لجريدة عمان:
2024-11-05@06:46:01 GMT

النصر في كتاب الله

تاريخ النشر: 12th, October 2023 GMT

النصر في كتاب الله

المتتبع لمصطلح النصر في كتاب الله سيجد أن القرآن العزيز أولى عناية خاصة لهذا المصطلح، وذلك لكثرة وروده في كتاب الله، فقد ورد في ما يقارب 140 آية، كما أنه ورد في صيغ متعددة فجاء فعلًا مضارعًا وفعلًا ماضيًا وفعل أمر، واسم فاعل واسم مفعول،مع صيغ أخرى، بالإضافة إلى ذلك فإنه ورد في سياقات مختلفة وبهذا اكتسب جملة من الدلالات المتنوعة فمفهوم النصر في الكتاب العزيز جاء بمعاني منها الظفر والغلبة والفوز والتمكين والعون والمساعدة والمنعة والمدافعة والانتقام.

ولو تأملنا سنة الله في خلقه وفي نصره لأنبيائه ورسله في الأقوام الغابرة، وكيف أن الله ينصر رسله بعد أن يؤدوا رسالاتهم ويبلغوا قومهم حتى يؤمنوا، ولكن من عارض دعوتهم وقام بتكذيبهم وعارضهم فإن الله ينصر أنبياءه بإرسال العذاب إلى أولئك الأقوام وهذا ما أخبرنا به ربنا عز وجل في سورة يوسف فقال تعالى: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» ففي تلك الأمم جعل الله نصره لأنبيائه من خلال إنزال العذاب بأولئك الأقوام. وقال تعالى في سورة الروم: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ» ففي هذه الآية نجد أن الله عز وجل يؤكد حقيقة وهي أنه حق عليه أن ينصر المؤمنين، فهو نصر استحقاق، وقال تعالى في سورة غافر: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ» فأكد على حقيقة نصره لرسله وللمؤمنين، مبينا أن الله ينصرهم في الحياة الدنيا بالتمكين والاستخلاف في الأرض، وفي الآخرة الفوز بالنعيم المقيم، والنجاة من العذاب الأليم. وقد بيّن الله أن النصرة لدين الله تكون من خلال التصديق بما أنزل الله على رسله، ونصرتهم المادية أيضا المتمثلة في الدفاع عنهم فقال تعالى في سورة الحديد: «لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ».

ويحكي القرآن الكريم قصص نصر الله لأنبيائه في القرآن الكريم وذلك ليثبت الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوته ويواسيه على تكذيب قومه له، فقال تعالى في سورة الأنعام: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ».

ومن تلك القصص طلب نوح عليه السلام من ربه أن ينصره فقال تعالى في سورة المؤمنون: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ» وحكى الله نصرته لنوح عليه السلام في سورة القمر فقال تعالى: «كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ» فجاءه نصر الله وذلك من خلال الطوفان العظيم الذي أغرق الكافرين وأنجى الله نوحا والذين آمنوا في السفينة العظيمة التي أمره الله أن يصنعها قبل أن يأتي الطوفان وحمل فيها من كل الحيوانات زوجين. وذكر الله في سورة الأنبياء نصره لنوح عليه السلام فقال: «وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ».

كما استنصر لوط عليه السلام ربه لينصره على قومه الذين كانوا يعملون الفواحش فقال تعالى في سورة العنكبوت:«قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ». وقد ردد هذه العبارة صالح عليه السلام فبعد أن عقر قومه الناقة التي كانت معجزة لهم طلبوها من نبيهم، فقال عليه السلام: «قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ» فجاءه نصر الله فأخذت قومه الصيحة فأصبحوا في ديارهم مهلكين ميتين.

ونصر الله موسى وهارون فقال تعالى في سورة الصافات: «وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ» وذلك بإغراق فرعون وجنده في البحر، وأهلك الله تعالى قوم عاد لما استكبروا على نبيهم هود وكذبوه مغترين بقوتهم فأرسل الله عليهم عذابه فقال تعالى في سورة فصلت: «فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ».

وقد نصر الله داوود عليه السلام مع ملكه طالوت فقتل داوود عليه السلام جالوت، وذلك بعد أن دعوا ربهم أن ينصرهم ويثبت أقدامهم فقال الله تعالى في سورة البقرة: «وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ».

وكان لنصرة الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم النصيب الوافر في الكتاب الحكيم، فنجد الله عز وجل يذكر نصرته للرسول وللمؤمنين في مواطن كثيرة، فقد كانت أول آية أذن الله فيها للمؤمنين بالقتال ووعدهم بالنصر فقال تعالى في سورة الحج: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»، وبين الكتاب الحكيم مبدأ التدافع، فقال تعالى في السورة نفسها: «الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ».

وبيّن الله أنه نصر المؤمنين في بدر على قلة عددهم وعدتهم، فقال تعالى في سورة آل عمران: «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»، كما نصرهم الله في حنين فقال تعالى في سورة التوبة:«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ» مبينا حقيقة وهي أن النصر ليس بالعدة والعتاد فقط، وإنما ببذل الأسباب وبنصرة الله لعباده المؤمنين، فبين أن المؤمنين ذلك اليوم أعجبوا بكثرتهم ولكنهم لم تغن عنهم فولوا مدبرين، وقد ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حوله من الصحابة، وبذلك أثابهم الله نصرا عزيزا.

وقال الله تعالى في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم المذكور في التوراة والإنجيل وفي أتباعه في سورة الأعراف «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» فمن آمن به ونصره فقد وصفهم الله بأنهم المفلحون.

وأوضح الله عز وجل أنه ناصر نبيه الكريم كما نصره في هجرته حينما كان مع صاحبه الصديق رضي الله عنه فحماهما الله وأيدهم بنصره، وأوصلهم إلى المدينة المنورة في حفظه وعنايته فقال تعالى في سورة التوبة: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».

وبين الله عز وجل أن النصر بيده وقد أمد الله رسوله الكريم في غزوة بدر بخمسة آلاف من الملائكة يقاتلون مع المؤمنين، وقد جعل الله هذا الأمر بشرى لهم ولطمأنة قلوبهم، وإلا فإن النصر بيده فقال تعالى في سورة الأنفال: «وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فقال تعالى فی سورة صلى الله علیه وسلم علیه السلام الله عز وجل نصر الله الله فی ال ق و م ن الله

إقرأ أيضاً:

أولي الألباب

#أولي_الألباب

د. #هاشم_غرايبه

كثيرون جدا وعبر العصور، قرأوا قوله تعالى: “وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ..” [النحل:68]، لكن ربما قلة منهم استوقفهم الأمر، وتساءلوا: لماذا اختار الله النحل ليوحي إليه، ولم يخبرنا تعالى بأنه اختار أي كائن آخر غيره على الأرض خلا البشر؟.
من بديع خلق الله، أنه أودع في كل مخلوق معلومات وتعليمات تسمى الفطرة، لترشده وتوجهه للمحافظة على بقائه، ولأداء مهامه التي أوجده الله لأجلها، فلا يحتاج زيادة على منحة الخالق تلك تعليما ولا تدريبا.
لكن الإنسان مخلوق بمواصفات خاصة لأن الله أراده لمهام أعظم، وأهم تلك المواصفات هي قدرته على اتباع الفطرة أو مخالفتها، ولأن سوء الاختيار مهلك له، فقد أنزل هديه كمرشد إضافي زيادة على المرشدين الذاتيين وهما الفطرة والعقل.
لقد جعل الله الوحي هو الوسيلة غير المباشرة للإتصال بمخلوقاته، لإيصال المعلومة لهم، ولعظمة الله عز وجل، فما كان لبشر أو غيره أن يكلمه الله مباشرة، إلا بإحدى وسائل ثلاث: “وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ” [الشورى:51].
وبهذا نفهم قوله تعالى لموسى عليه السلام: “قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا” [الأعراف:143].
والأمر لا يتوقف على الإتصال المباشر، بل حتى الإقتراب، فقد ورد في قصة المعراج أن جبريل المرافق للنبي عليهما الصلاة والسلام، توقف عند محطة معينة قائلا: إمض وحدك فلا أستطيع أن أقترب أكثر، وهذا يبين لنا التفاوت في المنزلة بين مخلوقات الله عنده.
الوسيلة الأولى: وحيا فيلقي المعلومة في روعه فتصبح فورا علما يعلمه، مثل وحيه الى أم موسى: “وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ” [القصص:7]، فكان ما أوحاه تعالى إليها ليس مجرد نصيحة لأم، أو مقترحا لحل مشكلة انقاذ وليدها من القتل، بل هو فكرة راسخة بناء على يقين ترسخ في ذهنها بأن ذلك سينقذه، وإلا فأيّة أم تلك التي تلقي بإبنها في البحر بإرادتها؟.
الوسيلة الثانية في الاتصال هي أن يكلم الله نبيه من وراء حجاب، فيسمع الصوت ولا يرى المتكلم: ” وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا” [النساء:164].
والثالثة: بواسطة الروح الأمين جبريل عليه السلام، عندما يكون الموحى به نصا مكتوبا أو تعليما أو تفسيرا.
هكذا نتوصل من خلال تدبرنا للآية الكريمة الى ما يلي:
1 – إن في كل ما يوحي به الله الى مخلوقاته خيرٌ أكيدٌ، ومصلحة خالصة لها ولغيرها، لذا فاختياره للنحل ليوحي إليه، كان بهدف أن يجعله نافعا للإنسان، ويؤدي مهمة جليلة لا يمكن للإنسان أن يؤديها مهما تقدم علما وفهما، وهي استخلاص المواد النافعة له غذاء واستشفاء، مما أودع الله موادها الأولية في الأزهار المختلفة، كما أنه بذلك الإستخلاص لا يضر بالنباتات ولا يتلفها، بل ينفعها لاتمام عملية التلقيح التي وجدت الأزهار من أجلها.
2 – النحل كان الحشرة الوحيدة التي أوحى الله إليها، لذلك كانت نظيفة مرتبة مسخرة لإطعام الإنسان بخلاف جميع الحشرات التي تستلب طعامه، وليس صحيحا أنها تنتج العسل لحاجتها، فكميته تزيد عما تحتاجه بعشرات الأضعاف.
3 – في الأمور الأساسية في حياة الكائنات، اودع الله فيها كل القدرات التي تحتاجها في حياتها وبقائها، لكن النحل فقط من بين الحشرات، زاد على ما أودعه فيها مما فطرت عليه الحشرات جميعا، بوحي من عنده بمعرفة إضافية، لتنفيذ مهمة جليلة لا يمكن أن تقوم بها حشرة أخرى.
لذا نستنتج كخلاصة، أن المهام الجليلة للبشر (الذي مهامه أعظم وأعقد وأنفع كثيرا من النحل)، لا يمكن أن يقوم بها بدوافعه الفطرية الأساسية فقط، بل لا بد من وحي إلهي، ولذا كان الوحي (وسيلة الإتصال)، والأنبياء (واسطة النقل)، والدين (المنهاج).
وبما أن زمن الرسل انتهى، والرسالات استكملت، فانقطع الوحي، لذا أراد الله تعالى حفظ القرآن الكريم وحده من بين كل كتبه، ليبقى المرجع الوحيد للبشر الباقي الى الأبد، مصدرا موثوقا، يأخذون منه العلم والدين، ولكل العصور القادمة.

مقالات ذات صلة تخريب الوطن من الداخل بنية حسنة . . ! 2024/11/02

مقالات مشابهة

  • فضل قراءة سورة الواقعة.. تجلب الرزق وتمنح الطمأنينة
  • طريق التكامل والتعاون والسيادة (2)
  • «اللهم افتح لي بها أبواب الخير والرزق».. دعاء سورة الواقعة لقضاء الحوائج وفك الضيق
  • الرقية الشرعية مكتوبة.. حصن نفسك وبيتك وأولادك من الحسد
  • دعاء سورة الواقعة.. ردده كل يوم الصبح يفتح لك الأبواب المغلقة
  • الدكتور سلطان القاسمي يكتب: ذو القرنين
  • أقوى دعاء لفك السحر والعين والحسد.. ردد 32 كلمة للشعراوي تبطله وتحرقه فورا
  • أولي الألباب
  • نصائح للفتيات الراغبات في الزواج .. داعية يوجه بـ5 أمور
  • «136 مرة».. من هو أكثر نبي ذُكر في القرآن الكريم؟ (فيديو)