هل يجب على الإمام السكوت بعد قراءة الفاتحة؟.. آراء الفقهاء في المسألة
تاريخ النشر: 25th, October 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول "هل يجب على الإمام أن يسكت قليلًا بعد قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ليتمكن المأموم من قراءتها؟
الحكمة من قراءة الفاتحة عند الزواج أو في الاتفاق بين شخصين هل يجوز قراءة سورة الإخلاص بعد الفاتحة في الركعتين الأولى والثانيةوقالت دار الإفتاء في إجابتها على السؤال، إنه من المقرر شرعًا أنه لا يجب على الإمام أن يسكت لقراءة المأموم الفاتحة عقب فراغه من قراءتها باتفاق الفقهاء، إلا أنهم اختلفوا في استحباب ذلك للإمام؛ فذهب الشافعية والحنابلة ومَن وافقهم إلى استحباب سكوت الإمام عقب قراءة الفاتحة سكتةً يسيرةً، يقرأ فيها مَنْ خلفه الفاتحة، بينما ذهب الحنفية والمالكية إلى كراهة ذلك.
قال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (1/ 353، ط. مكتبة القاهرة) -مبينًا أقوال الفقهاء في المسألة-: [يستحب أن يسكت الإمام عقيب قراءة الفاتحة.. ويقرأ فيها مَنْ خلفه الفاتحة، كيلا ينازعوه فيها. وهذا مذهب الأوزاعي، والشافعي، وإسحاق. وكرهه مالك، وأصحاب الرأي] اهـ.
واستدل الشافعية والحنابلة ومَن وافقهم على استحباب سكوت الإمام عقب فراغه من قراءتها بحديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه: "أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكتتين: سكتة إذا كبَّر، وسكتة إذا فرغ من قراءة: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 7]، فحفظ ذلك سمرة وأنكر عليه عمران بن حصين، فكتبا في ذلك إلى أبيِّ بن كعب فكان في كتابه إليهما أو في ردِّه عليهما: أنَّ سمرة قد حفظ" رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه، والترمذي في "السنن". وقال الترمذي: "حديث سمرة حديث حسن".
وقال العلامة الشيرازي الحنفي في "المفاتيح في شرح المصابيح" (2/ 124، ط. دار النوادر): [قوله: "سكتتين"، والغرضُ من السكتة الأولى ليفرغَ المأمومون من النية وتكبيرة الإحرام. والغرض من السكتة الثانية ليقرأ المأمومون الفاتحة بعد فراغ الإِمام منها.. والسكتة الثانية سُنَّةٌ عند الشافعي وأحمد كالسكتة الأولى، ومكروهةٌ عند أبي حنيفة ومالك] اهـ.
سكوت الإمام إذن بعد قراءة الفاتحةوذكرت أن سكوت الإمام إذن بعد قراءة الفاتحة لإعطاء فرصة للمأمومين لقراءتها مسألة خلافية بين الفقهاء، ومن القواعد المقررة شرعًا في مثل هذه المسائل الخلافية أنه: "لا إنكار في مسائل الخلاف"، وأنه "من ابتُلِيَ بشيء من المختلف فيه فليقلد من أجاز".
وعليه: فإن للإمام ألَّا يسكت بعد قراءة الفاتحة ولا يمهل المأمومين لقراءتها بعده؛ تقليدًا لمن كره ذلك من الفقهاء، وله أن يسكت سكتة يسيرةً لكي يعطي فرصة للمأمومين لقراءة الفاتحة عقب قراءتها؛ تقليدًا لمن أجاز.
قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (3/ 364، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: ويستحب للإمام على هذا القول أن يسكت بعد الفاتحة قدر قراءة المأموم لها] اهـ.
وقال الإمام ابن مفلح الحنبلي في "المبدع في شرح المقنع" (1/ 390، ط. دار الكتب العلمية): [يستحب سكوت الإمام بعد الفاتحة؛ ليقرأ مَنْ خلفه؛ لئلا ينازع فيها] اهـ.
بل عَدَّ الإمام الأوزاعي وغيره أنَّ هذا من فقه الإمام وعلمه؛ قال الإمام ابن المنذر في "الأوسط" (3/ 118، ط. دار طيبة): [قال الأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز: من فقه الإمام أن يسكت بعد تكبيرة الافتتاح ثم يقرأ بفاتحة الكتاب، ثم يسكت؛ ليقرأها مَنْ خلفه، وذكر لأحمد بن حنبل حديث سمرة فقيل له: يعجبك أن يسكت بعد القراءة سكتة؟ قال: نعم] اهـ.
وبناء على ذلك: فسكوت الإمام في الصلاة الجهرية مستحبٌّ عند فقهاء الشافعية والحنابلة عقب فراغ الإمام من قراءة الفاتحة وقبل قراءة السورة؛ وذلك لإعطاء الفرصة للمأمومين خلفه لقراءتها، وحتى لا يفوت عليهم استماع الفاتحة واستماع السورة، ومقدار سكوت الإمام في ذلك هو بقدر ما يتمكن به المأمومون من قراءة الفاتحة، فإذا لم يسكت وشَرَع في قراءة السورة مباشرة؛ فالمختار للفتوى أنه يجب على المأمومين حينئذٍ الإنصات والاستماع لقراءة إمامهم وعدم الانشغال بقراءة الفاتحة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء قراءة الفاتحة الإمام الصلاة الجهرية المأموم بعد قراءة الفاتحة سکوت الإمام قال الإمام من قراءة یجب على
إقرأ أيضاً:
حكم صيام شهر رجب وبيان صحة الأحاديث الواردة فيه
قالت دار الإفتاء المصرية، برئاسة الدكتور نظير عياد مفتي الديار، إنه يستحب صيام شهر رجب، وهو وإن لم يصح في استحباب صيامه حديثٌ بخصوصه، إلا أن صيامه داخلٌ في العمومات الشرعية التي تندب للصوم مطلقًا.
فضل شهر رجب في السنة النبوية
وجمع الإمام أبو محمد الحسن الخَلَّال جملة مما ورد في فضائل شهر رجب، ولابن عساكر جزء في فضل رجب، وللعلامة ابن دحية الكلبي كتابه: "أداء ما وجب" الذي سبقت الإشارة إليه، وجمع الحافظ ابن حجر العسقلاني أيضًا جملة مما ورد في فضل رجب وبيَّن درجتها في "تبيين العجب بما ورد في فضل رجب"، وقد أفرد الكلام عليه باستيعاب أيضًا الحافظ ابن رجب الحنبلي في "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف".
ومما ورد في فضل رجب من السُنَّة: ما رواه النسائي وغيره من حديث سيدنا أُسَامَةَ بن زَيْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ». قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 26، ط. مؤسسة قرطبة): [فهذا فيه إشعار بأنَّ في رجب مشابهة برمضان وأن الناس يشتغلون من العبادة بما يشتغلون به في رمضان، ويغفلون عن نظير ذلك في شعبان؛ لذلك كان يصومه صلى الله عليه وآله وسلم، وفي تخصيصه ذلك بالصوم إشعار بفضل رجب، وأن ذلك كان من المعلوم المقرر لديهم] اهـ.
فضل صيام شهر رجب في السنة النبوية
مما ورد في فضل صيام شيء منه: ما رواه الإمام أبو داود عن مجيبة الباهليَّة، عن أبيها، أو عمها، أنَّه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمَّ انطلق، فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني؟ قال: «وَمَنْ أَنْتَ؟» قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: «فَمَا غَيَّرَكَ وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟»، قال: ما أكلت طعامًا إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟»، ثم قال: «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ»، قال: زدني؛ فإن بي قوة، قال: «صُمْ يَوْمَيْنِ»، قال: زدني، قال: «صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ»، قال: زدني، قال: «صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ»، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها، ثم أرسلها.
وما رواه الإمام البيهقي في "فضائل الأوقات" عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ، أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ».
بيان صحة الأحاديث الواردة في صيام شهر رجب
أوضحت الإفتاء أن الأحاديث الواردة في صيام شهر رجب لا يصح منها شيء، بل لا يصح شيء في هذا الباب كما ذكر الحفاظ؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "تبيين العجب" (ص: 23): [لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا في صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة] اهـ.
وروى الإمام البيهقي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: "في الجنة قصر لصُوَّام رجب". قال الإمام أحمد: "وإن كان موقوفًا على أبي قلابة وهو من التابعين، فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ عمن فوقه ممن يأتيه الوحي، وبالله التوفيق".
وتلك الأحاديث الواردة في صومه أو صوم شيء منه وإن كانت ضعيفة فإنَّها مما يعمل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك، كما نقله الإمام النووي وغيره؛ قال الإمام النووي في كتابه "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.
ومن هذه النصوص الصحيحة: ما رواه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، وَلَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ»، وما رواه الإمام أحمد عن صدقة الدمشقي أن رجلًا جاء إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الصيام، فقال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ صِيَامَ أَخِي دَاوُدَ؛ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا».