سلط الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج، جورجيو كافيرو، الضوء على الجغرافيا السياسية للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مشيرا إلى أن زعماء فرنسا وألمانيا والهند وإيطاليا والسعودية والإمارات وأمريكا كشفوا، في قمة مجموعة العشرين، التي عقدت في نيودلهي في سبتمبر/أيلول 2023، عن مشروع ممر شرقي يربط الهند بالإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، وممر شمالي يربط دول الشرق الأوسط بأوروبا.

وذكر كافيرو، في تحليل نشره بموقع المركز العربي بواشنطن وترجمه "الخليج الجديد"، أن الممر الاقتصادي سيعمل على استكمال طرق النقل البري والبحري الموجودة بالفعل، بهدف زيادة الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا وأوروبا عبر البنية التحتية للطاقة، والسكك الحديدية، والكابلات عالية السرعة، وممرات الشحن.

وتشكل البلدان المشاركة في المشروع 40% من سكان العالم وحوالي 50% من الاقتصاد العالمي، وسيعتمد الممر على الموانئ البحرية والطرق والمراكز اللوجستية في الإمارات والسعودية، ما يعمل على تعزيز أهمية دول الخليج العربية باعتبارها نقاطًا مهمة في طرق التجارة العالمية.

ويشير كافيرو إلى أبعاد جيوسياسية للممر الاقتصادي تستحق النظر بها في سياق تكيف دول مجلس التعاون الخليجي الست مع واقع التعددية القطبية، فباستثناء عُمان، يتمتع جميع أعضاء هذه المؤسسة شبه الإقليمية بوضع "شريك حوار" في منظمة شنغهاي للتعاون (SCO).

وفي أغسطس/آب، تلقت الإمارات والسعودية دعوات للانضمام إلى كتلة بريكس؛ وسرعان ما قبلت الإمارات الدعوة، ومن المرجح أن تفعل السعودية ذلك أيضاً.

ورغم اندماج بعض دول مجلس التعاون الخليجي في منظمة شنغهاي للتعاون وبريكس، كانت الإمارات والسعودية متحمستين لتوقيع مذكرة تفاهم الممر الاقتصادي، ما يؤكد تأثيرهما المتزايد على إعادة التوازن إلى النظام الاقتصادي العالمي والمشهد الجيوسياسي.

ومن شأن هكذا ممر أن يعزز مركزية دول الخليج العربية الغنية بالطاقة في الاقتصاد العالمي، حيث يستمر مركز الثقل الجيواقتصادي العالمي في التحول بعيدًا عن الغرب إلى الشرق والجنوب العالمي وهو التحول الذي تسارع بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وينبع دعم إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للممر الاقتصادي إلى حد كبير من جهودها لطمأنة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط بشأن التزام واشنطن تجاه المنطقة مع تقديم بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.

تحدي الوجود الصيني

ويربط كافيرو تحليل جدوى الممر بين آسيا والشرق الأوسط وأوروبا بالنظر في المنافسة بين القوى العظمى وسط ما يسمى "الحرب الباردة الجديدة" بين الولايات المتحدة والصين.

فالصين أطلقت مبادرة الحزام والطريق سعيا إلى ربط آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية مع وضع الصين كمركز للاقتصاد العالمي في القرن الحادي والعشرين. وتلعب دول الخليج العربية أدواراً مركزية في رؤية المبادرة الصينية، لا سيما في ضوء أوجه التآزر بينها وبين رؤية السعودية 2030.

وأثارت علاقات بكين العميقة مع الدول العربية المتحالفة تاريخياً مع الغرب وإسرائيل مخاوف في واشنطن، ما دفع الولايات المتحدة إلى محاولة مواجهة النفوذ الجيواقتصادي الصيني المتوسع في الشرق الأوسط.

وهنا يلفت كافيرو إلى أن رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، قال إن الممر العابر للقارات لن يفعل أقل من "دفع التنمية المستدامة للعالم بأسره"، كما أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، بشبكة النقل من السفينة إلى السكك الحديدية ووصفتها بأنها "جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات".

وعلى حد تعبير رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فإن الممر الاقتصادي سيكون "أكبر مشروع تعاون في تاريخنا".

ومع ذلك، يلفت يشير إلى ضرورة إدراك صناع القرار في الولايات المتحدة أن أعضاء مجلس التعاون الخليجي لا ينظرون إلى التعددية القطبية كما تنظر إليها واشنطن.

وفي أعقاب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تسارع التشعب بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب العالمي على الساحة الدولية، ما أدى إلى تكثيف الضغوط على دول الخليج العربية "لاختيار جانب" من طرفي الصراع.

لكن أعضاء مجلس التعاون الخليجي اختاروا بدلاً من ذلك تنفيذ سياسات خارجية مستقلة ومتعددة الانحيازات تعتمد على علاقاتهم العميقة مع دول في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وروسيا.

وبالنسبة لدول الخليج العربية، يعتبر هذا النهج في التعامل مع السياسة الخارجية منطقيا، لأنه يمنح أعضاء مجلس التعاون قدرا أكبر من الاستقلالية والنفوذ في الشؤون العالمية.

ومن خلال العمل مع أكبر عدد ممكن من القوى، بما في ذلك القوى المعادية والمتنافسة لبعضها البعض، يمكن للإمارات والسعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي تعظيم نفوذها الجيوسياسي عبر مناطق متعددة.

ولذا، ومع اختلاف المصالح الجيوسياسية ووجهات النظر حول التعددية القطبية، فإن كل دولة على طول مسار الممر الاقتصادي ستنظر إليه بشكل مختلف.

فواشنطن ستنظر إلى الممر من خلال عدسة وقف الصعود الجيواقتصادي للصين في الشرق الأوسط وتقريب دول مجلس التعاون الخليجي من مدار النفوذ الغربي، فيما ينظر المسؤولون في أبو ظبي والرياض إلى الممر كوسيلة لتحقيق المزيد من التوازن في شبكاتهم في أوروبا وأمريكا الشمالية مع تلك الموجودة في الصين ودول أخرى في الشرق والجنوب العالمي.

فالممر الاقتصادي هو مجرد أحدث فرصة للإمارات والسعودية لتصبحا مراكز ذات أهمية متزايدة للتواصل بين الأقاليم، ما سيساعد خططهما لمزيد من التنويع الاقتصادي بعيدًا عن الهيدروكربونات.

ومع ذلك، فدول مجلس التعاون الخليجي لست وحدها في رفض فكرة الانحياز غربا أو شرقا، فاليونان، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، مشابهة للإمارات والسعودية في النظر إلى الممر الاقتصادي كوسيلة لتوسيع دورها في الترابط في القرن الحادي والعشرين.

غير أن العقدة الأوروبية الرئيسية لمشروع لممر الاقتصادي هي ميناء بيرايوس، وهو الميناء البحري الرئيسي في أثينا.

وتعد شركة China Ocean Shipping Company (COSCO) المملوكة للدولة الصينية صاحبة المصلحة تاطللاة في هذا الميناء اليوناني الواقع على خليج سارونيك، والذي يعد أيضًا بمثابة نقطة دخول رئيسية إلى أوروبا لمبادرة الحزام والطريق.

ومن وجهة النظر الإماراتية والسعودية، فإن القوى العالمية المهيمنة: الولايات المتحدة والصين وروسيا، ليست وحدها في تشكيل التوازن الجيوسياسي والاقتصادي في العالم، بل يتحقق هذا التشكل بمشاركة "القوى الوسطى" في العالم، ومنها الإمارات والسعودية.

وهنا يشير كافيرو إلى أن أصداء الحرب الروسية الأوكرانية المزعزعة للاستقرار والتي ظهرت عبر قارات متعددة مكنت السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى من الاستفادة من مواردها وجغرافيتها لتعزيز أدوارها الأساسية في تحقيق السلام.

وأوضحت هذه النقطة كلمات الامتنان التي وجهها الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لنظيره الإماراتي، محمد بن زايد"، في الحدث الذي أقيم في الهند أثناء الكشف عن الممر الاقتصادي في سبتمبر/أيلو الماضي. إ قال بايدن لرئيس الإمارات محمد بن زايد: "شكراً لك، لم نكن هنا دون جهودك".

ويرى كافيرو أن دوافع الرئيس الأمريكي لزيارة جدة في يوليو/تموز 2022 والتخلي عن تعهده خلال حملته الانتخابية بمعاملة السعودية كدولة "منبوذة" تسلط الضوء أيضًا على تقييم البيت الأبيض بأن المملكة مهمة جدًا بحيث لا يمكن تهميشها بالنظر إلى حجم التحديات العالمية التي تواجه الغرب.

الهند والصين وباكستان

تشكل التوترات بين الهند والصين ديناميكيات جيوسياسية تحيط بحوافز الممر الاقتصادي ونيودلهي للمشاركة في هذا الممر العابر للقارات. ومع وصول العلاقات الصينية الهندية إلى أدنى مستوياتها بسبب النزاع الحدودي بينهما، فإن العملاقين الآسيويين يتصارعان على النفوذ، حيث تبذل نيودلهي جهوداً لمواجهة نفوذ الصين في بلدان عبر جبال الهيمالايا وجنوب آسيا.

ومع احتدام المنافسة بين الصين والهند، تمكنت الدول الجزرية في المحيط الهندي، مثل جزر المالديف وسريلانكا من الاستفادة من الاحتكاك المكثف بين بكين ونيودلهي لصالحها؛ وكذلك الأمر بالنسبة لأعضاء مجلس التعاون الخليجي، بحسب كافيرو.

ومن شأن مشروع الممر الاقتصادي أن يمكن حكومة مودي من الاستفادة من الترابط المتزايد بين الهند والسعودية والإمارات ودول الخليج العربية الأخرى، حيث يعمل عدد كبير من الهنود في تلك الدول، بطرق يُنظر إليها على أنها قادرة على وقف نفوذ الصين المتزايد في الشرق الأوسط وأوروبا.

وهنا يشير كافيرو إلى أن إصرار الهند المتزايد على تحدي صعود بكين سيزيد من تصور واشنطن لنيودلهي كشريك مهم في "الحرب الباردة الجديدة".

وفي الوقت الذي تشهد فيه الهند خلافاً غير مسبوق مع كندا، حليفة أمريكا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وجارتها الشمالية، فإن موقف نيودلهي باعتبارها حصناً واضحاً ضد النفوذ الصيني المتوسع من شأنه أن يحفز البيت الأبيض على الأرجح على تجنب الوقوف بشكل وثيق مع أوتاوا ضد القوة شبه القارية.

وفي هذا الصدد، يلفت كافيرو إلى أن التوترات بين الهند وباكستان ذات صلة أيضاً بالجغرافيا السياسية للممر الاقتصادي، فقد عارضت الهند باستمرار مبادرة الحزام والطريق، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يمر عبر الأراضي التي تسيطر عليها باكستان والتي تؤكد نيودلهي أنها أرض هندية.

ولذلك، ترى نيودلهي أن الممر الاقتصادي فرصة لتأمين نفوذ أكبر على الصين وباكستان من خلال الانضمام إلى بديل طبيعي لمبادرة الحزام والطريق.

وتحتفظ باكستان بحق النقض على الاتصال البري بين الهند والغرب، لكن الممر الاقتصادي سيكسر هذا النقض الباكستاني، ما يفتح الباب أمام المزيد من التكامل الاقتصادي بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط دون الحاجة إلى التعامل مع إسلام أباد بينما تظل النزاعات الإقليمية الهندية الباكستانية دون حل.

اتفاقيات إبراهيم

وترى إدارة بايدن ضرورة لسحب الهند بعيداً عن مجالات نفوذ روسيا وإيران، كما تسعى واشنطن أيضًا إلى إبعاد دول مجلس التعاون الخليجي عن مدارات نفوذ روسيا والصين، مع زيادة دمج إسرائيل في بقية الشرق الأوسط من خلال محاولة إقناع الرياض بالتطبيع مع تل أبيب.

ويعد توسيع اتفاقيات إبراهيم أمرًا أساسيًا لاستراتيجية السياسة الخارجية للبيت الأبيض في الشرق الأوسط. وفي هذه المرحلة، من غير الواضح ما إذا كانت السعودية ستتخلى رسميًا عن مبادرة السلام العربية وتضفي الطابع الرسمي على العلاقات مع إسرائيل دون تقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين.

ومع ذلك، فباستثناء انضمام السعودية إلى اتفاقيات إبراهيم، تشير جميع الدلائل إلى أن العلاقة السعودية الإسرائيلية الفعلية ستستمر في الاتساع.

وقد سلط وزيرا السياحة والاتصالات الإسرائيليان، اللذان زارا الرياض في سبتمبر/أكتوبر، وفتح السعودية مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية الإسرائيلية في عام 2022، الضوء على مشاركة المملكة في الاتجاه العام للمنطقة العربية نحو التطبيع.

ويتمتع الممر الاقتصادي بالقدرة على تعزيز "التطبيع الاقتصادي" بين البلدين، وهو ما يمكن أن يعزز أهداف رؤية السعودية 2030، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاستثمار والتكنولوجيا.

ويقدر البيت الأبيض أن اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب من شأنه أن يعمل على إبعاد المملكة عن فلك نفوذ بكين. ومع ذلك، يبدو أن هذا مجرد تفكير بالتمني بحسب كافيرو، موضحا: "نظراً لواقع التعددية القطبية وتضاؤل ثقة السعودية في موثوقية الولايات المتحدة كشريك أمني في الشرق الأوسط، فضلاً عن القيمة العالية للغاية التي توليها الرياض لعلاقتها المتعمقة باستمرار مع الصين، فمن المرجح أن البيت الأبيض يفتقر إلى الوسائل. لإقناع السعودية بإجراء تغييرات جوهرية على شراكتها مع بكين بما يتماشى مع مصالح واشنطن".

ويرى كافيرو أنه سيكون من الخطأ تقييم تطبيع دولة عربية مع إسرائيل بأنه يستلزم ابتعاد الدولة العربية المذكورة عن الصين، ضاربا المثل بتعمق العلاقات الصينية الإماراتية في العام الماضي، الذي شهد توقيع اتفاقيات إبراهيم، وهو التعمق الذي بلغ حد إجراء الإمارات والصين مناورات عسكرية مشتركة في وقت سابق من هذا العام.

وبغض النظر عما إذا كانت العلاقات السعودية الإسرائيلية أصبحت رسمية أم لا، فإن الرياض، مثل أبو ظبي، ستواصل السعي لإبقاء خياراتها مفتوحة أثناء الاستعداد لـ "عصر الخليج ما بعد أمريكا". وفي نهاية المطاف، تعد الصين اللاعب الأكثر أهمية من وجهة نظر سعي السعودية للحصول على قدر أكبر من الاستقلال الجيوسياسي عن واشنطن.

الطريق الجيوسياسي للأمام

ويرى كافيرو أنه من الصعب التنبؤ بكل العواقب الجيوسياسية للممر الاقتصادي، خاصة في ضوء المتغيرات العديدة غير المعروفة بالمعادلة في هذه المرحلة المبكرة، ومع ذلك، فمن المحتمل أن يسلط الممر الاقتصادي مزيدًا من الضوء على اختلاف جوهري في الطريقة التي تنظر بها واشنطن وعواصم دول الخليج العربية إلى صعود الصين وانتقال العالم بعيدًا عن الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة.

وفي حين ينظر صناع السياسات في الولايات المتحدة في كثير من الأحيان إلى المنافسة بين واشنطن وبكين في سياق محصلته صفر، حيث يعتبر أي من المكاسب الجيواقتصادية للصين في الشرق الأوسط خسارة للغرب افتراضيا، فإن المسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي يرفضون هذا التقييم.

وتنظر الحكومتان الإماراتية والسعودية إلى علاقاتهما مع الغرب والصين في سياق لعبة ذات محصلة إيجابية. ويرفض صناع السياسات في كل منهما قبول تعرضهم لضغوط للوقوف إلى جانب واشنطن أو بكين وسط "الحرب الباردة الجديدة".

وتظل دول مجلس التعاون الخليجي مصممة على توسيع شبكاتها في الغرب والشرق والجنوب العالمي في نفس الوقت.

في التحليل النهائي، يخلص كافيرو إلى أن المسؤولين في واشنطن والعواصم الأوروبية المتفائلين بشأن تأثير الممر الاقتصادي على صعود الصين الجيواقتصادي في الشرق الأوسط قد يجدون أن تفاؤلهم في غير محله.

فرغم أن هذا الممر الضخم يعد بالعديد من الفرص لتعميق الروابط الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين الدول الغربية والإمارات والسعودية، إلا أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأنه سيؤدي إلى انسحاب هاتين القوتين العربيتين الخليجيتين من العلاقات مع الصين.

المصدر | جورجيو كافيرو / المركز العربي بواشنطن - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية الإمارات الحزام والطريق الصين الولايات المتحدة دول مجلس التعاون الخلیجی الإمارات والسعودیة دول الخلیج العربیة التعددیة القطبیة الولایات المتحدة اتفاقیات إبراهیم الممر الاقتصادی فی الشرق الأوسط الحزام والطریق الاقتصادی بین البیت الأبیض إلى الممر العربیة ا بین الهند من خلال ومع ذلک

إقرأ أيضاً:

«حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013

يمثل كتاب «حوارات على حافة الأزمة»، للكاتب الصحفى والخبير الإعلامى محمد مصطفى أبوشامة، شهادة تاريخية مهمة عن مرحلة مؤثرة فى تاريخ مصر المعاصر، كثر فيها الجدل واللغط، وتنافست فيها أطراف خارجية وداخلية على تدليس الحقائق وتزوير الحوادث بما يخدم مصالحها وأهدافها.

وندر أن تجد الحياد الكامل بين شهادات مَن عاصروا مصر من 25 يناير 2011 حتى 30 يونيو 2013، ولعل هذا أكثر ما يميز شهادة «أبوشامة» وحواراته، أن وضعه الوظيفى كمدير تحرير لصحيفة «الشرق الأوسط» فى القاهرة، منحه نوعاً من الحرية ساعده فى الوقوف على مسافة واحدة من الجميع رغم اختلاف توجهاتهم.

وقد صدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة ٢٠١٥، وتصدر طبعة جديدة منه خلال أيام بالتزامن مع الاحتفال بالذكرى الـ11 لثورة ٣٠ يونيو، وحظى الكتاب بتقدير كبير فى كل الأوساط الإعلامية، لهذا حرصت «الوطن» على تقديم عرض موجز لبعض فصوله، إذ يعتمد الكتاب على ٦ حوارات صحفية مطولة نُشرت فى توقيتات مختلفة فى الفترة من ٢٠١٠ إلى ٢٠١٤، وتمثل معاً «موزاييك سياسى» يحكى قصة مصر خلال تلك الفترة.

وتواصل «الوطن» عرض المقدمات التى رصد فيها مؤلف الكتاب كواليس تلك اللقاءات الصحفية، وتقييمه للشخصيات التى حاورها، وتعرض فى الحلقة الثانية والأخيرة، حواراته مع الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، القيادى الإخوانى السابق والمرشح الرئاسى المحتمل، والدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء الأسبق.

يقول الكاتب الصحفى محمد مصطفى أبوشامة إن كتابه «حوارات على حافة الأزمة» قد حصل على فرصته فى الظهور بسبب دافعين تقاسما الحافز لخروجه إلى النور؛ الأول هو عودته للعمل فى صحيفة «الشرق الأوسط» مديراً للتحرير ومسئولاً عن مكتبها بالقاهرة فى الأول من أغسطس سنة 2014، بعد إجازة طويلة، استقل فيها عن موقعه بالصحيفة وتفرَّغ للكتابة وبعض الأعمال الخاصة، ومنحته هذه الفترة الحرية الكاملة للمشاركة فى ثورة ٣٠ يونيو سنة ٢٠١٣ وكافة فعالياتها وتظاهراتها.

ويوضح صاحب كتاب «الحوارات»: «العودة جعلتنى أؤجل صدور كتابى «عين الشرق.. سنوات فى قفص المدير» الذى شرعت فى كتابته وتجهيز مادته مطلع عام 2014، وكنت أرصد فيه تجربتى فى صحيفة «الشرق الأوسط»، وهى تجربة أعتقد أنها بالثراء الذى منحها قدراً من الأهمية، وجعلتنى مقتنعاً بأن سنواتى التى قضيتها على قمة العمل التحريرى والإدارى بمكتب القاهرة فى الصحيفة الأهم عربياً فى الفترة من (2007 إلى 2017).

والتى تخللها اشتعال ثورات ما سُمى «الربيع العربى»، بأحداثها وتداعياتها المثيرة التى غيرت خريطة الشرق الأوسط وأثرت على العالم بأكمله، قصة تستحق أن تُروى، وشهادة يجب تسجيلها؛ ربما أفادت أجيالاً جديدة من أبناء مهنة البحث عن الحقيقة ومتاعبها، وتسببت (العودة) فى التأجيل لعدم قدرتى على إنجاز كتابى بالصورة التى أتمناها، فيما كان الجزء الأهم منه، وهو الخاص بـ«الحوارات»، جاهزاً بالكامل، فقررت أن أبادر بإصداره فى كتاب منفصل حتى يتسنى لى استكمال بقية الفصول فى كتاب آخر».

أما السبب الثانى فيكشفه «أبوشامة» قائلاً: «الحوار الصحفى المطول الذى أجريته مع الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء المصرى الأسبق، أثار جدلاً كبيراً عند نشره فى حلقات فى نهاية نوفمبر 2014، وكنت قد قضيت أكثر من شهرين أطارده، كى أقتنص منه ساعات مقسمة على أكثر من جلسة، سجلت فيها معه ما أدَّعى أنه أصدق ما نُشر عن فترة هى الأخطر فى تاريخ مصر المعاصر».

ويُكمل: «نجحت بعد جهد أن أقنع نائب رئيس الوزراء المصرى الأسبق فى حكومة ثورة ٣٠ يونيو 2013، الدكتور زياد بهاء الدين، بأن يتحدث ويروى تجربة 10 سنوات هى عمر مشاركته فى العمل العام، فكان الحوار الأكثر شمولاً معه فى كل وسائل الإعلام العربية، وقد أدهشتنى ردود فعل القراء ووسائل الإعلام على الحوار، وأسعدتنى أيضاً».

وأصبح الكتاب بعد هذا الحوار مكتملاً، لتظهر «حوارات الأزمة» الستة مجتمعة كما يقول المؤلف فى مقدمة الكتاب: «من أجل الحقيقة والتاريخ وأبنائنا، وقبلهم جميعاً، من أجل مصر الباقية والخالدة، أفخر بأن أقدم لكم 6 حوارات صحفية أجريتها على فترات زمنية متباعدة خلال أربع سنوات مضت، لكنى أدعى أنها تشبه قطع «البازل» يُكمل بعضها بعضاً، وترسم مجتمعة صورة خاصة لزمن الربيع المصرى.. زمن الثورة، والغضب، والفوضى، والحلم، والأمل، والإحباط.. زمن الإخوان، والمجلس العسكرى، والفلول، والطرف الثالث.. زمن مبارك وطنطاوى ومرسى وعدلى منصور.. زمن مصر ما قبل يناير 2011 والمستمر إلى ما بعد يونيو 2013».

وإلى بعض نصوص الكتاب..

رجل فقد «جماعته»

كان أكثر ما لفت نظرى فى مقر «أبوالفتوح» الانتخابى فى ضاحية جاردن سيتى، بالقرب من السفارتين البريطانية والأمريكية (وسط القاهرة)، هو وجود أكثر من وجه أجنبى يتحركون وسط أفراد حملته، وفهمت أن بعضهم بالفعل متطوعون فى الحملة، وآخرين يعملون بالإعلام ومهتمون بمتابعة أخبار وتحركات المرشح الرئاسى الأبرز الذى كانت كل التوقعات تذهب إلى جولة إعادة بينه وبين السيد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمدعوم من قوى سياسية مدنية، ومن الأقباط، ومن معظم الدول العربية الخليجية. ورغم غرابة المشهد الأجنبى، فإنه فى مصر بعد 25 يناير 2011 لا تتعجب من شىء.. فقد بدأ عصر المفاجآت.

ويُقدر كل من مارس السياسة فى الجامعة شخصين يتردد اسمهما بوصفهما مثالين للقيادة الطلابية، لم يتوقف تأثيرهما عند حدود الجامعة. ورغم البعد الزمانى، بقى رمزا جيل السبعينات حمدين صباحى، وعبدالمنعم أبوالفتوح، يلهمان أجيالاً كثيرة من أبناء الحركة الطلابية المصرية.

«أبوالفتوح» كان الباعث الثالث لـ«الإخوان» بعد «البنا وقطب» وحوار صحفى أظهر ديكتاتوريته الشديدة

تشكلت صورة «أبوالفتوح» السياسية أمامى مع مرور الزمن وتراكم الخبرات، رغم تحفظى الدائم على جماعة الإخوان ورفضى لها بوصفها مشروعاً سياسياً فاشلاً، حتى قرأت الكتاب الذى أصدرته «دار الشروق» للباحث الراحل حسام تمام عام 2010، عن تجربة أبوالفتوح السياسية الخطيرة، وتفهمت بشكل واضح حجم ودور الرجل، الذى لا أبالغ حين أقول إنه الباعث الثالث لجماعة الإخوان المسلمين بعد باعثيْها الأوليْن حسن البنا وسيد قطب.

وقامت ثورة يناير 2011، وظن البعض أن حل معادلة الصراع فى مصر بين الإسلاميين والليبراليين هو «عبدالمنعم أبوالفتوح».. وربما كان ذلك مفهوماً وقتها، فقدراته وعلاقاته منحته قاعدة جماهيرية، كما أن مغازلته المبكرة للمثقفين والفنانين جعلته وجهاً معتدلاً ومقبولاً لهم، وللخارج أيضاً، فأبوالفتوح أقرب ما يكون لبراجماتية السلطان أردوغان، وكان يحلم باستنساخ تجربته فى حكم مصر، لكن غباء جماعته أضاع كل شىء، فقد باعته فى واحدة من أغرب حوادث التاريخ، التى لو نجحنا فى فك ألغازها لربما انكشفت كوارث وأسرار لا يتخيلها أحد.. أما باقى تفاصيل ما حدث معه حتى انتخابات الرئاسة التى خرج منها بـ«خفى حنين»، فقصة عامة يعلمها الجميع.

أما قصتى الخاصة معه، فقد بدأت مبكراً وقبل الحوار الذى أجريته معه ونُشر فى 12 فبراير 2012، وكان ذلك تحديداً بعد ثورة يناير بأربعة أشهر، عندما بدأت بورصة الترشيحات الرئاسية تنطلق، وكان اسمه من أسماء كثيرة تتداولها وسائل الإعلام.

وطلبت زميلة بمكتب صحيفة «الشرق الأوسط» فى القاهرة أن تُجرى معه حواراً، وعبَّرت لى عن سعادتها إذا وفقتْ فى أن تنجز هذا الحوار التاريخى.. يكفى أنها ستلتقى برجل تقدره وتحترمه وتظنه زعيماً وطنياً مسلماً.

جلست أستمع لها وأهز رأسى مجاملاً، ووافقت لها فى النهاية على إجراء الحوار.. وقد كان.. وفوجئت بها تعود لى بعد أيام قليلة تبكى مقهورة وتسرد لى قصة، كشفت عنها كاملة بكل تفاصيلها فى مقال كتبته فى صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «أبوالفتوح يكرر حادثة السادات»، ونُشر بتاريخ 28 مايو 2011، ذكرت فيه قائلاً:

«لم ينسَ كثيرون المواجهة الشهيرة التى حدثت بين الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، والشاب عبدالمنعم أبوالفتوح، الذى كان حينها رئيساً لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، وكيف أحرج هذا الشاب رئيس الجمهورية وأخرجه عن وقاره، بعد أن جعل السادات يصرخ فيه منفعلاً: (قف مكانك.. مكانك، اتعلموا الأدب.. دى مش صراحة.. ده مش شغلك.. الزم حدود الأدب). حدث ذلك فى اللقاء السنوى للسادات مع شباب الجامعات المصرية فى منتصف السبعينات من القرن الماضى، وكان الحوار مذاعاً عبر شاشة التليفزيون المصرى.

لكن يبدو أن القيادى السابق بجماعة الإخوان، وعلى الرغم من أنه بطل القصة السابقة، قد نسيها أو تناساها، عندما انفعل على زميلتنا المحررة الشابة ورفض إكمال حواره معها بعد أن عارضته فى الرأى، وهو الأمر الذى لم يحتمله مرشح الرئاسة المحتمل، فى تكرار مثير للقصة القديمة.

وكانت «الشرق الأوسط» قد سعت لإجراء حوار مع الدكتور أبوالفتوح تزامناً مع إعلانه نيته للترشح لمنصب رئيس الجمهورية فى الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية العام الحالى، وهو المنصب الذى خلا بعد تنحى الرئيس المصرى مبارك فى أعقاب ثورة 25 يناير، وجاء هذا السعى فى إطار استكمال الصحيفة لسلسلة من الحوارات الصحفية من القاهرة بلغت 120 حواراً صحفياً، بدأتها الصحيفة عقب ثورة يناير مع كل أطياف السياسة المصرية من شباب الثورة والإخوان والقوى الليبرالية والأقباط والوزراء الحاليين والسابقين والمفكرين والناشطين والفنانين ومرشحين محتملين للرئاسة.

ولم يكتمل حوار الدكتور أبوالفتوح، وظهر من تسجيل الشريط الصوتى للدقائق التى سجلها مع المحررة أن انفعاله كان يتكرر كلما سألته عن موقف جماعة الإخوان المسلمين من ترشحه، ويصر هو على أن هذه أسئلة (خايبة)، بحسب وصفه، ولا يجيب عنها، وأنه يريد أسئلة تليق به كمرشح رئاسة!!

وكانت هذه أبرز مقاطع الحوار:

«الشرق الأوسط»: بس الجماعة مابتعملش بهذا المنطق لأن الجماعة قالت إن من يخرج عنا لا يتحدث عنا وقالوا إن حضرتك...

- أبوالفتوح (مقاطعاً): هذا كله كلام المتطرفين الذى لا تقبل جماعة الإخوان به ولا يجوز أن يصدر عن مسئول فى الإخوان، وإذا صدر فهو خطأ أن يقول: من يخرج.. يخرج دى مصطلح جماعات التكفير والهجرة.. يخرج علينا؟! كأنه بيقول يخرج عن الإسلام!

«الشرق الأوسط»: اتقال على لسان خيرت الشاطر..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): اللى يقول كده يقول، إن شا الله تكون اتقالت من مين.. ده لنفسه، أنا مايهمنيش أشخاص، لكن كلمة يخرج علينا دى نفسها، هذه الكلمة بتاعة جماعة التكفير لا يجوز نقولها إحنا، لكن ممكن نقول والله فلان خالفنا فى القرار ده أو خالفنا فى هذا الموقف نقول كده.. دى الصيغة بتاعة الإخوان أما «من يخرج علينا» دى.. فصيغة جماعات.

«الشرق الأوسط»: حضرتك النهارده فيه تصريح لصبحى صالح..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): هذا ليس مسئولاً ولا يمثل الإخوان بقليل أو بكثير وأنا مش مع إنك تستمرى فى الأسئلة بالطريقة دى وهقفل الحوار.

«الشرق الأوسط»: أنا بس عاوزة رد من حضرتك..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): لا أنا مابردش على التفاهات دى؟ إذا حضرتك جاية تعملى حديث صحفى لـ«الشرق الأوسط» فى مواضيع تافهة فأنا مش هعمل.

«الشرق الأوسط»: عدم تأييد الإخوان لحضرتك، هل ده ممكن يضعف موقفك فى الانتخابات؟

- أبوالفتوح (مقاطعاً): لا تعليق.. (ساخراً) أنا ماعرفش هو فيه حد كاتب لك الأسئلة؟ أرجو لو كنتِ تسألينى فيما يخصنى كمرشح، وبرامجى وأفكارى، أما إذا كنتِ جاية تسألينى فى أسئلة أقرب ما تكون لمباحث أمن الدولة فأنا مش هجاوب عليها.

«الشرق الأوسط»: بس دى أسئلة مطروحة على الساحة..

- أبوالفتوح: مطروحة! اختارى الأسئلة ماتضيعيش وقتى.

«الشرق الأوسط»: بس حضرتك سُئلت هذه الأسئلة فى أكتر..

- أبوالفتوح (مقاطعاً وغاضباً): لا طبعاً أنا ماسُئلتش هذه الأسئلة وماقبلش إن حد يسألنى فى كده ويسيب الحاجات الأساسية.

«الشرق الأوسط»: طيب تعليق حضرتك إيه على تحويل بعض شباب الإخوان المسلمين للتحقيق لأنهم مشتركين فى حملة دعمك؟

- أبوالفتوح: لا ما هى نفس الحدوتة، أنا حاسس إنك مصرة.. لو سمحتِ كلمينى فى القضايا الهامة أنا مش فاضى للكلام ده.

«الشرق الأوسط»: حضرتك دى أخبار مهمة..

- أبوالفتوح (مقاطعاً): مهمة عندك مش عندى، مش هتكلم فيها! هو انتِ جاية تعملى حديث لـ«الشرق الأوسط»؟ علشان كده سألتك الأول.. فعلاً «الشرق الأوسط»؟ هل جريدة «الشرق الأوسط» هتتكلم فى الكلام الخايب ده؟

أغفل القيادى الإخوانى أن دوره كمرشح رئاسى يتطلب منه أن يكون واسع الصدر وصبوراً فى تحمله لصحفية شابة، مهما كانت الأسئلة مستفزة -من وجهة نظره- ولكنه وقع فى خطأ السادات، فانفجر فيها ساخراً ومقرِّعاً ومهيناً لمهنيتها، ومقللاً من أهمية أسئلة تحاور حولها قبل أيام فى أحد البرامج التليفزيونية، فى رفض غير مفهوم».

ومرت شهور، وترشح «أبوالفتوح» فعلياً لمنصب رئيس الجمهورية، وكانت الضرورة المهنية تحتم علىَّ أن أحاوره، وبالطبع رحب، رغم علمى بأن مقالى السابق قد أغضبه، لكنه من البراجماتية بما لا يجعله يتوقف كثيراً أمام تلك الأمور، وأجريت معه حواراً بارداً بحضور الزميل العزيز أحمد إمبابى، وتجنبت فيه أن أجدد طرح ما استفزه فى الحوار السابق، مكتفياً بما كشفته زيارتى لمقر حملته الانتخابية من أجواء مثيرة.

آخر الرجال المحترمين

يُعتبر الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين قامة وقيمة كبيرة فى تاريخ الصحافة مصرياً وعربياً، لا يُذكر اسمه إلا ويتبعه صفة «المحترم».

وهى الصفة التى يقول نجله «زياد» إنها ميراثه الحقيقى عن أبيه، ويُكمل: «بالطبع استمتعت بمظلة شهرته، التى منحتنى حماية خاصة فى بداية حياتى». ويعتبر زياد أن الفترة التى قضاها مع والده فى دولة الكويت فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى هى واحدة من أهم فترات حياته، لأن الكويت وقتها -بحسب وصفه- كانت منارة ثقافية مشعة على الخليج العربى، قبل أن تُظلمه الثورة الإيرانية.

«زياد بهاء الدين» سياسى تكنوقراط حاول خلق توازن بين انتمائه اليسارى والرأسمالية من أجل الديمقراطية الاجتماعية

درس «زياد» فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة مثل والده، لكنه تميز عليه بأن درس فى ذات الوقت فى كلية الاقتصاد بالجامعة الأمريكية، ليتخرج منهما فى عامى 1986 و1987، قبل أن يحصل على منحة للماجستير فى قانون الأعمال الدولى من جامعة لندن سنة 1989، ثم يحصل على الدكتوراه من نفس الجامعة فى القانون عام 1997.

بدأت علاقة زياد بهاء الدين بالسياسة وهو طالب فى جامعة القاهرة من خلال أنشطة الأسرة الطلابية القريبة من الفكر الاشتراكى القومى، لكنه اختار أن تبدأ علاقته بالعمل العام بعيداً عن السياسة أو العمل الحزبى، لكن كمتخصص «تكنوقراط» فى مجال الاقتصاد.

ساعدته صداقته مع الدكتور محمود محيى الدين على أن يحقق أفكاره عندما أسند إليه منصب رئيس هيئة الاستثمار عام 2004، وقد أحدث نقلة هامة فى تاريخ الاستثمار خلال رئاسته للهيئة التى امتدت حتى عام 2007، ويصف دكتور زياد عمله فى هيئة الاستثمار قائلاً: «تجربتى كانت محاولة حقيقية لفكرة استكشاف آليات السوق المنضبطة كوسيلة مهمة لزيادة النمو والتنمية الاقتصادية وتحسين أوضاع الناس».

شغل بهاء الدين منصب أول رئيس للهيئة العامة للرقابة المالية قبل أن يستقيل فى أعقاب ثورة يناير 2011، ويتجه إلى العمل السياسى من خلال مشاركته لتأسيس الحزب المصرى الديمقراطى.

ويقول بهاء الدين: «الثورة جعلتنى أخلق توازناً بين تجربة الجامعة التى غلب عليها الانتماء اليسارى وتجربة العمل الحكومى التى غلب عليها الفكر الرأسمالى، وتحقق ذلك بالديمقراطية الاجتماعية، وهو ليس اسم الحزب فقط، لكنه تيار فكرى نحاول من خلاله الاعتماد على اقتصاديات السوق، لكن مع وجود شبكة حماية اجتماعية قوية جداً تضمن أن يتاح للناس الفرصة فى الاستفادة من الاقتصاد الحر، وهو قريب من فكرة الطريق الثالث فى أوروبا».

نجح «زياد» فى أن يصبح نائباً فى «برلمان» الثورة الأولى فى يناير 2011، قبل أن يكون نائباً أيضاً فى «حكومة» الثورة الثانية فى يونيو 2013، وبين المنصبين وبعدهما تمتد رحلته مع العمل السياسى الذى أصبح جزءاً منه: «لم نغير موقفنا كقوى ديمقراطية إلا عندما انحرف مرسى عن المسار الديمقراطى، ومشروع الإخوان المسلمين سقط بسبب التنظيم.. وتكوين جبهة الإنقاذ كان خطأ».

وقد وصفت الدكتور زياد فى مقدمة حوارى معه وصفاً أزعجه، حيث قلت: «الحوار مع الدكتور زياد بهاء الدين أشبه بالبحث عن «قالب سكّر» داخل كوب ماء، فهو حذر إلى أقصى درجة، كلما حاولت أن تحاصره ذاب، وكلما اجتهدت أكثر تلاشى أسرع.. لكن إذا قررت أن تستوعب أثره فى الماء.. ستكتشف قيمته».

تردد نائب رئيس الوزراء الأسبق طويلاً فى أن يفتح قلبه ويتكلم ويحكى تفاصيل قصته داخل أروقة الحكم فى مصر، تحفَّظ أن يذكر أسماء كثيرة ومواقف كثيرة، بحكم أن أصحابها فى مواقف لا تسمح لهم بـ«حق الرد»، رفض أن يُفصح عن رأيه فى أشخاص ومواقف لحرج اللحظة التى تمر بها مصر، واعتذر عن عشرات الأسئلة وطلب حذف عشرات الأجوبة، فى حوار حكمه «القانون» تخصصه ومجال عمله، كما لم يخلُ من قدر من «السياسة».

مقالات مشابهة

  • الصين تفتتح خط طرق بحري ضخم جنوبي البلاد
  • «حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013
  • مدبولي: برنامج الإصلاح الاقتصادي يتضمن دعم التعاون بين القطاع الخاص في مصر وأوروبا
  • حرب اللافتات تشتعل بين الصين والهند على منطقة حدودية.. خناقة حارة على أرض قاحلة
  • “الهيئة الملكية بينبع” تحقق جائزة المركز الأول كأفضل “مركز خدمات طوارئ وخدمات عامة” بمنطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا
  • “هيئة الطيران المدني” تحصد جائزتين ذهبيتين كأفضل خدمة عملاء وأفضل مركز اتصال حكومي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا
  • “هيئة الطيران المدني” تحصد جائزتين ذهبيتين كأفضل خدمة عملاء وأفضل مركز اتصال حكومي في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا
  • «المفوضية الأوروبية»: زيادة التعاون بين مصر وأوروبا في مجال التحول الأخضر
  • الهند وروسيا تبحثان سبل تعزيز التعاون في مجال الدفاع
  • خبير عسكري بعد إعلان الحوثي ”تصنيع صاروخ فرط صوتي”: قفزات هائلة تغلبت على الصين وروسيا وأمريكا وأوروبا