لا تقوم المجتمعات سوى بمشاركة فاعلة من كل أفرادها، والسعي المتواصل من الجميع من أجل تحقيق الأهداف التنموية؛ ولهذا فإن الدول تحرص على إشراك فئات المجتمع رجالا ونساء من أجل ضمان الاستفادة من الخبرات والكفاءات المتنوعة، ولقد كانت عُمان من بين أوائل الدول التي شجَّعت دخول المرأة إلى سوق العمل الحديث بل وحرصت على الاستفادة من إمكاناتها؛ فأخذت على عاتقها تأهيلها وتدريبها وتهيئتها لولوج كافة القطاعات التنموية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها.
لذا فإن المتتبِّع لمسيرة المرأة العمانية في سوق العمل سيجد دورها البارز في التنمية منذ سبعينات القرن الماضي، فلقد قدَّمت عبر مسيرة النهضة الحديثة أدوارا عدة متكافئة مع ما يقدمه أخوها الرجل، ولعل ما تم من تغييرات أخيرة في القوانين والتشريعات الخاصة بالعمل وغيرها، كانت من بين تلك الإجراءات التي تسعى لها الدولة على الدوام من أجل تعزيز مكانة المرأة وصون حقوقها في بيئة العمل، وتسهيل قدرتها على المواءمة بين دورها الأساسي في أسرتها، وعملها في مختلف القطاعات.
ولأن العالم يسير نحو مجموعة من المتغيرات المتسارعة خاصة على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، فإن الدور التنموي الذي تقدمه المرأة اليوم يجب أن يتغيَّر، وأن يتطلَّع نحو المزيد من التمكين، الذي تسهم هي نفسها فيه من خلال فهم هذه المتغيرات من ناحية، وإيجاد الطرق المناسبة للمشاركة التنموية الفاعلة والإيجابية من ناحية أخرى، ذلك لأن الأدوار التي تقدمها المرأة في مجتمعها مؤثرة وقادرة على إحداث التغيير الذي يدفع آفاق التنمية، ويُسهم في تحقيق الرؤى الوطنية.
يركز التقرير العالمي (المرأة ومنجم المستقبل)، الصادر عن المنتدى الحكومي الدولي للتعدين والمعادن والتنمية المستدامة (IGF)، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على دور المرأة في قطاع التعدين في ظل التغيرات الهيكلية في الاتجاهات العالمية، والتطورات التكنولوجية المتسارعة الداعمة لهذا القطاع، إضافة إلى الضغط المتزايد على هذا القطاع من قبل المستثمرين والمستهلكين، ولهذا فإن فهم الآثار والفرص التي يوفرها، والدور الذي يمكن أن تقدمه المرأة من خلال تحليل الحالة الراهنة لتمثيل المرأة في القوى العاملة في قطاع التعدين والقطاعات الصناعية الأخرى وسلاسل التوريد التي توفر السلع والخدمات، سيكون له انعكاس مباشر على إمكانات مشاركة المرأة في الفرص الوظيفية في هذه القطاعات، وكذلك فرص التعليم والتدريب والتأهيل.
ولأن المهارات المستقبلية أحد أهم الاحتياجات التي تتطلَّع إليها المجتمعات في تأهيل أبنائها وتدريبهم، فإن المهارات التي تحتاجها القطاعات الصناعية عامة وقطاع التعدين خاصة، تعد من بين تلك المهارات التي أصبحت مقلقة بالنسبة لواضعي السياسات ـ حسب تقرير (IGF) ـ، ولهذا فإن تهيئة الشباب عموما لمثل هذه القطاعات يحتاج إلى توفُّر البيانات والمؤشرات، إضافة إلى توفُّر البيئة الجاذبة للقوى العاملة خاصة من فئة النساء والفتيات، من أجل إيجاد بيئات عمل قادرة على تمكين المرأة وتفعيل دورها التنموي في كافة القطاعات.
إن مشاركة المرأة في القطاعات الصناعية بشكل خاص، يعتمد على قدرة تلك القطاعات على تهيئة بيئة العمل وسياساته بما يتوافق مع إمكانات القوى العاملة وقدراتها، ولهذا فإن التركيز على الفرص والتحديات التي تواجه المرأة في الكثير من تلك القطاعات الصناعية، سيُسهم في إيجاد الحلول وفتح فرص جديدة لمشاركتها، مما سيؤدي إلى تقليل الفجوة بينها وبين الرجل، خاصة في مجال الانخراط في سوق العمل وزيادة نسبة العاملات في القطاعات الصناعية والنفطية وغيرها، إضافة إلى ما سيقدمه من تغيير في مهارات تلك المهن والوظائف المرتبطة بها، وسيدفع شركات القطاعات الخاصة إلى تغيير الكثير من السياسات المنظمة لبيئة العمل، مما يمكِّن المرأة ويدعمها في مساراتها المهنية.
وعلى الرغم من أن المرأة في عُمان ولجت الكثير من تلك القطاعات، وأسهمت فيها بخبرتها وقدراتها ومهاراتها، إلاَّ أن الكثير من المهن الصناعية ما زالت مقلَّة في إشراكها للمرأة؛ إما بسبب الظروف الاجتماعية التي ما زالت تتحرَّج من وجود المرأة خاصة في بعض القطاعات الصناعية والنفطية وقطاعات الطاقة التي تحتاج إلى العمل في المناطق البعيدة، وإما بسبب بيئة العمل نفسها التي لم يتم تهيئتها وفقا لما تتطلبه خصوصية حياة المرأة في مجتمعنا المحافظ، ولهذا فإن مراجعة مثل هذه البيئات وإعادة النظر في تهيئتها بما يعزِّز مشاركة المرأة، سيكون له الأثر الفاعل في الارتقاء بتمكينها وتعزيز دورها.
فالمرأة في عُمان ممكَّنة وقادرة على المشاركة الفاعلة في القطاعات عموما والقطاعات الصناعية بشكل خاص، لذا فإن ما تحتاجه هو فتح فرص أكثر ملاءمة، وتهيئة بيئة جاذبة، وأكثر قدرة على تطوير المهارات بما يتوافق مع آفاق تلك القطاعات، ولعل الاحتفال بيوم المرأة العمانية يفتح أمامنا فرصة لمراجعة الدور الفاعل الذي تقدمه المرأة في قطاعات الإعلام والثقافة والابتكار والطب وغيرها الكثير، ودراسة التحديات من ناحية، والفرص من ناحية أخرى، وتقديم مبادرات وبرامج وطنية داعمة للأدوار التنموية التي تقدمها المرأة، وتتناسب مع أهداف الدولة في تمكين المرأة وتعزيز قدرتها على العطاء، بما لا يتعارض مع دورها في الأسرة والتنمية المجتمعية.
عليه فإننا بحاجة إلى الإعلان عن استراتيجية وطنية للمرأة العمانية، تسهم في تطوير دورها في المجتمع وتعزِّز نموها المعرفي والمهاري، وهو أمل ما زال الكثير منا ينتظره منذ سنوات عدة، وتزداد تلك الحاجة في ظل المتغيرات الحالية، التي تؤكد أهمية دعم دور المرأة الفاعل خاصة في بعض القطاعات الصناعية والاقتصادية والمالية، إضافة إلى ضرورة تمكينها بالمهارات المستقبلية، وتعزيز استقلاليتها المالية وقدرتها على ولوج سوق العمل، وغيرها من الإشكالات التي يمكن أن تُسهم الاستراتيجية في توجيه التركيز عليها لإيجاد الحلول وفتح فرص للمرأة العمانية من أجل التأهيل والتمكين.
ولعل ما نتج عن مختبر تطوير جمعيات المرأة العمانية من مبادرات جديرة بالاهتمام، تُعد انطلاقة مهمة لمراجعة دور المرأة في المجتمع وفتح آفاق جديدة للتمكين والدعم وفقا لمتطلبات المرحلة التنموية المقبلة، وما تحتاجه من مبادرات وبرامج تتناسب مع الرؤى الوطنية، الداعمة للمرأة والمتطلعة نحو مزيد من الإشراك؛ ولربما ستمثِّل تلك المبادرات أساسا لتغيير أدوار جمعيات المرأة وتطوير أثرها في المجتمع، فالمرأة العمانية اليوم تحتاج إلى خطاب مختلف ورؤية ذات أبعاد أكثر انفتاحا.
إن الاحتفال بيوم المرأة العمانية فرصة لطرح البرامج والمبادرات الوطنية الداعمة لدورها التنموي، وتطوير أنماط مشاركاتها في المجتمع، فالاحتفال رمز مهم لهذا الدور الفاعل الذي يحتاج إلى تطوير أنماطه، من خلال إيجاد الحلول الفاعلة للتحديات التي تواجه المرأة، ولهذا فإن التركيز على تنمية دورها وقدراتها ومراجعة السياسات الداعمة لتعزيزه لهو أجدى وأعمق أثرا.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القطاعات الصناعیة المرأة العمانیة تلک القطاعات فی المجتمع بیئة العمل المرأة فی سوق العمل الکثیر من إضافة إلى من ناحیة من أجل
إقرأ أيضاً:
فى ذكراها.. قصة اعتزال نادية عزت وندمها على دور معبودة الجماهير
تحل اليوم ذكرى ميلاد الفنانة نادية عزت، إذ ولدت في 22 فبراير عام 1938، وقدمت نادية عزت عددا من الأعمال الفنية التي تعد علامة في تاريخ السينما المصرية.
حياة نادية عزتاسمها الحقيقي بثينة إبراهيم حجازي وشهرتها نادية عزت، في 22 فبراير عام 1938 حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة، ولكن شغفها بالفن جعلها تعمد على تقديم بعض المسلسلات الإذاعية والأعمال المسرحية.
بداية نادية عزتنادية عزت لم تدرس التمثيل ولكنها حصلت على بكالوريوس فنون جميلة وبدأت نشاطها الفني بالإذاعة والمسرح.
ومن أشهر الأفلام التي شاركت في بطولتها كانت "بقايا عذراء وجبروت امراة والخونة وإنذار بالطاعة والمجانين في نعيم".
ظلت نادية عزت تعمل بمجال التمثيل حتى السنوات الأخيرة من حياتها ويعد المسلسل الإذاعي "قصة حبي" هو آخر عمل شاركت به.
بدأت نادية عزت شهرتها مع دورها الصغير في فيلم (معبودة الجماهير ) عام 1967، عندما قدمت دور (فهيمة ) السيدة الفلاحة التي ادعت أنها زوجة (إبراهيم ) الذي جسد شخصيته الفنان عبد الحليم حافظ، وتحاول ليلة زفافه التفرقة بينه وبين حبيبته (سهير ) التي قدمت دورها المطربة شادية قبل أن تكتشف (سهير) في نهاية الفيلم أن (فهيمة) ما هي إلا راقصة تم تأجيرها للوشاية بينها وبين حبيبها.
ورغم أن الدور صغير ولا تظهر فيه الفنان سوي دقائق معدودة إلا أنه كان مؤثرا بدرجة كبيرة في أحداث الفيلم وظل الجمهور يتذكرها لسنوات علي أساس أنها السيدة (الشريرة ) التي فرقت بين الحبيبين بعد قصة حب أسطورية والتي جاءت ضمن أحداث الفيلم.
أعمال نادية عزتقدمت الفنانة الراحلة العديد من الأعمال الفنية والتي وصل رصيدها إلى 150 عملا فنيا أشهرها دورها في فيلم (إنذار بالطاعة ) عام 1993 مع الفنانة ليلي علوي حين جسدت دور الأم المتسلطة القوية التي تضرب ابنتها وتجبرها علي الزواج من العريس الثري كما قدمت العديد من الأدوار الدرامية أشهرها دورها في مسلسلات المال والبنون وسارة، وهوانم جاردن سيتي.
وقبل وفاتها في أحد لقاءاتها أعربت عن ندمها عن قيامها بدور فهيمة بفيلم “معبودة الجماهير” بأن الناس لا يتذكرونها إلا شخصيتها الشريرة في ذلك الفيلم.
من عشقها للفن قدمت الفنانة نادية عزت دور فهيمة وهي حامل، ما جعل المخرج يضطر لظهورها في المشهد الأخير بالفيلم داخل شوال يغطي نصف جسمها حتى لا يظهر كبر حجم بطنها.
وارتدت نادية الحجاب، ورفضت لعب أدوار النصابة أو العاشقة والتي لا تتناسب مع وقار حجابها.