تعديل قانون الأحوال الشخصية.. وصمة عار في جبين المرحلة برمّتها
تاريخ النشر: 11th, September 2024 GMT
بقلم : فالح حسون الدراجي ..
عندما يتحقق منجز حكومي معين فإن الثناء يذهب إلى الحكومة ذاتها، والعكس صحيح أيضاً .. بمعنى أن وزير التربية والحكومة يتحملان وزر سرقة أسئلة الإمتحانات الوزارية – البكالوريا- ولا يتحملها مجلس النواب.. وحين يطلق القاضي سراح متهم خطير مثل نور زهير بكفالة -وطبعاً أنا لا أقصد قاضياً معيناً- فإن وزر هذا الإجراء حتى لو كان قانونياً – سيتحمله القضاء وليس الحكومة- وحين يشرّع البرلمان بالمقايضة طبعاً، قانون العفو العام ويخرج بموجبه المستحق وغير المستحق من السجون، فوزر هذا الفعل يقع على عاتق البرلمان العراقي، وليس على عاتق القضاء او الحكومة وهكذا البقية.
إن مقترح تعديل قانون الاحوال الشخصية المعروض في البرلمان العراقي اليوم، جريمة كبيرة ترتكب بحق العراق أناثاً وذكوراً، شيعةً وسنة وطوائف أخرى، كما لا يقتصر ضرر التعديل على أبناء هذا الجيل فقط، إنما سيلحق الأذى والضرر بعشرين جيلاً قادماً دون شك.. وباختصار شديد أقول إن هذا التعديل، سيكون وصمة عار على جبين هذا المرحلة برمتها..
وسأفترض أن أحدكم يسألني: ولماذا يصمت شعبنا الأبي على جريمة صوت عليها البرلمان العراقي بالمقايضة مقابل تمرير قانون العفو العام؟
ولماذا يصمت هذا الشعب – وهو المعني والمتضرر دون غيره من هذا التعديل- ولماذا لا يخرج إلى الشوارع ولن يعود إلى البيوت حتى يزلزل الارض تحت أقدام الذين حولوا ساحة البرلمان إلى مزاد علني مكشوف تعقد فيه الصفقات السياسية والتجارية، باتت تباع فيه وتشترى الأصوات ؟..
وللإنصاف أيضاً أقول: نعم لقد نطقت وتظاهرت جماهير بعض القوى اليسارية والمدنية بقيادة الحزب الشيوعي العراقي في ساحة التحرير، وببعض ساحات الحرية في عدد من المحافظات، وكان لي شرف إلقاء بيان المثقفين المشاركين في إحدى هذه التظاهرات، ولكن يجب أن نعترف أن هذه التظاهرات ومجمل الفعاليات التي نددت بالتعديل لم تكن مؤثرة جداً، ولم تحرك شعرة في مفرق أيّ من القائمين على مقترح التعديل، فنحن نعرف أن الفعاليات والتظاهرات التي لا تزلزل الارض تحت اقدام تجار السياسة – مثل ما حدث في تظاهرات انتفاضة تشرين- لن تأتي ثمارها أبداً، وهذا ليس تقليلاً من شأن الوقفات الاحتجاجية والفعاليات المدنية العامة التي جرت، لاسيما النسائية.. لكن السؤال الأهم: أين هي الكتل البرلمانية الديمقراطية لاسيما ممثلو انتفاضة تشرين، وأين القوى الكردستانية التقدمية، وأين ممثلو القوائم السنية المدنية، أين البرلمانيات، أين التيارات (الشعبية) التي تحظى برصيد جماهيري كبير.. لماذا يصمت كل هؤلاء على جريمة تطبخ على نار هادئة أمام أعينهم.. وكيف يوافقون على إقرار وتصدير هذه الجريمة إلى الأجيال القادمة.. وكيف يؤيدون بصمتهم – ضمناً – تمرير مشاريع تجار المزادات السياسية في البرلمان وغير البرلمان ؟!
اسمحوا لي أن أقول: إننا جميعاً مسؤولون أمام أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا وحفيداتنا، وأيضاً مسؤولون أمام ضمائرنا، وأخلاقنا، وأمام التاريخ والأجيال القادمة، نعم فنحن مسؤولون جميعاً عن عار تعديل قانون الاحوال الشخصية إذا تم تمريره لاسمح الله، فهذه المرحلة برمتها ستوصم بهذا العار وليس البرلمان او الحكومة او القوى السياسية فقط..
إن قانون 188 لسنة 1959 العظيم، لم يصدره
الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم لوحده، ولم تكتبه المناضلة نزيهة الدليمي، أو تؤيده رابطة المرأة العراقية،وجماهير النساء العراقيات فحسب إنما هو قانون مرحلة مضيئة، كتبه نخبة من ابناء الشعب العراقي عبر مشاورات وحوارات طويلة تمت بين أفضل مفكري وحقوقيي ومجتهدي ومشرعي واكاديميي ونقابيي وقانونيي العراق، كما شارك في مناقشات بعضه عدد من رجال الدين المتنورين، الذين كان لهم رأي في محتواه، فأنا شخصياً سمعت من الشيخ جلال الحنفي قبل حوالي 35 عاماً بحضور الإعلامية المرموقة ابتسام عبد الله والزميلة الصحفية فردوس العبادي، يقول :(إن قانون الاحوال الشخصية قانون منصف فيه الكثير من المحطات والوقفات الإنسانية المضيئة التي نالت اعجابي وتأييدي).
انتهى كلام الشيخ الحنفي.
ولعل الغريب أن قانون الأحوال الشخصية الذي صدر قبل 65 عاماً كان أكثر تقدمية وانسانية وإنصافاً من التعديلات التي يريد (الجماعة) إجراءها اليوم.. فأي حرج تاريخي، وعيب حضاري يريد الجماعة وضعنا فيه أمام أجيالنا القادمة بعد قرون او حتى بعد عقود؟!
إن قانون الاحوال الشخصية نتاج مرحلة عراقية مضيئة، انطفأت مصابيحها اليوم للأسف، وبتنا في ظلام دامس، بحيث لم يعد الباشا نور زهير يفرق بين ورقة الدولار الخضراء وورقة اليورو الأرجوانية! ..
هي مرحلة سوداء شكلاً ومضموناً، وعارها على جبين التاريخ لن يمحى ..
ربما يلاحظ القارئ أني لم أتطرق الى الخلافات حول تعديلات قانون الأحوال الشخصية، كقضايا سن الزواج للإناث وتسجيل عقد الزواج في المحاكم، والمرجعية القانونية والشرعية للزواج المختلط، وحقوق المرأة المطلقة وحضانة الأطفال وغيرها، والسبب،لأني لا أريد أن أخوض في (منجز) من (منجزات) مرحلة، أتبرأ من عارها وعيوبها وانتسابي لها !.
فالح حسون الدراجيالمصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات قانون الأحوال الشخصیة قانون الاحوال الشخصیة البرلمان العراقی تعدیل قانون
إقرأ أيضاً: