أضم صوتي بالتأكيد إلى أصوات العديد من القادة الذين أدانوا هجوم حماس بأشد العبارات. لست مندهشاً مثل كثيرين من أن هذا الهجوم قد وقع بالفعل وأودى بحياة العديد من الإسرائيليين الأبرياء، كما أنني لن أتفاجأ من الانتقام الإسرائيلي المستمر الذي سيؤدي بالتأكيد بحياة المئات، إن لم يكن الآلاف من الفلسطينيين، ومن بينهم العديد من المدنيين الأبرياء.
أنا لست مندهشا لأني، مثل كثيرين منا الذين تابعوا تطور الأحداث بين إسرائيل والفلسطينيين في السنوات القليلة الماضية، وخاصة في الأشهر القليلة الماضية، توصلت بسهولة إلى هذه النتيجة، وذكرت ذلك عدة مرات في كتاباتي بأنها لن تكون سوى مسألة وقت فقط حتى يحدث مثل هذا الانفجار.
لقد كتبت الفقرة التالية منذ ما يزيد قليلاً عن عام، نُشرت في الأصل في 2 أكتوبر 2022، والتي حدثت بشكل مأساوي في اليومين الماضيين.
"الخطر الذي يبدو أن جميع الأطراف المعنية تتجاهله هو أنه رغم أن الوضع الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين قد يسود على السطح لفترة أطول قليلاً، ولنقل ثلاث إلى أربع سنوات، إلا أنه من غير الممكن أن يستمر لفترة أطول من ذلك بكثير. ولا بد أن ينفجر الوضع في وجه كل من لا يدرك خطورته وعواقبه الوخيمة في غياب حل. والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بما إذا كان الفلسطينيون سينهضون ويلجأون إلى العنف، بل متى، الأمر الذي سيجعل الانتفاضة الثانية التي اشتعلت في العام 2000 تبدو وكأنها مجرد بروفة. والإسرائيليون الذين يعيشون في حالة إنكار سوف يضطرون عاجلاً وليس آجلاً إلى مواجهة الحقيقة المرّة. إن المشكلة الفلسطينية لن تنتهي وسوف تستمر في مطاردتهم ولن تقدم لهم أي راحة. علاوة على ذلك، فإن الصراع مع الفلسطينيين سوف يستمر في تقديم ألد أعداء إسرائيل، إيران ووكيلها حزب الله في لبنان، الوصفة المثالية التي يحتاجون إليها لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن إسرائيل القومي بشكل مستمر. وبينما تستطيع إسرائيل أن تنتصر عسكرياً على أي من أعدائها، ولو بتكلفة متزايدة من الدماء والمال، فإنها لا تستطيع أن توقف التهديد الأكثر خطورة على الإطلاق، ألا وهو التآكل المميت الناتج عن احتلالها الوحشي المستمر للأساس الأخلاقي الذي قامت عليه إسرائيل".
لا بد أن هذا الهجوم غير المسبوق الذي قامت به حركة حماس والذي لا يمكن تصوره من البر والجو والبحر قد استغرق أشهراً للتخطيط والتدريب والتحضير للتنفيذ. ومع ذلك، فإن وكالات الاستخبارات "الأكثر تطوراً" في إسرائيل لم تكتشف حتى أي تلميح لمثل هذه الخطة المدمرة. فماذا يقول لنا هذا عن الحكومة الإسرائيلية التي يقودها رئيس الوزراء المتغطرس والمغرور نتانياهو الذي يتفاخر بقدرات إسرائيل العسكرية واستعدادها الذي لا مثيل له؟
وبينما كان نتانياهو مشغولاً بالتخطيط لسحق الديمقراطية الإسرائيلية من خلال ما يسمى بإصلاحاته القضائية، وتعزيز أمن إسرائيل في الضفة الغربية، عن طريق إرسال آلاف القوات لحماية المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين، كانت حماس تستعد لهذا الهجوم المميت على الإسرائيليين على نطاق غير مسبوق أودى بحياة 700 إسرائيلي، حتى كتابة هذه السطور، واختطف أكثر من 100، بينما كشف ضعف إسرائيل في أعين أقوى أعدائها، بما في ذلك حزب الله، وإيران.
من الواضح أن توقيت هجوم حماس لم يكن عرضياً. كان من المخطط له أن يتم ذلك بالضبط في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران عام 1973. وكان المقصود منها تذكير الإسرائيليين بشكل فظ، بأن حقوق الفلسطينيين وتطلعاتهم ليست صندوقًا يمكن إلغاؤه، كما وصفها نتنياهو مؤخراً عندما سُئل عن التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
لم يكن من الممكن لأي إسرائيلي أن يصدق أن ما يسمى بـ"مجموعة متناثرة" تحمل "مفرقعات نارية"، كما وصف بعض المسؤولين الإسرائيليين حماس، التي توجد تحت الحصار منذ 18 عاماً، ستكون في وضع يمكنها من شن هجوم بهذا الحجم، مجبرة عشرات الآلاف من الإسرائيليين للهروب إلى الملاجئ، وهم يرتعدون من الخوف. فعلى مدى عقود من الزمن دفعت الحكومة الإسرائيلية الناس إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين لن يتوقفوا عن كفاحهم من أجل الاستقلال ما لم تستخدم إسرائيل القوة الوحشية ضدهم. وقد أثبت هذا الهجوم خطأ هذا الادعاء، وأنه حتى في ظل أقسى الظروف لن يتخلى الفلسطينيون أبداً عن كفاحهم من أجل الحرية والاستقلال من خلال الرد على العنف بالعنف، ولن يستسلموا أبداً للقوات الإسرائيلية.
إن الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي دعا وزيرها المسؤول عن الشؤون المدنية في الضفة الغربية، بتسلئيل سموتريش، في وقت سابق من هذا العام إلى محو قرية حوارة الفلسطينية، وأطلقت العنان للمستوطنين لمضايقة الفلسطينيين في كل منعطف، لم تفعل شيئا سوى اغتصاب آخر بقايا للأمل لدى الفلسطينيين في أن يتحرروا مرة أخرى.
إن معاملة الفلسطينيين وكأنهم قوة إحتلال بدل محتلين، كما ادعى سموتريش، ليس أمراً مشيناً فحسب، بل هو هزيمة ذاتية كما ثبت على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية. إن وقوع الهجوم الوحشي الذي شنته حماس يوم السبت تحت أنظار الحكومة الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل، لا يثبت إلا عدم كفاءتها وأن تجاهل المشكلة الفلسطينية سوف يكون على حساب إسرائيل.
كانت حماس تعلم جيداً أن سكان غزة سوف يتكبدون خسائر فادحة في الأرواح والدمار إذا هاجموا إسرائيل على هذا النطاق غير المسبوق وحجم الخسائر البشرية والدمار الذي أحدثته إسرائيل، يشهد بالفعل على ذلك. ومع ذلك، فقد أقدموا على مثل هذه المخاطرة القاتلة، ولكن المحسوبة لأنهم كانوا مصممين على تغيير ديناميكية الصراع مع إسرائيل، وخلق نموذج جديد وإجبار إسرائيل على إعادة تقييم موقفها تجاه الفلسطينيين.
لقد وجدت أنه من المثير للاهتمام أن المتحدث باسم حماس لم يدعُ إلى تدمير إسرائيل، بل دعا إلى وضع حد للانتهاكات ضد الفلسطينيين، قائلاً: "نريد من المجتمع الدولي أن يوقف الفظائع في غزة ضد الشعب الفلسطيني وأماكننا المقدسة مثل المسجد الأقصى. كل هذه الأمور هي السبب وراء بدء هذه المعركة" يأتي ذلك رداً على المحرض إيتمار بن غفيرالذي قام منذ توليه منصب وزير الأمن القومي بزيارة جبل الهيكل عمدا،ً والذي مُنع اليهود من زيارته بموجب اتفاقية عام 1967 بين الأردن وإسرائيل.
وبينما لم يتصالح جناح حماس العسكري، كتائب القسام، مع وجود إسرائيل قط، ويجب تدميره، ينبغي لإسرائيل أن ترسل رسالة واضحة مفادها أنها مستعدة لبدء مفاوضات سلام مع القادة الفلسطينيين المعتدلين، لخلق عملية مصالحة طويلة الأمد التي ستؤدي إلى حل دائم.
لقد حان الوقت لتدرك إسرائيل أن سياسة الذهاب إلى غزة "لجز العشب" كل بضع سنوات قد فشلت فشلاً ذريعًا ولم تحقق شيئًا سوى تعميق مقاومة الفلسطينيين. ويشهد الهجوم المروع الأخير على هذه السياسة الإسرائيلية المضللة بشكل خطير.
ورغم أن لإسرائيل كل الحق في الدفاع عن نفسها، وسحق إرهابيي حماس، والجهاد الإسلامي، الذين تدعمهم إيران وحزب الله ولن يقبلوا بالواقع الإسرائيلي، يجب على إسرائيل أن تتذكر أيضا أن الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني تريد العيش في سلام وقبول حق إسرائيل في الوجود. لكن من المؤسف أن الحكومات المتطرفة، مثل الحكومة الحالية بقيادة نتانياهو، تصور الفلسطينيين وكأنهم جميعاً إرهابيون ولا يمكن الثقة فيهم أبداً، ومن ثم يجب التعامل معهم بقبضة من حديد.
فإلى متى ستستمر إسرائيل في التمسك بهذه الفكرة التي لا أساس لها من الصحة، والتي تؤدي إلى نتائج عكسية قبل أن تدرك أن الفلسطينيين هم أناس عاديون، إلى حد كبير يريدون أن يعيشوا حياة طبيعية، تماماً مثل أي إسرائيلي؟ على قادة إسرائيل أن يتذكروا أن اليأس يولد اليأس، واليأس يولد الغضب والاستياء، الأمر الذي يترك بدوره الشعب الفلسطيني بلا خيار سوى اللجوء إلى العنف والمجازفة بالموت مفضلين ذلك على عيش حياة يأس لا نهاية له.
وهذا يذكرني بالموقف السخيف الذي اتخذه الجمهوريون الذين يعارضون السيطرة على الأسلحة في الولايات المتحدة في أعقاب حوادث إطلاق النار الجماعية. بعد مثل هذه الحوادث مباشرة يستقر الرأي بهم على إرسال الصلوات، والتعازي للعائلات الثكلى، مصرين على أن "هذا ليس الوقت المناسب" للحديث عن قوانين مهمة للسيطرة على الأسلحة، كما لو أن صلواتهم وتعازيهم ستوقف حوادث إطلاق النار الجماعي التالية. ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث قط، حيث أن عمليات إطلاق النار الجماعية تستمر حاصدة أرواح أكثر من خمسين ألف أمريكي كل عام، وحتى الآن لم يتم تفعيل أي قوانين سيطرة فعّالة على الأسلحة. وهكذا هي الحال مع أي وقف إطلاق نار جديد بين إسرائيل وحماس، أو إسرائيل والفلسطينيين.
لن يوقف وقف إطلاق النار أو الإدانات الصراع بين الجانبين. ينبغي على الذين يسعون إلى السلام والاستقرار والأمن والازدهار في الشرق الأوسط، أن يتذكروا أنه إذا تم التطبيع الإسرائيلي السعودي ولم يتضمن هذا التطبيع مساراً واضحاً لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فهو ليس سوى وصفة من أجل زيادة العنف الإقليمي وزعزعة الاستقرار بما يتجاوز بكثير ما شهدناه حتى الآن.
لقد حان الوقت لإدارة بايدن التي كانت تتحدث فقط عن حل الدولتين مثل كل سابقاتها، أن تتصرف بناءً على موقفها الرسمي وتصر على أن الوقت قد حان لتأخذ إسرائيل هذا الصراع مع الفلسطينيين على محمل الجد. يجب على إدارة بايدن ألا تفترض للحظة أن وقف إطلاق نار آخر، بغض النظر عن نطاقه، سيوفر حلاً دائمًا. علاوة على ذلك، يتعين على السعوديين أن يوضحوا علناً أنه لن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع إسرائي،ل ما لم يتم تحديد مسار واضح يؤدي إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
إن قول ذلك علناً من شأنه أن يهدئ مخاوف الفلسطينيين من أنهم لن يُتركوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، في حين يبعث برسالة واضحة إلى الجمهور الإسرائيلي مفادها أن حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من أي اتفاق بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وذلك بما يتفق مع مبادرة السلام العربية لعام 2002. وفي التحليل النهائي، لن تتمكن أي حكومة إسرائيلية من التصرف بجدية لتحقيق هذه الغاية إلا عندما يطالب الجمهور الإسرائيلي بشكل جماعي بمبادرة سلام جديدة.
وبالفعل، لا يكفي أن يتوحد الإسرائيليون في أوقات الأزمات. عليهم الآن أن يتحدوا للمطالبة بحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. عليهم الآن أن يتدفقوا إلى الشوارع بمئات الآلاف، على نحو أقرب إلى احتجاجاتهم ضد جهود نتانياهو الشريرة "لإصلاح" السلطة القضائية، وأن يبقوا مصرّين بلا هوادة إلى أن توافق حكومتهم على الدخول في مفاوضات ذات مصداقية مع الفلسطينيين. إن الفشل في ذلك هو ببساطة انتظار، مرة أخرى، للحرب المروعة التالية التي قد تكون أكثر خطورة من هذا الهجوم، مسبّبة خسائر لا حصر لها في الأرواح لا يمكن لأي إسرائيلي أن يتخيلها في أعنف كوابيسه.
بمجرد أن تنتهي الحرب المروعة ويتم التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار بشكل مأساوي بعد مقتل الآلاف من الجانبين، فلابد من تشكيل لجنة تحقيق للبحث في الكيفية التي فوجئت بها حكومة نتانياهو. ليس هناك شك في أن هذه الحكومة اعتبرت المقاومة السلبية نسبياً للفلسطينيين أمراً مفروغا منه، ولم تفكر أبدا في أنهم سيكونون في وضع يسمح لهم بشن مثل هذا الهجوم غير المسبوق. ولابد من محاسبة المسؤولين في الحكومة ودفع الثمن.
وعلاوة على ذلك، على زعماء المعارضة، بيني غانتس، ويائير لابيد، وأفيغدور ليبرمان، وميراف ميخائيلي، أن يستجيبوا لدعوة نتانياهو لتشكيل حكومة وحدة بشرط أن يستقيل نتانياهو بمجرد انتهاء الحرب، وإجراء انتخابات جديدة.
ودون ذلك، على الجمهور الإسرائيلي أن يطالب بالاستقالة الفورية لرئيس الوزراء ناتنياهو. فبدلاً من الاهتمام باحتياجات الأمن القومي لإسرائيل، كان مشغولاً بالتخطيط لتقويض السلطة القضائية بشدة والتضحية بالمصلحة الوطنية فقط من أجل إنقاذ نفسه. لقد خان قسم منصبه، وعليه الآن أن يخليه لاستعادة الكرامة والثقة في اللقب الذي يحمله دون استحقاق.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: غزة وإسرائيل زلزال المغرب انتخابات المجلس الوطني الاتحادي التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل الإسرائیلی الفلسطینی إطلاق النار بین إسرائیل إسرائیل أن إسرائیل فی هذا الهجوم وقف إطلاق على ذلک من أجل ا یمکن
إقرأ أيضاً:
مجلة ذا نيشن: إسرائيل لا تزال تستهدف الصحفيين الفلسطينيين والصمت ليس خيارا
اتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي اتهم في 23 تشرين الأول/ أكتوبر ستة صحفيين وهم: أنس الشريف وطلال عروكي وعلاء سلامة وحسام شبات وإسماعيل فريد وأشرف السراج، بأنهم "إرهابيون من حماس والجهاد الإسلامي".
وأكدت مجلة "ذي نيشين" في تقرير لها أن القصد من وراء هذا الاتهام واضحا بـ"تحويل هؤلاء الصحفيين ــ الذين يقدمون تقاريرهم حاليا في شمال غزة، حيث تنفذ إسرائيل حاليا مذابح شبه يومية ــ إلى أهداف مشروعة للاغتيال، ولم تقدم إسرائيل أي دليل جوهري على هذه الادعاءات.".
وأضافت المجلة "لم تكن هذه المرة الأولى التي يختلق فيها النظام الإسرائيلي خلال الإبادة الجماعية اتهامات شنيعة لتبرير جرائم الحرب.. ولكن التهديد العلني باغتيال الصحفيين الستة كان مرعبا بشكل خاص ــ وخاصة لأن إسرائيل تشن حربا قاتلة ضد الصحفيين في غزة لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث".
وأوضحت "قد يظن المرء أن مثل هذا التهديد الوقح ضد حرية الصحافة من شأنه أن يثير غضب المنظمات الإعلامية الأميركية الكبرى. ولكن الاستجابة كانت خافتة في أفضل الأحوال. بل إن صحيفة نيويورك تايمز ضخّمت بعض "الأدلة" السخيفة التي قدمتها إسرائيل".
وذكرت "وكثير من نظرائنا في الولايات المتحدة لم يعترفوا بالكاد بتأثير مثل هذه الادعاءات، فغضوا طرفهم وأصواتهم، مع ارتفاع حصيلة القتلى. فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، قتلت إسرائيل أكثر من أربعين ألف فلسطيني نعرفهم، على الرغم من أن مجلة لانسيت قدرت في تموز/ يوليو أن الرقم الفعلي يتجاوز 186 ألفا. ومن بين هؤلاء، أفاد مكتب الحكومة الإعلامية في غزة أن إسرائيل قتلت 183 صحفيا على مدى العام الماضي، أو ما يعادل ثلاثة صحفيين أو أكثر في الأسبوع".
وشدد أن "الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في مختلف أنحاء العالم ملزمون أخلاقيا برفع أصواتهم ضد استخدام الصحافة لتبرير الحرب، والمعارضة لحماية أقرانهم الفلسطينيين في غزة، وهذه الاغتيالات ليست مصادفة: لقد حولت إسرائيل سترة الصحافة إلى هدف".
وأشار إلى أن "الهجمات لا هوادة فيها، ففي 9 تشرين الأول/ أكتوبر، استهدف قناصة إسرائيليون ومسيرات كوادكوبتر أربعة صحفيين كانوا يقدمون تقارير من مخيم جباليا للاجئين في شمال غزة. وقد أدى الهجوم، الذي التقطته كاميرات الجزيرة، إلى إصابة المصور فادي الوحيدي بجروح خطيرة ومقتل مصور قناة الأقصى محمد الطناني، الذي أصيب برصاصة في رقبته. وقد أدت الإصابة المهملة إلى شلل الوحيدي، الذي دخل الآن في غيبوبة. وقبل يومين، أصيب مصور آخر من قناة الجزيرة، علي العطار، بشظايا من غارة جوية إسرائيلية على دير البلح، مما تسبب في نزيف في المخ. ولقد توسل زملاء الصحافيين المصابين لإجلاء العطار والوحيدي طبيا على وجه السرعة، حيث لا تزال حالتهما الصحية تتدهور".
وفي لبنان، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية ستة صحفيين، بما في ذلك ثلاثة في غارة مستهدفة على دار ضيافة إعلامية في حاصبيا. كما أدت الهجمات الإسرائيلية إلى إصابة عدد لا يحصى من الصحفيين، وفي كثير من الحالات قتلت أفراد أسرهم.
وفي الوقت نفسه، فجّر الصحفي الإسرائيلي داني كوشمارو مبنى في جنوب لبنان، وضغط على صاعق التفجير على الهواء مباشرة. وقد تم التقاط مشاركته النشطة في جرائم الحرب في لبنان ــ بينما كان مدمجا مع قوة إسرائيلية غازية ــ بالكاميرا. وبسبب الإفلات من العقاب الذي منحه المجتمع الدولي لإسرائيل، لن يواجه كوشمارو أي عواقب، وهو لا يخشى أي عواقب.
ومن ناحية أخرى، يظل المراسلون الستة من قناة الجزيرة ــ وهي الشبكة التي استهدفت "إسرائيل" صحفييها واغتالتهم دون عقاب لسنوات ــ معرضين للخطر. الشريف، والعروقي، وسلامة، وشبات، وفريد، والسراج هم بعض المصادر الموثوقة الوحيدة التي تنقل لنا أخبار الفظائع التي تحدث في شمال غزة. ولولا أصواتهم لما كنا لنعرف شيئا عن المقابر الجماعية، والغارات الجوية المستهدفة، ومَسيرات الموت القسرية، وقناصة الاحتلال الإسرائيلي الذين يصطادون الأطفال.
وقالت الصحيفة إن "هذا ليس الوقت المناسب للتعبير عن القلق بشكل معتدل وجبان. فالصحفيون الفلسطينيون واللبنانيون لا يريدون من زملائهم أن ينخرطوا في مجرد إشارات: إنهم يريدون أن يعيشوا. وبينما يواجهون الموت الوشيك، فإن أصواتنا، كصحفيين مقيمين في الغرب، يمكن أن تنقذهم. إن الاختيارات التي نتخذها تشكل الإدراك العام والسياسة، وبالتالي فإن الحقائق التي نرويها أو نتجاهلها أكثر أهمية من أي وقت مضى. يتعين علينا أن ندرك المسؤولية التي نتحملها في هذه الصناعة وأن نحمل أنفسنا وغرف الأخبار لدينا المسؤولية".
من خلال الفشل في معارضة السياسات التحريرية التي تفرض الرقابة في غرف الأخبار، وتستخدم لغة مضللة أو مخففة، يلعب الصحفيون الغربيون في العديد من المنافذ الإعلامية الرئيسية دورا مباشرا في إنتاج المعلومات المضللة التي تُشرعن هذه الاغتيالات المستهدفة. إن خطر فقدان الوظائف بسبب الفشل في الالتزام بمحو فلسطين هو بالتأكيد حقيقة واقعة، لكن التهديد الإسرائيلي لمستقبل الصحافة - من خلال تجريد الصحفيين من أي حماية - لا رجعة فيه.
وأكدت أن تصنيع الموافقة على التطهير العرقي للشعب الفلسطيني يتم من خلال تجاهل نية الإبادة الجماعية التي عبرت الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية عنها منذ زمن طويل. ويشمل ذلك قبول وسائل الإعلام السائدة للمتحدثين العسكريين الإسرائيليين كمصادر شرعية وغير متحيزة، إلى حد أن يصبحوا غطاء للتقارير المصطنعة التي تستخدم لتبرير مذبحة الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه، يتم رفض التقارير الفلسطينية. إن التحيز العنصري العميق ليس مجرد تحيز - فقد مهد الطريق للإبادة الجماعية.
وقالت إن "صحيفة نيويورك تايمز مثال صارخ على هذه الممارسة، وخاصة مع قصتها سيئة السمعة التي تم فضحها والتي تزعم عمليات اغتصاب جماعي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر. انهار التحقيق عندما أعلنت المصادر الذين تمت مقابلتهم أن الصحيفة كذبت. لقد قامت الصحيفة بسحب حلقة بودكاست حول هذه القصة. ولكن الأكاذيب كانت قد ترسخت بالفعل في أذهان الجمهور الأمريكي. ولم يتم التراجع عنها أبدا".
وتابعت "كما فشل السياسيون في معالجة الحرب المتواصلة على الصحفيين الفلسطينيين في غزة. في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، وقع 65 ديمقراطيا في مجلس النواب على رسالة موجهة إلى الرئيس بايدن يطلبون منه الضغط على إسرائيل لتوفير وصول "غير مقيد" للصحفيين الأمريكيين والدوليين لدخول غزة "في وقت أصبحت فيه المعلومات الموثوقة أكثر أهمية من أي وقت مضى". كما حثت أكثر من 70 منظمة إعلامية ومنظمات المجتمع المدني على منح حق الوصول إلى غزة، ووقعت على رسالة مفتوحة في تموز/ يوليو".
وأضافت أنه "من المؤسف أن هذه الصرخة جاءت بعد عام. ولا يوجد سجل لرسالة أو مناقشة في مجلس النواب حول حماية الصحفيين الموجودين بالفعل في غزة. إن هذا يوضح المعايير المزدوجة التي تستخدمها الأجهزة السياسية والإعلامية الأميركية، والتي تحشد جهودها للسماح للصحفيين بالوصول في أماكن أخرى، في حين تظل صامتة بشأن اغتيال الصحفيين داخل غزة".
وفي حين أن التحيز الموجود داخل المنافذ الإعلامية الأميركية الكبرى لا يزال بغيضا كما كان دائما، فهناك محاولات من الداخل لقول الحقيقة. ورفض بعض الصحفيين الذين يعملون في هذه التكتلات أن يغضوا الطرف، وحاولوا - وراء الكواليس - جمع القصص التي تركز على الفلسطينيين وتحدي الدعاية الإسرائيلية.
وقالت المجلة "لقد رأينا مؤخرا كريس هايز ينتقد تواطؤ الولايات المتحدة في توريد الأسلحة إلى إسرائيل عندما أبلغ عن الموت العنيف لشعبان الدلو، وهو مراهق أحرق حيا أمام أعين العالم بعد أن أصابت غارة جوية إسرائيلية مخيما للنازحين بالقرب من مستشفى شهداء الأقصى. ولعل المراسلين في NPR كانوا أول من أبلغوا عن التحديات والقيود التي تواجه البعثات الطبية التي تدخل غزة، بما في ذلك الأطباء الذين تم رفضهم بسبب جذورهم الفلسطينية. وقد حاول المراسلون والمنتجون في شبكة CNN أيضا نشر قصص مماثلة، تركز على التحديات التي تواجهها النساء الفلسطينيات في غزة اللاتي يسعين إلى الحصول على رعاية إنجابية ويربين أطفالا يعانون من سوء التغذية، لأن إسرائيل تواصل قصف المستشفيات ومنع المساعدات من دخول القطاع".
وأضافت "إننا نعلم أن هذه القصص موجودة لأننا ذهبنا للبحث عنها. ولكن هذه التغطية لا تعفي مثل هذه المنافذ من إخفاقاتها ــ على سبيل المثال، نشرت شبكة سي إن إن تقارير كاذبة تردد ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن الجدول العربي المعلق في مستشفى الرنتيسي للأطفال كان جدول مناوبة لحراس حماس. ثم حذفت القناة التقرير دون تنبيه من المحرر. وبينما أصدرت سارة سيدنر من شبكة سي إن إن اعتذارا علنيا عن نشر مزاعم غير مؤكدة عن "قطع رؤوس الأطفال"، استمرت القناة في تكرار نفس الكلام في اليوم التالي. إن التغطية التي تكشف عن مذبحة إسرائيل للفلسطينيين، مهما كانت ضئيلة أو خفية، تظهر أن بعض الصحفيين يحاولون اختراق الدعاية. وإذا كان بوسعهم أن يفعلوا ذلك، فبوسع غيرهم أن يفعلوا ذلك أيضا".
وأشار إلى أن "هناك أيضا علامات متزايدة على التعبئة داخل وسائل الإعلام. ففي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، وقع أكثر من 830 صحفيا على رسالة تطالب بالإجلاء الطبي الفوري لعلي العطار وفادي الوحيدي وجميع الصحفيين المصابين، وحماية الصحفيين الذين بقوا، والتغطية الإعلامية العادلة لغزة وظروف الصحفيين الفلسطينيين هناك".
وغالبا ما يتم التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم "غير جديرين بالثقة" من قبل وسائل الإعلام الغربية العنصرية. ومع ذلك، فإن المنافذ الإعلامية الرئيسية ــ سي إن إن، ونيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وغيرها ــ تعاقدت مع مرافقين على الأرض في غزة، ورخصت لعمل المصورين الصحفيين في غزة، واعتمدت على المراسلين المستقلين في جميع أنحاء القطاع. إن التغطية الإعلامية هي ببساطة إخبار الحقيقة كما هي، ونقل القصة كما هي. والحقيقة لا تأتي مع شرط أساسي للحصول على اعتماد صحفي من منفذ إعلامي بمليار دولار.
وأكدت أن الصحفيين الفلسطينيين الذين يغطون الأحداث في غزة يفعلون ذلك وسط الدمار، ويكشفون عن الأهوال التي كانت لتظل غير مرئية للعالم الخارجي لولا ذلك. لقد فقد الصحفيون هناك منازلهم وأفراد أسرهم في القصف. وهم يواجهون ظروفا معيشية مزرية، مع محدودية الغذاء والمياه والكهرباء بسبب الحصار الكامل. وفي الوقت نفسه، أدى تقييد الوصول إلى غزة وانقطاع الاتصالات إلى قمع تدفق المعلومات.
وشددت أن "الصحفيين ليسوا مجرد مصادر للمعلومات. إنهم حراس ذاكرة شعب. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة هم أولئك الذين يدفعهم الفضول والرغبة العميقة في معرفة الحقيقة. إنهم يبحثون عن تلك الحقيقة ويحاولون مشاركتها مع العالم. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة يوثقون واحدة من أكثر حالات الإبادة الجماعية وضوحا التي شهدها العالم، على الرغم من الهدف الذي رسمته إسرائيل على جباههم. عندما يتم اغتيال صحفي، فإن القصص التي لم تتح له الفرصة لنشرها - الأصوات التي لم يتم تسجيلها - تُسرق أيضا. إن حرب إسرائيل على غزة ليست مجرد استيلاء على الأراضي، كما صرح قادتها صراحة: إنها أيضا سرقة للذاكرة والتاريخ الفلسطيني الثمين".
وختمت أنه "يتعين على الصحفيين في جميع أنحاء العالم أن يتذكروا أن الصحافة ليست سلما: إنها حقل من القصص عن الناس وأفراحهم ومآسيهم والمضطهدين ومضطهديهم. إن الصحفيين الفلسطينيين في غزة يحترمون هذا الواجب. إنهم صوت الشعب، الذي يتردد صداه بما يكفي لتحطيم الدعاية الإسرائيلية. ولكن من سيكون صوت هؤلاء الصحفيين، إن لم نكن نحن؟".