ترجمة: أحمد بن عبدالله الكلباني -
هل من الممكن أن يصبح الإدمان على تناول الأطعمة غير الصحية أمرًا واقعيًا؟ الإجابة على هذا السؤال هي «نعم»، فهذا ما ذهب إليه استنتاج مجموعة من أطباء التغذية والعلماء، وهم على نسق مختلف عن الاتجاه الطبي السائد الذي يرى عكس ذلك، ويهدف أطباء التغذية من خلال هذا الاستنتاج إلى الكشف عن طريقة جديدة ومثيرة حول طريقة تفكير الأشخاص الذين يفرطون في تناول الطعام.
بالواقع، هي ليست فكرة جديدة بشكل مطلق، فقد شبّه مجموعة من أطباء التغذية سابقًا علاقة بعض الأشخاص مع الأطعمة والشراهة في الأكل وصوّروا ذلك على أنه نوع من الإدمان، ولكن كان ذلك بمثابة تشبيه أو مبالغة في الوصف؛ لأن مفهوم الإدمان مختلف عمّا ذهب إليه بعض أطباء التغذية في وصف الإفراط في الطعام؛ فالإدمان هو اعتماد المرء على الكحول مثلًا أو المخدرات مثل الهيروين، لذلك يظهر من العلماء والباحثين في التغذية من يرفض تصوير الإفراط في الطعام بأنه شكل من أشكال الإدمان، ويقول «دوان ميلور» الناطق باسم جمعية الحمية البريطانية: «الإدمان هو الاعتماد على ما لا تحتاج إليه».
وفي مسألة الطعام من الواضح أننا جميعًا نحتاج إلى تناول الطعام، فهل يعني ذلك عدم وجود «إدمان الطعام»؟! علماء التغذية الذين يرجحون فكرة أن هناك إدمانًا للطعام قاموا بتدعيم قولهم بالإشارة إلى عدد من الأبحاث التي تم إجراؤها على الفئران، منها السماح للفئران بشرب المياه المحلّاة، فقد تم ملاحظة أن الفئران تُطلق في أدمغتها مادة كيميائية تحفز الشعور بالمكافأة، وتسمى «الدوبامين»، وهي نفس المادة الكيميائية التي تطلقها الأدمغة عند تعاطي الكوكايين تمامًا.
ولكن رغم ذلك، بالنسبة إلى إدمان الطعام، فإنه من غير الواضح الأطعمة التي تدخل في تصنيف أنها أطعمة تسبب الإدمان، من الممكن أن يُكثر الناس من تناول الكعك وأنواع الشوكولاته، ولكن ذلك يمكن أن يحدث كذلك مع الوجبات البسيطة واللذيذة، مثل الفول السوداني والمقليات. وبعض الذين ينادون باتباع أطعمة منخفضة في الكربوهيدرات، منهم «جين أونوين» وهي عالمة نفس مؤسسة ساوثبورت بالمملكة المتحدة، يقولون: إن الرغبة الملحة في تناول الأطعمة المحتوية على الكربوهيدرات لا تقتصر على الأطعمة غير الصحية بشكل واضح، بل قد تدخل ضمنها الأطعمة -الصحية بالظاهر- التي تحتوي على الكربوهيدرات مثل المخبوزات والمعكرونة.
إنه إلى الآن لا يوجد تعريف موحد تم الاتفاق عليه بشكل واسع على مفهوم «الإدمان»، عدد كبير من المنظمات، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية، تحدد الإدمان من خلال السلوك الذي يعيش عليه المرء، وكيف يمكن أن يؤثر هذا السلوك على حياتهم، وعليه يمكن اعتبار الشخص «مدمنًا» على مادة الحشيش أو النيكوتين مثلًا إذا رغب في تعاطيها في حالة قرر الامتناع عنها، أو إذا كان غير قادر على الامتناع عنها، أو إذا استمر في تعاطيها رغم معرفته بأنها تضرّ بصحته.
وعند الحديث عن بعض الأطعمة التي تسبب المشاكل الصحية، فإننا لا نتحدث عن شرائح اللحم ولا عن البروكلي، لذلك استخدم الأطباء -الذين يرون أن هناك إدمانًا على الطعام- استبيانًا أطلقوا عليه اسم «مقياس ييل للإدمان على الطعام»، لقياس مدى تأثير إدمان الطعام على مجموعة من الأشخاص، ومن بين الاستبيان السؤال عن عدد المرات التي يتناول فيها الشخص الطعام إلى درجة الشعور بالإعياء، واعتمادًا على «مقياس ييل» تُقدر الدراسة أن ما يصل إلى حوالي 14 في المائة من البالغين مصابون بإدمان الطعام، إلا أن هذا المفهوم لا يزال مثيرًا للجدل.
ولكي نعزز فهمنا لهذه الفكرة، عمل 40 طبيبًا وباحثًا خلال العام الماضي على تطوير استبيان جماعي، يحدد حالة كل فرد ومن ثم يلخص الأدلة المجموعة، وتم الكشف عن الاستبيان الجماعي في المؤتمر الدولي للإجماع على إدمان الطعام، وذلك في لندن 17 مايو.
وتوصلت النتائج إلى إمكانية تحديد نوع الإدمان على الطعام، ومنها الإدمان على الأطعمة «فائقة المعالجة»، وتقول «جين أونوين» واحدة من الأطباء الـ40: «عندما يشير الناس إلى الأطعمة التي تسبب لهم المشاكل، فإنهم لا يتحدثون عن شرائح اللحم أو القرنبيط، إنهم دائمًا ما يشيرون إلى الكعك والدونات والبيتزا».
وتشير نتائج الاستبيان الجماعي -التي أعلنت المجموعة الطبية عنها- إلى أن الأشخاص الذين يعانون من إدمان الأطعمة فائقة المعالجة «يأكلون الطعام بطريقة مشابهة لمن يتعاطى المخدرات، إنهم يقومون بالاستحواذ على الطعام أو بسلوكيات قهرية عند تناولهم للطعام، وتستمر هذه السلوكيات رغم الأضرار النفسية والاجتماعية الضارة».
ولكن جمع مفهوم إدمان الطعام، ومفهوم الأطعمة فائقة المعالجة، من الممكن أن يتسببا في الكثير من المشاكل؛ لأن وصف «الأطعمة فائقة المعالجة» بأنها أطعمة غير صحية وضارة يعد وصفًا مثيرًا للخلاف كذلك.
بالرغم من أن هناك إجماعًا على أن بعض أنواع الأطعمة المصنعة مثل: «رقائق البطاطس» و«الكعك» تسهم في زيادة الوزن، يبقى السؤال الجوهري، ما إذا كانت تفعل ذلك لأنها تُصنع في المصانع «مصنعة» أو بسبب احتوائها على نسب عالية من الدهون والملح والسكر. هذه النقطة مهمة؛ لأنه إذا حاول الناس تجنب جميع الأطعمة المصنعة، فإن ذلك سيشمل أيضًا الأطعمة التي ينصح معظم الأطباء بتناولها، مثل: «الخبز بالحبوب الكاملة» أو «المعكرونة العضوية» و«الفاصوليا المطبوخة» والعديد من أنواع «الصلصات» و«الوجبات المعدة مسبقًا».
كما يشكل هذا تحديًا لأخصائيي الحميات؛ نظرًا لأن العديد من الأطعمة الخاصة بالحميات التجارية تصنف كأطعمة «مصنعة»، وفقًا لما يقوله «ديفيد ويس» اختصاصي تغذية في لوس أنجلوس الذي ساعد في إعداد بيان الإجماع «أعتقد أننا سنواجه بعض التحديات في هذا المجال».
وبعيدًا عن مسألة الأطعمة فائقة المعالجة، إذا كان هناك إدمان على الطعام، فإن لذلك تأثيرات على كيفية محاولة المتضررين التحكم في الإفراط في تناول الطعام. وهذا يعني أنهم قد يستفيدون من الامتناع التام عن الأطعمة التي يعتبرونها «محفزة»، على غرار ما يُنصح به الأشخاص المدمنون على الكحول بالتوقف عنها تمامًا، كما تقول «جين أونوين».
ومن جهته، يقول «دوان ميلور» الناطق باسم جمعية الحمية البريطانية: إن هذا يتعارض مع نصائح الأكل الصحي المعتادة، التي تشير إلى أن حظر الأطعمة يمكن أن يزيد من جاذبيتها. ويضيف: «في هذا النموذج، من الأفضل أن تسمح لنفسك بتناول الأطعمة اللذيذة من حين لآخر، ولكن تتوقف عن تناولها بمجرد شعورك بالشبع»، «الامتناع هو عكس الأكل البديهي».
الامتناع خيار أفضل
بينما لا توجد أدلة قاطعة حول ما إذا كان الامتناع التام أو الاعتدال هو الخيار الأفضل، تدعم دراسة حديثة قام بها «ديفيد ويس» و«جين أونوين» وزملاؤهما بعض الأدلة لصالح الامتناع، فقد تابعت هذه الدراسة أشخاصًا يحضرون عيادات لعلاج إدمان الطعام، حيث قدمت لهم جلسات علاج جماعية وفردية، بالإضافة إلى نصائح للتخلص من جميع الأطعمة المحفزة واتباع نظام غذائي منخفض الكربوهيدرات ومكون من أطعمة كاملة، وأفاد تقرير من عام 2022 بأنه بعد مرور ثلاثة أشهر، ساعد هذا النهج الأفراد على تقليل نوبات الشراهة في الأكل وفقدان الوزن.
وتم الإعلان عن النتائج طويلة الأمد في المؤتمر في 17 مايو، حيث تبين أن المشاركين استمروا في تقليل درجات إدمان الطعام، كما تم قياسها باستخدام «مقياس ييل»، بعد مرور عام.
يقول «ديفيد ويس»: إن الخطوة التالية يجب أن تكون إجراء تجربة عشوائية تقارن بين الامتناع التام ونظام الاعتدال التقليدي.
حتى الآن، يبقى أن نرى ما إذا كان دعاة إدمان الطعام سيتمكنون من إقناع بقية المجتمع الطبي بوجهة نظرهم.
يقول «دوان ميلور»: إن فكرة إدمان الطعام قد تكون مفيدة لبعض الأشخاص. «إذا أدركت أنك تعاني من مشكلة مع بعض الأطعمة في نظامك الغذائي وتشعر بأنك مضطر لتناولها، فإن الامتناع هو وسيلة للتحكم في ذلك»، ويضيف: «لكنني لست متأكدًا من أن الدعوة إلى التخلص من كل السكر أو جميع الكربوهيدرات هي الحل المناسب للجميع».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأطعمة فائقة المعالجة أطباء التغذیة الأطعمة التی على الطعام إدمان على إدمان ا إذا کان جمیع ا
إقرأ أيضاً:
إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات.. تفاصيل
كشفت الإعلامية روان أبو العينين عن تفاصيل إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات، تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان الخطة الوطنية لمكافحة المخدرات والحد من مخاطر التعاطى والإدمان لعام 2024 إلى عام 2028.
وأضافت روان أبو العينين خلال برنامج «حقائق وأسرار» المذاع على قناة «صدى البلد»: أن الخطة تم إعدادها بالتعاون بين التضامن وصندوق مكافحة الإدمان وزارات "الداخلية والتعليم العالي والخارجية والصحة والعدل، والشباب والتعليم والثقافة"، وذلك بالتنسيق مع مكتب الأمم المتحدة المعنية بالمخدرات والجريمة لضمان اتساق الاستراتجية الوطنية مع المواثيق والمعايير الدولية.
وأوضحت روان أبو العينين، أنه في هذا الصدد تتحد أهداف الخطة الرئيسية فى تقليص نسبب تعاطى المخدرات وتعزيز الوعى المجتمعى بمخاطر الإدمان وتعزيز قدرات المؤسسات الصحية في علاج الإدمان وتوفير بيئة قانونية لرادع المجرميين المتورطين في تجارة المخدرات.
وتابعت أن هذه الوقاية تأتي ضمن أبرز مكونات الخطة الوطنية لمكافحة الإدمان حيث تتضمن الوقاية الأولية بالمؤسسات التعليمية والشبابية وتنفيذ برامج موجهة للأسرة أى الوقاية والاكتشاف المبكر مع التركيز على المناطق الأكثر عرض للمخدرات لمشكلات المخدرات، فضلا عن تهيئة بيئة تعليمية ورياضية تعزز قدرة النشئ والشباب على رفض ثقافة التعاطي والمواد المخدرة واستثمار المؤسسات الدينية والتعريف بالخدمات المجانية لعلاج الإدمان لاسيما فى المحافظات الأقل طلبا لتلك الخدمات.
وكشفت روان أبو العينين، إحصاءات صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي عن أن نسبة الإدمان حوالي 4.02% وذلك في الفئة العمرية مابين 14 وحتى 60 عاما ولدى الصندوق 33 مركزا علاجيا بـ19 محافظة حتي الآن بعدما كان عدد المراكز لا يتجاوز 12 مركزا علاجيا في 7 محافظات عام 2014 مع الخط الساخن للصندوق رقم 16023.
ونوهت أن الخدمات العلاجية يتم تقديمها لما يقرب من 170 ألف مريض إدمان سنويا ومجانا مابين جديد ومتابعة، موضحة أنه وفقا للمعايير الدولية منهم حوالي 4% إناث و96% ذكور وفي هذا الإطار يتم تدريب 15 ألف متعافي سنويا في مراكز العزيمة للمتعافين، وذلك من خلال برامج التمكين الاقتصادي سواء بالتدريب على حرف مهنية يحتاجها سوق العمل وإتاحة قروض لمشروعات صعيرة ومتناهية الصغر بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعي.
متابعة أنه وفقا لصندوق مكافحة الإدمان فإن أكثر أنواع المخدرات انتشارا هو الحشيش من المخدرات التخليقية مثل "الشابو والبودر والاستروكس" وشدد الصندوق على وحذرا تحذيرا كاملا على مخدر GHB، المعروف بعقار الاغتصاب وخاصة الفتيات حيسث أنه عديم اللون والطعم ويؤدي إلى فقدان الوعى وضعف الذاكرة والوفاة في حالة زيادة الجرعة.
وأشارت إلى أنها استراتيجية وطنية متكاملة تتنوع أدواتها بين التوعية والعلاج والتأهيل لتمكين المتعافين، وتتضافر على الجهود الحكومية والأهلية من أجل الحفاظ على شباب مصر.