بقلم : فالح حسون الدراجي ..

عندما يتحقق منجز حكومي معين فإن الثناء يذهب إلى الحكومة ذاتها، والعكس صحيح أيضاً .. بمعنى أن وزير التربية والحكومة يتحملان وزر سرقة أسئلة الإمتحانات الوزارية – البكالوريا- ولا يتحملها مجلس النواب.. وحين يطلق القاضي سراح متهم خطير مثل نور زهير بكفالة -وطبعاً أنا لا أقصد قاضياً معيناً- فإن وزر هذا الإجراء حتى لو كان قانونياً – سيتحمله القضاء وليس الحكومة- وحين يشرّع البرلمان بالمقايضة طبعاً، قانون العفو العام ويخرج بموجبه المستحق وغير المستحق من السجون، فوزر هذا الفعل يقع على عاتق البرلمان العراقي، وليس على عاتق القضاء او الحكومة وهكذا البقية.

لقد أردت القول هنا، إن الشعب العراقي والتاريخ سيحاسبان غداً او بعد غد، أو حتى بعد عقود، كل الذين أجرموا بحق شعبنا مهما كان نوع هذه الجرائم وحسب توصيفها وثقل حجمها، وواهم من يظن أن التاريخ ينسى، فها هو يزيد بن معاوية ينال (استحقاقه) من اللعنات بسبب جريمة قتل الإمام الحسين بعد 1400 عام..! .. كما رأينا كيف انتهى الحال بنوري سعيد والوصي عبد الإله وصدام حسين وغيرهم من قبل الشعب. لذا أقول إن الحساب سيكون عسيراً حتماً، لكن كلاً على قدر مسؤوليته، وأكرر -على قدر مسؤوليته -أي كما يقول المثل الشعبي: (كل لشة تتعلگ من كراعها)..! فمثلاً جرائم الحكومة بحق الشعب يتحمل وزرها رؤساء الحكومات وأعضاؤها وليس غيرهم.. ومصائب القضاء – أيّ قضاء كان طبعاً – يتحمل مسؤوليتها القضاء نفسه، وليس غيره.. إلا مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي يتداوله البرلمان العراقي في جلساته هذه الأيام، فمسؤوليته تقع على عاتقنا جميعاً دون استثناء أو تخصيص.. فالتصويت على هذه الجريمة وتمريرها لا يتحمل وزره البرلمان العراقي فحسب، ولا الحكومة الحالية أو القضاء العراقي، أو حتى رئاسة الجمهورية فقط، إنما يتحمله البرلمان العراقي والقضاء العراقي، وجميع القوى السياسية والمرجعيات الدينية والاجتماعية والثقافية في العراق، بمعنى، سيتحمل ثقل مسؤوليته كل ملايين الشعب العراقي دون استثناء..

إن مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية المعروض في البرلمان العراقي اليوم، جريمة كبيرة ترتكب بحق العراق أناثاً وذكوراً، شيعةً وسنة وطوائف أخرى، كما لا يقتصر ضرر التعديل على أبناء هذا الجيل فقط، إنما سيلحق الأذى والضرر بعشرين جيلاً قادماً دون شك.. وباختصار شديد أقول إن هذا التعديل، سيكون وصمة عار على جبين هذا المرحلة برمتها..

وسأفترض أن أحدكم يسألني: ولماذا يصمت شعبنا الأبي على جريمة صوت عليها البرلمان العراقي بالمقايضة مقابل تمرير قانون العفو العام؟

ولماذا يصمت هذا الشعب – وهو المعني والمتضرر دون غيره من هذا التعديل- ولماذا لا يخرج إلى الشوارع ولن يعود إلى البيوت حتى يزلزل الارض تحت أقدام الذين حولوا ساحة البرلمان إلى مزاد علني مكشوف تعقد فيه الصفقات السياسية والتجارية، باتت تباع فيه وتشترى الأصوات ؟..
وللإنصاف أيضاً أقول: نعم لقد نطقت وتظاهرت جماهير بعض القوى اليسارية والمدنية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي في ساحة التحرير، وببعض ساحات الحرية في عدد من المحافظات، وكان لي شرف إلقاء بيان المثقفين المشاركين في إحدى هذه التظاهرات، ولكن يجب أن نعترف أن هذه التظاهرات ومجمل الفعاليات التي نددت بالتعديل لم تكن مؤثرة جداً، ولم تحرك شعرة في مفرق أيّ من القائمين على مقترح التعديل، فنحن نعرف أن الفعاليات والتظاهرات التي لا تزلزل الارض تحت اقدام تجار السياسة – مثل ما حدث في تظاهرات انتفاضة تشرين- لن تأتي ثمارها أبداً، وهذا ليس تقليلاً من شأن الوقفات الاحتجاجية والفعاليات المدنية العامة التي جرت، لاسيما النسائية.. لكن السؤال الأهم: أين هي الكتل البرلمانية الديمقراطية لاسيما ممثلو انتفاضة تشرين، وأين القوى الكردستانية التقدمية، وأين ممثلو القوائم السنية المدنية، أين البرلمانيات، أين التيارات (الشعبية) التي تحظى برصيد جماهيري كبير.. لماذا يصمت كل هؤلاء على جريمة تطبخ على نار هادئة أمام أعينهم.. وكيف يوافقون على إقرار وتصدير هذه الجريمة إلى الأجيال القادمة.. وكيف يؤيدون بصمتهم – ضمناً – تمرير مشاريع تجار المزادات السياسية في البرلمان وغير البرلمان ؟!

اسمحوا لي أن أقول: إننا جميعاً مسؤولون أمام أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا وحفيداتنا، وأيضاً مسؤولون أمام ضمائرنا، وأخلاقنا، وأمام التاريخ والأجيال القادمة، نعم فنحن مسؤولون جميعاً عن عار تعديل قانون الاحوال الشخصية إذا تم تمريره لاسمح الله، فهذه المرحلة برمتها ستوصم بهذا العار وليس البرلمان او الحكومة او القوى السياسية فقط..

إن قانون 188 لسنة 1959 العظيم، لم يصدره

الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم لوحده، ولم تكتبه المناضلة نزيهة الدليمي، أو تؤيده رابطة المرأة العراقية،وجماهير النساء العراقيات فحسب إنما هو قانون مرحلة مضيئة، كتبه نخبة من ابناء الشعب العراقي عبر مشاورات وحوارات طويلة تمت بين أفضل مفكري وحقوقيي ومجتهدي ومشرعي واكاديميي ونقابيي وقانونيي العراق، كما شارك في مناقشات بعضه عدد من رجال الدين المتنورين، الذين كان لهم رأي في محتواه، فأنا شخصياً سمعت من الشيخ جلال الحنفي قبل حوالي 35 عاماً بحضور الإعلامية المرموقة ابتسام عبد الله والزميلة الصحفية فردوس العبادي، يقول :(إن قانون الاحوال الشخصية قانون منصف فيه الكثير من المحطات والوقفات الإنسانية المضيئة التي نالت اعجابي وتأييدي).

انتهى كلام الشيخ الحنفي.

ولعل الغريب أن قانون الأحوال الشخصية الذي صدر قبل 65 عاماً كان أكثر تقدمية وانسانية وإنصافاً من التعديلات التي يريد (الجماعة) إجراءها اليوم.. فأي حرج تاريخي، وعيب حضاري يريد الجماعة وضعنا فيه أمام أجيالنا القادمة بعد قرون او حتى بعد عقود؟!

إن قانون الاحوال الشخصية نتاج مرحلة عراقية مضيئة، انطفأت مصابيحها اليوم للأسف، وبتنا في ظلام دامس، بحيث لم يعد الباشا نور زهير يفرق بين ورقة الدولار الخضراء وورقة اليورو الأرجوانية! ..

هي مرحلة سوداء شكلاً ومضموناً، وعارها على جبين التاريخ لن يمحى ..

ربما يلاحظ القارئ أني لم أتطرق الى الخلافات حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية، كقضايا سن الزواج للإناث وتسجيل عقد الزواج في المحاكم، والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط، وحقوق المرأة المطلقة وحضانة الأطفال وغيرها، والسبب،لأني لا أريد أن أخوض في (منجز) من (منجزات) مرحلة، أتبرأ من عارها وعيوبها وانتسابي لها !.

فالح حسون الدراجي

المصدر: شبكة انباء العراق

كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات قانون الأحوال الشخصیة قانون الاحوال الشخصیة البرلمان العراقی تعدیل قانون

إقرأ أيضاً:

نائب:تعديل قانون الأحوال الشخصية سيُقر لعدم زعل الإمام “الغائب” ولتشجيع زواج “المتعة” الزنا

آخر تحديث: 17 شتنبر 2024 - 9:51 ص بغداد/شبكة أخبار العراق- أكد النائب علاء الحيدري، امس الاثنين، أن التعديل الجديد لقانون الاحوال الشخصية هو يضمن حق المرأة والأسرة العراقية.وقال الحيدري في حديث صفي، إن “التعديل الجديد لقانون الاحوال الشخصية جاء برغبة شيعية مرجعية وهو يضمن حق الزنا” المتعة” لانه حلال وفق المذهب “.وأضاف الحيدري إن “القانون سيمرر ولا يوجد مقايضة بين قانوني “الأحوال الشخصية” و”العفو العام”. وأكد الحيدري، الإطار  يرفض زعل الإمام الغائب والتعديل سيمر حتى ولو أدى الى تقسيم المجتمع العراقي مذهبيا وتمزيق النسيج الاجتماعي ، وتصاعد الجدل في الشارع العراقي وفي أروقة البرلمان بشأن المخاوف من تمرير التعديلات على قانون الأحوال الشخصية، وسط شد وجذب يتركز على تداعياته السياسية والاجتماعية، بين التوجهات الدينية والمدنية والعرقيات المختلفة، فضلا عن أهداف الأحزاب الشيعية والسنية وحتى الكردية على حد سواء.وكان قانون الأحوال الشخصية في العراق قد أُقّر عام 1959، وهو قانون يسري على جميع العراقيين دون تمييز مذهبي حتى الآن، لكن التعديلات الجديدة تشير في إحدى فقراتها على أنه “يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم“.وينص مشروع القانون على أنه “إذا اختلف أطراف القضية الواحدة في الأسرة بشأن تحديد مصدر الأحكام الواجب تطبيقها في طلبهم، فيعتمد الرأي الشرعي فيها”، كما يلزم التعديل الجديد “المجلس العلمي في ديوان الوقف الشيعي والمجلس العلمي والإفتائي في ديوان الوقف السني بالتنسيق مع مجلس الدولة بوضع مدونة الأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية وتقديمها إلى مجلس النواب للموافقة عليها خلال 6 أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون“.ويشمل التعديل كذلك تصديق محكمة الأحوال الشخصية على عقود الزواج “التي يبرمها الأفراد البالغون من المسلمين على يد من لديه تخويل شرعي أو قانوني من القضاء أو من ديواني الوقفين الشيعي والسني بإبرام عقود الزواج، بعد التأكد من توافر أركان العقد وشروطه وانتفاء الموانع في الزوجين”.

مقالات مشابهة

  • بعد مشادات.. البرلمان العراقي يصوت على تعديل قانون مؤسسة الشهداء
  • علاوي يُحذر من تداعيات التصويت على تعديل قانون الأحوال الشخصية
  • نائب:تعديل قانون الأحوال الشخصية سيُقر لعدم زعل الإمام “الغائب” ولتشجيع زواج “المتعة” الزنا
  • نائب يحدد موعد تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية داخل البرلمان
  • نائب يحدد موعد تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية داخل البرلمان- عاجل
  • البرلمان العراقي يُنهي تقرير ومناقشة تعديل قانون الأحوال الشخصية
  • حزب بارزاني يرفض تعديل قانون الأحوال الشخصية
  • تعديل قانون الأحوال الشخصية: خطوة نحو الحرية الدينية أم خطرًا على الوحدة الوطنية؟
  • اتحاد علماء الدين الإسلامي في الإقليم يرفض تعديل قانون الأحوال الشخصية
  • علماء الدين في كوردستان: تمرير تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي له نتائج سيئة للعراق