسالة الثانية من الإسلام 2. رسالة الصلاة 3. تطوير شريعة الأحوال الشخصية، المركز الثقافي العربي، بيروت، ودار قرطاس، الكويت، ط1، 2002م.
[34] محمود محمد طه، الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين، أم درمان، 1969م.
[35] من بين الأماكن التي قدمت فيها المحاضرة بنفس العنوان: “الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين”، معهد شمبات الزراعي في يوم الأربعاء 20/11/1968م الساعة السادسة مساء. وردت هذه التفاصيل عن المحاضرة ضمن البيان نمرة (1) الذي أصدره الأستاذ محمود بعد أن حكمت المحكمة الشرعية العليا بردته عن الإسلام. المصدر: محمود محمد طه، بيان نمرة (1)، مهزلة القضاة الشرعيين، 19/11/1968م، دار الوثائق القومية، أحزاب 112/41، الخرطوم.
[36] محمود محمد طه، التحدي الذي يواجه العرب، ط1، أم درمان، 1967م.
[37] محمود محمد طه، مُشكلة الشَّرق الأوسط، تحليل سياسي، استقراء تاريخي، حل علمي، ط1، أم درمان، 1967م.
[38] لقد نشرت الشركة العالمية للطباعة والنشر الكتابين في كتاب واحد، وجاء العنوان وبيانات النشر على النحو التالي: محمود محمد طه، 1. التحدي الذي يواجه العرب 2. مشكلة الشرق الأوسط: تحليل سياسي، استقراء تاريخي، حل عملي، الشركة العالمية للطباعة والنشر، القاهرة، 2009م.
[39] المصدر السابق.
[40] محمد المهدي المجذوب، نار المجاذيب، وزارة الإعلام والشؤون الاجتماعية، ط1، 1969م، الخرطوم، السودان.
[41] قاسم عثمان نور، دليل الدوريات السودانية: الصحف (1903م-1998م)، المجلات (1931م-1998م)، مركز قاسم للمعلومات بالتعاون مع المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، الخرطوم، 1999م، ص 18-72.
[42] أحمد إبراهيم أبو شوك، السودان: السلطة والتراث، ط1، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، 2007م، ص ص 7-59.
[43] يوسف فضل حسن، دراسات في تاريخ السودان وأفريقيا وبلاد العرب، ج2، ط1، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم، 1989م، ص ص 95-97.
[44] عبد الماجد أبو حسبو، مذكرات عبد الماجد أبو حسبو: جانب من تاريخ الحركة الوطنية في السودان، ج 1، دار صنب للنشر والتوزيع، الخرطوم، 1987م، ص 201.
[45] المصدر السابق، ص 201، 267-268.
[46] عبد السلام نور الدين، “النبع الحالم الذي خرج منه التنين: ملاحظات على نستالجيا الأستاذ محمد محمد خير، لم هذا الحنين الجارف إلى سنوات عقد الستين من القرن الماضي في السودان؟”، من موقع سودانايل، استرجاع (Retrieved) بتاريخ 5 ديسمبر 2009م، الموقع على الإنترنت: www.sudanile.com
[47] المرجع السابق.
[48] المرجع السابق.
abdallaelbashir@gmail.com
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحزب الشیوعی السودانی الأستاذ محمود محمد طه دار الوثائق القومیة محمد المکی إبراهیم عبد الخالق محجوب البروفیسور عبد للطباعة والنشر المصدر السابق مشروع الدستور الصادق المهدی جامعة الخرطوم الشرق الأوسط جنوب السودان فی إفریقیا السودان فی عبد الناصر منصور خالد نهایة عقد حزب الأمة فی کتاب أبو شوک م درمان کان ذلک فی بحر محمد ا فی عام رئیس ا
إقرأ أيضاً:
مشكاة النور في تاريخنا الحضاري
رب ضارة نافعةكانت لغياب الحواضر العلمية، كالأزهر في القاهرة وجامع الزيتونة في تونس والقرويين في المغرب آثار وخيمة على الوعي الديني لشعوب شمال إفريقية والعالم أجمع. فما كان لأحد من الناس أن يتجرأ على ابتداع طريقة أو القول برأي أو تغيير مستقر من الفقه من دون أن يراعي هذه المراجع الكبرى خوفا على نفسه من الفضيحة في الأوساط العلمية وتحسبا منه لردات الفعل الاجتماعية. أما وقد غابت إلى حين من الدهر هذه المنارات وخلفها شتات هزيل من الكليات هنا وهناك لا تأثير له يذكر على الناس، فقد ظهرت بين الناس فقاعات متفردة بشطحات هزلية لا تراعي المدارس الفقهية ولا تغوص عميقا في باطن الشريعة الإسلامية؛ فوقعت في بلائين من شر فعالها، رفض المجتمع لها جملة وتفصيلا، واستغلال الاستبداد السياسي والاحتلال الصهيوني لها.
بين المنشأ والمآل عهد من تاريخ أمتنا المظلم تطاول عليه العمر وقد أزفت ساعة التمحيص. يتداول الصالحون في بلاد الشام مشافهة قصة غريبة ذات عبرة، كان بطلها أحد علمائها حينما كان يعمل مدرسا في دولة الإمارات العربية المتحدة إبان حكم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. كان هذا الحاكم على علاته لا يكيد للدول الإسلامية كما هو شأن بنيه اليوم، وقد حظي ذلك العالم بقرب الأمير فأدناه منه، وصارت بينهما ثقة وكلمة مسموعة، تنبه إليها عملاء الإنجليز، فاستوقفوا هذا العالم مرة في طريقه وأخبروه بأن عليه مغادرة الإمارات فورا. شكى الرجل للأمير ما تعرض له من قبل هؤلاء الغرباء، فكانت مفاجأة العالم أكبر برد الشيخ زايد، بأنه لا يستطيع حمايته من أولئك الذين هددوه! فما كان من هذا الشيخ الصالح سوى الرحيل إلى وطنه مؤثرا السلامة.
فبين كتاب الضابط الإنجليزي توماس إدوارد لورانس العرب (ت ١٩٣٥م) "أعمدة الحكمة السبعة"، وبين مقولة وزير الدفاع الأمريكي دونالد هنري رامسفيلد (ت ٢٠٢١م)، بعد احتلال العراق سنة ٢٠٠٣م، بـ"ضرورة تغيير ذهنية المسلمين"، رواية قد أشرفت على نهايتها، تستحق من الأذكياء وطلاب العلم قراءتها بعمق.
التعصب والكيد والعنف معاول هدم لمعلم حضاري يسمى الحوار بين الثقافات والأديان. كان الأنبياء أفضل فرسانه فيما سجل لنا الكتاب المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولقد استلهم منه علماء كثر منهجا لا أحسب أن أحدا من أساطين الفكر بلغ شأوه؛ فلنجعل من سير الأنبياء أسوة لنا في هذا العالم المتفجر كالبركان.للضمير الجمعي في أمتنا نداء، ومن واجبنا أن نلبي هذا النداء. نداء ينقذ الأمة من سرداب الشقاق الذي زجت فيه بغير مشورة منها، ومن دون أن تُتوخى مصلحة معتبرة لها من ذلك العبث، اللهم إلا مصلحة يتزلف بها البعض إلى الأجنبي.
لكل دينه ومذهبه، فلم الخصام؟ تعالوا نتحاور بالحكمة والعلم، في جو من المودة والرحمة، فلعل بعض ما تقولون فيه حق، ولعل بعض ما نقول فيه خير.
التعصب والكيد والعنف معاول هدم لمعلم حضاري يسمى الحوار بين الثقافات والأديان. كان الأنبياء أفضل فرسانه فيما سجل لنا الكتاب المنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولقد استلهم منه علماء كثر منهجا لا أحسب أن أحدا من أساطين الفكر بلغ شأوه؛ فلنجعل من سير الأنبياء أسوة لنا في هذا العالم المتفجر كالبركان.
الوطنية الحقة
ليست الوطنية من أحدنا بأب أو أم، أو بدولة قطرية جمهورية كانت أم إمارة ملكية، إنما الوطنية انتماء لأمة مسلمة من شرق الأرض إلى غربها، وهي أمة حية باقية وتتمدد بحول الله؛ لذلكم، فإن خلافة الله في أرضه ـ كل أرضه ـ من الواجبات التي تراخى المسلمون عن أدائها، وتلزمهم العودة الجادة إلى القيام بها، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
من سمات الدولة الحديثة تركيزها على "الوطنية" كمشتق ليس له دلالة واضحة، إذ غالبا ما يتداول في سياق الحديث عن محبة الوطن، "الوطن" بمعنى الدولة القطرية لا الدولة الأمة كما في الشريعة السمحة. أما التدقيق في مختلف الاشتقاقات فمدعاة لتحرير محل النزاع، والخلوص إثره لتشكيل مفهوم تشكيلا يضع النقاط على الحروف، بدل الجهالة المفضية للمنازعة كما يقول الفقهاء رحمهم الله.
إنه لمّا رفع غطاء الرأس عن الحضارة الإسلامية، أعنى تداعي عروة الحاكمية على مهل عبر الزمن، كشفت ثلمة عظيمة في تاريخ أمتنا لم تسد حتى وقتنا الحاضر. ولا تزال شعوب مسلمة كثيرة تعاني من تركة الاستعمار التشريعية، حين استبدل الشريعة بالقانون، فأصاب التركيبة الاجتماعية لتلك البلدان في مقتل، كابدت بمرارة سمه الذعاف حتى كادت أن تفقد في النجاة الأمل. ولبنان خير مثال على ذلك.
نقاش الساسة الغربيين فكريا إحسان ظن بهم، لا يلقون له بالا في قرارة نفوسهم؛ وتصريحات معتوهة كتلك التي صدرت من "ماكرون" عن الإسلام كانت من نفسية مريضة بتراكملات الصراع التاريخي بين حضارتين. ربما كان أردوغان في رده السياسي أقرب إلى الواقعية من نقاش فكري.
ما يقوله الغربيون وأذنابهم الطائعون من الشرقيين يوضح صورة المستقبل الذي يحدق نحوه هؤلاء ويقودون الشعوب إليه: إنها ديمقراطية على شاكلة غربية. حق له ذلك لو أنهم كانوا يفاضلون بين الاستبداد والديمقراطية أو كانوا يعيشون بين أمة لا تؤمن بالإسلام. أما والأمة مسلمة وفي ميراثها نظام شوري في عهد الدولة النبوية وإبان الخلافة الراشدة فليس لما يقوله الديمقراطيون حظ ولا نصيب؛ إن في ذلكم مأزق يطيل الطريق أمام الجموع ويحدو بالقافلة إلى شاطئ غير مأمون. الديمقراطية ليست سلعة نشتريها بل ثقافة تراكمية لها خصوصيتها الحضارية الفارقة.
ليست الوطنية من أحدنا بأب أو أم، أو بدولة قطرية جمهورية كانت أم إمارة ملكية، إنما الوطنية انتماء لأمة مسلمة من شرق الأرض إلى غربها، وهي أمة حية باقية وتتمدد بحول الله؛ لذلكم، فإن خلافة الله في أرضه ـ كل أرضه ـ من الواجبات التي تراخى المسلمون عن أدائها، وتلزمهم العودة الجادة إلى القيام بها، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.كان محمد حسين هيكل شخصية مصرية مؤثرة في الحياة السياسية والإعلامية المصرية، مثل كثيرين تأثروا بالمد اليساري في مطلع القرن العشرين، ووقفوا بسلبية من الإسلام، خاصة في قضايا السياسة والحكم. هلك الرجل منذ سنوات، وخلف وراءه تركة ثقيلة، لم تتمكن الآلة الإعلامية في مصر وخارجها من الفكاك منها، لتشابك نهجه بين الفكرة والسلطة والقوة، وأمور أخرى تورط فيها، لا تعلم تفاصيلها إلا القلة.
لقد كانت للرجل مقاربات متهافتة في علاقة الدين بالدولة، تبين بوضوح جهل الرجل بالثقافة الإسلامية وتاريخ الحكم عند المسلمين؛ فتعرض وآخرين مثله لهم منابر، لطبع على القلوب، لم يستطيعوا فك شيفرته حتى أدركهم الموت، جزاء وفاقا. تحتاج السياسة غير الشرعية في البلدان المسلمة إلى تديّن خاص يغطي علمانيتها الصريحة أو المبطنة، أي تستخدمه كورقة التوت. أما التدين البديل لعلمانيتها فقد شاعت تسميته خطأ بــ"الإسلام السياسي"، والصحيح أن يسمى "السياسة الشرعية". المشتغلون بإصلاح السياسة يؤدون واجبا كفائيا يؤجرون عليه قدر نياتهم وجهدهم، مصداقا للحديث الشريف: "أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر"، وما أكثر من لا يفقه من الدين هذا!!
يهمني تذكير من رضي من دينه أن يكون ورقة توت بين أكوام ورق في بلاط الحاكم، يستبدل هذه بتلك، ما بقي الحاكم في ملكه، وما بقيت أوراق صالحة للاستعمال من حوله ـ أن بين المؤمن بهذا والكافر به فرصة للتعلم والمراجعة، والعاقبة المترتبة من ذلك خير دليل على صحة الطريق.
لقد كان هارون الرشيد (رحمه الله) أعظم أمراء بني العباس ملكا، حكم نصف الكرة الأرضية أو يزيد، بدولة منيعة مهيبة دامت خمسة قرون. لم يمنعه انشغاله بمصالح الرعية، من أن يحج عاما ويغزو في سبيل الله عاما. ورغم ذلك كله لم يستطع الظفر بشرعية الحكم ومشروعيته كاملتين، بعدما تجاوز خلفاء بني أمية وبني العباس من قبله سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين في التداول على السلطة بـالشورى، فبقي الحكم بعد العهد الراشدي مثلوما إلى يوم الناس هذا.
روي ابن الجوزي في كتابه "صفة الصفوة (2/81) "قائلا: "قال أشعث بن شعبة المصيصي: قدم هارون الرشيد الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال وارتفعت الغبرة، وأشرفت أم ولد أمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرّقة يقال له عبد الله بن المبارك. فقالت: هذا والله الملك، لا مُلك هارون، الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان".
[email protected]