تأثيرات الحداثة الغربية في تفسير وفهم المقدس في الفكر السوداني
تاريخ النشر: 19th, July 2024 GMT
زهير عثمان حمد
تأثيرات الحداثة الغربية في تفسير وفهم المقدس في الفكر السوداني: دراسة من خلال كتابات مفكرين سودانيين ورؤية ما بعد الاستعمار
مثّل ظهور مفهوم الحداثة في الفكر الإنساني لحظة مربكة للعقل البشري ولمنجزاته المعرفية المحكومة بعصور الإقطاع والأصولية الدينية والتعصب والاستبداد السياسي. السؤال الذي يطرحه الأكاديميون العرب هو: هل الحداثة في العالم العربي ضد الدين بجميع رموزه ومقدساته ومضامينه؟ وهل علة الفكر العربي المعاصر كلها مختزلة في موت الرب كحالة تحد لقراءات حضارية مفعمة بالإيمان والروحانيات ومحكومة بأفكار عظيمة وقيم مطلقة على حد زعم أصحابها؟
مقاربة نقدية لمنزلة المقدس في الفكر السوداني
في سياق الفكر السوداني، تتناول هذه الدراسة مقاربة معرفية نقدية تتعلق بمنزلة المقدس في الفكر الحداثي: هل هو تأصيل لهذه المنزلة أم تأبيد لها؟ الأمر الذي يدفعنا إلى تتبع الروابط الممكنة واللاممكنة بين ظاهرة دينية تسعى جاهدة بكل مقوماتها وأدواتها إلى تأصيل صفة القداسة وإلحاقها بمفاهيم من جنس الوحي والنبوة والملائكة والذات الإلهية، وبين فكر حداثي يتحيّز فيه مبدأ تأبيد السلف شرطًا أساسيًا من شروط إمكان الالتحاق بركب الحداثة، وتحرير العالم من سجن الأسطورة والخرافة، ومن أغلال السحر والفتنة والدهشة إلى عالم تحكمه العقلانية الفردية والحقيقة المادية.
تأثير الحداثة الغربية على الفكر السوداني
الحداثة الغربية أثرت بشكل كبير على الفكر السوداني، سواء من حيث التفسير الديني أو الاجتماعي أو السياسي. كتابات المفكرين السودانيين تعكس هذا التأثير بوضوح، حيث يحاولون الموازنة بين التقليد والحداثة، وبين المقدس والمعاصر.
حسن الترابي: تجديد الفكر الإسلامي
حسن الترابي، أحد أبرز المفكرين الإسلاميين السودانيين، سعى إلى تجديد الفكر الإسلامي وتقديم قراءة عصرية للشريعة الإسلامية تتماشى مع متطلبات الحداثة. كان يعتقد أن الإسلام دين عالمي يمتلك القدرة على التكيف مع كل زمان ومكان. دعا الترابي إلى الاجتهاد والتفسير المتجدد للنصوص الدينية، مؤكدًا أن الفهم التقليدي للإسلام يجب أن يتطور ليواجه تحديات العصر الحديث.
أبو القاسم حاج حمد: الفكر الإسلامي المعاصر
أبو القاسم حاج حمد تناول في كتاباته الفكر الإسلامي من منظور معاصر، محاولًا تقديم تفسير جديد للمقدس يتوافق مع العصر الحديث. كان يعتقد أن الإسلام يجب أن يُفهم من خلال سياقه التاريخي والثقافي، وأن التفسير الحرفي للنصوص الدينية يعوق تقدم المجتمع. دعا حاج حمد إلى مراجعة شاملة للفكر الإسلامي لتتوافق مع القيم الحداثية مثل حقوق الإنسان والديمقراطية.
الصادق المهدي: التأصيل والتحديث
الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار، قدم نموذجًا يجمع بين التأصيل الديني والتحديث السياسي. في كتاباته، يجادل المهدي بأن الحداثة لا يجب أن تعني القطيعة مع التراث، بل يمكن أن تتكامل معه. يدعو إلى تفسير متجدد للنصوص الدينية يأخذ في الاعتبار التغيرات الاجتماعية والسياسية، ويؤكد على أن الدين يمكن أن يلعب دورًا إيجابيًا في تعزيز القيم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. يعتبر المهدي أن الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية لا يتعارض مع التقدم والتطور، بل هو ضرورة لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة.
محمد إبراهيم نقد: نقد الفكر التقليدي
محمد إبراهيم نقد، زعيم الحزب الشيوعي السوداني، قدم نقدًا لاذعًا للفكر الديني التقليدي، معتبرًا أن التمسك بالمقدس بطرق جامدة يعيق تقدم المجتمع السوداني. من خلال كتاباته، دعا نقد إلى العلمانية وفصل الدين عن الدولة، مؤكدًا أن الدين يجب أن يكون قضية شخصية وليست سياسية. رأى نقد أن الحداثة تتطلب تحرير العقل من قيود الأسطورة والخرافة.
صديق الزيلعي: الحداثة والمجتمع السوداني
صديق الزيلعي، من أبرز المفكرين السودانيين في مجال العلوم الاجتماعية، تناول تأثيرات الحداثة على المجتمع السوداني. أكد الزيلعي أن الحداثة ليست مجرد مجموعة من الأفكار الغربية، بل هي عملية تحول اجتماعي وثقافي يجب أن تمر بها كل المجتمعات. دعا إلى إعادة تفسير المقدس بما يتوافق مع قيم الحداثة مثل المساواة والعدالة الاجتماعية.
الحاج وراق: التنوير والحداثة
الحاج وراق، مفكر يساري بارز، قدم في كتاباته رؤية تقدمية للتنوير والحداثة في السودان. رأى أن التحدي الأكبر الذي يواجه الفكر السوداني هو تحقيق التوازن بين التراث والحداثة. دعا وراق إلى ضرورة تبني قيم التنوير مثل العقلانية والعلمية، وإعادة النظر في التفسيرات التقليدية للمقدس بما يعزز التقدم الاجتماعي والسياسي.
رؤية ما بعد الاستعمار
رؤية ما بعد الاستعمار توفر إطارًا لفهم تأثير الحداثة الغربية على الفكر السوداني. يمكن القول أن الحداثة جاءت كجزء من مشروع استعماري، حيث تم فرض قيم ومعايير غربية على المجتمعات المحلية. هذا الأمر أدى إلى تصاعد التوتر بين التقليد والحداثة، وبين المقدس والمعاصر.
يقول إدوارد سعيد، في كتابه "الثقافة والإمبريالية"، أن الاستعمار لم يكن مجرد هيمنة اقتصادية وعسكرية، بل كان أيضًا عملية فرض للهوية والثقافة الغربية. في السودان، أدى هذا إلى حالة من الاغتراب الثقافي والانقسام الفكري. الاستعمار حاول طمس الهوية الدينية والثقافية للسودانيين، مما أدى إلى ردود فعل متنوعة من المقاومة إلى التكيف.
استنتاجات تأثيرات الحداثة الغربية على الفكر السوداني فيما يتعلق بالمقدس متعددة ومعقدة. من خلال كتابات المفكرين السودانيين، نرى محاولات مستمرة للتوفيق بين القيم الدينية والتحديات الحداثية. الرؤية السياسية لما بعد الاستعمار تضيف بعدًا إضافيًا لفهم هذا التفاعل، حيث تبرز أهمية مقاومة الهيمنة الثقافية وإعادة تأصيل الهوية الدينية في سياق معاصر.
و يمكن القول أن الحداثة في الفكر السوداني ليست ضد الدين بحد ذاته، بل هي دعوة لتجديده وتكييفه مع متطلبات العصر، مما يتيح للمجتمع السوداني الحفاظ على هويته الثقافية والدينية مع التقدم والتطور.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: على الفکر السودانی فی الفکر السودانی الحداثة الغربیة الفکر الإسلامی بعد الاستعمار الحداثة فی من خلال یجب أن
إقرأ أيضاً:
العيد بين الماضي والحاضر.. تقاليد ثابتة وسط تحديات الحداثة
بغداد اليوم - بغداد
أكد الباحث في الشأن الاجتماعي فالح القريشي ،اليوم السبت (29 اذار 2025)، أن عادات أهالي العاصمة بغداد خلال أيام العيد ثابتة رغم الحداثة والتطور.
وقال القريشي، لـ"بغداد اليوم"، إن "هناك عادات ثابتة لأهالي بغداد منذ سنوات طويلة في الأعياد، منها صناعة (الكليجة) وزيارة الأهل والأقارب وكذلك الجيران لتقديم التبريكات، وتقديم العيديات إلى الأطفال، فهذه التقاليد ثابتة رغم كل الحداثة والتطور الحاصل في المجتمع على مختلف الأصعدة".
وبين أنه "رغم وجود الكثير من العادات الدخيلة على المجتمع العراقي، لكن مازالت العادات والتقاليد الموروثة منذ سنين طويلة ثابتة داخل المجتمع، كما أن هناك ضرورة اجتماعية على استمرارها، فهذه العادات تقوي السلم المجتمعي وتعزز تكاتف الأهل، خاصة أن أيام الأعياد دائماً ما تشهد جلسات صلح للعوائل والأشخاص المتخاصمين، فهذه أيضاً ضمن التقاليد التي مازالت ثابتة لغاية هذا اليوم".
والعيد في بغداد، كما في باقي المدن العراقية، يعد مناسبة دينية واجتماعية مهمة تجمع العائلة والأصدقاء والجيران، حيث يتمسك السكان بتقاليد قديمة رغم التغيرات الاجتماعية والثقافية.
ورغم تأثير العولمة والتطورات الحديثة، إلا أن هذه العادات والتقاليد مازالت تمثل جزءاً أساسياً من الهوية الاجتماعية والثقافية لمدينة بغداد، وتستمر في نقل القيم التقليدية للأجيال الجديدة.