مختصون: دعم اجتماعي لنشر ثقافة الصحة النفسية
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
- مبادرات حوارية هادفة لتصحيح الأفكار المغلوطة
- ضغوطات العمل وعدم الشعور بالتقدير تزيد من احتمالية الإصابة
- ضرورة اتباع عادات إيجابية للوقاية من الأمراض النفسية
أشاد مختصون بالتطور الحاصل في سلطنة عمان في مجال تقديم خدمات الرعاية النفسية وما تشهده المدارس والكليات والشركات من مبادرات ومحاضرات وورش عمل وجهود توعوية تعزز نشر ثقافة الاهتمام بالصحة النفسية وتشجيع الاستشارات وتوفير المراكز والعيادات المختصة، مؤكدين ارتباطها بتقدم المجتمع وازدهاره؛ فالأشخاص المستقرون نفسيا أكثر قدرة على العطاء وتحمّل المسؤولية وتكوين علاقات اجتماعية مثمرة والنجاح في بيئة العمل، مشيرين إلى ارتباط ضغوطات الحياة بحدوث العديد من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، كما تؤدي إلى العديد من الأعراض الجسدية.
ويقول الدكتور حمد بن ناصر السناوي، رئيس قسم الطب السلوكي بجامعة السلطان قابوس: الصحة النفسية كما عرَّفتها منظمة الصحة العالمية هي قدرة الشخص على التعامل مع ضغوط الحياة العادية وتحقيق طموحاته، والعمل الإيجابي والمثمر، والإسهام في بناء مجتمعه، لذا تعد الصحة النفسية اللبنة الأساسية لتقدُّم المجتمع وازدهاره؛ فالأفراد الذين يتمتعون بصحة نفسية سليمة أكثر قدرة على الإنتاج وتحقيق الاستقرار الذاتي لأنفسهم وللآخرين من حولهم، كما أن الصحة النفسية مرتبطة بالصحة الجسدية؛ فالدراسات الحديثة تشير إلى أن القلق والاكتئاب يزيدان من احتمال إصابة الفرد بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، كما أن الشعور بالضجر والإرهاق والضغط النفسي يؤدي إلى ما يُسمى بالأكل العاطفي عندما يتناول الفرد كميات كبيرة من الطعام الذي عادة ما يكون غنيا بالسعرات الحرارية مما يسبب السمنة وما يصاحبها من مضاعفات، كما أن الأشخاص المستقرين نفسيا أكثر قدرة على تكون علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين والتعاون في العمل لإنجاز المشاريع المختلفة، وعلى نطاق الأسرة فإن الأشخاص الذين نشأوا في بيئة أسرية مستقرة بعيدا عن العنف الأسري والخلافات الأسرية أكثر قدرة على التفوُّق والإبداع في الدراسة والعمل.
وحول آلية التعامل مع ضغوطات الحياة أوضح: تعد ضغوطات الحياة من العوامل الأساسية التي قد تؤدي مع مرور الوقت إلى حدوث العديد من الأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب واضطرابات النوم، كما تؤدي إلى العديد من الأعراض الجسدية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والإرهاق الشديد، وتتعدد أسباب هذه الضغوطات حسب الفئة العمرية والظروف الأسرية والاقتصادية، أما بالنسبة لفئة العاملين فنجد أن ضغوطات العمل عادة ما تكون في المقام الأول، وحسب الدراسات العالمية تؤثر ساعات العمل الطويلة، والتعامل بين الموظفين ومرؤوسيهم، والعوامل الاقتصادية، وعدم الشعور بالتقدير في مجال العمل، جميعها تزيد من احتمال الإصابة بالضغط النفسي، وهناك بعض الشركات تقوم بعقد دورات تدريبية عن التعامل مع الضغوطات النفسية لموظفيها مما يساعد على المناعة النفسية، كما يساعد أسلوب الإدارة المحفز الذي يشجع الموظف على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية وتوفير الحوافز لتنمية المهارات ومساعدة الموظف على تحقيق طموحاته، كما يستطيع الفرد تعلم بعض المهارات الأساسية مثل إدارة الوقت، وتنظيم الأولويات، ورسم حدود للتعامل مع الآخرين، واتباع نمط الحياة الصحي مثل ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على ساعات كافية من النوم وتجنب التدخين؛ فهذه المهارات تساعد الفرد على التعامل مع الضغوطات النفسية.
تأثير إيجابي
وحول أهمية زيادة التوعية في المواضيع النفسية وما لها من تأثير إيجابي ينعكس تلقائيا على سلوكيات الفرد في المجتمع، أكد الدكتور: لا شك أن التوعية بأهمية الصحة النفسية من الأمور المهمة وسلطنة عمان تشهد حراكا في هذا الموضوع من قبل المؤسسات الصحية والأفراد سواء في وسائل الإعلام المختلفة من صحافة وإذاعة وتلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة، كما توجد محاضرات وحلقات عمل في المدارس والكليات والشركات، وجميع هذه المبادرات تهدف إلى طرح الحوار عن الصحة النفسية وتصحيح الأفكار المغلوطة التي تعزز وصمة العار، كما أن استخدام التقنيات الحديثة مثل البودكاست الذي يستهدف فئة الشباب والمراهقين يساعد في توصيل الرسالة إلى مختلف شرائح المجتمع، كما تقوم كل من الرابطة العمانية للزهايمر والرابطة العمانية للطب النفسي بعقد الندوات المختلفة وبرامج التوعية في المجمعات التجارية التي تتيح للحضور التفاعل مع المختصين والحصول على المعلومات الموثوقة.
ويضيف: تساعد العادات الإيجابية مثل النوم الجيد وممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي في تحسين الصحة النفسية، كما تشير الدراسات الحديثة إلى أن الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يزيد من احتمال الإصابة بالحالات النفسية المختلفة مثل القلق والاكتئاب خاصة عند المراهقين والشباب عندما يقوم المتصفح بمقارنة حياته مع المشاهير الذين يتابعهم والذين يبالغون في رسم الصورة المثالية لحياتهم وعلاقاتهم والبذخ الذي يعيشون فيه، كما يساعد المشي في الطبيعة واستنشاق الهواء الطلق وممارسة تمارين التأمل والاسترخاء في تحسين الصحة النفسية، ولا ننسى دور العلاقات الاجتماعية في تعزيز ثقة الفرد بنفسه وإشعاره بالحب والاحترام والتقدير ومنحه فرصة للفضفضة إذا ما شعر بالضيق في مواقف الحياة المختلفة.
وتابع: يعد تشجيع الناس على طلب الاستشارات النفسية وتوفير العيادات والمراكز التي توفر تلك الخدمات من الأمور المهمة خاصة في ظل ما يسمى بوصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي والتي تجعل بعض الأفراد يتجنبون الحصول على الاستشارة بسبب الخوف من وصفهم بالجنون أو بضعف الإيمان أو ضعف الشخصية، بينما يفسّر البعض الأمراض النفسية على أنها بسبب الحسد والجن والسحر وبالتالي يذهب إلى المشعوذين مما يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث إن التأخير في تشخيص وعلاج بعض الأمراض النفسية يجعل التحسن صعبا أو ربما يؤدي إلى الانتحار هو ما نلاحظه لدى مرض الاكتئاب الحاد والفصام ومرض ثنائي القطب.
أمان ووقاية
وفي السياق تقول خولة بنت خميس البهلانية، أخصائية نفسية: إن الصحة النفسية بستان زهور ذو أهمية كبيرة تؤثر بشكل شامل على حياة الفرد والمجتمع، لذا لا بد من الاهتمام بها لعدة أسباب أهمها أن الصحة النفسية الجيدة تقوم بتعزيز جودة الحياة، مما يعزز الإيجابية ويكون الفرد قادرا على التعامل بفعالية مع التحديات والضغوط اليومية.
ويعد الاهتمام بالصحة النفسية صمام أمان ووقاية من الاضطرابات النفسية والعقلية، كما أن هناك ارتباطا وثيقا بين الصحة النفسية والجسدية فإن اختل التوازن النفسي يؤثر على الصحة الجسدية والعكس كذلك.
وحتى لا يتعرّض الشخص للأمراض النفسية أوضحت: يجب اتباع بعض الخطوات لتعزيز الصحة النفسية والوقاية من الأمراض النفسية منها رسم خطة تعلم إدارة وإتقان التحكم في التوتر مثل التنفس العميق والرياضة وغيرهما وذلك حتى تقل ضغوطات الحياة اليومية، والاهتمام في كيفية الحفاظ على علاقات اجتماعية قوية تخلّف الأمل والإيجابية على الصحة النفسية، ويجب وضع خطة لطريق مدروس واضح بالأهداف والتحديات للنفس بحيث يدفع النفس بالرضا والإنجاز الذي يجعل مرور النفسية في طريق التحسّن والرضا والسعادة والإيجابية، والمحافظة على نسمة النشاط الذهني وهوائها العليل في القراءة والألعاب التي تجذب الذكاء وتنمّي العقل، واتباع أسلوب مغناطيس الاسترخاء والاستمتاع الذي يحسّن المزاج والصحة النفسية، ويعزز التفكير الإيجابي ويحاول أن يقتلع الأفكار السلبية لتتم حراثة الأفكار الإيجابية وتنميتها.
وعن آلية التعامل مع ضغوطات الحياة ذكرت البهلانية: هناك بعض الخطوات والاستراتيجيات العامة التي تساعد في التعامل مع الضغوطات بترتيب الأولويات التي تركز على الأكثر أهمية في حياته الخاصة، ووضع خطة تقسيم الأهداف ومراحل تنفيذها، ويجب أن تجزأ المهمات الكبيرة ثم الصغيرة حتى يتم التحكم بها وإدارتها، وتعلم مهارة الرضا والقبول، كما يجب تقديم الراحة عن طريق الاستمتاع بكل الأنشطة التي تحبها النفس، ومعرفة الأصدقاء الذين يسعون للتخفيف عنك.
رفاه نفسي
أما الأخصائية النفسية ريان بنت راشد الغيثية فتقول: تأتي أهمية الصحة النفسية في أنها تُنشئ أفرادا مستقرين عاطفيا، مهذبين سلوكيا، مقتدرين فكريا، مع الأخذ بعين الاعتبار تكامل منظومة الأسرة في العمل على خلق نموذج سلوكي يحذيه الفرد تجاه مجتمعه لكي يصبح أكثر تماسكا وقوة، كما أن للصحة النفسية أهمية كبرى على الصعيد الاقتصادي والمجالات الإنتاجية، حيث إن الفرد المتمتّع بالصحة النفسية قابل على تحمّل المسؤولية وتفعيل طاقته للحد الأقصى من أجل الوطن، ناهيك عن حالة الرفاه النفسي التي تعتريك بمجرد إعادة جدولة الأمان النفسي في قائمة الأولويات وصرف الانتباه عن منغصات الحياة الدونية.
وعن الحد من تزايد الأمراض النفسية، أفادت: إن تعلم الفرد لآليات التعامل مع الضغوط يعد قرارا شخصيا، والكثير منا يقوم بتأهيل نفسه جسديا ويهمل تأهيل الجانب النفسي، وهذا ما أدى لكثرة تردد الاضطرابات النفسية على مسامع الجميع.
وإن اتخاذ قرار الخوض في غمار النفس يبدأ من الإيمان المُطلق بأهمية الخطوة والسعي المستمر خلف النتيجة المُرضية مهما تعددت العثرات وكثرت المحاولات. ثم بعد ذلك اعتناق مبدأ المناعة النفسية كدرع حصين للتصدي لأسوأ سيناريوهات الحياة المتوقعة مع الاحتفاظ بكم قليل من مشاعر الحزن والندم الفعّالة التي تبقي الإنسان متصلا مع إنسانيته.
وتضيف الغيثية: حتى يصبح الفرد قادرا على الإلمام الوافي لنهج التعامل مع الضغوط، لا بد أن يكون مقياس الحكم على ارتقائك النفسي هو (أنت) في الماضي و(أنت) في الحاضر بعد السعي؛ فلا مجال للأحكام الشخصية من الأيدي غير المختصة ولا وجود لباب المقارنات مع حالات الأفراد الأقرب لوضعك، فلكل منا حالة فريدة لا تشبه الأخرى، وإن معيار التفاضل بيننا هو السعي الدؤوب.
وتابعت في حديثها: نحنُ -كمختصين- نجاهد للوصول لأكبر عيّنة مستهدفة ممكنة من الأفراد المحتاجين للخدمة، ولا بد من تآزر المجتمع مع المختصين في المجال وهو ما نطمح إليه لتثمير ثقافة الصحة النفسية، وقد نرى توافد جهود الشباب بتنظيم الحلقات التعليمية، وتهيئة الأجواء المناسبة للعمل، وتشكيل فرق معنية بالصحة النفسية، وهو ما يملي علينا -نحن المختصين- بمسؤولية وأهمية تلبية الدعوة لهم بصدر رحب.
كما أن استغلال الفرد لخدمة الإرشاد النفسي في المؤسسات من مدارس، كليات، شركات ومستشفيات يعول عليه تكامل الإيجابية بين المختص والمجتمع الذي نطمح إليه، ولا يقل دورنا في مواقع التواصل الاجتماعي أهمية عما نقوم به في أرض الواقع، فهي وسيلة توجيه نفسي غير مباشر يستمدها المشاهد من فيديو توعوي، وخطة نمائية، وصورة تعليمية مقصودة أو من الجانب الآخر، نشر الأبحاث ومقالات أو بث عبارات وعي ذاتي غير مقصوده، كل ذلك من أجل الوصول لمعدل استفادة لجميع الفئات المهتمة وغير المهتمة بأخذ المحتوى المطروح.
وحول أهم الأساليب والعادات الإيجابية التي يمكن للشخص اكتسابها لتحسين صحته النفسية، أوضحت:عندما تتأمل حياتك بالمجمل، ستجد أحد الأساليب الصحية التي تمارسها من أجل سلامك النفسي على وجه الخصوص والبعض الآخر على وجه العموم؛ فهذه هي الفطرة السوية التي خلق الله بها الإنسان، وما عداها مُكتسب إما بالوراثة أو البيئة، وهو ما يعني أن القالب الذي خُلقت به مُهيأ لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العادات الإيجابية الواعية، والتي لا تحتاج لعمل مؤرق حتى تقوم بها، بداية من تمرين الامتنان الصباحي الذي تقوم فيه بإحصاء النعم التي تحفك يوميا وأنت موصد النظر عنها، انتقالا إلى المشي التأملي الذي تقوم فيه بمواعدة نفسك على نزهة وشاي تتقاسم أطراف الحديث مع الشجر، تلاطف الأرض التي خُلقت عليها، تُسلّم على المارة، وتبقي حواسك الخمس على اتصال مع العالم وكأن ما تقوم به هو أعظم انتصاراتك، مضيا إلى استقبالك الفتان لكل الإطراءات والمجاملات التي تحصل عليها من الغير ومثابرتك على تذكير الآخرين بمواطن جمالهم وقوتهم بصوت عال. ولا نصرف الفكر عن تدوينك بين الحين والآخر لمشاعرك، أفكارك وسلوكك، وحرصك على مراقبة نفسك، فإن اختصار رحلة الشفاء مع الذات هو "اعرف نفسك". وأخيرا لا تخجل من مقابلة مختص للوصاية لغاية الاستبصار وسبر الأغوار بطريقة احترافية تضمن لك أمانك النفسي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من الأمراض النفسیة القلق والاکتئاب بالصحة النفسیة الصحة النفسیة أکثر قدرة على التعامل مع العدید من کما أن
إقرأ أيضاً:
مختصون: حماية الأحداث مسؤولية مشتركة .. والعقوبات البديلة ضرورة للإصلاح
تُعد ظاهرة جنوح الأحداث من أبرز القضايا الاجتماعية والأمنية التي تتطلب تضافر الجهود بين مختلف الجهات ذات الصلة لضمان حماية المجتمع من الجرائم، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم اللازم لضمان إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.
"عمان" استطلعت آراء عدد من المختصين في المجالين القانوني والأسري، حيث أكد المحامي المستشار إبراهيم بن سليمان البلوشي على أهمية التشريعات القانونية في حماية الأحداث من الوقوع في الجريمة باعتبارها تمثل إطارًا قانونيًا يهدف إلى حماية الأطفال والأحداث في سلطنة عمان، إلا إنها لا تقتصر عليها فحسب، بل تشمل جهودًا مشتركة ومستمرة من المؤسسات الحكومية والمجتمعية التي تعمل من خلال برامج توعية وتأهيلية تهدف إلى منع الأحداث من الوقوع في براثن الجريمة وتعزيز سلوكياتهم الإيجابية في المجتمع وتسهم في ضمان بيئة آمنة تسهم في بناء جيل قادر على الاندماج بشكل فعال في المجتمع، بعيدًا عن سلوكيات الانحراف والجنوح.
ويشير البلوشي إلى أهمية التعاون في مجال الوقاية والتوعية من خلال برامج توعية أسرية وتربوية تُنظم بالشراكة بين الجهات الأمنية والمؤسسات الاجتماعية والمدارس. تهدف إلى توعية الأسر بأهمية التربية السليمة ومتابعة الأبناء بشكل مستمر، مع التركيز على تعزيز دور المجتمع في الوقاية من الجنوح قبل حدوثه.
وأوضح أن التوعية المجتمعية والإعلامية تلعب دورًا محوريًا في نشر الوعي حول مخاطر الجنوح وأسبابه، من خلال حملات إعلامية تهدف إلى تسليط الضوء على سبل الوقاية منه.
التأهيل والإصلاح
وأضاف أن التعاون في مجال العلاج وإعادة التأهيل يشكل ركيزة أساسية للحد من الجنوح، حيث يتم تنفيذ برامج تأهيلية شاملة تقدم خدمات تعليمية ومهنية تهدف إلى مساعدة هؤلاء الأحداث على اكتساب المهارات اللازمة التي تسهل اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم. كما لفت إلى أهمية التعاون مع الجهات المعنية لتوفير فرص تدريب مهني للأحداث داخل دور الرعاية أو الإصلاحيات، ودعمهم للحصول على فرص عمل بعد خروجهم، إضافة إلى برامج إعادة الإدماج المجتمعي التي توفر الدعم المستمر والمراقبة بعد الإفراج عنهم لضمان عدم عودتهم إلى الجريمة.
وأكد على ضرورة تعزيز البدائل غيرالعقابية مثل التدابير التأهيلية والعلاجية بدلًا من الاحتجاز في الحالات التي لا تتطلب ذلك
ضمان حقوق الحدث الجانح خلال مراحل التحقيق والمحاكمة بما يتماشى مع القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، والتعاون لإجراء دراسات ميدانية وتحليل أسباب الجنوح واتجاهاته، مما يسهم في وضع استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذه الظاهرة.
ويرى البلوشي أن العقوبات يجب أن تكون قائمة على مبدأ الإصلاح وإعادة التأهيل بدلاً من العقاب وأن الأحداث الجانحين يُعتبرون في مرحلة تكوين نفسي واجتماعي، مما يتطلب معاملة خاصة تختلف عن معاملة البالغين، وأن تشمل العقوبات الإصلاحية مراقبة الحدث تحت إشراف قضائي لضمان تقويم سلوكه، بالإضافة إلى الإيداع في مؤسسات إصلاحية متخصصة لتعليمهم مهارات حياتية وإعادة تأهيلهم، مبينا أن الخدمة الاجتماعية تعد من أهم التدابير، حيث يُطلب من الحدث أداء أعمال تطوعية للمجتمع، مما يساعد على تنمية إحساسه بالمسؤولية ويعزز اندماجه في المجتمع بعد تأهيله.
التحديات والحماية القانونية
فيما يتعلق بمدى كفاية العقوبات الحالية لردع الأحداث الجانحين، يوضح أن الإجابة تتطلب النظر إلى مجموعة من العوامل المؤثرة. أولها هو ارتفاع معدلات الجرائم بين الأحداث، حيث تشير بعض التقارير إلى تصاعد نسب ارتكاب الجرائم بين القُصّر، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت العقوبات الحالية رادعة بما فيه الكفاية. كما أن العديد من مراكز الإصلاح تفتقر إلى برامج إعادة تأهيل فعّالة تركز على تعديل سلوك الحدث وتوجيهه نحو حياة مستقرة بعد خروجه من المؤسسات العقابية.
وأشار البلوشي إلى أن العقوبات وحدها لا تكفي إذا لم يتم التعامل مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع الأحداث إلى الجنوح، مثل الفقر، والتفكك الأسري، كما أن غياب المتابعات بعد الإفراج عن الأحداث يمثل ثغرة كبيرة، حيث يفتقر الكثير منهم إلى الدعم المطلوب، مما يعرضهم للعودة إلى السلوك الإجرامي بسبب البيئة التي يعودون إليها.
أوضح البلوشي أن الحماية تبدأ بمراعاة سن المسؤولية الجنائية، حيث تحدد معظم القوانين سنًا معينًا يُعتبر بعدها الحدث مسؤولًا جنائيًا. وبالنسبة لأولئك الذين لم يتجاوزوا هذا السن، يتم تبني بدائل إصلاحية بعيدًا عن العقوبات السالبة للحرية. كما يشدد القانون على ضرورة الحد من التوقيف، حيث يُسمح به فقط في أضيق الحدود ولفترة محدودة تحت إشراف جهة قضائية مختصة.
ومن بين الضمانات الأساسية التي تضمن حقوق الحدث، أوضح البلوشي أن القانون يفرض إخطار ولي الأمر فور توقيف الحدث لضمان دعمه الأسري والقانوني في هذه المرحلة، فضلاً عن ضرورة توفير محام للدفاع عن الحدث أثناء التحقيق والمحاكمة. وأشار إلى أن سرية المحاكمات تعد من الضمانات الهامة، حيث تتم محاكمة الأحداث في جلسات مغلقة لحفظ خصوصيتهم وعدم تعريضهم للوصم الاجتماعي، وأن محاكم الأحداث عادة تتبنى عادة نهجًا إصلاحيًا يركز على إعادة تأهيل الحدث بدلاً من اللجوء إلى العقوبات الجنائية القاسية.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي تضمن عدم تعرض الحدث الجانح للاستغلال أو سوء المعاملة، أكد البلوشي أن القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية تفرض مجموعة من الضمانات لحماية الأحداث أثناء فترات التوقيف أو التحقيق أو العقوبة. من أبرز هذه الضمانات، الفصل بين الأحداث والبالغين في أماكن التوقيف، مما يحد من تعرضهم لمخاطر العنف أو التأثير السلبي من المجرمين البالغين.
وأضاف البلوشي أن من الجهود المهمة التي يجب أن تُبذل هو العمل على تحسين أوضاع مراكز الرعاية والتأهيل للأحداث الجانحين، حيث يجب أن توفر بيئة آمنة وداعمة تسهم في إعادة دمجهم في المجتمع. ولفت إلى أن حملات تدريبية تستهدف العاملين في مجال عدالة الأحداث، بما في ذلك القضاة، والشرطة، والأخصائيين الاجتماعيين، تعد ضرورية لضمان تعاملهم مع الأحداث وفقًا للمعايير الحقوقية، مما يساعد على تحقيق التوازن بين الردع والإصلاح بشكل يتماشى مع حقوق الإنسان.
أساليب التربية
وتؤكد المحامية فاطمة بنت خميس المقبالية أن الجنوح هو سلوك عدواني يظهر في مرحلة المراهقة، ويعكس تصرفات تدل على سوء الخلق والفوضى والاستهتار، وهو ما قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم. وأوضحت أن هذا السلوك يمكن أن يكون نتيجة لعدة عوامل تؤدي إلى انحراف الأحداث، أبرزها العوامل النفسية مثل الحرمان المبكر أو الصراعات الأسرية والاجتماعية، التي تخلق مشاعر القلق والتوتر، ما يدفع المراهقين إلى سلوكيات غير سوية. كما أن العوامل الاقتصادية تلعب دورًا كبيرًا، حيث قد يدفع الفقر أو الحرمان المراهقين إلى البحث عن طرق غير قانونية لتلبية احتياجاتهم، خاصة في ظل غياب التواصل الإيجابي بين الوالدين والطفل.
وأضافت المقبالية أن العوامل الاجتماعية، مثل الخلافات الأسرية المستمرة والتوتر بين أفراد العائلة وغياب الاحترام بين الأبوين، تسهم بشكل مباشر في انحراف الأحداث، مشيرة إلى أن الطلاق أو الحرمان من أحد الأبوين يترك أثرًا نفسيًا عميقًا، كما أن العنف الأسري أو التدليل المفرط وصرف الأموال بلا ضوابط كلها سلوكيات تخلق بيئة غير صحية، مما يدفع المراهق نحو الجنوح.
وفيما يخص الحلول المقترحة، ترى المقبالية أن الأطفال في هذه المرحلة العمرية بحاجة إلى رعاية وتوجيه مستمرين، لا سيما فيما يتعلق باختيار الأصدقاء والتعامل مع المجتمع،كما ينبغي تنويع أساليب التربية، وتذكير الأسرة بدورها الأساسي في غرس القيم الأخلاقية من خلال الحوار والتفاهم المتبادل بين الآباء والأبناء، مشيرة إلى أن التربية السليمة هي مسؤولية مشتركة بين الأب والأم، داعية إلى أهمية تجنب مناقشة المشكلات الأسرية أمام الأطفال، خصوصًا تلك التي تتجاوز قدراتهم الإدراكية، كما دعت إلى ضرورة أن يلعب المجتمع دوره في مكافحة هذه الظاهرة، بدءًا من المؤسسات التعليمية التي ينبغي أن تخلق بيئة دمج حقيقية للأطفال، والعمل على رصد أي اضطرابات سلوكية في مراحل مبكرة، كما على الإعلام أن يراعي عند تقديم محتواه الابتعاد عن القصص التي تروج للعنف أو تقلل من هيبة القانون، مع التركيز على تقديم برامج ترفيهية وتثقيفية هادفة تراعي احتياجات المراهقين النفسية والفكرية. وأكدت المحامية على أهمية تعزيز دور الأسرة في حماية الأطفال من العنف وسوء المعاملة، مع نشر الوعي بين الآباء حول المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد يواجهها المراهقون. وأشارت إلى أن الأنشطة التثقيفية والترفيهية التي تلبي احتياجات الشباب تخلق بيئة صحية تساعدهم على ملء أوقات فراغهم بشكل إيجابي، فمن الضروري منح الأطفال والمراهقين الفرصة للتعبير عن آرائهم ومشاعرهم، وتنمية الوعي الديني والقيمي لديهم، مع الحرص على تجنيبهم آثار الخلافات العائلية.
دور الأسرة
من جانبها، أكدت نادية بنت راشد المكتومية الرئيسة التنفيذية لمركز نادية المكتومية للإرشاد النفسي والاستشارات الأسرية، أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء شخصية الأبناء وتوجيههم نحو السلوك السليم، خاصة في مرحلة المراهقة التي تشهد تغيرات نفسية وسلوكية عديدة. وأوضحت أن البيئة الأسرية المتوازنة، التي تجمع بين الرقابة الوالدية والاستقلالية، تعد العامل الرئيسي في حماية الأبناء من الانحراف، حيث تعزز فيهم قيم الرقابة الذاتية والتواصل الفعّال.
وبيّنت المكتومية أن العلاقة الأسرية المبنية على الحب والاحترام والتفاهم تقلل من احتمالية انحراف الأبناء، بينما التفكك الأسري أو الإهمال العاطفي قد يدفع الأبناء للبحث عن انتماءات أخرى غير آمنة. وأضافت أن توفير بيئة أسرية مستقرة وداعمة يساعد الأبناء في بناء شخصية قوية ومتزنة، قادرة على اتخاذ قرارات صائبة وتحمل المسؤولية.
أساليب التربية
أكدت المكتومية أن أساليب التربية المتطرفة، سواء من خلال المراقبة الصارمة أو منح الحرية المطلقة، قد تؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. فالرقابة المشددة قد تدفع الأبناء إلى البحث عن الحرية بطرق غير صحيحة، في حين أن الإهمال قد يخلق لديهم شعورًا بعدم الاهتمام، مما يجعلهم أكثر عرضة للتأثر بأقران السوء أو الانخراط في سلوكيات غير سليمة. وأشارت إلى أن الحل الأمثل يكمن في تحقيق التوازن بين الرقابة والاستقلالية، بحيث يُتاح للأبناء مساحة لاتخاذ قراراتهم الخاصة، مع وجود إرشاد غير مباشر من الوالدين يساعدهم على التمييز بين الصواب والخطأ.
ولفتت المكتومية إلى أن غرس الرقابة الذاتية في الأبناء منذ الصغر يُعد من أهم القيم لحمايتهم من الانحراف، بحيث يكون لديهم وعي داخلي يوجه سلوكهم، بدلاً من أن يكونوا مدفوعين بالخوف من العقاب. وأضافت أن هذا التوجه يتطلب تعزيز القيم الدينية والأخلاقية في الحياة اليومية للأبناء، وتعليمهم تحمل المسؤولية عن أفعالهم وقراراتهم، إلى جانب تقديم القدوة الحسنة من قبل الوالدين في السلوك والتصرفات.
وأكدت المكتومية أن الحوار الأسري المفتوح والودي يعد من العوامل الرئيسية لحماية الأبناء من الانحراف، حيث يتيح لهم فرصة التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بحرية، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم ويجعلهم أقل عرضة للبحث عن مصادر أخرى قد تكون مضللة. وأوضحت أن هذا النوع من الحوار يساعد في تقوية العلاقة بين الآباء والأبناء وتعزيز الشعور بالانتماء، كما يسهم في فهم احتياجات الأبناء وتوجيههم بطريقة إيجابية، ويحصنهم ضد التأثيرات السلبية من الأقران أو وسائل الإعلام.
الوعي الرقمي
وتطرقت نادية بنت راشد المكتومية إلى تأثير التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي على سلوكيات المراهقين، حيث أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية. وأوضحت أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن التعرض المستمر للمحتوى العنيف وغير الملائم قد يترك آثارًا سلبية على تفكير وسلوكيات المراهقين. على سبيل المثال، تسهم الألعاب الإلكترونية العنيفة، ومقاطع الفيديو التي تروج للتنمر، والمحتوى غير الأخلاقي في تعزيز السلوكيات العدوانية وتقليل التعاطف مع الآخرين. كما قد يدفع المراهقين إلى تقليد التصرفات السلبية التي يشاهدونها عبر الإنترنت.
وأشارت المكتومية إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة مفتوحة لنشر محتوى غير ملائم قد يؤثر بشكل كبير على القيم والمعتقدات لدى المراهقين. في هذا السياق، يصبح هؤلاء المراهقون أكثر عرضة لتبني أفكار وسلوكيات غير سليمة، بما في ذلك المشاركة في التحديات الرقمية الخطيرة التي قد تقودهم إلى خوض تجارب محفوفة بالمخاطر بهدف تحقيق شعبية زائفة أو الحصول على إعجابات وتعليقات.
وأكدت المكتومية أن الوعي الرقمي أصبح من أهم الوسائل لحماية المراهقين من التأثيرات السلبية للتكنولوجيا فلم يعد كافيا الاعتماد فقط على الرقابة الأبوية، بل يجب تعليم الأبناء كيفية التفاعل مع المحتوى الرقمي بشكل واعٍ ومسؤول. وتُعتبر التربية الرقمية جزءًا أساسيًا من عملية التنشئة الاجتماعية، حيث يتم تعليم المراهقين كيفية التمييز بين المحتوى المفيد والضار، وتعزيز التفكير النقدي لديهم ليتمكنوا من التعامل بحذر مع الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة المنتشرة على الإنترنت.
كما تناولت أهمية إشراك المراهقين الذين تورطوا في العنف الإلكتروني أو التنمر الرقمي في حملات توعوية حول مخاطر الإنترنت، أو تمكينهم من العمل في مؤسسات تقدم الدعم النفسي لضحايا العنف الرقمي. بهذه الطريقة، يُمكن للمراهقين أن يدركوا عواقب أفعالهم ويقوموا بتصحيح سلوكهم بطريقة أكثر استدامة مقارنة بالعقوبات التقليدية.
وأشارت إلى أهمية فتح قنوات التواصل بين الأهل والأبناء لمساعدتهم في التوجيه الصحيح لاستخدام التكنولوجيا. كما يجب وضع ضوابط واضحة ومتوازنة للحد من الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وتعزيز فكرة استخدام الإنترنت بطريقة إيجابية.
أكدت المكتومية على إعادة النظر في طرق معالجة الانحرافات السلوكية، حيث إن العقوبات التقليدية مثل السجن أو الغرامات قد لا تكون الحل الأمثل، بل قد تزيد من عزلة المراهق عن المجتمع وتؤثر سلبًا على مستقبله فالحلول البديلة مثل الخدمة المجتمعية أو برامج التأهيل أصبحت أكثر فاعلية في تحقيق إصلاح حقيقي للمراهقين المخالفين.