جوليان أوبير يكتب: تأثير «الفراشة».. الصراع الإسرائيلى الفلسطينى مركز نشاط زلزالى دولى لم يفقد قوته أبدًا
تاريخ النشر: 23rd, October 2023 GMT
فى عام ١٩٧٢، صاغ إدوارد لورينز- عالم أمريكى متخصص فى القدرة على التنبؤ بالطقس - سؤالًا سيدخل التاريخ: "هل يمكن لرفرفة أجنحة الفراشة فى البرازيل أن تسبب إعصارًا فى تكساس؟".. وهكذا ولدت نظرية "تأثير الفراشة" أو ما معناه "تأثير الأحداث المتتالية" وبمعنى آخر أن هذه النظرية تفترض مبدأ أن عاملًا صغيرًا يمكن أن يكون له تأثيرات هائلة، كما حدث مع بليز باسكال فيما يتعلق بأنف كليوباترا الذى أسر يوليوس قيصر ثم مارك أنطونيو.
تم إثبات تأثير الفراشة فى القضايا الدولية. فإذا كان نظام تحديد المواقع العالمى (GPS) موجودًا فى عام ١٩١٤، ومنع سيارة الأرشيدوق فرانز فرديناند من النمسا من أن تعترضها الحشود أمام متجر موريتز شيلر للأطعمة المعلبة، حيث تراجع جافريلوبر ينسيب بعد أن نجا مع ستة آخرين من محاولة قتل على أرصفة السفن فى سراييفو، وربما لم تكن فوضى الحرب العالمية الأولى قد اندلعت بعد. وبالمثل، لو كانت الظروف الجوية فى الثامن من نوفمبر عام ١٩٣٩ أفضل، لكان الهجوم الذى خطط له يوهان جورج إلسر فى ميونيخ ضد هتلر، قد نجح، لأن الفوهرر لم يكن ليضطر إلى اختصار خطابه بساعتين كاملتين ليأخذ القطار بدلًا من الطائرة وربما كان من الممكن تجنب الحرب العالمية الثانية.. لذا فإن الأرصاد الجوية مهمة.
لهذا السبب فإن ما يحدث فى فلسطين يثير القلق. إن الهجوم المخطط الذى نظمته حماس وما أعقبه من رد فعل قوى من جانب الدولة اليهودية، على وشك إحداث تأثير الدومينو الذى لا يمكن السيطرة عليه. إن صور أطفال المستشفى الأهلى العربى فى غزة تغطى على صور أطفال كفر عزة على الشاشات فى جميع أنحاء العالم.
إن الصراع الإسرائيلى الفلسطينى هو مركز النشاط الزلزالى الدولى الذى لم يفقد قوته أبدًا. ويرجع ذلك إلى حقيقة ما، ألا وهى أنه على مدى ستة عقود، تطورت رمزية هذا الصراع وتصوره بشكل كبير.
لنلاحظ أولًا أن الصراع، رغم استمراره منذ عام ١٩٤٨، قد تغير فى طبيعته. إن ما كان فى الأصل معركة من أجل الأرض - مثل صراعات أخرى مماثلة مثل التبت أو شينجيانج أو ناجورنوكاراباخ أو الصحراء الغربية - قد أصبح معركة فى السماء.
فى الواقع، سلط اليهود الإسرائيليون، المتهمون بعدم وجود شرعية لاحتلال فلسطين، الضوء على أنه هناك آثار الاحتلال قد تم رصدها منذ عدة آلاف من السنين، كما أثبتت عدة مقاطع فى الكتاب المقدس. نجحت صهيونية القرن العشرين، من خلال طلب المساعدة من الدين ومفهوم "الأرض الموعودة”، فى إدخال "لحظة أثرية" وبلورة تلك الأسطورة غير الحقيقية.
لقد كان المشروع الصهيونى فى السابق علمانيًا وعمليًا تمامًا فيما يتعلق بالحدود التى يجب منحها للدولة اليهودية.. كتب حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، إلى رئيس الوزراء البريطانى لويد جورج فى عام ١٩٢٠ قائلًا: "لا يمكن رسم حدود الوطن القومى اليهودى حصريًا على أساس حدود تاريخية - أوتوراتية. إن مطالبنا تجاه الشمال تقررها حتمًا ضرورات الحياة الاقتصادية الحديثة (!) إن مستقبل فلسطين بأكمله يعتمد على إمدادات المياه للرى وإنتاج الكهرباء ويجب أن تأتى إمدادات المياه من سفوح جبل حرمون ومنابع نهر الأردن ونهر الليطاني".
ومع ذلك، وبالاعتماد على الكتاب المقدس، أصبحت الصهيونية تدريجيًا أكثر دينية مع هيمنة قوية ومتزايدة للأرثوذكس المتطرفين على الحياة السياسية الإسرائيلية. ولم تعد تدافع عن الحدود المرسومة نظريًا بل عن كل حبة من "أرض الميعاد".
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت الحركات القومية العربية بدورها أكثر ارتباطًا بالمطلب الإسلامي، وهو ما وحد المنظور "الأسطوري" للصراع.. القضية الفلسطينية، التى كانت جزءًا من القومية العربية العلمانية، تم العمل عليها تدريجيًا من قبل عناصرها الأكثر تطرفًا، وحذت حذو بقية العالم العربى الإسلامى فى التخلى عن القضية العلمانية لصالح بُعد أكثر دينية، وهو ما كان عمليًا جدًا بالنسبة لإسرائيل ويتحدى فى تل أبيب الملكية الحصرية للأماكن المقدسة للإسلام اليوم والمتشابكة مع الأماكن المقدسة لليهودية.
من خلال القيام بذلك، تحول الصراع الإسرائيلى الفلسطينى مع مرور الوقت إلى مواجهة دينية. ولم يكن لهذا الأمر نفس الأهمية خلال الحرب الباردة، التى كانت تهيمن عليها شبكة القراءة الأمريكية السوفييتية. فى الخمسينيات وحتى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، نظرت واشنطن بشكل إيجابى بالفعل إلى الاتجاه المحافظ الدينى فى العالم العربي، وهو ما كان تحالفًا ضد الشيوعية أو الأنظمة القومية مثل نظام صدام حسين. وهكذا، أعلن الكونجرس مبدأ أيزنهاور بعد قضية السويس (١٩٥٦)، على خلفية الخوف من حدوث فراغ سياسى فى الشرق الأوسط. وشدد أيزنهاور على أن الأماكن المقدسة فى الإسلام لا يمكن السيطرة عليها من قبل قوة ملحدة!.
مع أحداث ١١ سبتمبر واكتشاف الغرب لتنظيم القاعدة، تغيرت الأمور وأصبح يُنظر إلى الإسلاموية على أنها تهدد الغرب برمته. فى ظل هذه الظروف، تغيرت أبعاد الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بشكل أكبر، حيث اعتبر البعض أنه كان بمثابة موقع متقدم للديمقراطية، ويجب الدفاع عنه على هذا النحو. من الحرب على السماء، انتقلنا إلى إسقاط حرب الحضارة وهو الموضوع الذى أعاد تعريف نطاق الصراعات الأخرى مثل الحرب فى أوكرانيا.
بعض الشهادات تدعم هذه الأطروحة. ونرى، من خلال التفسيرات، أن ما كان صراعًا لإنهاء الاستعمار متمركزًا فى أرض قاحلة تبلغ مساحتها ٢٦٠٠٠ كيلومتر مربع (فلسطين الانتدابية) من المرجح أن يؤدى إلى زعزعة استقرار المجتمعات الغربية.
لقد تأثرت فرنسا بالصدمة لأربعة أسباب: الأول هو أنها تستضيف أكبر جالية يهودية فى أوروبا (٦٠٠ ألف)، تمثل نصف السكان اليهود فى القارة. والثانى أنها تستضيف أكبر جالية مسلمة فى أوروبا (٥.٤ مليون). السبب الثالث هو أن نموذجها العلمانى ينكر على وجه التحديد حق الأديان فى إملاء الأجندة الخاصة على غير المتدينين. أما السبب الرابع فهوأنه باعتبارها قوة استعمارية سابقة، فإن لديها ارتباطًا خاصًا بالشرق الأوسط.
لقد شعرت فرنسا بهجوم حماس ولكن بطريقة غير تقليدية وأصيبت الغالبية العظمى من الشعب الفرنسى بالصدمة وكانت التغطية الإعلامية مهتمة إلى حد كبير بموقف إسرائيل. وربما يكون هذا قد خلق قطيعة مع أقلية مسلمة حساسة للغاية للقضية الفلسطينية تشعر بالإحباط عندما ترى أن نفس المعاملة لم تُمنح للضحايا الفلسطينيين. ويبرز هذا الأمر بشكل أكبر حيث يوجد عدد قليل من الصحفيين من أصل عربى مقارنة بالأسماء الكبيرة فى المهنة من أصل يهودي.
فى الواقع، هناك ثلاث حساسيات تتعايش فى فرنسا: أقلية مؤيدة لإسرائيل ممثلة بشكل كبير للغاية فى النخب السياسية والإعلامية والاقتصادية الفرنسية ومؤيدة جدًا لإسرائيل، صُدمت بشدة من هجوم حماس.. وهناك أقلية أخرى مؤيدة للعرب، وهى أكبر عددًا من الأولى ولكنها ممثلة تمثيلًا سيئًا على المستوى السياسى لأنها غائبة عن النخب. هذه الأقلية، التى تهيمن بشدة على الأحياء الشعبية، غير مؤيدة بشكل أساسى لإسرائيل، وقد أصبحت جزئيًا معادية للسامية ومستعدة للتغاضى عن أعمال حماس. وفى الوسط، هناك أغلبية حساسة للفظائع التى ارتكبها كلا الجانبين وتخشى أن يتدهور الوضع.. إن ٨٦٪ من المشاركين فى استطلاع IFOP الذى أجرى بعد الأحداث يقولون إنهم "قلقون ويشعرون بانتظار القدر بشأن إمكانية العثور على حل سلمى لهذا الصراع". وتعتبر هذه المجموعة مدفوعة جزئيًا بخلفية معادية للسامية قديمة مرتبطة بالتراث المسيحى وجزئيًا بسبب تزايد كراهية الأجانب المرتبطة بالهجرة سيئة التنظيم، فهى تتأرجح بين ميل طبيعى للقضية الفلسطينية بإسم العدالة، بعد أن أثقل كاهلها وضميرها مسألة المحرقة، وبين الخوف من الإرهاب الإسلامي.
فى مواجهة هذا الوضع المتفجر، دعت السلطة السياسية الفرنسية إلى الوحدة، ولكن الحقيقة هى أن فرنسا ليست موحدة، ذلك أن المظاهرات المؤيدة لإسرائيل لم تعط فرصة للجزء المسلم فى فرنسا لإظهار التضامن.. ومع ذلك، فى ساحة الجمهورية، وفى أماكن أخرى، كانت المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، تجمع آلاف الأشخاص. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن اليسار المتطرف بقيادة جان لوك ميلينشون حرص على عدم عزل نفسه عن القاعدة الانتخابية وتضم جمهور الناخبين المهاجرين. ولا شك أن الأقليات المؤيدة لإسرائيل والمؤيدة لفلسطين لا تلتقى - وهذه حقيقة اجتماعية - وهى غير قادرة على الحوار الهادئ لأن هذا الصراع يمزج بين قناعات دينية وإنسانية وسياسية ويدافع الجميع عن رؤيتهم، دون أن يدركوا أن هذا لا يقدم أى أمل على الإطلاق فى السلام، بل قد يؤدى فقط إلى المزيد من الحروب أو حتى إلى اشتباكات متفرقة على الأراضى الفرنسية. وقد عززت الأعمال الإرهابية التى ضربت فرنسا هذا العرض، كما عززت رفض بعض الطلاب احترام دقيقة الصمت على ذكرى مدرس اللغة الفرنسية الذى قُتل فى أراس.
واليوم يحتفظ الرأى العام الفرنسى بدرجة من الحياد ولكن إذا تغير هذا الرأى فإن الوضع قد يتدهور بسرعة. ويشعر الفرنسيون بالغضب الشديد إزاء تعرضهم للغزو الطائفى، ويزداد اقتناعهم بأنه من الأفضل التدخل بالقوة قبل أن تجد البلاد نفسها فى حالة حرب أهلية.
بالنسبة للمعتدلين الذين يميزون بين الإسلاموية والإسلام، فإن لحظة الحقيقة تقترب. ويجب على المسلمين فى فرنسا وفى جميع أنحاء العالم أن يدينوا تصرفات الأصوليين وأن يخرجوا إلى الشوارع للتظاهر بكثافة ضد المنظمات التى تستعير دينها للقتل وأن يصرخوا فى وجه العالم فى جميع وسائل الإعلام وبجميع اللغات. بأنهم لا يتضامنون وينسلخون من السلفية والوهابية والإخوان وغيرها من فروع الإسلام المتطرفة. وبخلاف ذلك، وبسبب عدم وجود إشارة، سيتم تعزيز نهج "العولمة"، الذى يتمثل فى القول بأن الإرهاب وهم يسمح بتحويل الاهتمام السياسى عن القضية الحقيقية، وهى أسلمة الغرب الزاحفة.
بعيدًا عن تداعياتها فى الغرب، هناك قضية أخرى وهى بالطبع تأثير "الفراشة" المحتمل بسبب لعبة القوى. وتسعى إيران إلى إمتلاك الأسلحة النووية بكل الوسائل. ماذا ستفعل إذا نجحت؟ كيف سيكون رد فعل الصين التى إنحازت إلى الجانب العربي.. والولايات المتحدة التى تدعم إسرائيل؟
من المفارقة أن هذا هو جوهر المشكلة الذى ربما يكون فى حد ذاته أفضل ضمان على أن المشكلة لن تتصاعد إلى حرب عالمية نووية ثالثة. والحقيقة أن حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى سوف يتعارض دائمًا مع تقاسم القدس، تلك المدينة التى تتشابك فيها الديانات الثلاث والتى يجب أن تتعايش على الرغم من الكراهية.
وتظل الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الدوامة الشيطانية هى عدم محاولة حل أكثر من سبعين عامًا من الصراع من خلال البحث عن فكرة: أين يوجد الخير وأين يوجد الشر.
الأولوية التى ينبغى أن تكون فى هذا الصراع عن طريق فرض القانون الدولي، وهو جدار حضارى هش وسط قتال مستمر. وإذا تركناه، فإننا نفتح الأبواب أمام صراعات أكثر فظاعة. سوف يبتهج البعض ـ فقد أعلن بابا المستقبل فيليبومارينيتى قبل عام ١٩١٤ أن الحرب هى "صحة العالم" ـ ولكن آخرين سوف يتذكرون أنه بمجرد أن تندلع النار، فإنها تصبح فى بعض الأحيان أقوى من أن نتمكن من إخمادها قبل أن تحرق كل شيء.
جوليان أوبير: سياسى فرنسى.. انتخب نائبًا عن الجمهوريين خلال الانتخابات التشريعية لعام 2012، ثم أعيد انتخابه عام 2017.. ولم يوفق فى انتخابات 2022.. وهو حاليًا نائب رئيس الحزب الجمهورى ورئيس الحركة الشعبية «أوزيه لافرانس».. يقدم، فى مقاله، تحليلًا متكاملًا حول ردود أفعال المجتمع الفرنسى على الحرب فى قطاع غزة وإسرائيل، خاصةً أن فرنسا بها نصف عدد اليهود المقيمين فى أوروبا، ويعيش فيها أكبر نسبة من المسلمين فى القارة العجوز.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جوليان أوبير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الصهيونية الحرب العالمية الثانية القضية الفلسطينية فلسطين هذا الصراع من خلال على أن ا یمکن ما کان
إقرأ أيضاً:
حوار مع صديقي ال ChatGPT الحلقة (71)
د. أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الازهري
حوار اليوم:
• الحروب الاهلية في افريقيا تاريخ طويل من الصراع الدامي. حدثنا عن ذلك بالتفصيل.
• تشترك الحروب كلها في انها تدمر الانسان والمكان. ما اكثر هذه الحروب بشاعة في التاريخ الافريقي القريب؟
• كيف نكيف الحرب الدائرة في السودان مع تاريح افريقيا المتسلسل من الحروب الاهلية؟
• ايهما اكثر اثارة لهذه الحروب العوامل الداخلية او التدخلات الخارجية؟ وكيف الخلاص من هذا وذاك؟
• كيف الخلاص من هذه الحروب؟
*******************************************************
الحروب الأهلية في أفريقيا تمثل تاريخًا طويلًا ومعقدًا من الصراعات الدموية التي أثرت بشكل عميق على القارة وشعبها. منذ الاستعمار الأوروبي، ومن ثم الحقبة ما بعد الاستعمار، خضعت أفريقيا لمجموعة متنوعة من الحروب الأهلية التي كانت نتيجة لتداخل عوامل معقدة مثل الاستعمار، الانقسامات العرقية والدينية، والنزاعات على السلطة والموارد. دعنا نلقي نظرة على هذه الحروب من خلال بعض المراحل الرئيسية:
1. الفترة الاستعمارية (حتى منتصف القرن العشرين)
عانت العديد من الدول الأفريقية من صراعات وحروب قبل الاستقلال بسبب السياسات الاستعمارية التي فرضها الأوروبيون. جلب الاستعمار معه تقسيمات حدودية غير طبيعية، لم تأخذ في الاعتبار التكوين العرقي والديني للمجتمعات المحلية. أدى هذا إلى خلق انقسامات وصراعات بين الجماعات العرقية المختلفة.
• حروب التحرير: في معظم الدول، خاضت الحركات الوطنية حروبًا ضد الاستعمار البريطاني، الفرنسي، البلجيكي، الإيطالي وغيرهم. أمثلة بارزة على هذه الحروب تشمل حرب التحرير الجزائرية (1954-1962) ضد الاستعمار الفرنسي وحرب الاستقلال في كينيا (1952-1960) ضد البريطانيين.
2. ما بعد الاستعمار (الستينات والسبعينات)
بعد الاستقلال، أُغلِق باب الاستعمار، لكن التوترات العرقية والإقليمية ظلت قائمة. العديد من الدول الأفريقية الجديدة لم تكن قد أنشأت هياكل حكومية قوية بما يكفي لإدارة التنوع العرقي والديني داخلها، مما أدى إلى ظهور صراعات أهلية.
• حرب الكونغو (1960-1965): واحدة من أبرز الحروب الأهلية التي نشأت بعد الاستقلال. الكونغو كانت تحت الاستعمار البلجيكي حتى عام 1960، وعندما نالت استقلالها، اشتعلت حرب أهلية شديدة بسبب النزاع بين الحكومة المركزية والانفصاليين المدعومين من قوى أجنبية.
• حرب نيجيريا الأهلية (1967-1970): المعروفة أيضًا بحرب بيافرا، بدأت بعد إعلان انفصال منطقة بيافرا، وهو نزاع دامي أدى إلى وفاة أكثر من مليون شخص بسبب الحرب والمجاعة.
3. التسعينات - حقبة الحروب العرقية والإثنية
في هذه الفترة، سادت حروب أهلية ضارية بسبب الصراعات العرقية والدينية، فضلاً عن التدخلات الدولية في بعض الحالات.
• الإبادة الجماعية في رواندا (1994): هذه المجزرة المروعة تعتبر واحدة من أسوأ الأمثلة على العنف العرقي في التاريخ الحديث. حيث اشتعل الصراع بين قبيلتي الهوتو والتوتسي، مما أدى إلى قتل حوالي 800,000 شخص، معظمهم من التوتسي.
• الحرب الأهلية في الصومال (1991 - حتى الآن): بدأت الحرب الأهلية بعد الإطاحة بحكومة سياد بري، مما أدى إلى تفكك الدولة وظهور قوى محلية متناحرة. الصومال عانت من فوضى دامت لعقود، مع تدخلات من الأمم المتحدة وأطراف دولية أخرى.
4. القرن الواحد والعشرون
في العقدين الأخيرين، استمرت الحروب الأهلية في أفريقيا، مع اندلاع العديد من الصراعات في مناطق مختلفة من القارة.
• حرب دارفور (2003-حتى الآن): اندلعت هذه الحرب في السودان نتيجة للصراع بين الحكومة السودانية وجماعات المتمردين في إقليم دارفور. وقد أسفرت عن مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتهجير الملايين.
• الحرب الأهلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية (1998-2003): بعد الحرب الأهلية الأولى في الكونغو (1996-1997) والتي أسقطت الرئيس موبوتو، اندلعت حرب أخرى في 1998 بين الحكومة الكونغولية ودول أخرى من المنطقة. يُعد هذا الصراع أحد أكثر الحروب دموية في تاريخ أفريقيا الحديثة، حيث أسفر عن مقتل ملايين الأشخاص.
• الحرب الأهلية في جنوب السودان (2013-2018): بعد انفصال جنوب السودان عن السودان في 2011، اندلعت حرب أهلية داخل الدولة الجديدة بين حكومة الرئيس سلفا كير والمعارضة بقيادة رياك مشار. تسببت الحرب في مقتل مئات الآلاف من الأشخاص وتشريد الملايين.
5. أسباب الحروب الأهلية في أفريقيا
تتنوع الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحروب الأهلية في أفريقيا، من أبرزها:
• الصراعات العرقية والدينية: العديد من الدول الأفريقية تشهد تداخلًا معقدًا بين مجموعة من الجماعات العرقية والدينية، مما يؤدي إلى صراعات على السلطة والنفوذ.
• التنافس على الموارد: الثروات الطبيعية في أفريقيا مثل النفط، المعادن، والأراضي الزراعية كانت سببًا في العديد من الحروب الأهلية.
• الضعف الحكومي: الأنظمة الحكومية الضعيفة وعدم القدرة على إدارة التنوع داخل الدول ساعدت في إشعال العديد من النزاعات.
• التدخلات الأجنبية: التدخلات العسكرية من الدول الكبرى أو القوى الإقليمية قد فاقمت الصراعات في بعض الأحيان.
6. التأثيرات الإنسانية
لقد كانت الحروب الأهلية في أفريقيا لها تأثيرات مدمرة على شعوب القارة:
• الوفيات والإصابات: مئات الآلاف من الأرواح قد أُزهِقَت في الحروب الأهلية.
• التهجير القسري: أعداد هائلة من اللاجئين والنازحين بسبب الحروب الأهلية، مما خلق أزمة إنسانية مستمرة.
• دمار البنية التحتية: تدمير المنشآت العامة والخاصة، بما في ذلك المدارس والمستشفيات، مما أثر على مستقبل الأجيال القادمة.
• الإبادة الجماعية: بعض الصراعات شهدت فظائع على مستوى الإبادة الجماعية مثلما حدث في رواندا.
7. الجهود للتسوية والوساطة
شهدت بعض الحروب الأهلية جهودًا من قبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة لتحقيق تسوية، لكن في بعض الأحيان كانت هذه الجهود غير فعّالة أو غير مستدامة بسبب تعقيد الوضع المحلي والدولي.
• اتفاقية السلام الشامل في السودان (2005): أسفرت عن إنهاء الحرب الأهلية الطويلة في السودان بين الشمال والجنوب، والتي أدت إلى انفصال جنوب السودان.
• اتفاقات السلام في الكونغو الديمقراطية (2003): تم التوصل إلى اتفاقية سلام في الكونغو بعد الحرب التي استمرت لسنوات، ولكن التوترات لا تزال قائمة في مناطق أخرى.
الخلاصة
الحروب الأهلية في أفريقيا هي جزء من تاريخ القارة المؤلم الذي يعكس الصراع بين الجماعات العرقية والدينية، الصراعات على الموارد، وفشل الأنظمة السياسية في بناء دول قوية ومستقرة. رغم بعض المحاولات للتسوية وتحقيق السلام، فإن التحديات لا تزال قائمة في العديد من الدول الأفريقية، مما يتطلب جهودًا مستمرة من الحكومات المحلية والمجتمع الدولي لتحقيق الاستقرار والعدالة.
• تشترك الحروب كلها في انها تدمر الانسان والمكان. ما اكثر هذه الحروب بشاعة في التاريخ الافريقي القريب؟
بالفعل، الحروب الأهلية في أفريقيا تتسم ببشاعة شديدة، حيث تدمر ليس فقط الإنسان ولكن أيضًا المكان، مما يؤدي إلى فقدان الأرواح وتدمير المجتمعات والبنية التحتية. من بين الحروب الأكثر بشاعة في التاريخ الأفريقي الحديث، هناك عدة صراعات تميزت بعنف غير مسبوق وتدمير شامل. إليك بعضًا من أبرز هذه الحروب:
1. الإبادة الجماعية في رواندا (1994)
تُعد الإبادة الجماعية في رواندا واحدة من أسوأ المجازر في تاريخ القرن العشرين، حيث شهدت البلاد في عام 1994 صراعًا دمويًا بين قبيلتي الهوتو والتوتسي. بدأت المذبحة بعد اغتيال رئيس رواندا، الذي كان من الهوتو، مما أدى إلى تصاعد العنف.
• عدد القتلى: قُتل حوالي 800,000 شخص في 100 يوم فقط.
• الوحشية: كانت الإبادة جماعية بشكل كبير، حيث استهدفت الهوتو غالبية التوتسي وغيرهم من المعارضين. استخدم العنف بشكل مروع، بما في ذلك القتل بالآلات الحادة، والاغتصاب الجماعي، والتعذيب.
• التأثير: تدمير المجتمع الرواندي، حيث أصبح العديد من الناجين يعانون من صدمات نفسية دائمة، كما شرد ملايين الأشخاص.
2. الحرب الأهلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية (1998-2003)
تعد هذه الحرب الأهلية واحدة من أكثر الصراعات دموية في التاريخ المعاصر، وارتبطت بمصالح اقتصادية وسياسية عميقة. بدأت الحرب بعد التدخل الأجنبي في الكونغو، حيث سعى العديد من الدول المجاورة مثل رواندا وأوغندا لدعم جماعات متمردة في الكونغو.
• عدد القتلى: يُقدّر أن الحرب أدت إلى مقتل ما بين 3 إلى 5 مليون شخص.
• التدمير: دمرت البنية التحتية للبلاد بشكل كامل، ونتج عن الحرب انتشار الأمراض والمجاعة.
• العنف: شهدت الحرب عمليات قتل جماعي، اغتصابًا جماعيًا، وتجنيد الأطفال كجنود.
3. الحرب الأهلية في السودان (1983-2005)
استمرت الحرب الأهلية في السودان لعقود، وكانت واحدة من أكثر الصراعات الطويلة والمروعة في أفريقيا. نشأت الحرب بسبب النزاع بين الحكومة المركزية في الخرطوم وجنوب السودان بسبب الاختلافات الدينية والعرقية.
• عدد القتلى: أكثر من 2 مليون شخص قُتلوا خلال النزاع، ونزح أكثر من 4 ملايين شخص.
• الوحشية: تميزت الحرب بعمليات قتل جماعي، تهجير قسري، ونهب، بالإضافة إلى العبودية والاغتصاب.
• النتائج: أدى النزاع إلى تقسيم البلاد في عام 2011 إلى دولتين: السودان وجنوب السودان.
4. الحرب الأهلية في الصومال (1991 - حتى الآن)
بدأت الحرب الأهلية في الصومال بعد الإطاحة بنظام سياد بري، مما أدى إلى انهيار الدولة وظهور صراعات بين الفصائل المختلفة. الصومال كانت في حالة من الفوضى المستمرة منذ ذلك الحين، رغم الجهود الدولية لفرض السلام.
• عدد القتلى: تُقدّر الأعداد بنحو 500,000 شخص قتلى منذ بداية الحرب الأهلية في 1991.
• الوحشية: العنف في الصومال تضمن عمليات قتل واسعة النطاق، وتدمير للمدن، والمجاعة التي راح ضحيتها الكثير من المدنيين. وارتكبت المليشيات المتطرفة مثل حركة الشباب فظائع رهيبة ضد المدنيين.
• النتائج: دمرت الصومال كدولة، مع غياب حكومة مركزية قوية وتحول العديد من المناطق إلى مناطق خارج السيطرة الحكومية.
5. حرب دارفور (2003 - حتى الآن)
تعتبر حرب دارفور واحدة من أكثر الصراعات فظاعة في القرن الواحد والعشرين، حيث اندلعت بسبب التوترات العرقية والقبلية في إقليم دارفور بغرب السودان. اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد الحكومة السودانية قوبلت بتدخل دولي محدود.
• عدد القتلى: قُتل ما يقارب 300,000 شخص، وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد قد يكون أعلى.
• التدمير: أدى الصراع إلى تهجير حوالي 2.5 مليون شخص داخل السودان.
• الوحشية: استخدمت الحكومة السودانية والمليشيات المتحالفة معها أساليب عنيفة مثل القصف الجوي العشوائي، الاغتصاب الجماعي، القتل العشوائي، وتدمير القرى بأكملها.
6. الحرب الأهلية في جنوب السودان (2013-2018)
الحرب الأهلية في جنوب السودان بدأت بعد نزاع سياسي بين الرئيس سلفا كير ونائبه رياك مشار. أدى الصراع إلى تفشي العنف الإثني في البلاد، وتسبب في مقتل مئات الآلاف.
• عدد القتلى: قُتل ما يقارب 400,000 شخص، ويُقدر عدد النازحين بنحو 4 ملايين.
• الوحشية: شهدت الحرب العديد من المجازر، اغتصاب النساء كأداة حرب، وتجنيد الأطفال كجنود. الحرب دمرت كثيرًا من البنية التحتية للبلاد.
الخلاصة
من بين هذه الحروب، تظل الإبادة الجماعية في رواندا و الحرب الأهلية في الكونغو الديمقراطية من بين أكثر الحروب بشاعة في التاريخ الأفريقي الحديث، نظرًا للمذابح الوحشية التي ارتكبت بحق المدنيين، وكذلك التأثيرات المدمرة على الأجيال القادمة.
• كيف نكيف الحرب الدائرة في السودان مع تاريح افريقيا المتسلسل من الحروب الاهلية؟
الحرب الحالية في السودان، والتي اندلعت في أبريل 2023، تتبع نمطًا مأساويًا مشابهًا للعديد من الحروب الأهلية الأفريقية السابقة، حيث تندلع بسبب عوامل سياسية وعرقية واقتصادية، وتشهد عنفًا واسع النطاق ضد المدنيين، فضلاً عن تأثيرات مدمرة على البنية التحتية والاقتصاد والمجتمع.
العوامل المشتركة بين الحرب في السودان والصراعات الأفريقية الأخرى:
1. الصراعات على السلطة والقيادة:
o الاستمرار في الحروب بسبب السلطة: كما في العديد من الحروب الأهلية في أفريقيا، كان الصراع في السودان في جوهره نزاعًا على السلطة بين جماعات متنافسة. في هذه الحالة، تصارع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) وقوات الجيش السوداني تحت قيادة عبد الفتاح البرهان على الهيمنة السياسية والعسكرية. وهذا يعكس نمطًا تاريخيًا من الحروب الأفريقية حيث يتمزق البلد بسبب التنافس على السلطة بين النخب السياسية والعسكرية، كما حدث في حرب السودان الأهلية (1983-2005) و الحرب الأهلية في جمهورية الكونغو الديمقراطية (1998-2003).
2. التأثيرات الإقليمية والدولية:
o التدخلات الإقليمية والدولية: كما في العديد من الحروب الأفريقية السابقة، تشهد الحرب السودانية تدخلات من أطراف إقليمية ودولية. التدخلات الخارجية غالبًا ما تساهم في تعقيد الصراع، إما بدعم أطراف معينة في النزاع أو من خلال محاولات الوساطة. في الحرب السودانية، توجد علاقة مع دول مثل مصر، والإمارات، والسعودية، ما يعكس التأثير المستمر للقوى الخارجية في صراعات أفريقيا، كما حدث في حرب دارفور (2003) أو حرب الكونغو التي شهدت تدخلات من دول الجوار مثل رواندا وأوغندا.
3. الصراعات العرقية والدينية:
o التوترات العرقية: على الرغم من أن الحرب في السودان ليست قائمة فقط على التوترات العرقية، إلا أن هناك عنصرًا عرقيًا في الصراع بين القوى المتنافسة، حيث تمثل قوات الدعم السريع بشكل كبير الجماعات القبلية في غرب السودان، في حين تمثل القوات المسلحة السودانية السلطة المركزية. مثل هذه الصراعات العرقية تذكرنا بمثال الإبادة الجماعية في رواندا (1994)، حيث كان الصراع بين الهوتو والتوتسي نتيجة للتوترات العرقية المستمرة.
o الانقسامات الداخلية: في السودان، كما في دول أخرى مثل الصومال و جنوب السودان، فإن التوترات العرقية والقبلية تلعب دورًا كبيرًا في الصراع، حيث أن عدم القدرة على بناء دولة موحدة ومستقرة مع احترام التنوع العرقي أدى إلى انفجار العنف.
4. الاقتصاد والموارد:
o الصراع على الموارد: كما في العديد من الحروب الأفريقية الأخرى، يؤثر الصراع على السيطرة على الموارد الطبيعية، مثل النفط والموارد الزراعية، في الحرب في السودان. في حرب دارفور، كانت هناك نزاعات حول الأراضي والموارد الطبيعية، وكانت تساهم هذه الصراعات في تعزيز العنف. السودان، من جهته، يعتبر من الدول الغنية بالموارد، وخاصة النفط، ما يجعل الحرب على السلطة في البلاد جزءًا من صراع أوسع يشمل السيطرة على هذه الموارد.
5. الضعف الحكومي وضعف المؤسسات:
o الانهيار المؤسسي: مثل العديد من الحروب الأهلية في أفريقيا، يعاني السودان من ضعف المؤسسات الحكومية والانقسامات داخل الجيش والشرطة. الجيش السوداني، الذي كان القوة الحاكمة في البلاد، يعاني من انقسامات داخلية، مما يجعل من الصعب توحيد صفوفه ضد قوات الدعم السريع. كما حدث في حرب الصومال أو الحرب الأهلية في جنوب السودان، حيث يؤدي ضعف الدولة إلى انفجار الصراع بين الأطراف المحلية التي تسعى للسيطرة على مقدرات البلد.
6. المجاعات والدمار الإنساني:
o الدمار الإنساني والتهجير: الحرب في السودان، كما في معظم الحروب الأهلية في أفريقيا، تسببت في مآسٍ إنسانية ضخمة. وفقًا للتقارير، فقد أودت الحرب بحياة آلاف الأشخاص وأدت إلى نزوح الملايين. كما هو الحال في حرب الكونغو و حرب دارفور، يعاني المدنيون بشكل رئيسي من العنف الدائر ويعيشون في ظروف قاسية، بما في ذلك نقص الغذاء والدواء والمأوى.
الفروق بين الحرب في السودان والحروب السابقة:
على الرغم من التشابهات العديدة، هناك بعض الفروق بين الحرب في السودان والصراعات السابقة في أفريقيا:
1. الانقسام بين الجيش و"قوات الدعم السريع": في العديد من الحروب السابقة، كان الجيش يقاتل جماعات متمردة في مناطق معينة، لكن في السودان، يشهد الصراع حربًا بين فصيلين عسكريين أساسيين كانا حليفين سابقًا، مما يعكس تدهور الوضع الداخلي بشكل غير مسبوق.
2. التحولات السياسية السريعة: في السودان، حدثت تغييرات سياسية سريعة بعد الإطاحة بعمر البشير في عام 2019، ومن ثم تصاعدت التوترات بين المكونين العسكري والمدني في الحكومة الانتقالية، مما جعل الوضع أكثر تعقيدًا. يشير هذا إلى أن الصراع في السودان مرتبط مباشرة بتحولات سياسية غير مستقرة، وهو ما قد يختلف عن بعض الحروب الأخرى التي كانت تنجم عن صراعات أكثر استقرارًا على السلطة.
الخلاصة:
الحرب في السودان تمثل استمرارًا لنمط طويل من الحروب الأهلية في أفريقيا التي نشأت بسبب صراعات سياسية وعرقية واقتصادية، فضلاً عن ضعف المؤسسات الحكومية والانقسامات الداخلية. لكن هذه الحرب تتميز بعوامل إضافية، مثل انقسام الجيش نفسه وتدخلات إقليمية ودولية معقدة. في النهاية، يشترك الصراع في السودان مع تاريخ القارة من الحروب الأهلية في أنها تدمّر الإنسان والمكان بشكل مأساوي، تاركة وراءها أزمة إنسانية هائلة.
• ايهما اكثر اثارة لهذه الحروب العوامل الداخلية او التدخلات الخارجية؟ وكيف الخلاص من هذا وذاك؟
الحروب الأهلية في أفريقيا هي نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الداخلية و التدخلات الخارجية، ويصعب تحديد أي منها هو الأكثر إثارة لهذه الصراعات، حيث أن كلا العنصرين يلعب دورًا مهمًا في تأجيج النزاعات وتفاقمها. ومع ذلك، يمكن القول إن العوامل الداخلية هي غالبًا ما تكون أكثر تأثيرًا في إشعال الحروب الأهلية، بينما التدخلات الخارجية يمكن أن تعقد الصراع وتطيل أمده.
العوامل الداخلية المؤثرة في اندلاع الحروب الأهلية:
1. التنافس على السلطة: يعتبر الصراع على السلطة من أكبر المحركات الداخلية للنزاع في العديد من الحروب الأفريقية. فبعد الاستقلال عن الاستعمار، العديد من الدول الأفريقية لم تتمكن من بناء مؤسسات سياسية قوية قادرة على إدارة التنوع العرقي والسياسي. هذا التنافس يؤدي إلى صراعات عنيفة بين النخب الحاكمة، كما حدث في حرب السودان و الحرب الأهلية في جنوب السودان.
2. التوترات العرقية والدينية: أفريقيا تتسم بتنوع عرقي وديني كبير، وغالبًا ما كانت الحروب الأهلية تنشأ نتيجة للصراعات بين جماعات عرقية ودينية مختلفة على السلطة والموارد. الصراع بين الهوتو والتوتسي في رواندا مثال على ذلك. العديد من الحروب في أفريقيا تنشأ نتيجة لهذه التوترات، حيث يسعى كل طرف إلى الحفاظ على نفوذه أو فرض سلطته على الآخرين.
3. الصراع على الموارد: الصراعات حول الموارد الطبيعية مثل الأرض، المياه، النفط، والمعادن تعد أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الحروب الأهلية. في حرب دارفور و حرب الكونغو الديمقراطية، كان النزاع حول السيطرة على الموارد أحد الأسباب الرئيسية التي أثارت العنف بين الجماعات المختلفة.
4. الفساد وضعف المؤسسات الحكومية: في العديد من البلدان الأفريقية، تؤدي الأنظمة السياسية الفاسدة إلى تفشي الفقر والظلم الاجتماعي، مما يؤدي إلى الاستياء الشعبي والنزاع. ضعف المؤسسات الحكومية في إدارة شؤون الدولة والاقتصاد يزيد من احتمالية اندلاع حروب أهلية.
5. التفاوت الاجتماعي والاقتصادي: التفاوت في توزيع الثروة والفرص في المجتمع الأفريقي، مثلما حدث في حرب نيجيريا الأهلية (1967-1970) وحروب أخرى، يعزز الفقر ويزيد من التوترات، مما يجعل الناس ينخرطون في النزاع كوسيلة لتحقيق مطالبهم الاقتصادية والاجتماعية.
التدخلات الخارجية وتأثيرها:
1. التدخلات العسكرية من دول مجاورة أو قوى عالمية: تدخل بعض الدول المجاورة أو القوى العالمية مثل الولايات المتحدة أو فرنسا في النزاعات الأفريقية يمكن أن يفاقم الصراع. في حرب الكونغو على سبيل المثال، كانت التدخلات العسكرية من قبل دول مثل رواندا وأوغندا قد زادت من تعقيد النزاع. كما أن القوى العالمية أحيانًا تقوم بدعم طرف ضد الآخر لأسباب استراتيجية أو اقتصادية.
2. التدخلات الاقتصادية والسياسية: القوى الخارجية تتدخل أحيانًا من خلال تقديم دعم مالي أو سياسي لأطراف معينة في النزاع، ما يعزز من استمرار القتال. هذا التدخل يمكن أن يكون له مصلحة في ضمان السيطرة على الموارد الطبيعية أو تأمين مصالح استراتيجية. على سبيل المثال، حرب دارفور شهدت تدخلات سياسية واقتصادية من بعض الدول في المنطقة.
3. التأثيرات الثقافية والإيديولوجية: في بعض الأحيان، يمكن أن تؤدي القوى الأجنبية إلى إضعاف الهويات الوطنية من خلال نشر أفكار أو إيديولوجيات خارجية تؤدي إلى الانقسام الداخلي. كان الاستعمار نفسه سببًا رئيسيًا في رسم حدود مصطنعة بين المجموعات العرقية في أفريقيا، مما ساهم في الصراعات بعد الاستقلال.
• كيف يمكن الخلاص من هذه الحروب؟
1. معالجة العوامل الداخلية:
• بناء مؤسسات قوية: من الأهمية بمكان بناء مؤسسات سياسية قوية وفعالة قادرة على إدارة التنوع العرقي والديني في الدول الأفريقية. يجب أن تتمتع هذه المؤسسات بالشفافية والمساءلة لتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
• الإصلاح السياسي والاقتصادي: ضرورة إصلاح الأنظمة السياسية والاقتصادية لتقليل التفاوتات الاجتماعية. توفير الفرص الاقتصادية لجميع المواطنين يمكن أن يساعد في تقليل جذور الاستياء الذي يؤدي إلى الصراعات.
• الحوار والمصالحة الوطنية: يجب أن تسعى الدول الأفريقية إلى إجراء حوار بين جميع الأطراف المعنية في النزاع من أجل تسوية النزاعات بشكل سلمي. نموذج اللجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا بعد نهاية نظام الفصل العنصري هو مثال ناجح على ذلك.
• إدارة الموارد بطرق عادلة: وضع سياسات لإدارة الموارد الطبيعية بشكل عادل يضمن توزيعًا متساويًا للأرباح والفرص بين مختلف الفئات السكانية لتقليل التوترات الناتجة عن الصراع على هذه الموارد.
2. مواجهة التدخلات الخارجية:
• الحفاظ على سيادة الدولة: الدول الأفريقية يجب أن تحرص على الحفاظ على سيادتها السياسية والاجتماعية، ومنع التدخلات العسكرية من قبل أطراف خارجية قد تزيد من تعقيد النزاعات.
• المشاركة الفعّالة في المنظمات الإقليمية: تعزيز دور المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي و المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في الوساطة وحل النزاعات. هذه المنظمات يمكن أن تكون ذات دور محوري في التدخل المبكر لمنع الصراعات أو إنهائها.
• الضغط الدولي لتجنب التدخلات السلبية: المجتمع الدولي يجب أن يمارس ضغوطًا على القوى الخارجية التي تتدخل بشكل يفاقم النزاع في الدول الأفريقية، سواء كان ذلك عبر الدعم العسكري أو السياسي.
3. التوجه نحو التسوية السلمية:
• الدبلوماسية والوساطة: يجب تشجيع الوساطة الدولية والمحلية للتوصل إلى حلول سلمية للنزاعات. يمكن للدول الأفريقية الاستفادة من الوساطة الدولية لوقف الصراع والوصول إلى اتفاقيات سلام.
• إعادة بناء المجتمعات: بعد إنهاء النزاع، يجب أن تركز الدول على إعادة بناء المجتمع والنسيج الاجتماعي من خلال برامج تعليمية، ومشروعات تنموية، وتنمية ثقافة السلام والمصالحة.
الخلاصة:
إن الحرب الأهلية في أفريقيا لا يمكن أن تُعزى إلى عامل واحد، بل هي نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الداخلية مثل التنافس على السلطة والتوترات العرقية وضعف المؤسسات، والتدخلات الخارجية التي يمكن أن تزيد من تعقيد الصراع. الخلاص من هذا الصراع يتطلب حلولًا شاملة تشمل بناء مؤسسات قوية، الإصلاحات السياسية والاقتصادية، تعزيز الحوار والمصالحة، والحد من التدخلات الخارجية السلبية.
aahmedgumaa@yahoo.com