تشخيص ذاتي وتضخيم الأزمات.. هل يزيد الوعي النفسي من آلامنا؟
تاريخ النشر: 22nd, October 2023 GMT
خلال السنوات القليلة الماضية تزايدت حملات التوعية بالصحة النفسية، وخرج العديد من المشاهير يتحدثون علانية عن صراعاتهم مع مشاكل الصحة النفسية والعقلية، مثل الأمير هاري، وبالفعل أسهمت هذه الحملات في إزالة الوصم المحيط بالصحة النفسية والعقلية وتشجيع من يعانون من هذه المشكلات على طلب المساعدة.
ورغم هذه الإيجابيات، فإن الخوض في الحديث عن الاضطرابات النفسية والعقلية أكثر من اللازم يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الضغوط النفسية.
ذكر عالما النفس جاك أندروز ولوسي فولكس في مقال لهما نشر حديثا في مجلة "نيو أيديز" بعنوان "هل تساهم جهود التوعية بالصحة العقلية في زيادة مشاكلها؟" أن حملات التوعية بالصحة العقلية يمكن أن تكون أحد أسباب تفاقم الأزمات النفسية.
وأوضحا أن تفسير بعض الأشخاص لأعراض الضيق أو الحزن الخفيفة على أنها أزمات نفسية عميقة، قد يؤدي بدوره إلى تفاقم الضيق حقا بدلا من تخفيفه.
على سبيل المثال، القلق هو شعور طبيعي يختبره الإنسان، فإذا قرأ شخص يعاني من قلق خفيف عن أعراض القلق المفرط، وبدأ في النظر لنفسه أنه يعاني من مرض عقلي خطير، فمن المرجح أن يصبح أكثر تركيزا على ما يقلقه وأكثر تجنبا للتجارب المثيرة للقلق، وهو ما يعزز أفكار القلق ومشاعره ويصبح شعوره بالقلق أسوأ، وليس أفضل.
في خضم انتشار حملات التوعية عن معاناة المصابين بالصدمات النفسية، يتم استخدام تنبيهات قبل عرض محتوى أنه قد يكون مؤلما، ورغم أن ذلك يكون بهدف حماية الناجين من الصدمات والأزمات النفسية من التعرض لمحتوى يستفز ذكرياتهم المؤلمة، فإن دراسة قامت بها "جمعية علم النفس الأميركية" خلصت إلى أن هذه التحذيرات يمكن أن تكون سببا لعدم تجاوز الأزمات النفسية.
وتوصلت الدراسة إلى أن هذه التحذيرات غير فعالة، ويمكن أن تضر بالصحة العقلية على المدى الطويل، إذ تشجع على تجنب المشاعر السلبية، وتعزز للناجين من الصدمات أن تجاربهم المؤلمة هي جزء أساسي من هويتهم الشخصية، وترسل رسالة مفادها أن التجارب المؤلمة تسبب تغييرا نفسيا دائما، لكن في الحقيقة يتمتع البشر بالمرونة بشكل طبيعي، ويمكنهم تجاوز التجارب المؤلمة.
رسم صورة خاطئةاستخدام مصطلحات الصحة النفسية خلال الحياة اليومية في غير محلها يمكن أن يرسم صورة خاطئة عن هذه الاضطرابات.
على سبيل المثال، إذا كان شخص متشدد حول القواعد الخاصة به، ويبرر ذلك بأنه مصاب بالوسواس القهري دون الرجوع إلى طبيب نفسي، يمكن أن يُكوّن هذا انطباعا سلبيا عند الآخرين، بأن المصابين بالوسواس القهري أشخاص مزعجون، ولا يحترمون الآخرين، ويهتمون فقط بتطبيق نظامهم الخاص.
أشارت صحيفة "غارديان" البريطانية إلى أن بعض شركات الأدوية تطلق على الظواهر النفسية الطبيعية التي يختبرها أغلب البشر كالحزن ونوبات الغضب أنها اضطرابات تحتاج إلى علاج من أجل بيع الدواء والتربح من ذلك.
التشخيص الذاتيذكرت الدراسة المنشورة في مجلة "نيو ايدياز" أن انتشار المعلومات عن الاضطرابات النفسية والعقلية في المواقع المختلفة والأفلام ووسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى تفاقم أزمة التشخيص الذاتي.
فقد أصبح من السهل قراءة الأعراض من أي مصدر وتصنيف الأفراد أنفسهم بسهولة أكبر على أنهم يعانون من مشكلة عقلية، ويتعاملون على هذا الأساس، ويؤثر ذلك بالتبعية في سلوكهم ويصدقون أنهم بالفعل مرضى.
فلا يعني أن تكون شخصا غير محب للتلامس الجسدي أنك مصاب باضطرابات طيف التوحد، ولا يسمى شعورك بالضيق أحيانا أنه اكتئاب حاد، ولا يعني مرورك بتقلبات مزاجية أنك مصاب باضطراب ثنائي القطب.
الوعي غير كافٍلا يمكن إنكار الجانب الإيجابي من الوعي بالصحة العقلية، لكن الوعي ليس هو الإجابة في حد ذاته، والأهم هو اتخاذ خطوات فعلية لحل هذه الأزمات، كما أوضح دين بورنيت دكتور علم الأعصاب في مقاله بصحيفة "غارديان" البريطانية.
وأضاف بورنتت أن "المشكلة الرئيسية هي أن العقل البشري جيد جدا في إدراك الأشياء، ولكن ليس من السهل أن يؤدي هذا الوعي إلى تغييرات في السلوك، ومجرد زيادة الوعي النفسي قد يجعل الفرد يشعر بالتحسن؛ لأنه قام بشيء ما، لكنه في الحقيقة لم يغير شيئا".
فالوعي بالصحة العقلية يعد أمرا رائعا، لكن لا معنى له فعليا إذا لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لحل هذه المشكلات.
بعد عرض التأثير السلبي للانغماس في تأثير الصدمات النفسية وأعراض الاضطرابات العقلية واجترار الأفكار السلبية، نصح عالم النفس كلاي روتليدج في مقاله بصحيفة واشنطن بوست الأميركية بالخروج من دوامة الأفكار السلبية إلى الانخراط في خطوات إيجابية ومجدية لتقليل المعاناة.
ونصح بالمشاركة في الأنشطة الخيرية، وهو أمر أثبتت فاعليته في تحسين الصحة العقلية أكثر من التقنيات العلاجية السلوكية المعرفية التقليدية، كما وجدت دراسة نشرتها مجلة علم النفس الإيجابي، ويرجع هذا التأثير الإيجابي إلى أن الأعمال الإنسانية تساعد في إبعاد عقلك جزئيا عن مشاكلك النفسية والعمل من أجل الآخرين.
كما تعتبر التمارين الرياضية أيضا وسيلة ممتازة لتعزيز الصحة العقلية والحد من الاكتئاب والقلق والتوتر، وحتى المشي البسيط في الطبيعة يساعد في تقليل من اجترار الأفكار السلبية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأفکار السلبیة الصحة النفسیة الصحة العقلیة یمکن أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
ليفاندوفسكي آخر الضحايا.. «العقلية الألمانية» تفرض «الانضباط» في برشلونة
أنور إبراهيم (القاهرة)
ينتهج الألماني هانزي فليك، المدير الفني لبرشلونة أسلوباً صارماً مع لاعبي الفريق، رغبة منه في فرض الانضباط، من أجل مواصلة الانتصارات في مباريات «البارسا» بمختلف المسابقات التي يشارك فيها.
وآخر اللاعبين الذين عانوا من صرامة فليك، البولندي الهداف روبرت ليفاندوفسكي الذي لم يعجبه قرار المدير الفني بتغييره قبل نحو عشر دقائق من نهاية مباراة رايو فاليكانو الأخيرة في «الجولة 24» للدوري الإسباني «الليجا»، والتي انتهت بفوز برشلونة بهدف سجله البولندي من ضربة جزاء.
وخرج ليفاندوفسكي غاضباً، وألقى بزجاجة وهو جالس على دكة البدلاء تعبيراً عن إحباطه وسخطه، لأنه كان يشعر بأنه بمقدوره أن يضيف المزيد من الأهداف، إذا استمر في الملعب، حتى يُوسع الفارق بينه وبين منافسيه على لقب هداف «الليجا»، ونزل فيران توريس بديلاً لليفاندوفسكي، وهو التغيير التقليدي الذي يُجريه فليك في كثير من مباريات الفريق.
وعن ردة فعل ليفاندوفسكي قال فليك: أتفهم تماماً ما فعله، فهو يرغب في استمراره بالملعب لتسجيل المزيد من الأهداف، ودائماً ما أمنحه الفرصة للمشاركة أساسياً في المباريات لتحقيق هدفه.
غير أن فليك أكد في الوقت نفسه إنه المدير الفني والمسؤول الأول عن الفريق، ولابد أن تحظى قرارته بالاحترام من جانب جميع اللاعبين، وقال: أُجري التغيير في الوقت الذي أراه مناسباً، وعلى أي لاعب أن يقبل ذلك.
وفي إطار نفس السياسة «السلطوية» التي ينتهجها فليك، عاقب الظهير الأيمن الفرنسي جول كوندي، بعدم إشراكه في نفس المباراة، لتأخره عن موعد أحد الاجتماعات، وجلس اللاعب على «مقاعد البدلاء»، وبدأ هيكتور فورت اللقاء بدلاً منه.
ونقلت الصحف الكتالونية عن فليك قوله: ما يحدث جزء من كرة القدم، وحضور الاجتماعات والالتزام بمواعيدها فرض على جميع اللاعبين، ولابد من الامتثال للتعليمات، هذا أمر مهم جداً لأنه يتعلق بالاحترام، ولقد وصل متأخراً وعليه أن يتحمل نتيجة ذلك.
والأمثلة كثيرة على هذا النهج «الصارم» الذي يسير عليه فليك منذ وصوله إلى برشلونة الصيف الماضي، إذ سبق أن حذر النجم الشاب جابي من التدخلات العنيفة على المنافسين، مطالباً إياه بعدم الاندفاع أو التهور حتى لا يتعرض للإنذار أو الطرد.
كما لا يتوقف فليك عن تحذير اللاعبين من الاعتراض على قرارات الحكام، إذ يرى أن اعتراضهم لن يكون مفيداً أومجدياً، لأن الحكم اتخذ قراره ولا يمكن الرجعة فيه، إلا إذا تدخلت تقنية الفيديو لإظهار شيء لم يره الحكم.
وذكر موقع جول العالمي أن أسلوب فليك يعكس تفكير«العقلية» الألمانية التي تنشد دائماً الضبط والربط وفرض الاحترام لتعليماته وقرارته التي تستهدف في المقام الأول مصلحة الفريق، وهذا أحد أسرار نجاح الألماني حتى الآن مع «البارسا».