بادئ ذي بدء يجِبُ أن نعترفَ بأنَّ تحدِّيات المُجتمعات اليوم ليس كما هي بالأمس، ففي ظلِّ استمرار عجلة التطوير والتحديث في حياة المُجتمعات، تظهر بفعل المَدنيَّة والتقنيَّة وغيرها، الكثير من الظواهر المُجتمعيَّة التي باتت تفرض نَفْسَها بقوَّة على منظومات المُجتمع وحياة أفراده، ويبقى أمام مؤسَّسات المُجتمع وقِطاعاته ومنظوماته خياران أساسيان، فإمَّا أن يعترفَ بوجودها ويؤمنَ بأهمِّية أن يمتلكَ الجاهزيَّة والاستعداد والتهيُّؤ لمعالجتها والحدِّ أو الوقاية مِنْها أو قطع الأسباب المؤدِّية إليها، أو أن يقفَ مِنْها موقف التجاهل وعدم الاعتراف بها ـ مع حتميَّة وجودها وقوَّة انتشارها ـ وتجنيب الحديث عَنْها أو تناولها أو الإشارة إليها أو ذِكرها في الإعلام التقليدي أو الصفحات الإلكترونيَّة للمؤسَّسات الإعلاميَّة الوطنيَّة في فضاءاتها المختلفة (المقروءة والمسموعة والمرئيَّة)، وترك الأمْرِ فيها للإعلام الفردي والمنصَّات الاجتماعيَّة.


عَلَيْه وانطلاقا من دَوْر الإعلام في بناء اتِّجاهات الأفراد، وتغيير القناعات، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والممارسات الخاطئة، ورفع سقف الوعي المُجتمعي بهذه القضايا التي باتَ ظهورها بَيْنَ الشَّباب وفي المُجتمع أمرًا حتميًّا لا يُمكِن إيقافه عَبْرَ سياسة التجاهل أو محاولة التكتُّم على هذه الظواهر أو تغيير أسمائها ومُسمَّياتها بحجة أنَّ تناولها سيؤدِّي إلى إشهارها في المُجتمع؛ لذلك فإنَّ أسلوب المواجهة وفتح آفاق أوسع أمام الإعلام في التعمُّق في دراستها وترسيخ الوعي المُجتمعي العام حَوْلَها طريق القوَّة في إزالة هذا اللبس، الأمْرُ الذي يؤكِّد اليوم على أهمِّية تنشيط جهود الإعلام المؤسَّسي بمختلف فنونه وأشكاله الرسمي كمِنْه والخاص في بناء سياسات وقائيَّة وتثقيفيَّة واضحة للحدِّ من انتشار هذه الظواهر، والتعامل الواعي مع هذه الأفكار المستجدَّة، بالشكل الذي يضْمن وقوف المواطن على تداعياتها وآثارها وتحذيره مِنْها أو تأطير دَوْر المواطن والمؤسَّسات والمُجتمع في كيفيَّة الحدِّ من هذه الظواهر ومنع انتشارها في سلطنة عُمان.
من هنا يؤدِّي الرصد الإعلامي لهذه الظواهر وتشجيع الكتَّاب والباحثين والمهتمِّين على دراستها وتوفير أساليب معالجتها في إطار استخدام أدوات وآليَّات تشخيصها وتحليل النتاج المرتبطة بها وفق مناهج البحث العلمي، سوف يضْمن الوقوف على أبجديَّات هذه الظواهر الغريبة في سلطنة عُمان والأسباب أو العوامل المؤدِّية إلى انتشارها، والمعطيات المؤدِّية إلى نُمو هذه الظواهر، بهدف تكاتف الجهود في البحث عن معالجات نوعيَّة، وبدائل وخيارات واسعة، تراعي طبيعة هذه الظواهر والأشخاص المتعاطين معها في سبيل تبنِّي سياسات وقائيَّة وتوعويَّة قادرة على تخليص المُجتمع مِنْها أو وقايته من تأثيرها، وهو الطريق الصحيح الذي نعتقد بأنَّه يُمكِن من خلاله ضمان عدم التأثير السلبي أو الحدِّ من تداعياتها على حياة المواطنين والمُجتمع ومؤسَّسات الدَّولة، ومن جهة أخرى فإنَّ هذا الحراك الإعلامي والمُجتمعي سوف يُعزِّز من تكامل الجهود وتفاعل الأُطُر الوطنيَّة في معالجات مستدامة، تأخذ بالأبعاد التشريعيَّة والإعلاميَّة والتربويَّة والدينيَّة والاجتماعيَّة، لتتشاركَ جميعها في تبنِّي إجراءات أكثر وضوحًا وثباتًا في الحدِّ من انتشار الظواهر المُجتمعيَّة، سواء الحاليَّة مِنْها أو السَّابقة أو كذلك الظواهر الفكريَّة القادمة.
لقَدْ جاءت الرؤية السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ مستوعبة لهذا التحوُّل الشامل، مدركةً ومستشرقة ما يواجه مُجتمع سلطنة عُمان من تحدِّيات كغيرة من المُجتمعات فيؤثِّر ويتأثَّر بغيره، وهذا التأثير المتبادل يستدعي نضج السِّياسات وتكامل المسؤوليَّات وتوفير الأدوات والأُطُر والثقافة الرصينة التي تضْمَن قدرة المُجتمع على استنطاق القِيم والأخلاق والثوابت العُمانيَّة واستنهاضها من أجْل الحدِّ من تأثير هذه العادات والثقافات المكتسبة على هُوِيَّته وأخلاقه وسَمْته، والقِيَم العُمانيَّة الأصيلة القائمة على الحقِّ والعدل والمساواة والتسامح والتعايش والحوار والسَّلام والوئام، حيث جاء في خطاب جلالته: «وإنَّنا لَندرك جميعًا التحدِّيات التي تُمليها الظروف الدوليَّة الراهنة، وتأثيراتها على المنطقة وعَلَيْنا، كوننا جزءًا حيًّا من هذا العالَم، نتفاعل معه، فنؤثِّر فيه ونتأثر به.»، كما تطرح التوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال ترؤُّس جلالته لمجلس الوزراء الموقَّر في الخامس عشر من يونيو 2021، وتأكيده على أهمِّية دراسة الظواهر السلبيَّة ووضع الحلول المناسبة لها؛ ليُمثّل التوجيه السَّامي خطوطًا عريضة لبناء مسار وطني واضح في إدارة هذه الظواهر وتتبُّعها والكشف عَنْها ودراستها وتحليلها وفهم الدوافع والأسباب التي أسهمت فيها، وإيجاد الحلول المناسبة لها بما يتناغم مع هُوِيَّة المُجتمع العُماني ويجسِّد جهود الحكومة في تحقيق رؤية «عُمان 2040» في محور الإنسان والمُجتمع، كإطار وطني فاعل لتحقيق التحوُّلات الإيجابيَّة والاستثمار في الفرص لبناء عُمان المستقبل؛ وتبنّي السِّياسات والخطط والبرامج المختارة والمقنَّنة التي تتناسب مع البيئة العُمانيَّة للحدِّ من انتشار هذه الظواهر، والعمل الجمعي من مختلف القِطاعات والمؤسَّسات، وإشراك مؤسَّسات التعليم والبحث العلمي والإعلام والمجالس المنتخبة كالشورى والمجالس البلديَّة أو مجلس عُمان عامَّة والدَّولة خاصَّة ومؤسَّسات المُجتمع المَدني في دراسة هذه الظواهر، والعمل على التعمُّق في فهم المتغيِّرات والأسباب التي أدَّت إلى انتشارها.
وانطلاقًا من دَوْر الإعلام في توجيه الرأي العامِّ، وإعادة هندسة الإصلاح الذَّاتي والاجتماعي، تأتي أهمِّية تناول الإعلام لهذه الظواهر بالتشخيص والتمحيص والتحليل والقراءة المعمَّقة بحيث يقف على الأسباب والمُسبِّبات والعوامل والمخاطر والتهديدات والمُقوِّمات، وتوفير الإحصائيَّات والبيانات الرقميَّة من خلال المسوحات، واستطلاعات الرأي والاستفادة من المؤشِّرات في معرفة أماكن انتشارها وأسباب ذلك، بما يضْمن الإجابة عن التساؤلات التي يطرحها وجود هذه الظواهر وانتشارها في المحافظات، وما إذا كان انتشار هذه الظواهر له علاقة ببعض العادات الاجتماعيَّة والممارسات الفرديَّة التي تحوَّلت في ظلِّ التكراريَّة وزيادة عدد المتأثرين بها لِتصبحَ ظاهرة اجتماعيَّة، أو أنَّها نتاج ثقافة مكتسبة أسهمت فيها التقنيَّة والمنصَّات الاجتماعيَّة؟ أم أنَّ انتشار هذه الظواهر يرتبط بالظروف الاقتصاديَّة والإجراءات المعيشيَّة وتداعيات ارتفاع أعداد الباحثين عن عمل والمُسرَّحين من الشَّباب العُماني من القِطاع الخاص؟ إذا ما علمنا بما يُشكِّله الشَّباب في هذه الأحداث من رقم صعْبٍ وحضور قويٍّ، أو أنَّ هذه الظواهر مرجعها وجود الأيدي الوافدة واتساع الممارسات أو ضعف الرقابة على الممارسات، أو أن يكُونَ لثقافة الكسب السريع عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة، والسلوك العامِّ لمشاهير «السوشيال ميديا» في ظلِّ فراغ الضوابط وغياب التقنين لممارسات هذه الفئة، والظهور الجريء وغير اللائق للمرأة في المنصَّات الاجتماعيَّة، أو بسبب غلبة اتِّجاه المُجتمعات إلى لغة المادَّة، ورفع سقف مقياس التعامل بَيْنَها وفق المصالح الشخصيَّة وموازين المنفعة والكسب السريع.
إنَّ ما أشرتُ إليه من حديث حَوْلَ الظواهر السلبيَّة يُلقي بظلاله اليوم على بعض الظواهر التي بدأت تنتشر في مُجتمع سلطنة عُمان، سواء كانت ظواهر سابقة ولكنَّها أخذت اليوم منحى آخر يبرز مستوى الاتساع وغياب المسؤوليَّة أحيانًا، كما هو الحالة في ظاهرة الطلاق، حيث اتَّجه لأنْ يكُونَ موضة عصريَّة، ومساحة حُريَّة للمرأة في الخروج من جلباب الحياة الزوجيَّة والمسؤوليَّة الأُسريَّة في ظلِّ ما باتَتْ تعكسه ممارسات الطلاق وآليَّة التعامل معها من استهجان وغياب المسؤوليَّة، أو ظواهر سلبيَّة اجتماعيَّة باتَ لها تداعياتها الاجتماعيَّة والدينيَّة والاقتصاديَّة والأخلاقيَّة وانعكاساتها على التماسك الأُسري والاجتماعي والهُوِيَّة، والتي باتَتْ تفرض نَفْسَها على واقعنا الاجتماعي، مِثل ظواهر النسويَّة والمثليَّة والإلحاد بمُسمَّياتها الواردة في هذا الشَّأن، أو أن تكُونَ هذه الظواهر نتاج تباينات اقتصاديَّة وثقافيَّة واجتماعيَّة واتِّساع لُغة الفوقيَّة والسلطويَّة والفردانيَّة بَيْنَ الناشئة في مُجتمع التعليم والتي وجدت في تجاهل مؤسَّسات التعليم لها إلى تراكميَّة تأثير هذه الممارسات، واتِّساع نطاقها حتَّى أصبحت ظواهر لها تداعياتها على الهدر والفاقد التعليمي لِمَا يُمكِن أن تولِّدَه استمراريَّة هذه الظواهر في بيئات المدارس والجامعات من حالات أخرى نفسيَّة واجتماعيَّة وعدوانيَّة، كانت سببًا في انتشار ظاهرة التنمُّر الطلابي، ومع أنَّ هذه الظاهرة لَمْ تقتصر على المدارس أو التنمُّر اللفظي والجسدي، بل تحوَّلت اليوم عَبْرَ المنصَّات الاجتماعيَّة وحالة الفاقد الأخلاقي والقِيَمي الذي تواجهه هذه المنصَّات وغياب التوجيه والنصح الأبوي والضبط المُجتمعي، أو ضعف الوازع الديني حتَّى أصبحَ التنمُّر الفكري يمارس في هذه المنصَّات عَبْرَ مصادرة الفِكر وإقصاء الرأي الآخر، وغيره ممَّا باتَتْ تظهر بعض نواتجه على ممارسات بعض الأبناء والناشئة في تعاملاتهم الوالديَّة والأُسريَّة والاجتماعيَّة.
أخيرًا، تبقى التوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في ترؤُّسه لمجلس الوزراء الموقَّر في الحادي عشر من أكتوبر 2023، «بأهمِّية الارتقاء بقِطاع الإعلام ووضع الخطط الفاعلة لتعزيز الاستفادة من التطوُّرات المتسارعة المتعلِّقة بمنصَّات الإعلام الحديث وأدواته المختلفة بما يُسهم في تحقيق الأهداف الوطنيَّة»، محطَّة تحوُّل قادمة في مَسيرة الإعلام العُماني، يُمكِن أن يُشكِّلَ هذا البُعد أحد مرتكزاتها في سبيل بناء إعلام واقعي يتعايش مع المُجتمع ويتفاعل مع المعطيات ويتجاوب مع التطوُّرات ويولِّد الحلول والبدائل الاستراتيجيَّة القادرة على صناعة التغيير، وبشكلٍ خاصٍّ فيما يتعلَّق برصد الظواهر الاجتماعيَّة المستجدَّة وتبنِّي أدوات ووسائل نوعيَّة مجرّبة لمعالجتها متَّخذًا من التنوُّع في الوسيلة الإعلاميَّة والتنويع في الأساليب والأدوات، وتعظيم مسار الرصد الإعلامي عَبْرَ قياس أثَر هذه الوسائل والأدوات في رصد هذه الظواهر ودراستها وتشخيصها وتوعية المُجتمع بها وتوفير الحصانة الفكريَّة والنفسيَّة والمعنويَّة للمواطن والمتلقِّي للرسالة الإعلاميَّة، سواء عَبْرَ الإعلام الرقمي البديل و»السوشيال ميديا» والمنصَّات الاجتماعيَّة أو عَبْرَ الإعلام التقليدي في سبيل إعادة هندسة السلوك الاجتماعي وقياس اتِّجاهات الرأي العامِّ بما يضْمن إنتاج الممارسة المُجتمعيَّة المستوعبة لهذه الظواهر، فهل سيبقى موقف الإعلام المؤسَّسي من هذه الظواهر وتعدُّدها وتنوُّعها وسرعة انتشارها أقرب إلى الإخفاء والتجاهل؟ أم سيعترف بها، ويعيد قراءة وإنتاج الوعي المُجتمعي حَوْلها، وترسيخ الثقافة الوقائيَّة والضبطيَّة لمواجهتها؟ موجِّهات قادمة يجِبُ أن يضعَها إصلاح الإعلام الوطني في أولويَّات اهتمامه وقائمة أجندته التطويريَّة لضمان مشاركته في تحقيق أولويَّات رؤية عُمان 2040، وصناعة التغيير الذَّاتي.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة هذه الظواهر ات الاجتماعی ة الم جتمع الم جتمعی م ن ها أو الع مانی م جتمع ة التی فی الم التی ت

إقرأ أيضاً:

في خضم المحادثات النووية.. الدعم الاستراتيجي الصيني لإيران مستمر وموقف موحد في مواجهة الضغوط الغربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى تطور دبلوماسى مهم، رسّخت الصين مكانتها كطرفٍ رئيسى فى المفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووى الإيراني. وعقب محادثاتٍ فى بكين مع نائبى وزيرى خارجية روسيا وإيران، أعربت الصين عن معارضتها الشديدة للعقوبات والتهديدات العسكرية التى يفرضها الغرب، مؤكدةً على ضرورة الحوار والتعاون بدلًا من استخدام القوة. يضع هذا الموقف الصين فى خلافٍ مع الولايات المتحدة، التى صعّدت من لهجتها بشأن طموحات إيران النووية.

جبهة موحدة

فى ١٤ مارس ٢٠٢٥، أوضحت الحكومة الصينية أن تركيزها الأساسى فى المناقشات النووية الجارية هو رفع العقوبات المفروضة على إيران. وأسفر الاجتماع، الذى ضمّ مسئولين كبارًا من الصين وروسيا وإيران، عن بيانٍ مشتركٍ يدعو إلى إنهاء العقوبات والضغوط و"التهديد باستخدام القوة". وقد اعتُبر هذا ردًا مباشرًا على الدعوات الأمريكية الأخيرة لاتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامةً ضد إيران، بما فى ذلك إمكانية التدخل العسكري. زادت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأخيرة - التى زعم فيها أنه بعث برسالة إلى الحكومة الإيرانية يحثها فيها على التفاوض بشأن اتفاق، مهددًا فى الوقت نفسه بالعمل العسكرى إذا لم تُكبح أنشطتها النووية - من توتر الوضع. ويتناقض الموقفان الصينى والروسى تناقضًا صارخًا مع النهج الأمريكي، الذى يسعى إلى تعظيم الضغط على طهران.

نهجان متباينان

على عكس ما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، عندما أصرت كل من الصين وروسيا على إبرام اتفاق نووى مع إيران قبل رفع العقوبات، تدعو الدولتان الآن إلى نهج أكثر تصالحية. فى عام ٢٠١٥، لعبت روسيا دورًا فعالًا فى الحد من القدرات النووية لإيران من خلال الإشراف على إزالة جزء كبير من وقودها النووي. أما اليوم، فتُعطى الصين وروسيا الأولوية للحوار الدبلوماسى والحل التدريجى للقضية، بدلًا من الضغط الصارم الذى تُفضله الولايات المتحدة.

وأشارت أندريا كيندال تايلور، الزميلة البارزة فى مركز الأمن الأمريكى الجديد، إلى أن الصين وروسيا تُرسّخان مكانتهما كقوى عالمية مسئولة قادرة على معالجة قضايا رئيسية مثل الأسلحة النووية، مُقدّمتين بدائل للقيادة العالمية للولايات المتحدة. يُسلّط هذا التحوّل الضوء على تنامى الخلاف فى التوجهات الدولية تجاه إيران، حيث تُفضّل بكين وموسكو التفاوض بدلًا من المواجهة.

مخاوف نووية متزايدة

على الرغم من التركيز على الحوار، لا تزال المخاوف المُحيطة بالبرنامج النووى الإيرانى مُلحّة. وتتمثل القضية الأكثر أهمية فى إنتاج اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء ٦٠٪، وهى نسبة قريبة بشكل خطير من نسبة نقاء ٩٠٪ اللازمة للأسلحة النووية. ويُشير الخبراء إلى أن إيران قد تمتلك ما يكفى من اليورانيوم المُخصّب لستة أسلحة نووية.

ولم تُعالج المحادثات الصينية الروسية الإيرانية الجديدة مسألة خفض مخزون إيران من اليورانيوم المُخصّب أو استخدامها المُتزايد لأجهزة الطرد المركزى المُتطورة، والتى من المُرجّح أن تُسرّع من قدرة إيران على إنتاج المزيد من المواد النووية. أدى هذا إلى تزايد القلق الدولى من احتمال تعثر الاتفاق النووى دون اتخاذ خطوات ملموسة للحد من التطوير النووى الإيراني.

قيادة الصين فى المفاوضات النووية

تماشيًا مع موقفها، طرح وزير الخارجية الصينى وانغ يى خطة من خمس نقاط تهدف إلى حل القضية النووية. وبينما تُجدد الخطة دعوة الصين لرفع العقوبات، فإنها تحث إيران أيضًا على الوفاء بالتزامها بالامتناع عن تطوير الأسلحة النووية. يُظهر هذا الموقف النهج المزدوج للصين: الدفاع عن حق إيران فى التطوير النووى السلمى مع ضمان التزام طهران بالالتزامات الدولية.

وأكد شين دينغلي، الباحث البارز فى العلاقات الدولية فى شنغهاي، أن مشاركة الصين مدفوعة برغبة فى التمسك بالاتفاق النووى الدولى وإظهار القيادة، لا سيما مع نأى الولايات المتحدة بنفسها عنه. وأوضح شين أن تضامن الصين مع إيران يُرسل رسالة قوية مفادها أنه على الرغم من الضغوط الشديدة من الولايات المتحدة، لن تُترك إيران دون دعم دولي.

مخاوف إيران من التدخل الروسى والصيني

وفى حين أن دعم الصين وروسيا يوفر لإيران بديلًا عن الضغط الأمريكي، إلا أنه يُمثل أيضًا تحديًا لطهران. يتوخى المسئولون الإيرانيون الحذر إزاء تدخل كل من روسيا والصين، خوفًا من أن تُضحى هاتان الدولتان بمصالح إيران من أجل مكاسبهما الجيوسياسية. وتحديدًا، ثمة قلق من إمكانية "بيع" إيران فى اتفاق جيوسياسى أوسع بين روسيا والولايات المتحدة، مما قد يُقوّض موقف طهران.

وأشار غريغورى برو، المحلل البارز فى مجموعة أوراسيا، إلى أنه فى حين تُقدّر إيران دعم روسيا والصين، إلا أنها لا تزال حذرة من الوقوع بين فكى كماشة القوى العالمية المتنافسة. تسعى طهران للحصول على الدعم، لكنها ترغب أيضًا فى تجنب التلاعب بها فى الألعاب الاستراتيجية المعقدة التى تلعبها موسكو وبكين.

النفوذ الاقتصادي

تتمتع الصين أيضًا بنفوذ اقتصادى كبير على إيران، لا سيما فى مجال الطاقة. فقد أصبحت الشركات الصينية أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، حيث تشترى أكثر من ٩٠٪ من صادرات النفط الإيرانية بأسعار مخفضة. وقد كانت هذه العلاقة التجارية حاسمة للاقتصاد الإيراني، لا سيما وأن معظم الدول الأخرى تمتثل للعقوبات الغربية وترفض شراء النفط من إيران.

ويُعد حجم الدعم الصينى كبيرًا، إذ تُمثل مبيعات النفط الإيرانى إلى الصين حوالى ٦٪ من إجمالى الاقتصاد الإيراني، أو نصف إنفاقه الحكومي. يُوفر هذا الدعم الاقتصادى لإيران بعض الراحة من الضغوط المالية التى يمارسها الغرب، مما يضمن صمود طهران رغم العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التى تواجهها.

مقالات مشابهة

  • مظاهرات في مدن عالمية وموقف اليمن هو الحاضر في المواجهة
  • في خضم المحادثات النووية.. الدعم الاستراتيجي الصيني لإيران مستمر وموقف موحد في مواجهة الضغوط الغربية
  • ذياب بن محمد بن زايد: «يوم زايد للعمل الإنساني» مناسبة نستلهم منها القيم الإنسانية التي أسست لاستدامة العطاء الإماراتي
  • دور الإعلام في تعزيز الوعي الوطني ودعم مسار استعادة الدولة.. ندوة نقاشية بمحافظة مأرب
  • وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يشكر القيادة على توجيهها بصرف معونة شهر رمضان لمستفيدي الضمان الاجتماعي
  • وزارة الإعلام : نؤكّد أنّ هذا الاعتداء يُعد انتهاكاً صارخاً للقوانين والأعراف الدولية التي تكفل حماية الصحفيين خلال أداء مهامهم، وندعو الدولة اللبنانية إلى تحمل مسؤولياتها في محاسبة الجناة
  • إسناد غزة بعيداً عن الظواهر الصوتية
  • وسائل إعلام تكشف القواعد التي أقلعت منها الطائرات الأمريكية في عدوانها على اليمن
  • مقارنة بين وقوف الغرب مع أوكرانيا وموقف العرب من فلسطين
  • الحوثيون يقولون أنهم هاجموا حاملة الطائرات الأمريكية التي انطلقت منها هجمات السبت