لجريدة عمان:
2024-12-22@13:37:05 GMT

ثقافة الطعام جوهر الهُوية

تاريخ النشر: 6th, July 2024 GMT

يشير الطعام إلى تلك العادات الغذائية الصحية التي تحافظ على حياة الناس وصحتهم، وبالتالي فإنها تعكس الثقافة المجتمعية وما يرتبط بها من عادات وممارسات تميِّز مجتمعا ما عن غيره، أو فئة اجتماعية عن غيرها، فهذه الثقافة مكوِّن أصيل لا تقل أهميته عن القيم الإنسانية الأخرى التي تشكِّل الهُوية، لذا فإن الطعام ليس ذا قيمة غذائية وحسب، بل أيضا له قيمة ثقافية متأصِّلة في المجتمع ومترسِّخة في فكره وممارساته اليومية.

إن ثقافة الطعام تتضمن تلك العادات المرتبطة بالإعداد، والتقديم، وطريقة الأكل، والتخزين، وأيضا كيفية استهلاكه، وما يرتبط به من احتفالات وغير ذلك، وهي بذلك ترتبط بعوامل عدة كالموارد المتعلقة بالإنتاج سواء أكانت المناخ أو التربة أو المياه، وحتى الوقود والتقنيات، إضافة إلى أنها تكشف طبيعة الحياة التي يعيشها أفراد المجتمع ومدى التطوُّر التقني ومستوى الرفاه، وكذلك مدى انفتاحهم على الثقافات الأخرى، ولهذا سنجد أن هذه الثقافة من القيم الأصيلة التي تحرص المجتمعات على الحفاظ عليها وترسيخها ونقلها إلى الأجيال بل واتخاذها قيمة مضافة لهُوية الدولة، وهذا ما نراه جليا في مفاهيم (سياحة الطعام).

لقد حرصت الأمم على هذه الثقافة وجعلتها رمزا من رموز المحبة والعطاء والإيثار؛ ذلك لأن تقديم الطعام وتبادله وتهاديه وحتى تقديمه في الولائم والمناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها، يُعد رمزا لتلك القيم الإنسانية التي تربَّت عليها المجتمعات، كلٌ حسب عاداته وتقاليده وطرائقه وقدرته، ولهذا فإن الطعام يُعد تعبيرا عن تلك المحبة بين أفراد المجتمع أو بين المجتمعات بعضها بعضا.

إن الطعام بالنسبة للمجتمعات صمام الأمان الذي يحميها اجتماعيا وصحيا واقتصاديا، ويحافظ على رفاهها، ولأنه كذلك فقد عملت الدول على الحفاظ على موارده المستدامة التي تحقق (الأمن الغذائي)، وتجعله متاحا للجميع بما يدعم مبادئ المساواة والعدالة، فالطعام هنا أساس للحفاظ على روابط مجتمعية قادرة على النمو الصحي والمجتمعي، وبالتالي ضمان مشاركة فاعلة في التنمية المجتمعية.

ولذلك فإن هذه الثقافة في ارتباطها بالمجتمع ونموه المعرفي والصحي والاقتصادي، لا تقوم على الحفاظ على سياقاتها العامة باعتبارها ثقافة مجتمعية وقيمة إنسانية، بل أيضا تتجلى في أنماط الاستهلاك التي تتَّبعها المجتمعات؛ فتلك الأنماط تكشف مدى وعي الأفراد بأهمية الطعام وقدرتهم على الحفاظ عليه بما يضمن لهم وللأجيال أمنا غذائيا مستداما، وهنا تكون ثقافة استهلاك الطعام من القيم الإنسانية المهمة في المجتمعات الحديثة.

يكشف تقرير مؤشر هدر الأغذية 2024، (فكِّر في توفير الطعام. متابعة التقدم المحرز للحد من هدر الغذاء إلى النصف)، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، أن هذا الهدر يُعد فشلا في المجتمعات على مستوى العالم، إذ يتم «التخلُّص من أكثر من تريليون دولار أمريكي من الطعام كل عام»، وهو كذلك فشل بيئي حيث «توِّلد نفايات الطعام ما يُقدَّر بنحو 8-10%من انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم»، الأمر الذي يدُّل على وجود إشكال على المستوى المجتمعي والبيئي وكذلك الاقتصادي، إضافة إلى التحديات التي تواجه المجتمعات في مجالات الزراعة والتصنيع وغيرها.

إن أنماط التخلُّص من الطعام تكشف ثقافة الاستهلاك التي جرَّت المجتمعات الحديثة إلى النظر إلى الطعام باعتباره مادة مستهلكة، الأمر الذي أصبح شراؤه والتخلُّص منه أمرا يسيرا، ولهذا فإن هذه المجتمعات بقدر اهتمامها بالطعام بوصفه قيمة، فإنها تستهلكه وتتخلَّص منه دونما النظر إلى تلك التحديات والإشكالات البيئية والاقتصادية التي يمكن أن تواجهها مستقبلا، والأمر هنا لا يعني أن الأفراد وحدهم من يتسبَّبون في هدر الأغذية بل أيضا سياسات التصنيع وسلاسل التوريد، وأنظمة البيع وغير ذلك كله يزيد من ذلك الهدر إلاَّ إذا ما تم العمل على تحسينها وتطويرها بما يضمن الحفاظ على الأغذية وأمنها.

ولأن ثقافة الطعام قيمة حضارية ومعرفية وأصل من أصول الهُوية الإنسانية، فإن طرائق الاستهلاك أيضا تنضوى تحت تلك الثقافة، بل إنها تقدِّم صورة ذهنية عن المجتمع و وعيه وفهمه لأهمية الطعام في ظل التداعيات الاقتصادية والتحديات التي تواجهها سلاسل التوريد في العالم، خاصة مع تلك الإشكالات السياسية والحروب، إضافة إلى تنافس القوى الاقتصادية العالمية، وهذا الفهم والوعي ينعكس على أنماط حمايتنا لثقافتنا الوطنية المرتبطة بالطعام والحفاظ عليه باعتباره قيمة؛ فالرفاه لا يعني الاستهلاك بقدر ما يعني جوهر تلك القيمة ومحورها.

ولعل ما أشار إليه تقرير مؤشر هدر الأغذية 2024، من أن هناك مجتمعات تهدر الأغذية بكميات عالية، في حين توجد في المقابل مجتمعات تعاني من نقص الأغذية بل هناك من يموت جوعا في دول قريبة، حيث «يتأثَّر ما يقارب 783 مليون شخص بالجوع كل عام، ويعاني 150 مليون طفل دون سن الخامسة من توقف النمو بسبب النقص الحاد في العناصر الغذائية الأساسية في وجباتهم الغذائية» – حسب التقرير –، ولهذا فإن الأمر هنا لا يتعلَّق بثقافتنا وحسب بقدر ما يكشف عن قيمنا الإنسانية ومشاركتنا للآخر.

لهذا فإن الحد من هدر الطعام يُعد تضامنا مع تلك المجتمعات التي تعاني من تحديات حقيقية مهما كانت الأسباب سواء أكانت بسبب الحروب أو الظروف الاقتصادية أو غير ذلك، الأمر الذي سيوفِّر فرصا للحفاظ على استدامة الأغذية وأمنها في المجتمع، وبالتالي الحد أيضا من إشكالات التضخم الذي تعاني منه الكثير من الدول؛ فهدر الطعام وتحويله من وجبات ذات قيمة ثقافية إلى نفايات تشكل عبئا على المجتمع لا يعني سوى عدم شعورنا بالمسؤولية.

وانطلاقا من هذه الأهمية اعتنت عُمان بالأغذية وتوسَّعت في دعم النُظم الغذائية المستدامة، وأوجدت البرامج والخطط لتوفير الغذاء في الأسواق بأسعار مناسبة لتكون في متناول أفراد المجتمع، كما عملت في مقابل ذلك على توعية المجتمع بأهمية الأغذية والحد من هدرها، وضرورة الحفاظ عليها باعتبارها موردا تنمويا مهما؛ فتوفُّر الأغذية والحفاظ عليها مرتبط باقتصاد الدولة والنمو السكاني وتغير المناخ وغير ذلك، وبالتالي فإن إدارة مواردها وحمايتها والعمل على تنميتها مطلب وطني مشترك.

إن فهمنا لثقافة الطعام والاهتمام بأنماطه وسبل الحفاظ عليه، بل وحتى طرائق إنتاجه، يمكِّننا من تطويره باستخدام التقنيات الحديثة الصديقة للبيئة، والاقتصادات الحيوية، وتثمين الموارد الطبيعية وإلائها أهمية في التنوُّع الاقتصادي، وبالتالي العمل على تحسين الإنتاجات المرتبطة بالأغذية وتكثيرها، بما يضمن مستويات عالية من الأمن الغذائي، ولعل ما تقوم به الدولة في هذا المجال يعكس الوعي المتزايد بأهمية هذه الثقافة وتقديم أفضل الخدمات المرتبطة بها.

ولأن الدولة تقوم بجهود كبيرة في مجالات الأمن الغذائي وما يرتبط به من ناحية، والحفاظ على خصوصية الأغذية العمانية وثقافتها باعتبارها أحد أصول الهُوية العمانية من ناحية أخرى، فإن علينا جميعا واجبا في ترشيد الاستهلاك والنظر إلى الطعام بوصفه قيمة أكثر منه استهلاكا، فهو جوهر وليس مادة، ولذلك وجب الحد من هدره لأنه نعمة من نِعم الله علينا، والنعمة واجبة الشكر والمحافظة عليها لأنها أمانة، فلنحافظ على الأمانات.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ثقافة الطعام هدر الأغذیة هذه الثقافة فی المجتمع على الحفاظ الحفاظ على ر الأغذیة اله ویة من هدر

إقرأ أيضاً:

«سلامة الغذاء» تشن حملات تفتيشية للتأكد من جودة الأغذية في جميع المحافظات

أعلن المركز الإعلامي للهيئة القومية لسلامة الغذاء، تنفيذ الإدارة وحدات الطعام المتنقلة 16 مأمورية لفحص على وحدات الطعام في محافظات «القاهرة، القليوبية الدقهلية والغربية»، مشرًا  إلى أن لجنة التظلمات بالهيئة فحصت 557 طلب تظلم وارد من المواني المختلفة، كما أجرت الإدارة العامة للمجازر 9 زيارات تفتيش على مجازر الدواجن، بالإضافة لـ64 زيارة متابعة تصنيع مغلفات طبيعية حيوانية بمصانع الأمعاء.

وأصدرت الإدارة 27 إذن تصدير لمغلفات طبيعية حيوانية لدول الاتحاد الأوروبي بعد سحب العينات والتأكد من مطابقتها للاشتراطات، ونفذت حملات على بعض المجازر اليدوية في بعض أحياء محافظة الاسماعيلية وذلك لتعريف القائمين عليها باشتراطات سلامة الغذاء، حيث نفذت الإدارة العامة للرقابة على الأسماك ومنتجات الأحياء المائية 9 زيارات رقابية على مراكب سفن الصيد ومصانع وموردي الأسماك وشركات التصدير ووحدات التجهيز، كما تم تسجيل 2 منشأة خلال الأسبوع الماضي.

حملات الهيئة التفتيشية على الأسواق بمختلف المحافظات

وفي إطار جهود فروع الهيئة لتشديد وإحكام الرقابة على المنشآت الغذائية تنفيذًا لتوجيهات الدكتور طارق الهوبي، رئيس الهيئة القومية لسلامة الغذاء، للتأكد من سلامة المنتجات الغذائية المعروضة وحفاظًا على صحة المستهلكين بمختلف المحافظات، حيث قام فرع سلامة الغذاء بمحافظة الغربية بتنفيذ 30 حملة تفتيشية موسعة على 220 منشأة غذائية للتأكد من تطبيق اشتراطات سلامة الغذاء بمختلف مدن ومراكز المحافظة (طنطا، زفتى، قطور، بسيون، السنطة، كفر الزيات، المحلة، سمنود)، وقد أسفرت تلك الحملات عن ضبط نصف طن رنجة مدممة وغير صالحة للاستهلاك الآدمي.

وفي إطار الدور التوعوي والتثقيفي للهيئة القومية لسلامة الغذاء لرفع درجة الوعي العام نحو تحسين التدابير الخاصة بسلامة الغذاء وتعزيز الممارسات الغذائية الصحية السليمة، تم المرور على 30 منشأة غذائية وتم التوجيه نحو ضرورة الالتزام باشتراطات سلامة الغذاء بتلك المنشآت، وتطبيق الإجراءات التصحيحية، وتم تنفيذ 12 قرار للنيابة العامة.

كما تم الاشتراك في حملات مكبرة مع المحافظة ومديرية التموين ومباحث التموين ومديرية الطب البيطري ومديرية الصحة، وأسفرت تلك الحملات عن ضبط وسحب عينات لكمية من المواد الغذائية التي يشتبه في صلاحيتها للاستهلاك الآدمي تقدر كميتها بـنصف طن، وتم التحفظ على جميع المضبوطات لاتخاذ الإجراءات القانونية.

25 حملة تفتيشية في الدقهلية 

ونفذ فرع سلامة الغذاء بمحافظة الدقهلية 25 حملة تفتيشية بعضها مشتركة مع الجهات الرقابية الأخرى (رئاسة مجلس المدينة، مديرية الصحة، الطب البيطري، التموين، مباحث التموين، جهاز حماية المستهلك)، حيث تم المرور على 140 منشأة غذائية وذلك بمراكز وبعض القرى بنطاق المحافظة (طلخا، ميت غمر، السنبلاوين، أجا، دكرنس، بنى عبيد، المنصورة)، وأسفرت تلك الحملات عن إعدام كمية من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.

كما نفذ فرع هيئة سلامة الغذاء بمحافظة سوهاج 6 حملات تفتيشية على  22 منشأة غذائية في نطاق قرى ومراكز (حي شرق، حي غرب، أخميم) وتم إعدام كمية من المواد الغذائية منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستهلاك الآدمي، كما تم التنبيه على المنشآت الغذائية غير المسجلة بالهيئة بضرورة التسجيل واستكمال إجراءات التراخيص وتطبيق الاشتراطات الخاصة بسلامة الغذاء.

وقام فرع سلامة الغذاء بمحافظة أسيوط بتنفيذ 4 حملات تفتيشية على 12 منشأة غذائية أسفرت عن إعدام كمية من المنتجات الغذائية منتهية الصلاحية، كما تم أخذ تعهدات على المنشآت غير المسجلة بالهيئة بالتسجيل وتطبيق اشتراطات سلامة الغذاء، وغيرها من الحملات الدورية التي قامت بها الهيئة

 

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة
  • «سلامة الغذاء» تشن حملات تفتيشية للتأكد من جودة الأغذية في جميع المحافظات
  • الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
  • مفتي الجمهورية: ارتفاع معدلات الطلاق يهدد استقرار المجتمع.. فيديو
  • وزير الأوقاف: مؤسسة حياة كريمة معبرة عن جوهر وحقيقة الإنسان المصري
  • وزير الطاقة: اللغة العربية جوهر هويتنا الثقافية وأساس تطورنا العلمي والاجتماعي
  • المفتي يحذر من أزمة أخلاقية ناتجة عن اختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة.. فيديو
  • المفتي: أزمة أخلاقية لاختلاط مفاهيم الرجولة والأنوثة.. فيديو
  • السودان.. مقتل 3 عاملين ببرنامج الأغذية العالمي