هل سبق أن قضمت قطعة من الشوكولاتة، متوقعا مذاقا سلسا وغنيا، لكنك واجهت نكهة حامضية غير متوقعة وغير سارة؟

هذا المذاق هو "التزنخ"، الناتج عن فساد الأطعمة، وهي مشكلة يمكن أن يساعد "الذكاء الاصطناعي" على حلها، عن طريق توجيه الباحثين إلى بعض الخلطات الجديدة من مضادات الأكسدة، التي تساعد على إطالة عمر المنتجات الغذائية، وذلك وفق دراسة جديدة لباحثين من قسم الكيمياء بجامعة كليمسون الأميركية، تم نشرها في العدد الأخير من دورية "جورنال أوف أجريكلشر آند فود كيمستري".

كيف يفسد الطعام؟

يفسد الطعام عندما يتعرض للهواء لفترة من الوقت، وهي عملية تسمى الأكسدة، حيث تتفاعل العديد من المكونات الشائعة، وخاصة الدهون والزيوت، مع الأكسجين، ويمكن أن يؤدي وجود الحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية إلى تسريع هذه العملية.

وتؤدي الأكسدة إلى تكوين جزيئات أصغر مثل الكيتونات والألدهيدات والأحماض الدهنية التي تعطي الأطعمة الفاسدة نكهة مميزة ورائحة معدنية قوية، ويؤدي تناولها بشكل متكرر إلى تهديد الصحة.

والدرع الواقي من هذه العملية سواء في الأطعمة الطبيعية أو المصنعة، هو مضادات الأكسدة، والتي تشمل مجموعة واسعة من الجزيئات الطبيعية، مثل فيتامين "سي"، والجزيئات الاصطناعية القادرة على حماية الطعام من الأكسدة.

ولكن عملية استخدام مضادات الأكسدة أعقد بكثير من مجرد رش قليل من فيتامين "سي" على الطعام، وتوقع حدوث التأثير الواقي، إذ يجب على الباحثين اختيار مجموعة من خلطات مضادات الأكسدة، وحساب كمية كل منها بدقة، غير أن الجمع بينها لا يؤدي دائما إلى تعزيز تأثيرها، حيث توجد حالات يمكن أن يؤدي فيها استخدام مضادات الأكسدة الخاطئة، أو خلطها بنسب خاطئة، إلى تقليل تأثيرها الوقائي، وهذا ما يسمى "التضاد".

البحث عن مجموعات جديدة

ويتطلب اكتشاف مجموعات مضادات الأكسدة المناسبة لأي نوع من أنواع الطعام العديد من التجارب، التي تستغرق وقتا طويلا وتتطلب موظفين متخصصين وتزيد من التكلفة الإجمالية للطعام، لذلك فإن الباحثين عالقون في عدد قليل من الخلطات التي توفر مستوى معينا فقط من الحماية ضد التزنخ، وهنا يأتي دور أدوات الذكاء الاصطناعي.

يقول لوكاس إيريس وكارلوس دي غارسيا، الأستاذان بقسم الكيمياء بجامعة كليمسون، والباحثان الرئيسيان بالدراسة في مقال مشترك نشراه في موقع "ذا كونفرسيشن"، "أردنا ككيميائيين تعليم الذكاء الاصطناعي كيفية البحث عن مجموعات جديدة من مضادات الأكسدة، لذلك اخترنا نوعا منه قادرا على العمل مع تمثيلات نصية، وهي رموز مكتوبة تصف الهيكل الكيميائي لكل مضادات الأكسدة"

ويضيفان "قمنا بتغذية برنامج الذكاء الاصطناعي بقائمة تضم حوالي مليون تفاعل كيميائي، وعلمنا البرنامج بعض مفاهيم الكيمياء البسيطة، مثل كيفية تحديد الميزات المهمة للجزيئات، وبمجرد أن يتمكن البرنامج من التعرف على الأنماط الكيميائية العامة، مثل كيفية تفاعل بعض الجزيئات مع بعضها، قمنا بتنشيطه من خلال تعليمه بعض الكيمياء المتقدمة، وفي هذه الخطوة استخدمنا قاعدة بيانات تضم حوالي 1100 خليط موصوف سابقا في الأدبيات البحثية".

ويوضح الباحثان أنه "في هذه المرحلة، يمكن أن يتنبأ الذكاء الاصطناعي بتأثير الجمع بين أي مجموعتين من مضادات الأكسدة أو ثلاثة في أقل من ثانية، لكن هذه التنبؤات لم تتماشَ تماما مع التجارب التي أجراها فريقنا في المختبر، حيث وجدنا أن الذكاء الاصطناعي كان قادرا على التنبؤ بشكل صحيح فقط ببعض تجارب الأكسدة التي أجريناها باستخدام دهون حقيقية، مما يدل على تعقيدات نقل النتائج من جهاز حاسوب إلى المختبر".

تحسين البرنامج

ولأن برامج الذكاء الاصطناعي ليست أدوات ثابتة، بل إنها ديناميكية، فقد واصل الفريق البحثي بعد ذلك تغذية البرنامج ببيانات جديدة حتى يحسّن من قدراته التنبؤية، بحيث يتنبأ بدقة بتأثير كل مجموعة من مضادات الأكسدة، فكلما زاد عدد البيانات التي يحصل عليها النموذج، أصبح أكثر دقة، ويشبه ذلك إلى حد كبير كيفية تطور أداء البشر من خلال التعلم.

يقول الباحثان "وجدنا أن إضافة حوالي 200 مثال من المختبر مكّن الذكاء الاصطناعي من تعلُّم ما يكفي من الكيمياء للتنبؤ بنتائج التجارب التي يؤديها فريقنا، وهو ما يعني أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول لمساعد ذكي للغاية، ويزيد من قدرة العلماء على تطوير طرق أفضل للحفاظ على الطعام من خلال التوصل إلى أفضل مجموعات مضادة للأكسدة".

والميزة الأهم، في النهج الذي استخدمه الباحثون، كما يوضح لوكاس إيريس في تصريحات خاصة عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت أن "الباحثين جمعوا بين استخدام مجموعة بيانات تدريبية، وبيانات جديدة من تجارب المختبر، ومكّنت هذه الإستراتيجية البرنامج من معرفة المزيد عن مضادات الأكسدة، وإجراء تنبؤات أكثر دقة".

ويضيف أنه "مقارنة بالطرق التقليدية للتوصل إلى مجموعات جديدة من مضادات الأكسدة، فإن البرنامج يتيح عامل السرعة، حيث يمكننا فحص الملايين من مجموعات مضادات الأكسدة ثم إجراء تجارب (حقيقية) مع الواعد منها، وهذا يوفر الكثير من الوقت والكثير من المال، وأحد العوامل الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار هو أنه بدلا من مجرد معرفة ما إذا كان الخليط من المضادات متآزرا (أم لا)، يتيح لنا البرنامج العمل مع المجموعة التي تظهر أعلى احتمالية لأن يكونوا متآزرين، بدلا من العمل مع كل مجموعة بمفردها".

والخطوة التالية التي سيعمل عليها الفريق البحثي، هي تحسين البرنامج من خلال تنفيذ طرق بديلة لتدريبه، حتى نتمكن من إجراء تنبؤات تتعلق بالمتغيرات الأخرى، بما في ذلك الوقت درجة الحرارة والمكونات الأخرى في عينة الدهون.

مزايا تسخير الذكاء الاصطناعي

ويشيد بيتر مودياجا إيتاوير، الأستاذ بكلية العلوم بجامعة إبادان بولاية أويو بنيجيريا، بالآلية التي استخدمها الباحثون هذه الدراسة لتسخير الذكاء الاصطناعي في مجال التوصل لخليط أفضل من مضادات الأكسدة، قائلا في تصريحات عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت "سيتم إنقاذ المزيد من الأرواح إذا نفذنا استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل عقلاني في دراسات الحياة البشرية وغيرها".

ويضيف إيتاوير، الذي نشر قبل عامين دراسة في دورية " فوود كيمستري"، حول تأثيرات الكيمياء النباتية للكاكاو على الكيمياء الغذائية للشوكولاتة، "قد تعتقد أنه من السهل الجمع بين اثنين من مضادات الأكسدة القوية بغرض حفظ الطعام، ولا أحتاج أن أذكرك أنه إذا قمت بدمج حمض وقاعدة قوية، ستكون النتيجة ملح + ماء، وهو رد فعل مضاد".

ويتابع "لذلك، إذا لم تكن هناك اختبارات كافية لإظهار ما إذا كان الجمع بين اثنين أو أكثر من مضادات الأكسدة سيؤدي إلى نتيجة تآزرية أو معادية، فإن صناعة الأغذية العالمية ستفشل في إطالة العمر الافتراضي لمنتجاتها، والاستخدام المنسق للذكاء الاصطناعي في هذه التجارب سيفيد بشكل أفضل الأعداد المتزايدة من البشر الذين هم في حاجة ماسة إلى الأغذية المصنعة".

ويرى أن "ذلك سيؤدي إلى تقليل احتمالية الإصابة بالأمراض المتعلقة بمضادات الأكسدة (أنشطة الجذور الحرة) مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، وما إلى ذلك".

ويشدد على 5 شروط يجب مراعاتها عند توظيف الذكاء الاصطناعي في هذا المجال أو أي مجال له علاقة بصحة الإنسان، وهي:

يجب أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل هيئة عالمية من العلماء المشهورين أو المتمرسين. يجب أن تكون هناك حدود آمنة لاستخدام أو تطبيق الذكاء الاصطناعي في الدراسات المتعلقة بالإنسان. ينبغي اعتماد شروط وأحكام الاستخدام من قِبَل هيئة عالمية. ينبغي للهيئة العالمية تقييم أي برنامج للذكاء الاصطناعي قبل إصدار إشارة الضوء الأخضر لاستخدامه. ينبغي إجراء تقييم الجودة بشكل دائم لجميع روبوتات أو برامج الذكاء الاصطناعي بشكل ممنهج.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: من مضادات الأکسدة الذکاء الاصطناعی الاصطناعی فی الجمع بین جدیدة من یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

هل تغيّر أدوات الذكاء الاصطناعي وجه السياحة والفنادق؟

تكثر الأدوات التي تتيح توظيف الذكاء الاصطناعي في العمل الفندقي يوما بعد يوم، لكن العاملين في القطاع، المجتمعين في باريس لحضور معرض "فود هوتيل تِك"، رأوا أن الثورة الفعلية في هذا المجال ستتمثل في أول وكلاء سفر قائمين على الذكاء الاصطناعي.

وتخطط شركة "أمازون" الأميركية العملاقة لإطلاق خدمة مساعدة النزلاء أو "الكونسيرج" الرقمية في أوروبا بواسطة أداتها للمساعدة الصوتية "أليكسا" مع مكبّر صوت متصل وشاشة تعمل باللمس، بعدما كانت وضعتها في الخدمة في الولايات المتحدة.

ويمكن أن يطلب نزيل الفندق من هذا البرنامج الرقمي "معلومات عامة عن الوجهة ومعلومات محددة عن الفندق، مثل وقت الإفطار، وكذلك خدمات ملموسة، منها مثلا (أحتاج إلى منشفة) أو (أريد حجز سيارة أجرة).. أي كل ما يستلزم (اليوم) من النزيل مراجعة مكتب الاستقبال"، وفق ما شرحت سيفيرين فيلاردو، مديرة "أليكسا إنتربرايز" في "أمازون".

أما مدير السياحة والتنقل في "غوغل" شارل أنطوان دورون، فأوضح أن الهدف من الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في الفنادق لتولي مهام كالترجمة المباشرة والمساعدة التسويقية "يتمثل في توفير الوقت كي يتمكن الموظفون من التركيز على وظائفهم".

إعلان

لكنه رأى أن "السباق لا يزال في بدايته"، معتبرا أن ما سيُغيّر قواعد اللعبة هو "أداة لحجز الرحلات الجوية، وتقديم توصيات في شأن الوجهات.. لكنّ هذه المرحلة لم تحن بعد، وهي ستشكّل المحور الحقيقي لقطاعنا".

 شركة "أمازون" الأميركية العملاقة تخطط لإطلاق خدمة مساعدة النزلاء (شترستوك) "وقت وطاقة"

ولكن استخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال في كثير من الأحيان خجولا في الفنادق. ففي فرنسا، لا تستعين 63% من الفنادق على الإطلاق بهذه التكنولوجيا، بحسب دراسة أجراها "أومي"، أبرز اتحاد لأصحاب العمل في هذا القطاع.

وقالت المسؤولة في الاتحاد فيرونيك سيجيل "عددنا قليل جدا".

ففي مؤسستيها القائمتين بشرق فرنسا، تستخدم سيجيل الذكاء الاصطناعي للرد على تعليقات النزلاء عبر الإنترنت. وقالت "إنه يوفر لنا الوقت والطاقة لأنه يحد من الملاحظات الصغيرة المزعجة".

من ناحية أخرى، لم يقنعها اختبار أداة تستخدم الذكاء الاصطناعي للإجابة عن أسئلة النزلاء في الغرف، كتلك التي توفرها "أمازون"، إذ "لم يستخدمها سوى عدد قليل جدا من الزبائن".

ومع ذلك، أكد شارل أنطوان دورون من "غوغل" أن وكلاء السفريات الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي آتون. وقال "علينا أن نكون مستعدين"، داعيا القطاع إلى التفكير في كيفية التكيف مع هذا الواقع "بدلا من مقاومته".

"تطفلي"

ورغم ذلك، فإن فيرونيك سيجيل دعت إلى المساواة في التعامل، إذ لاحظت أن "منصات الحجز مثل (بوكينغز كوم) لا تشارك بيانات الزبائن، وتعتبر أنها لا تصبح ملكا لنا إلا وقت تسجيل الوصول" إلى الفندق، مما يحد من إمكان استثمار هذه البيانات والتموضع على أساسها.

ويخوض أصحاب الفنادق معركة على المستوى الأوروبي في شأن هذه القضية في إطار قانون الأسواق الرقمية للاتحاد الأوروبي الذي يهدف إلى مكافحة إساءة استغلال الوضع المهيمن في القطاع الاقتصادي.

إعلان

ورأت فيرونيك سيجيل أيضا أن خدمة الزبائن في القطاع الفندقي "ستمر دائما بالعنصر البشري. والذكاء الاصطناعي وسيلة للقيام بذلك بشكل أفضل، لكنّ كثيرا من النزلاء يرغبون في وجود شخص أمامهم".

وفي سلسلة فنادق "بست وسترن فرانس"، يُستخدَم الذكاء الاصطناعي لجعل عروض الإقامة والخدمة مناسبة لكل شخص بحسب احتياجاته. وقالت مديرة التسويق والتواصل في المجموعة في فرنسا ميلاني ليليفيك "تجد نسبة كبيرة من الزبائن هذا التخصيص إيجابيا، بينما يجده عدد صغير تطفليا".

ويمكن أن يكون استخدام الذكاء الاصطناعي أكثر تحفظا، على غرار ما توفره "هابينينغ ناو"، وهي أداة مصممة لمساعدة الفنادق على توقع ذروة الطلب وإدارة المخزون وأسعار الغرف بشكل أفضل، استنادا إلى تحليل كل الأحداث والطقس في بيئة فندق معين.

وقال مؤسس أداة الذكاء الاصطناعي الفرنسية هذه غريغوار مياليه "الهدف هو أن الإشغال كاملا يوم الحدث". وأضاف "إذا كان الفندق ممتلئا لمدة طويلة قبل الحدث، فذلك لأنه ليس مكلفا جدا، وإذا لم يكن ممتلئا (في اليوم نفسه) فذلك لأنه مكلف جدا".

مقالات مشابهة

  • سباق نحو الذكاء العام.. اختبار جديد يتحدى أقوى نماذج الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي في الإمارات.. محرك التحوّل نحو مستقبل ذكي
  • من يُلام في خطأ طبي يرتكبه الذكاء الاصطناعي؟
  • هل تغيّر أدوات الذكاء الاصطناعي وجه السياحة والفنادق؟
  • Gmail يطور ميزة البحث .. الذكاء الاصطناعي يحدد ما تحتاجه أولا
  • الذكاء الاصطناعي… أهو باب لمستقبل واعد أم مدخل إلى المجهول؟
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في الكشف عن علاج سرطان نادر
  • التصديري للصناعات الغذائية ينظم ندوة لعرض فرص تنمية الصادرات لجنوب إفريقيا
  • الصناعات الغذائية: فرص واعدة لتوسيع صادرات مصر من الخضر والفواكه إلى جنوب أفريقيا
  • جدة.. "الداخلية" تستعرض الذكاء الاصطناعي في إدارة الحشود