الفكر السوداني هل يستطيع أن يلحق بمجد العقلانية؟
تاريخ النشر: 18th, April 2024 GMT
طاهر عمر
بعد خمسة سنوات سيتذكر العالم مرور قرن من الزمان على الكساد الإقتصادي العظيم عام 1929 و كانت فرصة عظيمة أن يظهر روزفلت كشخصية تاريخية و يحيط نفسه بمشرعيين يواجه بهم لحظة إنقلاب زمان تحتاج للحكماء و الفلاسفة و الأنبياء. عندما قابل جون ماينرد كينز روزفلت وصفه بأنه سياسي ملم بما ينبغي فعله لمواجهة الكساد الإقتصادي و وجده مدرك بأن فلسفة التاريخ التقليدية قد وصلت لمنتهاها و أن ليبرالية حديثة تشق طريقها بصعوبة و لا يمكن تحقيق ذلك بغير فلسفة تاريخ حديثة تتيح فرصة التدخل الحكومي و تعلن نهاية فلسفة اليد الخفية لادم اسمث و في نفس الوقت ترفض فلسفة اليد الحديدية التي إتصفت بها الشيوعية كشمولية بغيضة.
نجح روزفلت و عبر من حقبة الكساد الإقتصادي العظيم و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت أوروبا مرغمة اقتصاديا بأن يكون اقتصادها متغير تابع للإقتصاد الأمريكي بعد تدخل أمريكا في الحرب العالمية الثانية 1941 و بعد نهاية الحرب كان تمويل مشروع مارشال مشروع إعمار أوروبا من دمار الحرب العالمية الثانية. قبل الكساد الإقتصادي بقليل نشرت أفكار ماكس فيبر و حديثه عن عقلانية الرأسمالية و نقده للشيوعية و بعده واصل ريموند أرون في نقده للشيوعية و النازية و الفاشية بأنها نظم شمولية بغيضة تجسد لحظة الفكر العابر و المؤقت و هي لحظة نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و أن الشيوعية لا تجذب غير المثقف المنخدع بماركسية ماركس.
أحتاجت أفكار ريموند أرون و أفكار مدرسة الحوليات الفرنسية لثلاثة عقود حتى تصل و تصبح روح مراكز البحوث و تصبح مقبولة في الجامعات الفرنسية و أصبح فكر توكفيل و مسألة التحول في المفاهيم فيما يتعلق بممارسة السلطة و مفهوم الدولة في مجتمعات ما بعد الثورة الصناعية أكبر حائط صد لأفكار ماركسية ماركس.
الحقبة التي تزامنت مع لحظة الكساد الإقتصادي العظيم و لحظة ظهور النظرية الكيزانية و مسألة التدخل الحكومي في النظرية العامة و فيها يدمج كينز كتابي ادم اسمث ثروة الأمم و نظرية المشاعر الأخلاقية ليخرج بفكرة التدخل الحكومي و مسألة الإستهلاك المستقل عن الدخل كانت فيها النخب السودانية قد بدأت إهتمامها بأدب الحضارة الإسلامية التقليدية بتعليم ضعيف فكان البون شاسع بينها و النخب في المجتمعات المتقدمة مقارنة بجهود ماكس فيبر في عقلانية الرأسمالية و ريموند أرون و فلسفة التاريخ الحديثة و كينز و مسألة التدخل الحكومي الذي يبعد كل من اليد الخفية لادم اسمث و اليد الحديدية للفكر الشيوعي الشمولي.
حينها كانت النخب السودانية في بداية ثلاثينيات القرن المنصرم حبيسة لغة عربية متحجرة كما وصفها هشام شرابي لا تصلح غير أن تكون مرتع للفكر اللاهوتي الديني و بالتالي لم تنتج في السودان غير أدب الهويات في تجاهل مخزئ لأدب الحريات. عندما إنتهت الحرب العالمة الثانية عام 1945 ظهرت الأحزاب السودانية بفكر بائس نتاج مثقف سوداني حبيس لغة عربية متحجرة و لم تظهر غير أحزاب هي نفسها قد أصبحت مرتع فكر لاهوتي ديني سواء كان في حزب الأمة أو في حزب شيوعي سوداني يتبنى ماركسية تقليدية كدين بشري أي ماركسية غائية لاهوتية دينية لا تجذب غير مثقف منخدع بماركسية ماركس و قد رأينا كيف كان عبد الخالق محجوب يبحث لدور للدين في السياسة السودانية و تبعه محمد ابراهيم نقد لينتهي بعلمانية محابية للأديان.
منذ منتصف الأربيعينات و ظهور الأحزاب السودانية يغوص السودان في وحل أحزاب اللجؤ الى الغيب أو أحزاب أيديولوجيات متحجرة كحال النسخة الشيوعية السودانية المتكلسة. بعد الإستقلال 1956 لم تنتبه النخب السودانية للتحول في المفاهيم و لم تلاحظ النخب السودانية بأن فكر توكفيل قد إنتصر على ماركسية ماركس و ريموند أرون قد إنتصر على سارتر و قد أصبحت علاقة الرأسمالية علاقة طردية مع التحول الديمقراطي و علاقة عكسية مع الشيوعية و بالتالي لم تهتم النخب السودانية بما لحق حقول الفلسفة السياسية و الفلسفة الإقتصادية من تحول في المفاهيم فيما يتعلق بمفهوم الدولة و مفهوم ممارسة السلطة و النتيجة نخب سودانية لا تعرف غير محاصصة السلطة و ليست ممارستها لأن ممارسة السلطة في المجتمع الحديث تعني علاقة الفرد بالدولة مباشرة بعيدا عن مركز و هامش لتحقيق فكرة المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد كما نجدها في فكرة الإستهلاك المستقل عن الدخل في الكينزية و هنا تتضح فكرة عقلانية الرأسمالية في فكرة الإقتصاد و المجتمع في فكر ماكس فيبر.
في نهاية الستينيات في السودان صادفت ثورة الشباب في فرنسا عام 1968 و إنقلاب النميري في السودان عام 1969 و هنا يمكننا الحديث و بشكل واضح كيف كان تأثر النخب السودانية بفلاسفة ما بعد الحداثة في هجومهم على العقل و الفكر العقلاني و هجومهم على أفكار الحداثة و هنا يتضح جليا بأن النخب السودانية كانت في إنقلاب مايو ضحايا إلتباس فكري عند أتباع اليسار السوداني المتكلس فيما يتعلق بمفهوم الدولة و ممارسة السلطة و حينها كان فلاسفة ما بعد الحداثة يساوون ما بين النظم الشمولية و الديمقراطية الليبرالية و لذلك كانت ثورة الشباب في فرنسا ثورة وعي زائف كما وصفها ريموند أرون متحدي فكر فلاسفة ما بعد الحداثة.
إستمر اليسار السوداني في إلتباس فكره عن مفهوم الدولة كمفهوم حديث و كذلك مفهوم ممارسة السلطة محاولا في إنقلاب هاشم العطا عام 1971 مما يدلل على غياب أفق مفهوم الدولة كمفهوم حديث و مفهوم ممارسة السلطة وفقا لقيم الجمهورية و الديمقراطية الليبرالية في وقت بداءت في أوروبا موجة التنبؤ بسقوط الشيوعية و بعد إنقلاب هاشم العطا بأقل من عقدين إنهار جدار برلين و إختفت الشيوعية بشكل تراجيدي.
تأثر النخب السودانية بفلاسفة ما بعد الحداثة و مساوات فكرهم بين الشيوعية كنظام شمولي بغيض و الليبرالية جعل النخب السودانية غير مبالية و لم تلتقط إشارة معنى إنهيار جدار برلين عام 1989 المتزامن مع مرور قرنيين على ذكرى الثورة الفرنسية و إنتصارها لقيم الجمهورية و مواثيق حقوق الإنسان التي تعني نهاية الفكر الديني و للمفارقة العجيبة فاذا بإنقلاب الحركة الإسلامية يحدث في السودان 1989 في نفس عام سقوط جدار برلين.
و هذا مؤشر يؤشر بأن النخب السودانية خارج النموذج لأن إنهيار جدار برلين للشعوب المتقدمة يعني نهاية الشيوعية و نهاية الفكر الديني و عندنا في السودان كان بداية للحركة الإسلامية لكي تمارس جهلها لثلاثة عقود و النتيجة معروفة للكل تدني حاد في مستوى وعي النخب السودانية إسلاميين و معارضة فاشلة أضاعت فرصة إنجاح ثورة ديسمبر ثورة شعب متقدم على نخبه.
ما أود أن أنبه له في هذا المقال يجب على النخب السودانية أن تعرف بأن هناك فرق شاسع بين الشيوعية كنظام شمولي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس و يعتبر الدولة أداة في يد الطبقة المهيمنة لكي تزداد هيمنة على بقية الطبقات و هذا فهم غير صحيح مع المقارنة بالتحول في المفاهيم مع تطور فكر فلسفة التاريخ الحديثة و الليبرالية الحديثة حيث أصبحت الليبرالية أقرب الطرق لتحقيق معادلة الحرية و العدالة و هدفها تحقيق المسؤولية الإجتماعية نحو الفرد. و نجده الآن في فكرة الضمان الإجتماعي في الدول الاوروبية و نجد أن الأحزاب الشيوعية في الغرب و كذلك الأحزاب الإشتراكية قد أيقنت من صحة نظم الإنتاج الرأسمالي و في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم نجد فرانسوا ميتران أدخل فكرة الحد الأدنى للدخل مستفيد من المعادلات السلوكية في النظرية الكينزية و هي تتحدث عن الإستهلاك المستقل عن الدخل. هذا ما فات على أتباع النسخة الشيوعية السودانية المتكلسة في تأثّرها بأزمة النخب العربية كما تحدث عنه هشام شرابي عن عداءهم الدائم للفكر الغربي.
عليه تصبح الديمقراطية الليبرالية ليست نظام حكم فحسب بل فلسفة لتحقيق فكرة المساواة بين أفراد المجتمع و قد أصبحت بديلا للفكر الديني وفقا لفكر توكفيل في ديمقراطيته حيث يصبح الدين شأن فردي و يجرد الدين من أي قوة سياسية و من أي قوة اقتصادية و يصبح أفق الرجاء للفرد في مواجهة مصيره فيما يتعلق بايمانه و شأنه كفرد و ليس كما هو سائد الآن في خطاب أتباع المرشد و الامام و الختم في السودان حيث نجد قوة الدين السياسية في طرح وحل فكر الخطاب الديني و كذلك في نشاط اقتصادي تمارسه البنوك الإسلامية في ظل عجز النخب السودانية عن تحدي تراث إسلامي عن الربا في مقابله نجد أن جون كالفن تحدى تراث يهودي مسيحي متراكم لمدى ثلاثة ألاف من السنيين عندما أصبح الأب الشرعي لفكرة سعر الفائدة متخطيا فكر رجال الدين عن الربا. و هنا تظهر فكرة عقلانية الرأسمالية.
في ختام هذا المقال نقول للقارئ أن فشل النخب السودانية في ثورة اكتوبر 1964 و فشلهم في تحقيق أهداف ثورة أبريل عام 1985 و فشلهم في تحقيق شعار ثورة ديسمبر حرية سلام و عدالة يؤكد فشلهم السياسي و يطل سؤال مهم لماذا هذا الفشل السياسي الدائم للنخب السودانية؟ و للأسف لا تجد الإجابة في جهود النخب السودانية الفكرية من أقصى اليسار السوداني الرث الى أقصى يمينه الغائص في وحل الفكر الديني و لكن يمكن أن تجد الإجابة في كتاب هشام شرابي النقد الحضاري للمجتمع العربي و فيه يتحدث عن أن الفشل السياسي للنخب في العالم العربي التقليدي كامن في أزمة الحضارة الإسلامية العربية التقليدية و كذلك في أزمة الثقافة العربية التقليدية و كامن في عداءها الدائم للحداثة إلا أنه يظل يؤكد على أن الإنسان محكوم بالحرية و مسألة الحرية في المجتمعات التقليدية آتية كما تؤكد نظريات النمو الإقتصادي أن مسألة إنعتاق العالم العربي مسألة وقت لا غير و حينها لا يمكن أن تفشل الثورات كما فشلت ثورة اكتوبر في السودان و ثورة ابريل عام 1985 و نقول للنخب السودانية ينتظركم الكثير لإنجاح ثورة ديسمبر و إنزال شعارها حرية سلام و عدالة و أوله الإنتباه لأزمة الحضارة العربية الإسلامية التقليدية و أزمة الثقافة التي يتبعها أتباع الختم و المرشد والامام و يفرضونها كخطاب يجسد وحل الفكر الديني في السودان و لا يجيد إلا إفشال الثورات و يأبد الفشل السياسي.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: النخب السودانیة التدخل الحکومی ما بعد الحداثة الفکر الدینی مفهوم الدولة فی المفاهیم جدار برلین فیما یتعلق فی السودان فی فکر
إقرأ أيضاً:
الإمارات.. التزام راسخ بدعم الشعب السوداني
أحمد عاطف، شعبان بلال (أبوظبي)
تواصل دولة الإمارات التزامها التاريخي والراسخ بتقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني والإغاثي للشعب السوداني الشقيق؛ للتخفيف من حدة تداعيات الأزمة التي يعانيها منذ أبريل 2023، مع التركيز على معالجة الوضع الإنساني الكارثي، وتبنّي نهج يضع احتياجات المدنيين في المقدمة.
وبلغت قيمة المساعدات الإنسانية الإماراتية المقدمة للشعب السوداني، منذ بدء الأزمة، 600.4 مليون دولار، بما في ذلك 200 مليون دولار تعهّدت بها دولة الإمارات في المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان الذي عقد في أديس أبابا في 14 فبراير الماضي، ليصل بذلك مجموع ما قدمته الإمارات، خلال السنوات العشر الماضية، إلى 3.5 مليار دولار قيمة المساعدات الإنسانية للشعب السوداني.
وعلى مدى عامين من عمر الأزمة، شكلت المبادرات والمساعدات الإنسانية الإماراتية طوق النجاة لأعداد هائلة من المتضررين نتيجة النزاع الدائر في السودان، حيث بلغ عدد المستفيدين المباشرين من تلك المساعدات ما يزيد على مليوني شخص من الشعب السوداني الشقيق.
وأطلقت الإمارات جسراً جوياً لنقل المساعدات الإنسانية للشعب السوداني الشقيق، والذي أرسلت من خلاله 162 طائرة، حملت مختلف أنواع المساعدات الغذائية والطبية والإغاثية.
وسيّرت الإمارات العديد من سفن المساعدات الإنسانية لدعم المتضررين من النزاع داخل السودان، إلى جانب اللاجئين السودانيين في تشاد وأوغندا، والتي حملت على متنها 13 ألفاً و168 طناً من المواد الغذائية والطبية والإغاثية، منها 6388 طناً من المساعدات الغذائية و280 طناً من المساعدات الطبية لدعم المتضررين من النزاع داخل السودان. كما تضمنت المساعدات الإنسانية التي حملتها السفن المرسلة من الإمارات 6000 طن من المساعدات الغذائية والإغاثية لدعم اللاجئين السودانيين في تشاد، و200 طن من المواد الغذائية والإغاثية لدعم اللاجئين السودانيين في أوغندا، و300 طن من الإمدادات الغذائية والإغاثية لتلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين في جنوب السودان.
وأولت الإمارات أهمية كبرى للجانب الصحي في دعم الأشقاء السودانيين، حيث شيّدت مستشفييْن ميدانيّيْن في مدينتي أمدجراس وأبشي في تشاد لتوفير الخدمات الطبية للاجئين السودانيين في دول الجوار، واللذين استقبلا 90889 حالة، كما افتتحت مستشفى في منطقة مادول في ولاية بحر الغزال في جنوب السودان، فضلاً عن تقديم الدعم إلى 127 منشأة صحية في 14 ولاية.
وخصصت دولة الإمارات 70 مليون دولار لوكالات الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية والإغاثية في السودان، والتي توزعت على الشكل الآتي: 25 مليون دولار لبرنامج الأغذية العالمي، و20 مليون دولار للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و8 ملايين دولار لمنظمة الصحة العالمية، و5 ملايين دولار لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، و5 ملايين دولار لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، و7 ملايين دولار لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».
وقدمت دولة الإمارات 30 مليون دولار دعماً للاجئين في الدول المجاورة للسودان، وأعلنت تقديم 10.25 مليون دولار للأمم المتحدة لدعم اللاجئات السودانيات المتضررات من الأزمة المستمرة في السودان.
وواصلت الإمارات دعمها لمسيرة التعليم بين اللاجئين السودانيين، إذ وقعت اتفاقية مع منظمة «اليونيسف» لتخصيص 4 ملايين دولار لدعم تعليم اللاجئين السودانيين في تشاد.
ويعد السودان أحد أبرز محطات العمل الإنساني في دولة الإمارات، وكانت بداية العطاء في سبعينيات القرن الماضي، حيث دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، مشروع شق طريق هيا بورتسودان لربط المدن السودانية ببعضها، ما أسهم في النهضة التجارية والصناعية والزراعية للشعب السوداني.
وتوالت منذ ذلك الحين المشروعات التنموية والاقتصادية الإماراتية في السودان، والتي أسهمت في زيادة الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص عمل كبيرة لأبناء الشعب السوداني الشقيق، فضلاً عن المبادرات والمساعدات الإنسانية الإماراتية التي كانت حاضرة في كل الظروف والأزمات الطارئة التي تعرض لها السودان.
معالجة الأزمة
منذ اندلاع النزاع المسلح بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، خلال أبريل 2023، تتخذ دولة الإمارات موقفاً واضحاً وراسخاً تجاه الأزمة السودانية، يركز على الوصول إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإنهاء الاقتتال الداخلي، ومعالجة الأزمة الإنسانية، من خلال تقديم الدعم الإنساني والإغاثي العاجل للشعب السوداني.
وفي الوقت الذي تسعى فيه دولة الإمارات جاهدة إلى التخفيف من تداعيات الأزمة الإنسانية الحادة التي يُعانيها الشعب السوداني، تواصل القوات المسلحة السودانية محاولاتها المستمرة إلى صرف الانتباه عن التواطؤ الواضح في الفظائع الواسعة النطاق، والتي لا تزال تدمر السودان وشعبه، مستغلة المنابر الدولية لنشر ادعاءات واهية لا أساس لها من الصحة، خاصة بعدما أكدت الأمم المتحدة حدوث انتهاكات واسعة وعمليات إعدام خارج القانون بعد سيطرة القوات المسلحة على الخرطوم.
ومن جهتهم، أكد خبراء ومحللون أن الإمارات تواصل أداء دورها الإنساني والدبلوماسي البنّاء في السودان، رغم الحملات المغرضة التي تحاول تشويه صورتها عبر اتهامات لا أساس لها من الصحة.
وأوضح الخبراء والمحللون، في تصريحات لـ«الاتحاد»، أن الدولة حافظت على موقفها الثابت منذ بداية الأزمة السودانية، بدعمها وقف إطلاق النار، وسعيها المستمر إلى حماية المدنيين، فضلاً عن تقديمها مساعدات إنسانية سخية، دون أي اعتبارات عرقية أو دينية أو سياسية.
وشددوا على أن دولة الإمارات تواصل دعمها للشعب السوداني من منطلق إنساني وأخلاقي، ويأتي وقف إطلاق النار، وتسوية الأزمة سلمياً، والتخفيف من المعاناة الإنسانية على رأس أولوياتها.
تسوية سلمية
أوضح المحلل السياسي الكويتي، خالد العجمي، أن الإمارات تتخذ موقفاً واضحاً ومعروفاً تجاه الأزمة السودانية، يركز على دعم التسوية السلمية، ووقف الاقتتال الداخلي، مؤكداً أنها تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، وتواصل جهودها الدؤوبة لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للشعب السوداني الشقيق.
وقال العجمي، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن الإمارات، منذ اندلاع النزاع في السودان، ركزت على الجانب الإنساني، من خلال إرسال مساعدات طبية وإغاثية للنازحين والمتضررين من القتال، وذلك بالتعاون مع الهيئات الأممية المختصة، ما يعكس التزام الدولة الصادق تجاه الشعب السوداني دون أي أهداف خفية.
وعبّر عن رفضه القاطع للمزاعم التي أطلقتها القوات المسلحة السودانية بشأن تدخل دولة الإمارات في النزاع، ووصفها بادعاءات لا تستند إلى أي دليل، وتأتي ضمن حملة لتشويه دور إنساني نبيل، هدفه الوحيد هو التخفيف من معاناة الأبرياء في مناطق النزاع.
وأضاف العجمي أن الإمارات لا تعمل في الخفاء، بل تُعلن عن جميع تحركاتها الإغاثية والدبلوماسية، وتنسق بشكل شفاف مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية، لافتاً إلى أن ما يزعج بعض الأطراف هو أن الإمارات تكسب ثقة الشعوب من خلال الأفعال لا الشعارات.
وأشار إلى أن الإمارات لا تكتفي بإرسال المساعدات، بل تسعى على مدار الساعة إلى فتح قنوات الحوار بين الأطراف المتنازعة، غير أن هذه المساعي تصطدم بمصالح أطراف لا تريد إنهاء الحرب، وتسعى لإطالة أمد الصراع لأسباب تتعلق بمراكز النفوذ والسيطرة. ولا شك في أن محاولات القوات المسلحة السودانية المستمرة تهدف إلى صرف الانتباه عن التواطؤ الواضح في الفظائع الواسعة النطاق، والتي لا تزال تدمر السودان وشعبه، وهذا أمر ترفضه القوى الدولية الداعمة للشعب السوداني.
وذكر المحلل السياسي الكويتي أن الإمارات تحمل في قلبها هموم الشعوب الشقيقة والصديقة، ولم تتردد يوماً في مد يد العون، سواء في السودان أو في غيره من الدول، ما يجعلها بلد العطاء والخير، حيث إن دورها الإنساني لا تحده الجغرافيا، ولا تقيّده الاعتبارات السياسية.
جهود إنسانية
من جانبه، قال مدير مركز بروكسل للدراسات، رمضان أبو جزر، إن الإمارات تُعد من أبرز الداعمين لإنهاء الأزمة السودانية سلمياً. وفي هذا الإطار، عملت جدياً، منذ اندلاع النزاع، على تقديم حلول سياسية تحفظ دماء السودانيين، وتحمي المدنيين من ويلات الاقتتال الداخلي.
وذكر أبوجزر لـ«الاتحاد» أن الإمارات قدمت خلال العام الماضي وحده مساعدات إنسانية ضخمة، شملت قوافل وحملات إغاثية عاجلة، إضافة إلى تخصيص مبالغ طائلة لبرامج الإغاثة والصحة، وذلك عبر قنوات الأمم المتحدة، ودون ربطها بأي أجندات سياسية.
وقال إن الإمارات لم تكتفِ بتقديم المساعدات الإنسانية، بل حرصت أيضاً على فتح منصات للحوار، وكان موقفها في الملف السوداني متوازناً ومتسقاً مع تطلعات الشعب الشقيق، ولم تدعم طرفاً على حساب آخر، ولا تزال تدفع في اتجاه الحوار الشامل.
وأضاف أن القيادة الإماراتية وضعت مصلحة الشعب السوداني على رأس الأولويات، إيماناً بأن الإغاثة هي المدخل الأول لأي حل مستدام، مؤكداً أن الإمارات تسعى دائماً إلى تحقيق استقرار حقيقي، وليس مجرد تهدئة مؤقتة.
وأوضح أبوجزر أن هناك مؤسسات إماراتية رائدة، أبرزها «الهلال الأحمر» الإماراتي، حاضرة في الميدان السوداني لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية من دون أي شروط أو حسابات، ما يعكس التزاماً إنسانياً وأخلاقياً لا لبس فيه.
مسار السلام
وفيما تحاول القوات المسلحة السودانية عبثاً استغلال المنابر الدولية للترويج لبيانات مستهجنة وادعاءات زائفة ضد دولة الإمارات، في تعارض فجّ مع الواقع والحقائق على الأرض، تواصل دولة الإمارات مساعيها النبيلة الرامية إلى مساندة الشعب السوداني لتحقيق تطلعاته في التنمية والأمن والازدهار والتقدم.
ولا تكترث الإمارات بمثل هذه الادعاءات الباطلة، لاسيما مع إدراك أنها مجرد محاولات عبثية من قبل القوات المسلحة السودانية للتهرب من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن الأزمة الإنسانية الكارثية نتيجة لتصرفاتهم وممارساتهم المدمرة في هذه الأزمة.
وأكد الباحث في الدراسات الاستراتيجية، الدكتور عماد الدين حسين بحر الدين عبد الله، أن الدور الذي تقوم به الإمارات تجاه الأزمة السودانية يُعد من أهم وأبرز الأدوار الداعمة للشعب السوداني إنسانياً ودبلوماسياً وسياسياً، ولا يمكن تجاهل ما قدّمته الإمارات لصالح ملايين السودانيين، سواء من حيث الدعم السياسي الواضح لمسار السلام، أو المساعدات الاقتصادية الضخمة، والتي كان أبرزها التبرع بملياري دولار لحكومة السلام السودانية.
وأوضح بحر الدين، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تُعد من أكثر الدول حرصاً على استقرار السودان، وتسعى باستمرار إلى دفع العملية السياسية نحو الأمام.
وأضاف أن الإمارات لم تتوانَ عن دعم مؤسسات الدولة السودانية المدنية، وكانت ولا تزال شريكاً فاعلاً في محاولة وقف النزاع عبر أدوات دبلوماسية وسياسية، مؤكداً أن مواقف أبوظبي اتسمت بالثبات والوضوح، بعيداً عن الاصطفاف العسكري أو الاستغلال السياسي للأزمة.
وأشار إلى أن الشعب السوداني يدرك تماماً من وقف معه في المحنة، ويقدّر كل من أسهم في محاولة التخفيف من ويلات الحرب. من هنا، فإن الشكر والتقدير لدولة الإمارات، قيادةً وشعباً، هو أقل ما يمكن تقديمه.
دعم الاستقرار
شدد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدولي، الدكتور هيثم عمران، على أن دولة الإمارات تتبنى منذ سنوات طويلة رؤية استراتيجية لسياستها الخارجية تقوم على دعم الاستقرار الإقليمي، ورفض التدخلات الخارجية السلبية في شؤون الدول، وتعزيز الحلول السلمية للنزاعات، وهو ما يتجسد بوضوح في موقفها الثابت والراسخ من الأزمة السودانية.
وقال عمران، في تصريح لـ«الاتحاد»، إن الإمارات حريصة على حفظ وحدة السودان وتماسكه الاجتماعي، وترفض تحويل الدولة الشقيقة إلى ساحة صراع إقليمي أو دولي بين قوى متصارعة على النفوذ، حفاظاً على سيادته ووحدته واستقلال قراره الوطني.
وأضاف أنه منذ بداية الأزمة في أبريل 2023، تؤكد الإمارات أن الحل العسكري سيؤدي إلى تعميق الانقسام، وتفاقم المأساة الإنسانية، وشددت في أكثر من مناسبة على أن أي حل يجب أن يكون سياسياً وسلمياً، ومبنياً على الحوار بين الأطراف السودانية دون إقصاء لأي مكون مدني أو عسكري.
انتهاكات وادعاءات
ذكرت تقارير حقوقية دولية أن القوات المسلحة السودانية ارتكبت انتهاكات جسيمة منذ سيطرتها على أجزاء من العاصمة الخرطوم، في حين وثقت الأمم المتحدة عمليات إعدام خارج نطاق القانون، إضافة إلى اعتقالات تعسفية بحق مئات المدنيين.
ويرى مراقبون أن القوات المسلحة السودانية تحاول صرف الأنظار عن هذه الانتهاكات من خلال اتهام أطراف خارجية، من دون تقديم أي دليل يُثبت صحة هذه الادعاءات، معتبرين أن محاولات القوات المسلحة السودانية لاستغلال بعض المنابر الدولية لترويج هذه المزاعم أمر مؤسف، ولا يخدم القضية السودانية، بل يزيد من تعقيد المشهد.