حركة سياسية عسكرية، تأسست عام 1983 وتعتبر نفسها حركة "تحرر وطني"، واتخذت من القتال وسيلة للتعبير عن مطالبها. تبنت رؤية "تأسيس سودان ديمقراطي علماني"، مع التركيز على المساواة والعدالة لجميع السودانيين.

خاضت صراعات مع الحكومات المتعاقبة في السودان ووقّعت عددا من الاتفاقيات معها أدت لتولي قياداتها مناصب رفيعة في الدولة، قبل أن ينفصل جنوب السودان ويصبح دولة.

بعد انفصال جنوب السودان في 2011 أصبحت الحركة الحزب الرئيس والحاكم في البلاد، وشهدت انشقاقات داخلية وصراعات بين قادتها.

النشأة والتأسيس

مع بدايات الحرب الأهلية السودانية عام 1955 ظهرت بجنوب السودان حركة مسلحة تسمى "أنيانيا"، وهي عبارة في إحدى اللغات المحلية تعني "سُمّ الثعبان".

قاد هذه الحركة اللواء أميليو تافانق، الذي تمت تنحيته لاحقا، وتولى جوزيف لاغو رئاسة الحركة وواصل التمرد ضد الجيش السوداني، الذي كان يقوده جعفر نميري.

وبحلول عام 1971 خاضت الحركة وجناحها السياسي محادثات مع الحكومة السودانية حول الحكم الذاتي لإقليم جنوب السودان وإنهاء الأعمال العدائية.

وتوجت هذه المحادثات بتوقيع اتفاق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يوم 27 فبراير/شباط 1972 أنهى صراعا دام 17 عاما.

عقب اتفاق أديس أبابا تم استيعاب أفراد حركة أنيانيا في الجيش السوداني، غير أنه حدثت انتفاضات متفرقة تدعو لتمرد عسكري في جنوب السودان ضد حكومة نميري، وتهدد باللجوء إلى خيار الصراع المسلح طويل الأمد.

وكان أبرز تلك الانتفاضات تمرد حامية أكوبو العسكرية عام 1975، والتي انتقد قادتها ما سموه "مناورات نميري ومحاولاته إلغاء اتفاقية أديس أبابا"، فاتحد بعض قادة الحامية وشكّلوا حركة جديدة سموها "أنيانيا 2" في منطقة أعالي النيل.

ولاحقا في عام 1982 تشكلت حركة مسلحة أخرى بالاسم نفسه في منطقة بحر الغزال، وتزامنا مع ذلك نظم عدد من القيادات السياسية الجنوبية والطلاب حركات وأنشطة سرية لتعبئة الجماهير في الجنوب ضد إلغاء اتفاقية أديس أبابا.

في مايو/أيار 1983 رفضت كتيبة من الجنوبيين بقيادة الرائد كاربينو كوانين بول التوجه نحو الشمال، فتم تكليف العقيد جون قرنق إخماد هذا التمرد، وبدلا من ذلك اختار قرنق الانحياز للمتمردين في الحرب الأهلية السودانية الثانية.

وأسس قرنق وكاربينو وآخرون الحركة الشعبية لتحرير السودان وجناحها العسكري الجيش الشعبي لتحرير السودان في 31 يوليو/تموز 1983.

وعبرت الحركة -التي أعلنت نفسها حركة "تحرر وطني"- عن سخطها من نظام نميري وعزمها على "معالجة مظالمه بقوة السلاح".

الفكر والأيديولوجيا

تبنت الحركة رؤية "تأسيس سودان موحد ديمقراطي وعلماني"، بينما كانت ترى مجموعة أخرى منها خيار انفصال جنوب السودان عن السودان أمرا ضروريا.

وطالبت الحركة بـ"تحقيق الحرية والمساواة والعدالة لجميع السودانيين"، وعبّرت عن "رفضها لنظام الحكم الاستبدادي القائم على تهميش المجموعات الإثنية".

كما دعت إلى "تحرير السودان بأكمله"، إذ رأت أن تعريف المشكلة على أنها "المشكلة الجنوبية" هو في حد ذاته تهميش للجنوبيين، وأن المشكلة هي مشكلة السودان كاملا.

الأعلام جون قرنق

ولد جون قرنق يوم 23 يونيو/حزيران 1945 في بلدة بور بجنوب السودان، وانضم عام 1971 إلى حركة "أنيانيا" التي أسسها جوزيف لاغو.

وبعد توقيع اتفاقية أديس أبابا مع الحركة، انضم قرنق إلى الجيش السوداني برتبة نقيب، وتمت ترقيته لاحقا في عام 1981 إلى رتبة عقيد.

في مايو/أيار 1983 تم تكليف قرنق بإخماد تمرد عسكري في جنوب السودان، لكنه انضم إلى المتمردين وأسس معهم الحركة الشعبية لتحرير السودان.

دخلت الحركة في مفاوضات مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير، اذ أدى اتفاق السلام الشامل في عام 2003 لتولي قرنق منصب نائب الرئيس ورئيس حكومة جنوب السودان.

توفي جون قرنق في 30 يوليو /تموز 2005 إثر تحطم طائرته المروحية خلال عودته من أوغندا.

سلفاكير ميارديت (وسط) تولى رئاسة دولة جنوب السودان بعد انفصالها عام 2011 (وكالة الأناضول) سلفاكير ميارديت

ولد سلفاكير ميارديت عام 1951 في ولاية بحر الغزال بجنوب السودان. بدأ حياته العسكرية جنديا في الجيش السوداني قبل أن يلتحق بقوات قرنق، وفي عام 1986 أصبح نائبا لقائد الأركان ومكلفا بالعمليات في الجيش الشعبي لتحرير السودان.

بعد توقيع اتفاق مشاكوس وعودة الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الخرطوم، تقلد سلفاكير في يوليو/تموز 2005 منصب نائب رئيس حكومة جنوب السودان في إطار المرحلة الانتقالية، وبعد رحيل قرنق حل مكانه وأدى اليمين نائبا لرئيس السودان في 11 أغسطس/آب 2005.

تولى سلفاكير رئاسة دولة جنوب السودان التي أعلن عنها بعد استفتاء تقرير المصير في 9 يناير/كانون الثاني 2011.

رياك مشار تولى منصب نائب رئيس جنوب السودان (رويترز) رياك مشار

ولد رياك مشار تيني عام 1953 في مدينة لير بجنوب السودان، وبدأ مسيرته السياسية بانضمامه عام 1984 إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، بعدما اندلعت الموجة الثانية من الصراع المسلح بين الحركة والحكومة السودانية.

عقب انفصال جنوب السودان عن شماله أصبح مشار نائبا لرئيس الدولة الوليدة، ثم أقيل في عام 2013 بتهمة "تدبير انقلاب"، وأدى ذلك إلى اندلاع قتال بينهما ثم تحول لصراع بين قبيلتيهما الدينكا والنوير.

وبمقتضى اتفاق السلام المبرم بينهما خلال عام 2015 عاد مشار إلى جوبا في أبريل/نيسان 2016 وتسلم منصب نائب الرئيس حتى يوليو/تموز 2016 حينما عين تعبان دينق خلفا له.

عبد العزيز الحلو (وسط) مع عبد الفتاح البرهان (يسار) وسفاكير ميارديت في مارس/آذار 2021 (رويترز) عبد العزيز الحلو

ولد عبد العزيز آدم الحلو بقرية "الفيض أم عبد الله" بجبال النوبة، وتلقى تعليمه الأولي بمدرسة (دلامي) والمتوسطة بمدرسة الدلنج المتوسطة، ثم الثانوية بمدرسة كادقلي الثانوية وأكمل دراسته الجامعية بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم.

خلال دراسته الجامعية التقى "يوسف كوه المكي"، الذي ينتمي للمنطقة ذاتها، وأسسا معا رابطة طلاب جنوب كردفان بجامعة الخرطوم، وبعد تخرُّجهما نشطا في تعبئة شباب وخريجي جبال النوبة حول قضايا الإقليم.

وأسفرت تلك الجهود عن تكوين تنظيم "الكمولو"، وساعد الحلو رفيقه يوسف كوه على تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان بجبال النوبة.

عقب انفصال جنوب السودان قاد الحلو الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال وتبنت نهجا يهدف إلى "تأسيس سودان جديد ديمقراطي علماني لامركزي يُديره مدنيون".

مالك عقار أثناء حفل توقيع اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020 (رويترز) مالك عقار

ولد مالك عقار في عام 1956 بمدينة باو بولاية النيل الأزرق، ودرس المرحلة الابتدائية بمدينة الكرمك، والمرحلة الوسطى بمدينة الروصيرص، ثم انتقل إلى العاصمة لدراسة المرحلة الثانوية بمدرسة الخرطوم القديمة الثانوية. أكمل تعليمه الجامعي بإحدى الجامعات الأوغندية.

انضم للحركة الشعبية لتحرير السودان عام 1985 وتولى رئاسة قطاعها العسكري على الحدود السودانية الإثيوبية جنوب النيل الأزرق، قبل أن يتولى مسؤولية إقليم النيل الأزرق.

عين وزيرا للصناعة عام 2005 ثم حاكما لإقليم النيل الأزرق بعد فوزه بالانتخابات المحلية، لكنه عاد للقتال ضد الجيش السوداني، وعقب انفصال جنوب السودان عين عقار نائبا لرئيس الحركة قطاع الشمال، التي يقودها عبد العزيز الحلو.

بعد إطاحة الثورة الشعبية بالبشير عام 2019، شارك عقار في المفاوضات مع المجلس العسكري الانتقالي، ووقّع اتفاق جوبا للسلام في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وعيّن عضوا بمجلس السيادة قبل أن يتم تعيينه نائبا لرئيسه عقب اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان 2023.

ياسر عرمان انشق عن الحركة الشعبية بقطاع النيل الأزرق (الجزيرة) ياسر عرمان

ولد ياسر سعيد عرمان في 5 أكتوبر/تشرين الأول 1961 بقرية سعيد بولاية الجزيرة وسط السودان، ودرس بجامعة القاهرة -فرع الخرطوم- وتخرج من كلية الحقوق عام 1986.

خلال فترة الجامعة انضم عرمان للحزب الشيوعي السوداني قبل أن يتركه لينضم للحركة الشعبية لتحرير السودان أواخر عام 1986 في دولة إريتريا، ثم أصبح ناطقا رسميا باسم الحركة ونائبا للأمين العام لشؤون قطاع الشمال ثم أمينا عاما للحركة في القطاع.

ساهم في صياغة وتوقيع اتفاقية السلام الشامل التي أنهت الحرب بين شمال السودان وجنوبه عام 2005، والتي حملته لرئاسة كتلة الحركة في البرلمان.

انشق عن الحركة بقطاع النيل الأزرق بقيادة مالك عقار في أغسطس/آب 2022 وأسس الحركة الشعبية لتحرير السودان-التيار الثوري الديمقراطي.

أبرز المحطات

منذ عام 1985 تطورت الحركة الشعبية لتحرير السودان وامتدت عملياتها العسكرية بمناطق جنوب السودان المختلفة وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور.

وعقب انعقاد المؤتمر العام للحركة في شقدوم عام 1994، أوصى المؤتمرون بوضع دستور للحركة والجيش الشعبي، أُصدر لاحقا عام 1998 مقسما ما سمتها الحركة "المناطق المحررة" إلى 5 جبهات هي أعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية وجبال النوبة والنيل الأزرق.

وقّعت الحركة الشعبية لتحرير السودان وحكومة البشير اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير/كانون الثاني 2005، ومنح إقليم جنوب السودان حكما ذاتيا، كما منحت وضعيات خاصة لإقليمي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومنطقة أبيي، واقتضت الاتفاقية تحويل الحركة من تنظيم سياسي عسكري إلى تنظيم سياسي، وتمت بموجبها تعديلات داخلية بالحركة.

في 15 فبراير/شباط 2011 قرر المكتب السياسي للحركة فك الارتباط السياسي والعسكري بين الحركة في الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو والحركة في الجنوب بقيادة باقان أموم أوكيج.

وفي 9 يوليو/تموز 2011 أُعلن رسميا انفصال جنوب السودان بعد استفتاء شعبي، وأصبحت الحركة الشعبية لتحرير السودان هي الحزب الحاكم للدولة الجديدة.

تولى سلفاكير منصب نائب رئيس الحركة ورئيس جنوب السودان، بينما قاد الحركة نائبه رياك مشار قبل أن يندلع بينهما خلاف حاد أدى لاندلاع اشتباكات مسلحة بين تياريهما خلّف مئات القتلى حتى عام 2015 حين وقعت اتفاقية بين سلفاكير ومشار بأديس أبابا، غير أنها لم تنجح وتواصلت الاشتباكات.

شهدت الحركة انقسامات في جنوب السودان وشماله، ففي الجنوب انشقت إلى جناحين، أحدهما يتزعمه سلفاكير، أما الفصيل المعارض من الحركة فيتزعمه رياك مشار.

في عام 2017 انقسمت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بعد إقالة مالك عقار وياسر عرمان ومنعهما من دخول "المناطق المحررة" بجبال النوبة، وتم تعيين عبد العزيز الحلو رئيسا للحركة بجبال النوبة وكردفان بينما ترأس الجناح الآخر مالك عقار بمنطقة النيل الأزرق.

وفي 17 أغسطس/آب 2022 انقسمت الحركة التي يقودها عقار إلى جناحين أحدهما يتزعمه عقار، الذي اختير آنذاك عضوا في مجلس السيادة الانتقالي والثانية بقيادة نائبه ياسر عرمان القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير.

وظلت الخلافات في جنوب السودان معلقة، وخاصة الملف المرتبط بالترتيبات الأمنية التي تقضي بدمج مقاتلي الحركة الشعبية-جناح مشار في الجيش الحكومي وإعادة انتشاره في مناطق سيطرة المعارضة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الحرکة الشعبیة لتحریر السودان انفصال جنوب السودان عبد العزیز الحلو فی جنوب السودان الجیش السودانی بجنوب السودان الجیش الشعبی النیل الأزرق یولیو تموز السودان فی أدیس أبابا یاسر عرمان الحرکة فی مالک عقار منصب نائب فی الجیش جون قرنق قبل أن فی عام

إقرأ أيضاً:

صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان

لم تنتهِ الحرب التي مهّدت لولادة دولة جنوب السودان عام 2011 إلا ونشبت حرب أخرى بين رفقاء السلاح عام 2013، أي بعد عامين من الاستقلال، انتهت باتفاق سلام هش عام 2018 لم يكن كافياً لوقف دوامات العنف المتكررة التي كان آخرها ما حدث نهاية فبراير/شباط الماضي.

فقد اندلعت أعمال عنف في منطقة أعالي النيل في مدينة ناصر، بين "الجيش الأبيض" الموالي لـرياك مشار نائب الرئيس، وبين "الجيش الشعبي" الموالي للرئيس سلفاكير ميارديت.

وفي هذا التقرير نستعرض السياقات، وأبرز مسببات التوتر والعوامل المؤثرة ودور الجوار والمؤسسات الإقليمية المعنية بالأزمة.

سلفاكير رئيس جنوب السودان (يمين) ونائبه مشار (أسوشيتد برس) حرب أهلية واتفاقات سلام هشة

اندلعت الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 2013، نتيجة خلافات سياسية تفاقمت على خلفيات عرقية بين سلفاكير ومشار، بعد أن اتهم الرئيس نائبه بمحاولة انقلاب ضده.

ويمثل سلفاكير عرقية الدينكا، بينما ينتمي مشار إلى عرقية النوير، وهما أكبر مجموعتين عرقيتين في البلاد.

وقد استمر الصراع لمدة عامين حتى تم توقيع اتفاق سلام عام 2015، لكنه سرعان ما انهار العام التالي، ثم تدخلت وساطات عديدة ليتم التوصل إلى اتفاق سلام جديد عام 2018 نجح في تهدئة الأوضاع نسبياً.

إعلان

وعام 2020، تم تشكيل حكومة وحدة وطنية جمعت بين قيادتي سلفاكير ومشار، حيث احتفظ كل منهما بمنصبه. ومع ذلك، ظل غياب الثقة بين الطرفين يشكل عائقاً أمام تنفيذ بنود الاتفاقية، كما أن غياب آليات فعالة لضمان التزام الطرفين جعل العديد من بنود الاتفاق حبراً على ورق، مما ساهم في استمرار حالة الهشاشة السياسية والأمنية في البلاد.

وبعد توتر آخر عام 2022، توسط السودان وتم الاتفاق على تمديد الاتفاقية لمدة عامين إضافيين من أجل استكمال تنفيذ بنودها بالذات تلك التي تتعلق بدمج المجموعات العسكرية تحت إمرة قيادة واحدة، على أن يتقاسم الطرفان المناصب القيادية بنسبة 60% لجبهة سلفاكير وما نسبته 40% لجبهة مشار.

اشتباكات الناصر وعودة العنف

نهاية فبراير/شباط الماضي، اندلعت اشتباكات عنيفة في ولايتي غرب الاستوائية وأعالي النيل -خاصة مدينة ناصر- بين الجيش الرسمي المعروف باسم "قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان" وبين الجيش الأبيض، وهي عبارة عن مجموعات مسلحة تنتمي لعرقية النوير التي يتزعمها مشار، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والمدافع مما أدى إلى سقوط عدد كبير الضحايا كما نزح الآلاف جراء المواجهات.

وكانت نتيجة المواجهات بين الطرفين في 4 مارس/آذار الجاري استيلاء الجيش الأبيض الموالي لمشار على القاعدة العسكرية في الناصر، وتتميز المنطقة بوقوعها في موقع إستراتيجي قريبا من حدود الدولة.

وما زاد الأمر حدة أن الجيش الأبيض أسقط طائرة تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول إجلاء عدد من المسؤولين العسكريين من قاعدة الناصر أيام 5 و6 و7 من مارس/آذار الجاري أثناء الاشتباكات، مما أسفر عن مقتل 27 شخصا من بينهم عسكري كبير وهو اللواء ماجور داك وهو من قادة الدينكا.

رد الرئيس سلفاكير حملة اعتقالات

في 5 مارس/آذار الجاري، شنت الاستخبارات العسكرية لحكومة سلفاكير حملة اعتقالات واسعة استهدفت قادة بارزين في الحركة الشعبية بقيادة مشار، وكان من بين المعتقلين رئيس هيئة الأركان بالجيش الشعبي غابرييل دوب لام، إلى جانب وزير النفط وبناء السلام، كما طالت الاعتقالات عائلات المعتقلين وحراسهم الشخصيين. ولم تصدر أي تصريحات رسمية توضح أسباب هذه الخطوة.

إعلان محاصرة منزل نائب الرئيس

بالتوازي مع حملة الاعتقالات، عمدت القوات الأمنية إلى محاصرة منزل نائب الريس بالعاصمة جوبا، دون تقديم أي تفسيرات من قبل الأجهزة المختصة، كما تفيد بعض التقارير بأنه قيد الإقامة الجبرية إلى حين هدوء الأحوال.

إقالات وزراء

بعد أيام من اشتباكات الناصر، أقال الرئيس عددا من الوزراء، وعلى رأسهم وزير العدل والشؤون الدستورية روبن مادول أرول، ووزيرة التعليم العام والعالي أدوت دينق أكويل، ووزير التجارة والصناعة جوزيف موم ماجاك، ولم يذكر أي أسباب للإقالات في المرسوم، علماً بأن التعيينات والإقالات تخضع لاتفاقية السلام لعام 2018 ويقتضي الأمر التشاور مع الشركاء.

وبحسب مراقبين للأوضاع هناك، فإن عامل الثقة يلعب دورا كبيرا في حالة الاضطرابات المتكررة التي تشهدها الدولة الوليدة، فقد كانت الإقالات سببا في تفجير الحرب الأهلية الأولى عام 2013.

وفي عامي 2015 و2016، أُجريت عدة إقالات داخل صفوف القيادات العسكرية العليا، تبعتها موجة أخرى من الإقالات الفترة بين 2016 و2018، بعد تجدد القتال في جوبا. ومنذ ذلك الحين، لم يمر عام إلا وشهد عددا من الإقالات مما يضعف الالتزام بالاتفاقية التي لم تجد طريقها للتنفيذ.

أسباب التوترات الأخيرة

على الرغم من أن الأوضاع في جنوب السودان تتوافر على أسباب كثيرة لتندلع الاشتباكات أو تتجدد التوترات بين طرفي الصراع فيه، فإن جملة من العوامل تقف خلف الموجة الأخيرة:

الخلاف على استبدال الجنود:

ذكرت مصادر محلية لصيقة بأطراف الصراع أن أحد أبرز الأسباب وراء اندلاع الاشتباكات في "الناصر" كان بسبب الخلاف على استبدال الجنود الذين ظلوا في الخدمة فترة طويلة في قوات الدفاع الشعبي بمنطقة ناصر لأكثر من 10 سنوات، وهو ما قاومه الجيش الأبيض ورفض نشر قوات جديدة، على اعتبار أن المجوعة المراد نشرها غير مرتبطة بجيش الجنوب الموحد.

هجمات الجيش:

يتهم مشار الجيش التابع للرئيس بشن هجمات على قواته في مقاطعة أولانق في 25 فبراير/شباط الماضي، وهجومين آخرين في منطقتين أخريين غرب الدولة.

إعلان تأجيل الانتخابات:

أعلنت حكومة جنوب السودان تأجيل الانتخابات العامة إلى عام 2026، وكان من المقرر أن تجرى في ديسمبر/كانون الأول 2024، وبررت ذلك بحاجتها إلى مزيد من الوقت لاستكمال التعداد السكاني وصياغة دستور دائم وتسجيل الأحزاب السياسية، قبل الدخول في أي إجراءات.

وقال وزير شؤون مجلس الوزراء إن هذا التمديد جاء بناء على توصيات من المؤسسات الانتخابية وقطاع الأمن، وهو ما ينظر إليه من الطرف الآخر باعتباره قرارا لم يتم التشاور فيه مع الشركاء، وبالتالي لا يوافق عليه.

الأزمة الاقتصادية:

تواجه جنوب السودان أزمة اقتصادية حادة أدت إلى عجز الحكومة عن دفع رواتب العاملين لعام كامل، ويعود هذا التدهور المالي بشكل رئيسي إلى فقدان الدولة معظم إيراداتها النفطية بعد انفجار خط أنابيب تصدير النفط الأساسي قرب العاصمة السودانية عام 2024.

ولم تتمكن الجهات المعنية من إصلاحه بسبب استمرار الحرب، مما أدخل الحكومة في أزمة مالية حادة، حرمت الجهات المعنية والمجموعات الموالية والقريبة من الرئيس الاستفادة من الامتيازات التي كانت تتوفر لها، وأثار تبرم القطاعات المختلفة في الدولة.

نازحون من الحرب بدولة جنوب السودان في انتظار مساعدات من برنامج الغذاء العالمي (رويترز) صعوبات الانتقال وضعف الالتزام باتفاق سلام 2018:

يواجه هذا البلد صعوبات الانتقال من حالة الثورة إلى الدولة، واستمرار الصراعات القديمة، إضافة إلى عدم تنفيذ بنود اتفاقية سلام 2018 وضعف الالتزام بمقرراتها، وهو ما يؤدي إلى تجدد الصراعات وتعطيل بناء مؤسسات الدولة الموحدة، مهدداً بالعودة إلى مربع الحرب الأهلية التي حصدت ما يزيد على نصف مليون خلال سنوات الاستقلال الأولى.

تداعيات الجوار:

تتأثر الأوضاع في دولة جنوب السودان سلبا وإيجابا بجوارها المباشر، خاصة السودان المجاورة وأوغندا اللتين تلعبان أدوراً واضحة فيها، وقد أشار بعض الخبراء إلى أن الحرب في السودان وتداعياتها تعتبر أحد أسباب التوترات الأخيرة في دولة جنوب السودان، كما أن التدخلات الأوغندية المباشرة تزيد الفجوة بين أطراف الصراع هناك.

(الجزيرة) أوغندا تنشر قوات خاصة في جوبا

قال قائد الجيش الأوغندي موهوزي كاينيرو غابا إن بلاده نشرت قوات خاصة في جوبا لتأمينها، كما صرح الناطق باسم الجيش فيليكس كولايجي بأن نشر القوات جاء بطلب من حكومة جنوب السودان، ولم يذكر عدد القوات ولا فترة البقاء.

إعلان

بينما حاول وزير الإعلام في دولة جنوب السودان أن ينفي نشر القوات الأوغندية، وبرر المتحدث باسم الجيش الأوغندي بأن هدف العملية هو حماية دولة جنوب السودان ضد أي احتمال لتقدم الجيش الأبيض تجاه العاصمة جوبا، باعتبار أن العملية تأتي في سياق حماية اتفاق السلام الذي يُبقي سلفاكير ومشار معاً في حكومة واحدة.

وأكد رئيس الجيش الأوغندي موهوزي كاينروجابا أنهم سيحمون كامل أراضي دولة جنوب السودان كما لو كانت أراضيهم، مؤكدا أن أي تحرك ضد رئيس دولة جنوب السودان سيكون بمثابة إعلان حرب. ويذكر أن الحكومة الأوغندية أطلقت على العملية اسم "الحارث الصامت".

رئيس الجيش الأوغندي كاينروجابا قال إنهم سيحمون كامل أراضي دولة جنوب السودان كما لو كانت أراضيهم (رويترز) جهود بعثة الأمم المتحدة

منذ استقلال جنوب السودان عام 2011، أنشئت بعثة الأمم المتحدة لدعم جهود بناء السلام والتنمية في هذه الدولة الوليدة. ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، تحولت مهمتها الأساسية إلى حماية المدنيين، ودعم عملية السلام، بالإضافة إلى بناء القدرات وتعزيز سيادة القانون عبر تدريب الشرطة والقضاء.

ورغم هذه الجهود، تواجه البعثة تحديات كبيرة تعيق تنفيذ مهامها، يتمثل أبرزها في محدودية الموارد المالية والبشرية في بلد يعاني من صراعات واسعة النطاق. كما أن بعض الساسة هناك ينظرون إلى البعثة باعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية، الأمر الذي يُقابل أحياناً بمواقف مقاومة أو رافضة لعملها، وفقاً لمسؤولين في البعثة.

ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، إذ تواجه قوات حفظ السلام تهديدات أمنية مباشرة، بما في ذلك الهجمات من الجماعات المسلحة. كما أن مماطلة الأطراف المشاركة في عملية السلام في تنفيذ بنود الاتفاقيات تضيف طبقة أخرى من التعقيد، مما يجعل دور البعثة أكثر صعوبة في تحقيق أهدافها.

بعثة الأمم المتحدة في دولة جنوب السودان تواجه تحديات كبيرة تعيق تنفيذ مهامها (رويترز) منظمة الإيغاد

بذلت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية "إيغاد" جهودا كبيرة من أجل تخفيف حدة التوترات بين طرفي الصراع في دولة جنوب السودان منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 2013، وأنشأت مكتب اتصال لتسهيل مهام المنظمة.

إعلان

ومع اشتداد وتصاعد الصراع، أنشأت ما عُرف بـ"إيغاد بلس" وذلك بانضمام الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والنرويج ومنتدى شركاء إيغاد.

وبعد الاشتباكات التي تجددت مؤخراً، أصدرت الإيغاد بيانا أعربت فيه عن قلقها إزاء تصاعد التوترات والاشتباكات المسلحة في مقاطعة ناصر بدولة جنوب السودان.

ودعا الأمين التنفيذي للإيغاد ورقنه جبيو جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وإعادة تأكيد التزامها ببنود الاتفاقية المنشطة لحل النزاع في جمهورية جنوب السودان، وإعطاء الأولوية للحوار والمصالحة باعتبارهما السبيل الوحيد المستدام للسلام.

وقال ورقنه جبيو إنهم سيرسلون وفدا رفيعا لتقييم الوضع على الأرض والتواصل مع حكومة الوحدة الوطنية بشأن تدابير استعادة الهدوء، والمضي قدما في عملية السلام.

الأمين التنفيذي للإيغاد دعا جميع الأطراف إلى إعادة تأكيد التزامها ببنود الاتفاقية المنشطة لحل النزاع في جنوب السودان (الفرنسية) تحذيرات من حرب وشيكة

حذرت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دولة جنوب السودان -على لسان رئيستها ياسمين سوكا- من التراجع المقلق في الالتزام باتفاقية السلام، وأثارت مخاوف من أن تصاعد العنف والتوترات واستمرار عدم الاستقرار سيضيع المكاسب التي تحققت بشق الأنفس.

وأشارت إلى أن أطراف الاتفاق -منذ تأسيس حكومة الوحدة الوطنية- لم يعملا معاً في تنفيذ بنود الاتفاقية، لأن التعيينات والإقالات يجب أن تكون باتفاق الطرفين، ودعت اللجنة إلى خفض التصعيد لضمان الانتقال السلس، ومنع الانزلاق نحو حرب أهلية واسعة.

وعلى أية حال، يظل التوتر في أعلى درجاته سيد الموقف في جوبا، خاصة بعد التدخل الأوغندي بإرسال فرق من القوات الخاصة لحماية الرئيس، ولذلك تظل الحاجة إلى إنقاذ الاتفاق بتدخل المؤسسات الإقليمية والقارية أمراً ضروريا لمنع اندلاع حرب أهلية واسعة تعصف بما تحقق منذ 2011، ويهدد كيان الدولة الوليدة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • تعهدات من أمبيكي لـ”عقار” بخصوص عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي
  • ماذا وراء مسرحية إقتحام حامية جرانيت بجنوب السودان ؟..
  • الحركة الشعبية لتحرير السودان “التيار الثوري الديمقراطي” بيان حول إجتماع المكتب القيادي
  • حركة مناوي تكشف عن موقفها من قضية الكنابي في الجزيرة
  • السودان الجديد والدينكاتوكرسي (2-2)
  • صراع القوة يهدد مستقبل دولة جنوب السودان
  • مع مناوي وحكم عقار والتحية لهؤلاء الشباب !!
  • موسيقار إيطالي يصل السودان ويلتقي عقار
  • الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تدين العدوان الأمريكي على اليمن
  • جوهر المشكلة – الحركة الإسلامية