على مدار العام الجاري، أصدرت المحكمة الدستورية العليا، العديد من الأحكام الهامة، التي استقطبت نحوها الشارع المصري، لُتسطر مشاهدًا هامة لن تُنسى من ذاكرة متابعي الشأن القضائي والدستوري في مصر، نُسلط الضوء على أبرزها خلال السطور التالية.

 

رفض دعوى بطلان قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية

 

 

في نوفمبر الماضي، قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمى، بعدم قبول الدعوى المطالبة بعدم دستورية القانون رقم 81 لسنة 2016 بشأن الخدمة المدنية ونص المادة 194 من لائحته التنفيذية فيما يخص حساب مدد الخبرة العلمية والعملية للمعين قبل صدور القانون.

 

 

حيث أقيمت الدعوى التى حملت رقم 90 لسنة 43 دستورية، للمطالبة بعدم دستورية القانون رقم 81 لسنة 2016 بشأن الخدمة المدنية ونص المادة 194 من لائحته التنفيذية.

 

 وتنص المادة 194 من القانون على أن "تحسب للمعين قبل العمل بالقانون مدد الخبرة العلمية والعملية، وفقا للشروط والقواعد المقررة قبل العمل بأحكامه".

 

 

الدستورية تقضي لصحة حظر استجواب القاضي عند تحقيق طلب رده من أحد الخصوم

 

كما أصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي، حكمها برفض الدعوى التى تطالب بعدم دستورية الفقرة الثانية من البند "ج" من المادة ١٥٧ من قانون المرافعات المدنية والتجارية بعد استبدالها بالقانون رقم 18 لسنة 1999.

 

وأشارت المحكمة في أسباب حكمها أن المشرع بتقريره النص المطعون فيه، قد أعمل سلطته التقديرية في شأن تنظيم بعض إجراءات الإثبات أثناء تحقيق طلب رد القضاة، بأن حظر استجواب القاضي أو توجيه اليمين إليه، مشيدًا بذلك للمتقاضين في خصومة الرد نطاقًا للتداعي يقوم على أساس طبيعة المنازعة، بمراعاة أنه يترتب على تقديم طلب الرد – بحسب الأصل – وقف الدعوى الأصلية إلى أن يُفصل في الطلب، مما مؤداه ربط هذا التنظيم الإجرائي للخصومة في مجمله بالغايات التي استهدفها المشرع منها، والتي تتمثل في تحقيق التوازن بين طرفيها، ومن ثم تكون المغايرة التي اتبعها المشرع في تنظيمه لإجراءات التقاضي في دعوى الرد، قائمة على أسس مبررة، مما تنتفي معه قالة الإخلال بمبادئ سيادة القانون والمساواة وتكافؤ الفرص والحق في التقاضي والدفاع التي حرص الدستور على صونها.

 

 

الحكم برفض دعوى عدم دستورية مادة بقانون التأمين الاجتماعي

 

 

من بين الأحكام الهامة التي أصدرتها المحكمة الدستورية العليا، حينما قضت برفض الدعوى التى تطالب بعدم دستورية نص المادة 107 من قانون التأمين الاجتماعي الصادر بالقانون رقم 79 لسنة 1975، فيما تضمنه من اشتراط عدم بلوغ الابن سن الحادية والعشرين لاستحقاق المعاش عن والديه، على الرغم من استمرار استحقاق البنت للمعاش حتى زواجها.

 

وأوضحت المحكمة في أسباب حكمها، أن المعاش لا يعتبر إرثًا للمستحق عن صاحب المعاش، وأن النص المطعون فيه قد راعى أن سن الحادية والعشرين هي سن العمل والتكسب، مستثنيًا من ذلك حالة الابن العاجز عن الكسب، ومن لا يزال في مراحل التعليم التي لا تتجاوز مرحلة الحصول على الليسانس أو البكالوريوس، فنص على استمرار صرف المعاش للابن حتى سن السادسة والعشرين، أو الحاصل على مؤهل ولم يلتحق بعمل حتى بلوغ هذه السن، والتي اتخذها المشرع دليلًا على قدرة الابن على إعالة نفسه، كما أن تقرير حق البنت في معاش والديها حتى زواجها إنما يقوم على معيار الإعالة، ترسيخًا لتماسك الأسرة واستقرارها، وبما لا إخلال فيه بمبدأ المساواة، أو بكفالة الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي.

 

الحكم بعدم دستورية نص مادة من قانون الخدمة المدنية

 

 

كما أصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر- رئيس المحكمة، حكمًا بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة 64 من قانون الخدمة المدنية الصادر بالقانون رقم 81 لسنة 2016، فيما تضمنه من حرمان الموظف المحبوس احتياطيا من نصف أجره عن مدة حبسه، في مجال سريانه على حالات انتفاء المسئولية الجنائية بحكم نهائي أو قرار قضائي لا يجوز الطعن عليه.

 

 

 

واستندت المحكمة، في قضائها على سند من أن النص على تنظيم القانون لحالات استحقاق التعويض عن مدة الحبس الاحتياطي أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه، الذي استحدثه نص المادة ( 54 ) من دستور 2014، مؤداه أن التزام الدولة بالتعويض في تلك الأحوال صار أمرًا مقضيًا، يتربص صدور تشريع ينظم أحوال التعويض عن الحبس الاحتياطي الذي تباشره السلطة القضائية في الأحوال التي تنتفي فيها المسئولية الجنائية للمحبوس احتياطيًا، ولا كذلك الحال بالنسبة لمن حرمه نص تشريعي من نصف أجره عن مدة حبسه، إذ يغدو استرداد الموظف نصف أجره المحروم منه بمثابة تعويض عما لحق به من خسارة، تلتزمه جهة عمله إنفاذًا للالتزام الدستوري المقرر بالمادة (54) المشار إليها، فيما يكون استئداء باقي عناصر التعويض – في حالات استحقاقه – رهن بصدور التشريع الذي عينه النص الدستوري ذاته.

 

الدستورية: الرعاية الصحية والاجتماعية لعاملي مصلحة الضرائب "التزام دستوري"

 

وفي أكتوبر الماضي، قضت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر- رئيس المحكمة، بأن كفالة صندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة للخدمات الطبية المتماثلة في الداخل والخارج هو التزام دستوري.

 

وأشارت المحكمة إلى عدم دستورية البند (د) من المادة 24 من النظام الأساسي لصندوق الرعاية الاجتماعية والصحية للعاملين بمصلحة الضرائب العامة فيما تضمنه من إطلاق حكمه ليشمل عدم تحمل الصندوق تكاليف حالات العلاج خارج الدولة، وإن تماثلت مع الخدمات الطبية التي يقدمها في الداخل، وفق الضوابط التي يقررها النظام الأساسي للصندوق.

 

 

وقالت المحكمة في أسباب حكمها إن هذا الصندوق يعد أداة من أدوات الدولة في توفير الرعاية الصحية المتكاملة لأعضائه وأسرهم، ويعد شكلا من أشكال التضامن والتكافل بين أعضائه ليؤمن لهم ولأسرهم قدرًا من الاستقرار يعينهم وقت العثرة ويعوضهم عن مضارٍ أصابتهم، وبهذه المثابة فإن عضو الصندوق متى قام بسداد اشتراكاته بات مع غيره من الأعضاء تجمعهم مراكز قانونية متكافئة.

 

وأوضحت المحكمة أن النص المحال قد أقام تمييزًا بين أعضاء الصندوق الذين يعالجون في خارج الدولة وبين غيرهم ممن يعالجون داخلها، وبذلك يكون النص قد انسلخ عن الأغراض التي توخاها الصندوق، مما يشكل إخلالًا بمبادئ المساواة والعدل والتضامن الاجتماعي، كما أنه بحجبه من يعالج من أعضاء الصندوق خارج الدولة عن استيداء تكاليف علاجه، في الأحوال وبالضوابط التي تقررها لائحة النظام الأساسي للصندوق، إنما يشكل عدوانًا على الملكية الخاصة وانتقاصًا من العناصر الإيجابية للذمة المالية لعضو الصندوق، ومن ثم يكون ذلك النص قد خالف المواد (4 و8 و9 و35 و53) من الدستور.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: المحكمة الدستورية العليا قانون الخدمة المدنية قانون التأمين الاجتماعي مصلحة الضرائب الدستورية المحکمة الدستوریة العلیا الخدمة المدنیة بعدم دستوریة عدم دستوریة القانون رقم نص المادة من قانون

إقرأ أيضاً:

لاحقت قادة ورؤساء دول.. أحكام الجنائية الدولية بين تحقيق العدالة والسيادة الوطنية.. المحكمة ليس لديها شرطة أو قوات عسكرية وتعتمد على السلطات المدنية في اعتقال وتسليم المطلوبين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تصاعد الحديث عن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) ،خلال الفترة الماضية وذلك بعد إصدار مذكرتى اعتقال بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق فى مجلس الحرب يوآف غالانت، بسبب ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فضلًا عن استخدام التجويع كسلاح حرب وغيرها من الأفعال غير الإنسانية.

ولا شك أن للمحكمة دورا مهما فى التعامل مع قضايا الجرائم الدولية الكبرى مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، حيث إن المحكمة تعَد هيئة مستقلة مقرها فى لاهاي، وتهدف إلى ضمان تحقيق العدالة الدولية ومحاسبة المسئولين عن انتهاكات جسيمة.

والمحكمة أنشئت بموجب نظام روما الأساسي، الذى اعتمد فى ١٧ يوليو ١٩٩٨ ودخل حيز التنفيذ فى ١ يوليو ٢٠٠٢، وتختص بمحاسبة الأفراد المتهمين بأشد الجرائم خطورة التى تثير قلق المجتمع الدولي، مثل الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان. والاختصاص القضائى للمحكمة يشمل فقط الجرائم التى وقعت فى دول موقعة على النظام الأساسي، ورغم ارتباطها بالأمم المتحدة، إلا أنها هيئة مستقلة تعتمد على تعاون الدول لتنفيذ قراراتها.

وتتشكل المحكمة من رئيس ونائبين ينتخبهم قضاة المحكمة، وتتولى الرئاسة الإدارة العامة للمحكمة التى تقوم بالتنسيق بين مختلف الأجهزة، حيث تتكون من الشعب القضائية، والتى تشمل الشعبة التمهيدية التى تتعامل مع المسائل الأولية، مثل إصدار مذكرات التوقيف، والشعبة الابتدائية التى تنظر فى القضايا فى مرحلة المحاكمة، وشعبة الاستئناف التى تراجع الأحكام والقرارات.

وأيضًا مكتب المدعى العام المسئول عن التحقيق والملاحقة القضائية للجرائم التى تقع ضمن اختصاص المحكمة، والمدعى العام هو شخصية مستقلة ينتخب لمدة ٩ سنوات غير قابلة للتجديد، وأخيرًا قلم المحكمة وهو الذى يتولى المسئوليات الإدارية.

وتضم المحكمة الدول الأطراف فى نظام روما الأساسي، البالغ عددها أكثر من ١٢٠ دولة حتى الآن، وتتعرض للانتقادات لعدم انضمام دول رئيسية وبارزة مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا بسبب تحفظاتهما على اختصاص المحكمة، بجانب وجود صعوبة فى تنفيذ مذكرات التوقيف لغياب تعاون بعض الدول. 

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين

الرئيس الروسى فلاديمير بوتين

وعند الحديث عن القادة والزعماء الذين لاحقتهم المحكمة الجنائية الدولية، حيث إنه لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو هو المسئول البارز الأول الذى صدر بحقه مذكرة اعتقال.

حيث واجه قادة ورؤساء دول أبرزهم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس السودانى السابق عمر البشير مثل هذه المذكرات، لكن المحكمة لم تستطع إلزامهم جميعًا بالحضور إلى لاهاي.

وتعتبر محاكمة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمام المحكمة الجنائية الدولية موضوعا شائكا ومعقدا، ويرتبط بالقانون الدولى والسياسة الدولية. فى مارس ٢٠٢٣، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق بوتين تتهمه بارتكاب جرائم حرب، بما فى ذلك نقل الأطفال الأوكرانيين قسرًا إلى روسيا خلال الحرب فى أوكرانيا.

وهذه الخطوة سابقة تاريخية لأنها تستهدف رئيس دولة فى السلطة من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، ولكن المحكمة ليست لديها شرطة أو قوات عسكرية، وتعتمد على السلطات المدنية فى اعتقال وتسليم المطلوبين، ولذلك تواجه قرارات المحكمة إشكالية، تتمثل فى رفض الدول تسليم المتهمين.

وبعد إصدار الحكم بحق بوتين تغيب عن قمة مجموعة "بريكس" التى عُقدت فى جنوب أفريقيا فى أغسطس ٢٠٢٣، بعد أن أوضحت الحكومة هناك، أنه سيتعين عليها الامتثال لأمر اعتقاله بصفتها عضوًا فى المحكمة الجنائية الدولية.

ومع ذلك قام بوتين بعد ذلك بعدة زيارات رسمية دولية منها إلى الصين وهى ليست عضوًا فى المحكمة، فيما كانت أول زيارة رسمية له إلى دولة عضو بالجنائية الدولية إلى منغوليا حيث حظى حينها بترحيب حار.

كما صدرت مذكرة توقيف بحق وزير الدفاع الروسى السابق سيرجى شويجو، ورئيس هيئة الأركان العامة فاليرى جيراسيموف بتهمة "ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" حيث قالت المحكمة إنهما "وجها هجمات ضد مدنيين وأهداف مدنية فى أوكرانيا".

الرئيس السودانى السابق عمر البشير

الرئيس السودانى السابق عمر البشير

كما واجه الرئيس السودانى السابق عمر البشير عام ٢٠٠٩، مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية، وهى الأولى ضد رئيس فى السلطة منذ إنشائها عام ٢٠٠٢، وذلك جاء على خلفية النزاع المسلح فى دارفور الذى اندلع فى فبراير عام ٢٠٠٣، وقتل خلاله أكثر من ٣٠٠ ألف شخص، حيث وجهت المحكمة له ٥ تهم، وهي: "القتل والإبادة والتهجير القسرى والتعذيب والاغتصاب".

ورغم صدور مذكرة الاعتقال بحق البشير إلا أنه شارك فى قمة الاتحاد الأفريقى عام ٢٠١٥، والتى عقدت فى جنوب أفريقيا وهو ما تم اعتباره تحديا للمحكمة الجنائية الدولية ولم يتم  القبض عليه.

ورفض البشير وحكومته الاعتراف بالمحكمة أو التعاون معها، بحجة أن السودان لم يصادق على نظام روما الأساسي، كما وصف المذكرة بأنها مؤامرة غربية ضد سيادة السودان.

وحصل البشير على دعم من الاتحاد الأفريقى وجامعة الدول العربية، حيث تم اعتبار المذكرة تدخلًا فى الشئون الداخلية لدولة ذات سيادة، وزار البشير عدة دول أفريقية وعربية دون أن يتم اعتقاله، وذلك رغم عضوية بعض هذه الدول فى المحكمة الجنائية الدولية.

الرئيس الليبى الراحل معمر القذافي

معمر القذافي

كما تعرض الرئيس الليبى الراحل "معمر القذافي" لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية وابنه سيف الإسلام ورئيس الاستخبارات السابق عبدالله السنوسي، وذلك بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وحوادث قتل فى ليبيا عام ٢٠١١.

وأنكر القذافى الاتهامات الموجهة له، واعتبر المحكمة الجنائية الدولية أداة سياسية تستخدمها القوى الغربية للتدخل فى الشئون الداخلية للدول ذات السيادة، ولم يتم القبض عليه وتسليمه إلى المحكمة، وتم قتله فى أكتوبر ٢٠١١ على أيدى قوات المعارضة فى مدينة سرت، مما أنهى أى إجراءات قانونية دولية ضده.

وما زال حتى الآن تطالب المحكمة بتسليم سيف الإسلام القذافى فى ذات القضية، رغم إغلاق قضية السنوسى الذى لا يزال محتجزًا فى أحد سجون طرابلس، فى أكتوبر عام ٢٠١٣، بعد أن اعتبرت المحكمة القضية "غير مقبولة"، مشيرة إلى قدرة ليبيا واستعدادها لإجراء محاكمة عادلة لرئيس الاستخبارات السابق.

التحقيق فى أعمال العنف بكينيا

أعمال عنف التى اندلعت فى كينيا بعد إعادة الانتخابات "صورة أرشيفية"

كما حققت المحكمة الجنائية الدولية عام ٢٠١٢ فى أعمال عنف التى اندلعت فى كينيا بعد إعادة الانتخابات المثيرة للجدل للرئيس السابق مواى كيباكى فى أواخر ديسمبر ٢٠٠٧ وأسفرت عن سقوط قرابة ألف شخص، ونزوح أكثر من ٦٠٠ ألف مدني.

حيث تم توجيه اتهامات بالتزوير بعد إعلان فوز الرئيس مواى كيباكي، وحدث نزاع بين أنصار كيباكى ومنافسه الرئيسى رايلا أودينغا وتحول إلى أعمال عنف طائفية وعرقية شملت الهجمات، القتل، والاغتصاب.

ووقعت اتهامات لمسئولين كينيين منهم الرئيس السابق أوهورو كينياتا والرئيس الحالى ويليام روتو حينما كان نائبًا للرئيس، بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" منها "القتل"، و"النقل القسرى للسكان".

وعلى الرغم من الجهود المبذولة، فشلت المحكمة فى إدانة المتهمين بسبب نقص الأدلة والضغوط السياسية، وفى ديسمبر ٢٠١٤، أسقط ممثلو الادعاء فى المحكمة الاتهامات عن كينيا بسبب "عدم توافر أدلة كافية لإثبات المسئولية الجنائية"، كما أغلقت قضية ويليام روتو عام ٢٠١٦ لـ"عدم توفر أدلة كافية لإدانته".

كما أثرت هذه القضية على العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية ودول أفريقيا، حيث زادت الدعوات للانسحاب من عضوية المحكمة.

الرئيس الصربى سلوبودان ميلوسوفيتش

خلال محاكمة الرئيس الصربى سلوبودان ميلوسوفيتش بالمحكمة الجنائية الدولية

وتعرض أيضًا الرئيس الصربى ثم رئيس جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، سلوبودان ميلوسوفيتش لحكم المحكمة الجنائية الدولية، وهو شخصية بارزة فى النزاعات التى شهدتها منطقة البلقان فى تسعينيات القرن العشرين، حيث لعب دورًا محوريًا فى الحروب التى اندلعت فى البوسنة والهرسك، كرواتيا، وكوسوفو، وواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية.

فى أبريل ٢٠٠١، ألقت السلطات اليوغوسلافية القبض على الرئيس السابق سلوبودان ميلوسوفيتش، بعد الإطاحة به بعام واحد، حيث تم تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد أن أطاحت به الانتفاضة الشعبية فى صربيا عام ٢٠٠٠.

وواجه ميلوشيفيتش أكثر من ٦٠ تهمة، وبدأت محاكمته فى فبراير ٢٠٠٢ وتعتبر من أطول المحاكمات فى تاريخ المحاكم الدولية، ورفض ميلوشيفيتش الاعتراف بشرعية المحكمة ودافع عن نفسه دون محامين، وتركزت المحاكمة على أدلة تشمل شهادات الضحايا، ووثائق رسمية، وشهادات خبراء.

ولم يتم استكمال المحاكمة، حيث توفى ميلوشيفيتش فى زنزانته فى لاهاى فى ٦ مارس ٢٠٠٦ نتيجة نوبة قلبية قبل صدور الحكم، وأثارت وفاته جدلًا واسعًا حول ظروف احتجازه والرعاية الصحية التى تلقاها.

 

القائد العسكرى السابق رادوفان كاراديتش

لحظة دخول القائد العسكرى السابق رادوفان كاراديتش قاعة المحكمة 

وفى يوليو من العام ٢٠٠٨، وبعد ١٣ عامًا من الهرب ألقى القبض على القائد العسكرى السابق رادوفان كاراديتش، المتهم بـ"جرائم حرب"، فى العاصمة بلجراد، حيث كان يعيش تحت اسم مستعار، وتمكنت السلطات الصربية من اعتقاله.

وخلال الفترة الأولى خضع كاراديتش للتحقيق أمام قاض صربي، قبل أن يمثل بعد عدة سنوات أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاي، بسبب الجرائم الواقعة فى حرب البوسنة، حيث صدر فى حقه حكم بالسجن مدة ٤٠ عامًا، ثم زاد قضاة الاستئناف الحكم إلى السجن مدى الحياة عام ٢٠١٩.

ويقضى رادوفان (٧٩ عامًا)، عقوبته فى مركز احتجاز تابع للمحكمة بمدينة لاهاي، بعد إدانته بتهمة "الإبادة الجماعية"، و٥ تهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، و٤ تهم بـ"انتهاك قوانين أو أعراف الحرب".

ومن خلال هذا الحكم أثبتت المحاكمة عدم وجود حصانة للمسئولين السياسيين والعسكريين عن الجرائم ضد الإنسانية، كما ساهمت فى توثيق الانتهاكات خلال حرب البوسنة وأكدت على أهمية المسئولية الفردية فى النزاعات المسلحة.

لوران جباجبو رئيس ساحل العاج

خلال محاكمة لوران جباجبو رئيس ساحل العاج بالمحكمة الجنائية الدولية

لوران جباجبو هو الرئيس السابق لجمهورية ساحل العاج (كوت ديفوار) وقد تولى الحكم من عام ٢٠٠٠ حتى عام ٢٠١١، وفى نوفمبر ٢٠١٠، بعد الانتخابات الرئاسية فى ساحل العاج، أعلن الحسن واتارا فوزه بالرئاسة بناءً على نتائج الانتخابات التى تم الإشراف عليها دوليًا، ومع ذلك رفض جباجبو الرئيس السابق لجمهورية ساحل العاج (كوت ديفوار) الاعتراف بهزيمته وظل متمسكًا بالسلطة، مما أدى إلى أزمة سياسية خطيرة تسببت فى أعمال عنف بين مؤيديه ومعارضيه.

وفى هذه الأزمة، كانت هناك انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما فى ذلك عمليات قتل جماعي، اغتصاب، تعذيب، وتهجير قسرى للمدنيين.

حيث واجه جباجبو اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد أن اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق فى بلاده عقب الانتخابات الرئاسية، وتم اعتقاله بعد تدخل القوات الفرنسية والأممية لدعم الحسن واتارا، وتم نقله إلى المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى لمواجهة التهم الموجهة إليه.

وبدأت محاكمة لوران جباجبو أمام المحكمة الجنائية الدولية عدة سنوات، وقررت المحكمة الجنائية الدولية إسقاط التهم ضد جباجبو، وأعلن براءته من التهم الموجهة إليه، وتم الاعتراف بأن الأدلة المقدمة لم تكن كافية لإثبات ارتكابه للجرائم.

تشارلز تايلور الرئيس السابق لليبيريا 

تشارلز تايلور الرئيس السابق لليبيريا  بالمحكمة الجنائية الدولية

هو الرئيس السابق لليبيريا (١٩٩٧-٢٠٠٣) وكان أحد أبرز الشخصيات فى الحرب الأهلية الليبيرية (١٩٨٩-١٩٩٧) والحرب الأهلية فى سيراليون (١٩٩١-٢٠٠٢)، وكان معروفًا بارتباطه الوثيق بالجماعات المسلحة فى سيراليون ودوره فى الحرب التى شهدت العديد من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.

وفى عام ٢٠٠٣، أُجبر تايلور على التنحى عن منصب الرئاسة فى ليبيريا بعد سنوات من النزاع الدامى فى البلاد، وتوجهت إليه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتتعلق بمشاركته فى دعم المتمردين فى سيراليون أثناء الحرب الأهلية هناك، والتى شملت الإبادة الجماعية، القتل، التعذيب، الاغتصاب، وتجنيد الأطفال الجنود.

وفى عام ٢٠٠٦، تم تسليمه تشارلز إلى المحكمة الخاصة لسيراليون، وهى محكمة أنشأتها الأمم المتحدة لمحاكمة المسئولين عن الجرائم المرتكبة أثناء الحرب الأهلية فى سيراليون وكانت المحاكمة فى لاهاي، هولندا.

وكانت التهم الموجهة إليه تشمل تمويل وتزويد المتمردين فى سيراليون (جبهة الثورة المتحدة) بالأسلحة والمساعدة فى تنفيذ الجرائم التى ارتكبوها ضد المدنيين.

وبدأت محاكمة تايلور فى عام ٢٠٠٧، وكانت المحاكمة تستند إلى الأدلة والشهادات التى تشير إلى دور تايلور فى التحريض على أو التورط فى ارتكاب الجرائم الوحشية من قبل المتمردين فى سيراليون، بما فى ذلك عمليات القتل الجماعي، قطع الأيدي، تجنيد الأطفال، والاغتصاب.

وفى عام ٢٠١٢، أدين بـ ١١ تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى سياق الحرب الأهلية فى سيراليون، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ٥٠ عامًا، ليصبح أول رئيس دولة يُدان ويُحاكم من قبل محكمة دولية.

والحكم على تايلور أرسل رسالة قوية مفادها أن المسئولية الفردية عن الجرائم الدولية لا تتوقف عند الحدود الجغرافية أو الوضع السياسي.

راتكو ملاديتش القائد العسكرى الصربي

جانب من محاكمة راتكو ملاديتش القائد العسكرى الصربي بالمحكمة الجنائية

كان القائد العسكرى الصربى خلال حرب البوسنة (١٩٩٢–١٩٩٥) وهو واحد من أبرز الشخصيات المتورطة فى ارتكاب جرائم الحرب ضد الإنسانية.

كان يُلقب بـ "جزار البوسنة" بسبب الدور الكبير الذى لعبه فى المجازر التى شهدتها البلاد خلال الحرب، وتم اعتباره المسئول عن ارتكاب مذبحة سريبرينيتسا عام ١٩٩٥، حيث قتل نحو ٨.٠٠٠ رجل وطفل مسلم على يد القوات الصربية بقيادة ملاديتش، وكانت هذه المجزرة واحدة من أسوأ الفظائع فى أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وفى ٢٠١١، تم اعتقال ملاديتش بعد ١٦ عامًا من الاختباء، حيث كان ملاحقًا من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وتمت إدانته بـ ١٠ تهم تتعلق بجرائم حرب ضد الإنسانية، بما فى ذلك الإبادة الجماعية فى سريبرينيتسا.

وحاول ملاديتش الدفاع عن نفسه فى المحكمة، وطعن فى صحة الأدلة والشهادات ضده ورفضت المحكمة الطعن المقدم منه، وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وأكدت المحاكمة على مبدأ المسئولية الفردية، حيث لا يمكن لأى قائد أو مسئول أن يهرب من المحاكمة أو العقاب بسبب منصبه.

نتنياهو وغالانت

رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق 

بعد كل هذه المحاكمات فى حق الرؤساء والقادة يمكن الحديث عن وجود احتمالية لمحاكمة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق فى مجلس الحرب يوآف غالانت فى جرائم حرب ارتكبت فى غزة.

ولكن المحكمة لا تملك الاختصاص فى نطاق جميع الدول بشكل مطلق، كما أن إسرائيل ليست من الدول الموقعة على معاهدة روما (المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية)، وبالتالى فإنها غير ملزمة بشكل مباشر بالامتثال لقرارات المحكمة.

ومع ذلك، قدمت فلسطين وهى دولة عضو فى المحكمة الجنائية الدولية، منذ ٢٠١٥ شكاوى للمحكمة تتعلق بانتهاكات إسرائيلية لحقوق الفلسطينيين، بدأت المحكمة فى إجراء تحقيقات أولية حول تلك الانتهاكات.

كما أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يمكن له إحالة قضايا إلى المحكمة الجنائية الدولية، حتى إذا كانت الدول المعنية ليست أطرافًا فى معاهدة روما، لكن هذا يتطلب موافقة الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، التى تتمتع بحق النقض (الفيتو) ولها تأثير كبير على القرارات المتعلقة بإسرائيل.

ومن هنا يجب التأكيد على أن المحاكمة المحتملة لأى مسئول إسرائيلى ستكون محاطة بالتحديات السياسية، لأن إسرائيل رغم جرائمها تعتبر نفسها مستهدفة وسوف تدفع بأن المحاكمة ذات دوافع سياسية، ولذلك تتطلب هذه المحاكمة إلى معايير قانونية دقيقة وتعاون دولي لتسليم المتهمين وبدء محاكمتهم.

مقالات مشابهة

  • الرهوي يناقش أوضاع المحكمة العليا ومتطلباتها
  • رئيس مجلس الوزراء يلتقي رئيس المحكمة العليا ووزير العدل وحقوق الإنسان
  • وفد برلماني كوردي يناقش مع رئيس المحكمة الاتحادية العليا رواتب موظفي الإقليم
  • هل ينهي حكم الدستورية العليا امتداد عقد الإيجار للورثة؟.. خبير يوضح
  • لاحقت قادة ورؤساء دول.. أحكام الجنائية الدولية بين تحقيق العدالة والسيادة الوطنية.. المحكمة ليس لديها شرطة أو قوات عسكرية وتعتمد على السلطات المدنية في اعتقال وتسليم المطلوبين
  • محامي بـ«الدستورية العليا»: قانون اللجوء الجديد في مصر يحافظ على الأمن القومي
  • المحكمة العليا الإسرائيلية تباشر مداولات عزل نتنياهو
  • صور ونصوص.. تحذيرات علب السجائر تبلغ المحكمة العليا الأميركية
  • المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة غزة الإنسانية
  • الجابون: المحكمة الدستورية تدرس النتائج المؤقتة للاستفتاء على تعديل الدستور