د.كهلان الخروصي: الظن بأن الجانب الإيماني المعنوي لا يحتاج معه إلى تخطيط و إلى أخذ بالأسباب المادية بعيد عن هدي القرآن
تاريخ النشر: 6th, June 2024 GMT
تمر الأمة الإسلامية اليوم بمرحلة فارقة، وأحداث كبيرة تتمثل في صراعها مع الصهاينة الغاصبين، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتهجير وتعذيب على أيدي الصهاينة المعتدين، فيستحضرون آيات الكتاب العزيز التي تحث على الجهاد ورفع الظلم وإعداد العدة والعتاد لملاقات العدو، وهذا ما ابتدأت به حلقة برنامج "سؤال أهل الذكر" الذي يبث في تلفزيون سلطنة عمان ويعده ويقدمه د.
بما أن المسلمين الآن يعيشون حالة من الجهاد ضد عدوهم، ما معنى الآية الكريمة: " لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ"؟ هذه الآية الكريمة قد نزلت تذكيرا للمؤمنين بأن النصر إنما هو من عند الله تبارك وتعالى وحده وأن الأسباب التي يظنها الناس بمقتضى العادة أنها هي الجالبة للنصر هي ليست كذلك في موازين الحق وعند الله تبارك وتعالى فإن المسلمين بعد فتح مكة حينما تألبت هوازن وثقيف ومن شايعهم من القبائل فاتجه إليهم رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم بجيش الفتح ومن معه من الطلقاء من أهل مكة، حيث كان عددهم يربو على 12 ألفا، فقال بعضهم: لن نغلب اليوم من قلة فأعجبتهم كثرتهم فدخلوا هذه المعركة وهم يتعلقون بهذه الأسباب المادية المتصلة بهذا العدد والعتاد، بالكثرة المادية، فإذا بالحرب تدور رحاها عليهم، فوصف الله تبارك وتعالى هذا المشهد بقوله: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين، مطلع هذه الآية الكريمة امتنان وتذكير من الله عز وجل بأن النصر من عنده جل وعلا وحده فقد نصركم الله تبارك وتعالى في مواطن، والمواطن تصدق على المواقع ذات الأحداث الكبيرة، في مواطن كثيرة، كما حصل لكم يوم بدر والأحزاب وفي سائر الغزوات، إلا ما كانت الدائرة فيها وهي قليلة على رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين كما وقع لهم في غزوة أحد، وأما ما سواها من المواطن فقد كتب الله عز وجل النصر لهم من عنده جل وعلا وحده، ويوم حنين أي ولقد نصركم يوم حنين أيضا، لكن هذا النصر تقدمته ما رزئ به المسلمون وما أصيبوا فيه حينما صدر منهم ما صدر، مما ساء رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم حينما سمع منهم ما صدر منهم مقولتهم تلك حينما أعجبتهم كثرتهم فبين القرآن الكريم هذا المشهد بقوله: “وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ” هذا التعبير يدل على الحالة من الضيق والكرب الشديد الذي بلغها المسلمون مع رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يثبت معه إلا نفر قليل منهم عمه العباس بن عبد المطلب ونفر قليل من أصحابه رضوان الله تعالى عليهم وهو ينادي فيهم: يا أصحاب السمرة يا أصحاب بيعة الرضوان يا أصحاب سورة البقرة ثم يطلب من عمه العباس لأنه كان جهوري الصوت أن يبلغهم نداءه هذا، فثبت رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم وثبت معه بعض أصحابه من الأنصار والمهاجرين فلما سمع باقي المسلمين بعدما ولوا مدبرين لا يلون على شيء، ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وظلوا هكذا مترددين حتى سمعوا هذا النداء فالتفوا حول رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم وكروا بعد تلك الفرة فكتب الله تبارك وتعالى لهم النصر من جديد ولذلك قال: " ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فما تحكيه هتان الآيتان مشهد مهيب، زلزل فيه المسلمون حينما تعلقوا بالأسباب المادية مجردة عن العوامل الحقيقية للنصر التي بها استأهلوا ما تنزل عليهم من نصر في المواطن السابقة فأعجبتهم أنفسهم، وكثرتهم وظنوا أن النصر إنما يتأتى بالكثرة الكاثرة وبالعتاد والعدة إذ لم يكن عدوهم يجاوز الأربعة آلاف ولكنهم كانوا أهل سهام مهرة رماة للسهام ماهرين، فبعد الكرة الأولى وظن المسلمون أنهم تمكنوا من عدوهم إذا بهم بعد ذلك كما تصف الآية الكريمة، وكثير منهم معجب بكثرته ظن أن النصر في يده وإذا به يطلب الغنيمة، فرأى المشركون منهم هذه الغرة فاقتنصوها فأحدثوا فيهم ما أحدثوا من الزلزال الشديد ثم جاء التثبيت من عند الله تبارك وتعالى وحده بسماعهم صوت رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم ونداءه الذي بلغهم إياه أو الذي وصلهم منه أو من عمه العباس مع ثبات النفر القليل فلما عادوا إلى الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية الإيمانية التي تصلهم بالله تبارك وتعالى وحده " وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ويتَقوونَ بإِيمَانهِم ويوالي بعضُهم بعضًا ويذودُ بعضُهم عن بَعضٍ ويضحون بالغالي والرخيص ويثبتون ويصبرون ويتمسكون بمبادئهم وإيمانهم إذا بربنا تبارك وتعالى ينعم عليهم برحماته فيقول: " ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ".
لتبقى هذه الحادثة ذكرى للمؤمنين وعبرةً لهم، أن لا يغتروا بكثرتهم وأن لا بعتادهم، و ألا يقللوا من شأن أخذهم بالأسباب المعنوية الإيمانية من الصبر والثبات والموالاة والتآخي والقتال صفًا واحدًا والحرص على الإثخان في عدوهم والنكاية به والأخذ بكل أسباب النصر، فهذه الآيات تذكرهم بكل ذلك وتدعوهم في كل مواضعهم أن يكونوا على هذا النسق الذي يتصلون فيه بالله تبارك وتعالى و مع أخذهم بالأسباب المادية وعدم تقصيرهم فيها، فإنهم أبعد ما يكونون على العجب والغرور والاستكثار و الظن بأن النصر إنما يحصل بهذه الأسباب المادية دون صادق إيمان وراسخ يقين و صلة متينة بالله تبارك وتعالى والتفاف حول دينهم و حول رسولهم و حول قيادتهم بكل ثبات و صبر و تضحية في سبيل الله تبارك وتعالى لأنهم بذلك يستحقون أن يمدهم الله تبارك وتعالى بالنصر من عنده.
"ثم وليتم مدبرين" و التولي هنا ليس تولي الفرار، فرار الإدبار، لأن التولي إنما كما وصفت الآية الكريمة هو أنهم احتاروا في أمرهم فكانوا في شتات و ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فأصابهم كرب شديد لم يعرفوا كيف يجمعوا قواهم كيف يوحدوا صفهم من جديد حتى سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فالتفوا حوله و أعادوا تنظيم صفوفهم و زال ما في أنفسهم من الإعجاب بالكثرة فحقق الله تبارك و تعالى لهم و سنته الماضية بالنصر في هذه المواضع.
ـ ما الحد الفاصل بين اطمئنان الإنسان إلى قوته إلى خطته ما بات يعرف اليوم في الأدبيات السياسية بالاستراتيجية و بين ما تحفظلتم به من الإعجاب يعني ألا يمكن للمسلم أن ينظر إلى أن قوته أصبحت فعلا صالحة لأن يدخل بها معركة و يرتب على ذلك نتائج منها النصر؟ الظن بأن الجانب الإيماني المعنوي لا يحتاج معه إلى تخطيط و إلى أخذ بالأسباب المادية بعيد عن هدي القرآن، و بعيد عن ما تدل عليه هذه الآيات الكريمة و بعيد عن هدي رسول الله صلى الله عليه و سلم و سيرته في حروبه فقد كان يخطط لها و يعد العدة و ينظم الصفوف و يتفقد أحوال الجيش و يبعث فيهم ما يرفع من تعلقهم بالله تبارك و تعالى مع الأخذ بالأسباب المعنوية من البعد عن كل ما يمكن أن يؤثر في الجيش مما يسخط الله تبارك و تعالى و من إزالة أسباب الضعف و الذلة و الهوان و من ما يحتاجون إليه من استرخاص الأنفس في سبيل الله تبارك و تعالى و اليقين بأن أعلى ما يطلبه المسلم الشهادة في سبيل الله أو أن ينال إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة فهي إذن معادلة.
فيما يتعلق بالجانب المادي عليه أن يأخذ بأحسن ما يستطيع لأن الله تبارك و تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ" هذه العدة الرادعة التي تمنع العدو من التجرؤ على التنقص من المسلمين أو التعرض لحوزتهم و حماهم، فهي قوة رادعة ترهب العدو أي تمنعه و تحجزه من أن يطمع فيك أو في أرضك أو في مقدساتك، فالقرآن الكريم واضح جلي في هذه القضية.
لكن أن تحدث المسلم نفسه بأن النصر مرتهن بهذه الأسباب المادية كما يظن كثير من الناس اليوم فهذا هو المحذور المنهي عنه لأن النصر إنما هو من عند الله تبارك و تعالى و مع الأخذ بهذه الأسباب المادية فإنما هو أهم و أولى منها هو أن تتعلق القلوب بالله تبارك و تعالى و أن تسترخص النفوس في سبيل الله جل وعلا، و أن يتحقق لها من التعلق بالله جل وعلا ما يبلغها النصر، فهذه النفوس تكون موقنة أن النصر إنما هو من عند الله تبارك و تعالى و أن الغاية إعلاء دين الله تبارك و تعالى بالدفاع عن المقدسات و عن الدين و عن الأنفس و برد العدوان الغاشم و بمنع كل من تسول له نفسه أن يتنقص من أحوال المسلمين أو مقدساتهم أو أرضهم بكل ما يندفع به، فإذا هناك موازنة في هذا الدين.
أما أن يصيبه نفسه فإذا صف المسلمين العجب و الغرور فهذه من الآفات القاتلة التي تؤدي إلى الهزيمة و تأتي موقعة حنين لتنصب المثال الأعلى للمسلمين عبر عصورهم بأن لا يؤتوا من قبل إعجابهم بأنفسهم واغترارهم بقوتهم المادية و بخططهم و استراتيجياتهم مع أهميتها إنما هو توفيق الله تبارك و تعالى و تدبيره جل وعلا و حكمته و عدله و فضله على عباده المؤمنين و لذلك قال في الآية بعدها "ثم أنزل الله سكينته على رسوله" الطمأنينة و الثبات و السكون و الحزم و الشجاعة كل ذلك يعني تضمنت هذه الكلمة ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ثم يأتي المدد منه جل وعلا وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا.
ـ هذا تولي نسبه الله تعالى إلى النفس فهي محوره الأول ما يعرف بالأمراض النفسية العجب والغرور وغير ذلك لكن هناك تولي آخر نسبه الله تعالى إلى الشيطان واعتبر أنه نوع من الاتباع الكامل للشيطان الرجيم في قوله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ۖ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ " ما الفارق بين التولي الأول والتولي الثاني؟ هذه الآية وردت في غزوة أحد وجمهور المفسرين على أن الآية تشير إلى ما صدر من مخالفة الرماة لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعدم مغادرة مواقعهم، ولكن حصل منهم ما حصل لما رأوا أن جيش المسلمين قد تمكن من العدو وأرادوا أن يلحقوا أيضا بالنفل والغنائم فتركوا مواضعهم، وحصل ما حصل، ومنهم من قال بأن الآية تتناول من تخلف عن الخروج في أحد، وهذا قول الأقل من المفسرين، لكن الصحيح بأن الآية تتناول من تخلف عن الخروج يمكن أن تشمل الصنفين، "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" هذا التولي الموصوف هنا هو التولي عن أمر رسول الله صـلى الله عليه وآله وسلم إما بملاقات العدو أو بلزوم أماكنهم وهذا خاص بالرماة فإذا التولي هنا التولي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم وهو مخالفة أمر القائد، استزلهم الشيطان أي أحدث فيهم الزلل والزلل هو الخطأ زلت قدمه إذا أخطأت إذا انحرفت به، فاستزلهم الشيطان بالزلل ببعض ما كسبوا أي بمخالفتهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و عدم إحلالهم لأمره عليه الصلاة و السلام في الموضع اللائق به من عدم مخالفته مهما حصل، و تحت أي ظرف كان، حتى يشعرهم هو عليه الصلاة و السلام بذلك، فهذا هو الفارق و هذا هو معنى الآية الكريمة فهذه الآية تتحدث عن ما حصل في غزوة أحد و هي كما تقدم عند جمهور المفسرين تتحدث عن مخالفة الرماة و أما عند من يرى بأن الآية تتحدث عن مخالفة من تأخر عن الخروج و ملاقات العدو في أحد فكما يروى بأنه سئل عثمان بن عفان عن ذلك فقال ذلك أمن قد عفى الله تعالى عنه، فعند هؤلاء بأن عدم الخروج في ذاته إنما هو أيضا استزلال من الشيطان لأنه تثبيط عن الخروج، لكن لم يثبت أن هناك من كان غير معذور و تخلف، و إن كانوا قد ذكروا قيل عشرة و قيل إثنى عشرة و قيل دون ذلك لكن الظاهر أن الآية أخذا بعموم إنما تتحدث عن مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تتحدث عن هذه الواقع لكن التولي الذي هو من كبائر الذنوب هو تولي الإدبار يوم الزحف الذي يكون فرارا و هروبا أما الذي يكون لتنظيم الصفوف و للكرة بعد الفرار وللبحث عن مخرج يمكن أن يعيد به المسلمون الكرة على عدوهم فإن هذا لا يشمله معنى التولي يوم الزحف، و لا يعني تولية الأدبار عند اللقاء المنهي عنه بنص كتاب الله عز و جل و بنص سنة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فلا تحمل عليه آية المائدة و لا تحمل عليه آية آل عمران.
إنما هو التولي الذي تقدم وصفه بدليل هذا التشبيه فضاقت عليهم الأرض بما رحبت فهذا دليل على اشتداد الكرب و على الحيرة التي كانوا فيها و تخبطهم في عدم معرفتهم بما يجب عليهم أن يفعلوه حتى سمعوا صوت رسول الله صلى الله عليه و سلم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: رسول الله صـلى الله علیه وآله وسلم أمر رسول الله صلى الله علیه الله تبارک و تعالى الله تبارک وتعالى تبارک وتعالى الآیة الکریمة فی سبیل الله الله تعالى بأن النصر عن الخروج هذه الآیة تتحدث عن أن الآیة على رسول بعید عن إنما هو ما حصل ما صدر
إقرأ أيضاً:
اعطوا الطريق حقه
سعيد بن سالم البادي
حثّ الإسلام على مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب المتعلقة بكل جوانب حياة الإنسان منذ ولادته حتى موته، ومن بين تلك الآداب أدب الطريق الذي يُعبّرعن سمو المجتمع ورقي تحضّره فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الطريق، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والجلوس على الطُّرُقاتِ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ما لنا بُدٌّ من مَجالسِنا نتحدَّثُ فيها فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فإذا أبَيْتُم إلَّا المَجلِسَ فأعطُوا الطريقَ حقَّه، قالوا: وما حقُّ الطريقِ يا رسولَ اللهِ؟ قال:غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذى، ورَدُّ السلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكر".
هذا الحديث النبوي الشريف يشمل بمعناه الجلوس على الطريق وفقًا لما جاء في لفظ الرواية، كذلك يشمل استخدام الطريق والسير عليه؛ حيث حث على كف الأذى أثناء الجلوس على الطريق.
وإن حق الطريق يتضمن مجموعة من الآداب والأخلاق التي يجب على مستخدم الطريق الالتزام بها عند سيره في الطريق أو جلوسه على جانبه وسواء كان ماشيًا أو راكبًا.
وهذا يهدف إلى حفظ الأمن والنظام والاستقرار ومنع الأذى والضرر عن الآخرين؛ مما يؤدي إلى رضا الله تعالى عن الشخص الذي يلتزم بآداب الطريق؛ فالالتزام بهذه الآداب عبادة يتقرب بها مستخدم الطريق إلى ربه، كما إنه يسهم بذلك في إشاعة الأمن والطمأنينة في المجتمع؛ حيث يسير الناس في طرقاتهم آمنين على أنفسهم وأعراضهم وتسود المحبة والإخاء بين أفراد المجتمع، حيث تتعزز العلاقات الإنسانية.
ومن الآداب التي يجب على مستخدمي الطريق الإلتزام بها: احترام قواعد المرور التي وُضعت للحفاظ على النظام العام، وتنظيم حركة السير، والحفاظ على حياة الناس، واحترام القائمين على تنفيذ النظام، وتقديم العون والمساعدة لهم بالالتزام بتعليماتهم أثناء تأدية مهامهم، وكذلك تقديم المساعدة في حالة الطلب منهم.
وكذلك من الآداب كف الأذى عن مستخدمي الطريق؛ سواء بالقول أو الفعل بما يزعجهم، كرفع أصوات أبواق التنبيه أو مكبرات أصوات المذياع، أو تزويد المركبات بعادم الكربون؛ بما لا يتوافق مع المواصفات الفنية ويسبب إزعاجًا للآخرين، بما يخرجه من أصوات مزعجة، علاوة على عدم مضايقة المارة بمركبته، وعدم رمي القاذورات والمخلفات في الطريق.
وللأسف الشديد يتلاحظ من البعض عدم احترام تلك القواعد بإتيانه لبعض السلوكيات المشينة أثناء قيادة مركبته؛ كالتجاوز في أماكن يمنع فيها التجاوز، أو الدخول إلى الطريق بسرعة وعدم المبالاة بأولوية السير، وكذلك التجاوز من اليمين؛ مما قد يؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة تنتج عنها الوفيات والخسائر المادية، وما يتبع ذلك من آثار جانبية تكلف الدولة المبالغ الطائلة التي تُستنزف في العلاج والتعويض والاصلاح.
ومن الملاحظات الإتيان بسلوكيات تتنافى والعادات والتقاليد والقيم التي تربى عليها الشارع العُماني؛ مما يعكس انطباعًا لا يليق بهذه الالعادات والتقاليد والقيم، وكذلك يسبب كثيرًا من المخاطر والخطورة عليه وعلى المارة ومستخدمي الطريق.
إن عدم إعطاء الطريق حقه مما فرضه علينا الدين والقانون والقيم والعادات والتقاليد يعد استهتارًا بكافة القيم والمعايير الواجب علينا الإلتزام بها.
والالتزام بحقوق الطريق التي أقرها شرعنا الحنيف ونظامنا المروري وقيمنا العُمانية وكف الأذى بشتى أنواعه، يعكس صورة مُشرقة عن مجتمعنا، كما هو معروف به، وكل من يعيش على أرض عُمان، ويُساهم في بناء مجتمع آمن مُتحضِّر يسُودُه الأمن والاحترام المتبادل والمحبة والإخاء، كما يوفر في ذات الوقت الكثير من موارد الدولة؛ سواءً كانت موارد بشرية أو مالية التي يقوم عليها المجتمع وتقدمه وتطوره؛ فلنحافظ على تلك الحقوق والواجبات ونتمسك بالقيم والآداب لتنتشر الطمأنينة بين الناس في الطريق العُماني وليكن شعارنا "حقوق الطريق مسؤولية الجميع".