#سواليف

عندما يأتي اسم ” #الترامادول” أو ” #الكبتاغون” أمام كثير من الناس فإنهم ينظرون إليها كمواد مخدرة ذات تأثير سلبي على كل من يتناولها، هذا أمر صحيح ومفهوم، لكن هذه العقاقير ورغم وجود استخدامات طبية شائعة لها فإن استخدامها بين الناس تجاوز هذه الاستخدامات، بل وصل الحد إلى تورّط #حكومات وجهات رسمية في تصنيعها أو توزيعها أو حتى تسهيل تداولها.


الترامادول والكبتاغون

الترامادول هو مسكِّن للألم، يعمل على مستوى الجهاز العصبي المركزي، يُستخدم الترامادول طبياً لعلاج الألم المتوسط ​​إلى الشديد، خصوصاً بعد #الكسور الكبيرة والعمليات الجراحية الشديدة و #مرضى_السرطان.

ينتمي الترامادول إلى فئة من العقاقير تسمى #مسكنات الألم الأفيونية، وبالتالي فهو يعمل على المخ، وتحديداً على مستقبلات معينة، تعطي تأثيراً مشابهاً لتأثير المورفين، ما يغير من الطريقة التي يشعر بها الجسم ويستجيب بها تجاه الألم.

مقالات ذات صلة قرارات مجلس الوزراء 2023/10/04

ولأن الترامادول مشابه لتأثير المورفين فهو يعطي أيضاً بعضاً من الآثار الجانبية للمورفين، أبرزها الإدمان، كما يسبب الشعور بالنشوة والسعادة، لذلك يستخدمه مدمنو المخدرات.

في المقابل، الكبتاغون هو الاسم التجاري الشائع لمادة فينيثايلين، وهو عبارة عن عقار ناجم عن دمج عقاري الأمفيتامين والثيوفيللين. ولأنه مشتق من مشتقات الأمفيتامين، فإن الكبتاغون يستخدم كمادة منشطة للجهاز العصبي المركزي (بينما الترامادول مسكن له)، مسبباً شعوراً باليقظة والطاقة والحيوية، ويزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم، كما يسبب الإدمان.

يُذكر أن الترامادول يُسمح بتداوله في عديد من الدول، لكن بوصفة طبية، بينما تمنع أغلب الدول تداول الكبتاغون.
سوريا.. معقل تصنيع الكبتاغون

أنتج الكبتاغون لأول مرة في ألمانيا في ستينيات القرن الماضي، للمساعدة في علاج اضطرابات نقص الانتباه وحالات مرضية أخرى، ثم حظرت منظمة الصحة العالمية إنتاجه وتداوله عام 1986، كونه يسبب الإدمان. لكن استمر إنتاج الكبتاغون بشكل غير قانوني في شرق أوروبا، ثم في المنطقة العربية لاحقاً، وأصبح ذائع الصيت في الصراع السوري الذي اندلع في أعقاب احتجاجات مناهضة للحكومة في 2011.

عُرف هذا العقار في تلك الفترة باسم “مخدر الجهاد” أو “كوكايين الفقراء”، خاصة أنه يتميّز بالقدرة على مقاومة النوم والجوع، لذلك استُخدم الكبتاغون من قبل المقاتلين، بمن فيهم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حتى لا يغلبهم النعاس في صفوف القتال الأمامية.

في تحقيق مشترك أجراه قسم التحقيقات في “بي بي سي عربي”، وشبكة الصحافة الاستقصائية “OCCRP”، تم الكشف عن وجود صلات مباشرة بين تجارة مخدر الكبتاغون وبين شخصيات قيادية في القوات المسلحة السورية وعائلة الرئيس السوري بشار الأسد.
تجارة الكبتاغون في سوريا، تعبيرية/ عربي بوست

وتحدث التحقيق عن حاجة الدولة السورية لهذه التجارة سيئة السمعة من أجل البقاء، لأن حجم إيرادات الحكومة السورية أقل كثيراً من ميزانية الدولة، وبالتالي إذا توقفت عائدات الكبتاغون يصعب على نظام بشار الأسد البقاء، إذ يدر عليه عدة مليارات من الدولارات في العام.

وتقول مصادر إن الكبتاغون ينتج في مصانع صغيرة على طول الحدود السورية اللبنانية، وكذلك في مصانع أكبر حجماً بالقرب من الحدود السورية مع الأردن، وتشير التقديرات إلى أن سوريا تنتج قرابة 90% من إجمالي الكبتاغون في العالم.

وتمثل هذه التجارة صداعاً قوياً لكثير من الدول المحيطة، لأنه يتم تهريب الكبتاغون إلى دول عديدة مثل السعودية والأردن، بل وصل إلى دول أفريقية وأوروبية أيضاً.

من هنا أصبح الكبتاغون أقوى أدوات نظام الأسد، ليست ورقة اللاجئين ولا موقع سوريا الاستراتيجي أو تحالفه مع روسيا وإيران، بل هذا المخدر الذي لا تستطيع الأجهزة العربية والعالمية وقف انتشاره.

وصار مخدرٌ الكبتاغون الذي يُسبب الإدمان بمثابة شريان حياة للاقتصاد السوري طوال عقدٍ من العزلة، ثم تحوّل اليوم إلى ورقةٍ للمساومة في يد النظام السوري -بالتزامن مع محاولته تطبيع علاقاته مع الدول المجاورة، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
مصر.. واحد من كل عشرة

تشير إحصائية لصندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي في مصر عام 2017، أن نسبة تعاطي المخدرات بين المصريين وصلت إلى 10%، أي ما يزيد عن عشرة ملايين مصري. ويعد الترامادول أكثر أنواع المخدرات المصنّعة انتشاراً بين المدمنين في مصر بنسبة 28.71%، ثم يليه الحشيش بنسبة 23.21%، ثم الهيروين بنسبة 15.78%.

انتشرت في مصر بعض الاتهامات من محسوبين على النظام المصري ضد ثوار ثورة 25 يناير، بأنهم كانوا يتعاطون الترامادول في ميدان التحرير وقت الثورة. هذا الاتهام كان يحمل إشارة إلى كون هؤلاء الشباب مجرمين وبلطجية وليسوا ثواراً حقيقيين، لكن في الحقيقة ظلّ الاتهام مرسلاً دون دليل.

على الجانب الآخر، ربما يكون بعض من هؤلاء الشباب قد استخدم الترامادول بالفعل، لكن ليس لغرض الشعور بالانتشاء، ولكن للمساعدة على الانتباه واليقظة والسهر لساعات طويلة، في وقت كانت تحدث فيه كثير من الاشتباكات. لكن أيضاً كانت هذه أقاويل دون دليل ملموس.
السيسي
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – رويترز

الاستغلالات السياسية للترامادول لم تتوقف على هذا الحد في مصر، فقد صرَّح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقول إن مصر يمكن أن تشهد اضطرابات وفوضى تستمر لأسابيع من خلال حشد 100 ألف شخص لديهم ظروف صعبة جداً “مقابل حصولهم على أموال وترامادول”، وذلك قبل شهرين من الانتخابات الرئاسية، وهو ما حلله البعض بأنه تلميح لما يمكن أن تفعله بعض الجهات المعارضة دون أن يسميها.

يُذكر أنه ينتشر بين المصريين فكرة تناول أقراص الترامادول بين فئة “البلطجية”، خصوصاً قبل دخول الشجارات، كونه يساعدهم على تحمل الألم.
رشاوى انتخابية

مع انتشار استخدام الترامادول في مصر، رصدت بعض الجهات الحزبية استخداماً آخر للترامادول. في أكتوبر/تشرين الأول 2015، رصدت غرفة عمليات الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وجود رشاوى انتخابية في الانتخابات البرلمانية، تتمثل في شراء الأصوات باستخدام أشرطة عقار الترامادول، طبقاً لما نقلته بعض وسائل الإعلام.
العمال في الخليج

رغم أن الحديث عن الكبتاغون في الخليج (السوق الأساسي لترويجه) يتم باعتباره مخدراً للحفلات، ولكن انتشاره يمتد إلى أبعد من ذلك، بل أبعد من الأثرياء الذين يتناولونه لمجرد المرح والترفيه، إذ يتناول الكبتاغون عمال ومهاجرون أيضاً، كونه رخيص الثمن، ويمكن تعاطيه بشكل سري لصغر حجمه.

رصد تقرير لموقع euronews نماذج لعمال يعملون في الخليج، والذين يتناولون الكبتاغون، وأحد السعوديين ينفق حوالي 40 دولاراً على تلك الحبوب، التي جعلته يعمل ليومين أو ثلاثة دون توقف، وهو ما ضاعف من أرباحه على حد قوله، في مجال قيادة سيارات الأجرة، مدفوعاً بالنشوة التي يشعر بها.

وذكر عامل مصري في قطاع البناء أن رئيسه في العمل كان يدس له تلك الحبوب في قهوته كي يعمل بنشاط أكثر، ولمدة أطول، وهو ما جعله في نهاية الأمر مدمناً، بحسب ما نقله التقرير.
ربات البيوت أيضاً

بحسب تقارير إعلامية تلجأ بعض ربات البيوت أيضاً إلى تناول الترامادول، للمساعدة على تحمل أعباء ومسؤوليات المنزل والحياة، وتوفير القوة اللازمة، غالباً ما يقع هؤلاء الأشخاص فريسة للترامادول بعد نصيحة من أحد الأصدقاء تخبرهم بأن تناول هذه العقار بكميات ضئيلة سيمنحك القوة اللازمة، ولن يسبب آثاراً جانبية مثل الإدمان.

لكن غالباً ما يفاجأ هؤلاء الأشخاص بأنهم وقعوا فريسة للإدمان، إذ إن الحصول على نفس القوة والنشاط بانتظام أصبح يستلزم رفع الجرعة تدريجياً، فيبدأ المدمن إدراك حقيقة أنه مدمن، ولكن بعد أن تتملك منه تلك السموم لتدمره.
تزايدت نسب الإدمان على المواد المخدرة في السنوات الأخيرة بشكل كبير عالمياً – iStock
سائقو الشاحنات

يقبل عادة على الكبتاغون والترامادول سائقو الشاحنات، الذين يسافرون لمسافات بعيدة ويريدون البقاء يقظين لساعات طويلة. فالكبتاغون له تأثير منشط ويزيد من حالة اليقظة والنشاط والانتباه، بينما الترامادول له أثر جانبي شهير يتمثل في إصابة متناوله بالأرق، لذلك يلجأ بعض سائقي الشاحنات في دول عربية لتناول هذه العقاقير رغم خطورتها.
إنقاص الوزن

من بين الاستخدامات غير الطبية الشائعة للعقاقير المخدرة استخدامها طلباً لإنقاص الوزن، إذ تمثل خسارة الوزن هاجساً كبيراً عند بعض الأشخاص، وخصوصاً الفتيات، ويسعى هؤلاء لخسارة الوزن بأي وكل طريقة ممكنة، حتى لو كانت لها تأثيرات سلبية واضحة وكبيرة.

يمكن أن يسبب الترامادول فقدان الوزن كأثر جانبي، خاصةً عند تناوله لفترات طويلة من الزمن، وذلك لأن الترامادول يمكن أن يقلل الشهية، كما يسبب إحساساً بالغثيان والقيء، ما قد يجعل الإنسان غير قادر على تناول الطعام. بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يتداخل الترامادول مع قدرة الجسم على تنظيم عملية التمثيل الغذائي.

الأمر نفسه يتكرر في الكبتاغون، إذ يعمل الكبتاغون على تحفيز الجهاز العصبي المركزي، ما يؤدي إلى زيادة النشاط البدني والشعور بالنشاط والحيوية، ما قد يؤدي إلى فقدان الشهية، كما يسبب فقدان الرغبة في تناول الطعام ويزيد من معدل الأيض والتمثيل الغذائي.
الطلبة والرياضيون

أحد الاستخدامات غير الطبية وغير الجيدة للعقاقير المخدرة هو الحاجة لاستذكار الدروس لساعات طويلة، وحصول الطلاب على ساعات إضافية من المذاكرة.

الكبتاغون والترامادول يسببان قلة النوم، وبالتالي يستطيع الطلبة مداومة المذاكرة لساعات إضافية بشكل جيد، خصوصاً في فترة الامتحانات.

أيضاً بعض الرياضيين يلجأون- للأسف- لاستخدام مثل هذه العقاقير المخدرة، خصوصاً أولئك الذين يحتاجون للتدريب لساعات طويلة. الترامادول يمنحهم ذلك التسكين للألم، ما يجعلهم يتحملون التدريبات العنيفة لوقت طويل، والكبتاغون يمنحهم مزيداً من النشاط واليقظة والانتباه.
المشكلات الجنسية

من بين أسباب شهرة وانتشار عقار الترامادول في مصر سمعته كمنشط جنسي، في الواقع لا يمثل الترامادول حلاً لمشكلة الانتصاب التي يعاني منها البعض، لكنه يمثل حلاً جيداً ومجرباً لمشكلة سرعة القذف، فهو يعالج المشكلة الشهيرة المعروفة بسرعة القذف، وهذا ما أثبتته بعض الدراسات بالفعل.

ونتيجة لانتشار هذه المشكلة بين المتزوجين في مصر، خصوصاً مع ضغوط الحياة اليومية والأزمة الاقتصادية، تظهر مشكلة سرعة القذف هذه كثيراً، حتى بين الشباب المتزوجين حديثاً.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: سواليف الترامادول الكبتاغون حكومات الكسور مرضى السرطان مسكنات الترامادول ی لساعات طویلة کما یسبب یمکن أن

إقرأ أيضاً:

الخرطوم وهاء السكت

(علق أحدهم على فيديو لشارع مطوي في هاء سكته في حي الصافية بأن "في الصمت كلاماً". فلم تُصَب الخرطوم بهاء السكت جزافاً. وهو كلام غير رحيم عن فرض تصالحها مع أنها طرف أصيل في الكارثة التي دمدمت عليها).

تتزاحم الفيديوهات على الوسائط عن مدينة الخرطوم بعد جلاء قوات "الدعم السريع" عنها، فكثيراً ما طاف أحدهم بكاميرا هاتفه في شارع من أحيائها، والراقية خصوصاً في الرياض والطائف والمعمورة، وقد خلا من كل حركة حتى إنك لا تسمع سوى خشخشة حذائه على الأرض وموسيقى جنائزية النشيج في الخلفية. وترى مدينة في حال "هاء السكت".
وعلى أن "هاء السكت" مصطلح نحوي عربي إلا أنه ذاع منذ عقود عن الكاتب السوداني بشرى الفاضل الذي قال إنه مرض يصيب الشخص بحيرة لا قبل له بها فيلزم الصمت. وأنشبت "هاء السكت" أظافرها في المدينة. فخضرة أشجارها بلهاء التوهج لأنه لا عين تخضل برؤيتها. وأبواب دورها سدى لأن البيت الذي تحرسه مستباح من حيطانه الأربعة وحتى سقفه. ولافتات محال بقالاتها وصيدلياتها وكوافيرها عبثية حيث هي لأن لا بيع ولا شراء فيها.
ونبت العشر في غفلة من الزمن، وتدلت جرائد النخل اليابسة شعثاء غبراء فأنا يستجاب لها. والسيارات عند الدور فاغر كبوتها، ظالع عند بعض إطارتها، لم يبقَ النهاش منها إلا الاسم. ولم تبقَ لشارات المرور سوى التأرجح العقيم. بعبارة، حال المدينة هي ما وصف به الشاعر الوزير محمد أحمد محجوب السودان بعد وفاة السيد عبدالرحمن المهدي (1959)، فقال
"وصوح الورد فيها بعد نضرته والماء جف بها واحطوطب العشب".
صار العادي في مجرى الحياة حدثاً بعد سنتين من العيش إكراهاً في براثن الحرب. وتعاظم بالنتيجة الاحتفال بالعادي. فتجد فيديو التقط صاحبه نداء كموسنجية موقف حافلات للركاب "لفة لفة لفة. الكلاكلة (حي في جنوب الخرطوم) اللفة اللفة اللفة". كان هذا نداء للركاب في يومه، لكنه صار بشارة في يومنا بعد السكت. وأطلق آخر العنان لكاميرا هاتفه في شارع بحي الشجرة بالخرطوم يصور كل ما يعثر به كإنجاز، أولاد وبنات في طريقهم إلى المدرسة، وجلسة جيران عند شجرة، ودكان فاتح أبوابه للبيع، وبائع جالس على الأرض عند أكوام طماطم، وبائع طعمية. الشيء نفسه. رقشة على زجاجها صورة الفنان محمود عبدالعزيز (الحوت) نجم الغناء في أوساط الشباب. وسبيل مياه مبلل العروق ووالد يحمل بستلة وولده كأنهما عائدان من دكان، وباب بيت عند شجرة، ثم باب بيت بعد باب بيت بعد باب بيت مختلفة الألوان، وشجرة ظليلة. وخلاص.
وصارت حماية البيوت والممتلكات ساحة لمبادرات متطوعين من غمار الشباب وغير متطوعين. فخشوا عليها من اللصوص العاديين، الشفشافة، حتى بعد خروج "الدعم السريع" من أحياء الخرطوم. فيظهر فتى ملتحٍ بسبحة حول عنقه متنقلاً بين سيارة وأخرى في مجمع منها. قال "ما زلنا مواصلين في شغلنا الإيجابي". وقف عند سيارة وسأل صاحبه. "دي فستو صاح؟". قال صاحبه "نعم. فستو"، فقال "بابها فاتح"، وقال صاحبه "ما عليها ديباجة"، وقال "وبلا رقم" وطلب من أصحاب السيارات المتروكة التواصل معه باسمه مدين ياسر على صفحته. وزاد أنهم إن تأخروا فقد لا يجدونها يوم يأتون في توقيتهم هم.
وذهب من ثم إلى سيارة صفراء اللون، وسأل صاحبه "دي أوتوماتيك"، قال صاحبه "فستو بلا أرقام". ثم تحرك إلى عربة أخرى وصفها بـ"المضلعة"، قائلاً "والله المضلعة دي مال صاحبها مال حلال. تنتظر فقط صاحبها ليأتي ويسوقها من مكانها. وخاطب صاحبها "سيارتك تنتظرك. رقمها 82652". وتحرك نحو سيارة أخرى، قائلاً "دي عايزة بطارية ما عدا ذلك مكتملة". ثم إلى أخرى "هذه الأنصر. تبارك الله. الإطارات في محلها. جاهزة أيضاً. إذا تأخرت الدنيا ما مضمونة يا صاحبها". وجاء إلى سيارة أخرى "هذه أيضاً توسان 33645. ستحتاج إلى إطارات فقط. والله تبارك الله". وحاول فتح الباب ليقول بعد فشله "مؤمنة لم تفتح".
وتحرك إلى سيارة أخرى، "دي توسان أيضاً. كاملة تعال يا صاحبها وتسلمها". وليقف عند غيرها "دي شفر سبارك (شيفروليه) تحتاج إلى بطارية. موجودة بحال كويسة". ثم تحرك إلى أخرى "وهذه هيونداي مكتملة 99323. إطارات وتدور. مبروك. حاجات على خفيف والله. لا تتأخر تضيع حقك". ثم سأل عند وقوفه عند سيارة أخرى "ما هذه؟"، فقال صاحبه "آي تونتي (I20)"، فردّ "عاملة حادثة في الظاهر. التفاصيل في الفيديو".
ثم ظهر الشاب نفسه في فيديو صور عملية تقفيل أبواب البيوت. قال "زي ما اشتغلنا حملة تقفيل أبواب المنازل في حي الفيحاء بشرق النيل نواصل عملنا اليوم بحي المعمورة بطلب من بعض الأسر، وقمنا باللازم. الاتصال بنا على صفحاتنا في ’فيسبوك‘ و’تيك توك‘. إذا ما رجعت بنفسك إلى بيتك فأسرع بإرسال أحد ليقعد في البيت. أصحاب البيوت يأتون لإقفال بيوتهم. ونحن بدأنا نقفل وتفاصيل شغلنا كما في الفيديو كما ترون. وإن شاء الله ربنا يتقبل". ووقف عند باب مغلق بطبل في نهاية سلسل وقال "هذا غير مفيد. لا يحفظ البيت من الحرامية عليه. نحن عاوزين نشتغل باللحام مثلما فعلنا في حي الفيحاء. يجزيكم الله خير. وربنا يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال".
وبدا من فيديوهات بعضهم أنها ترويج لاستتباب الأحوال وبمثابة دعوة للنازحين إلى العودة، فقال أحدهم خلال فيديو عن شارع الشرقي في الخرطوم وعند "محل الفادني الإجمالي" "دا الفادني في شارع الشرقي"، وتظهر أكوام بصل. وواصل قائلاً "دي محال الفادني جملة وقطاعي وعنده غاز". وتظهر أنابيب الغاز على الفيديو. وزاد "وعنده بصل". ويظهر محل البقالة كامل العدد والعدة والبضاعة تملأ كل رف بينما يقف الزبائن أمام البائع. وجاء الصوت "وعنده فول وطعمية عمنا محمد وناس أحمد فاتحين عندو بارد، وكيك السيسي، وعنده العندومي، عنده كل المواد الغذائية، بالبيبي فاين". وقال سيد الدكان له "قول ليهم الفراخ جاي". وواصل صاحب الفيديو "وعنده اللحوم والفراخ والبهارات موجودة عندهم الفادني للجملة والقطاعي شارع الشرقي في الطائف بعد صبرنا شغالين عندهم الغاز" (يظهر كوم أنابيب غاز).
ففي شارع نوباوتيا بحي جبرة بالخرطوم خرج أحدهم بفيديو مر به على جزء من السوق بالمحل ليعلن "الكافتيريا اشتغلت، الصيدلية اشتغلت، الموية جات". واحتفى آخر في حي الشجرة، الحامداب بفتح عبدالرحمن حمزة لمغلقه وسماه باسم الشهرة التي له منها اثنان، البرق وشنبر. وتجول آخر بالكاميرا في سوق الكلاكلة اللفة ليطوف بأكوام الطماطم والبصل والعجور. وظهر سوري من المقيمين في السودان على شارع الستين، قائلاً "سنبدأ تأهيل محالنا. فالخرطوم آمنة مطمئنة وسترجع أحسن من أول. قدام قدام". كما تجد من يروج لعودة الخدمات. فقال أحدهم إن "برنامج سقيا" في حي شمبات الأراضي بمدينة الخرطوم بحري حصل على لوحات للطاقة الشمسية من وقف ابن الحي سعد بابكر لتركيبها لتشغيل طلمبة المياه. وعرض آخر متوضأ ينصب الماء من حنفيته مدراراً منادياً إن الله أكبر. وعقبال الكهرباء.
وشمل رفع آثار احتلال "الدعم السريع" للعاصمة إرشاد الناس للحذر من مخلفات الحرب. فكان أمام الرجل الذي عرف نفسه بـ"الفدائي من حي كوبر" (حي بالخرطوم بحري) مرتبة موضوعة عليها مجموعة من الطلقات والدانات مختلفة الأحجام. قال "أهلنا ناس كوبر. الناس تكون واعية. امتنعوا عن حريق ما حولكم من أكوام النفايات والزبالة. لا تحرقونها. هذه الدانة دي وجدناها في منزل ونوصي الناس يا جماعة أي زول لقى ذخيرة أو أي دانة يبلغ. الطلقات الصغيرة ممكن لمها عادي أما الدانات فمن وجدها يتركها حيث وجدها ويأتي إلى أحمد (إلى جانبه). والدانة التي أحملها هذه فيها انفصالان لا يزالان. لم تنفجر. بلغ. وأهم شيء لا تحرق النفايات لأنها قد تحوي دانات".
كما اعتنى الناس بالإصحاح البيئي. فعرض أحدهم لكراكات تعمل في نظافة سوق خضراوات مدينة بحري الرئيس. فكنست الأنقاض والنفايات إلى جانب، بينما شرع متطوعون في نظافة مساطب البيع وتطهيرها. وبقيت، في قول صاحب الفيديو، مساطب البطيخ والبصل. ورحب بهذا الإنجاز لإقناع الناس بالعودة، وقال إن مثل هذا الإصحاح للبيئة جهاد في حد ذاته لأن "الدعم السريع" وأنصارها يروجون لغير هذا.
كما قامت حملة في حي الكلاكلة القلعة بمحلية جبل أولياء لمكافحة نواقل الأمراض وصحة وسلامة المياه بدعم كويتي وفريق صحي من ولاية النيل الأبيض. وبعض هذه الخدمات في الأحياء قدمها خيرون من أهل الأحياء نفسها ومتطوعون من أهلها.
علق أحدهم على فيديو لشارع مطوي في هاء سكته في حي الصافية بأن "في الصمت كلاماً". فلم تُصَب الخرطوم بهاء السكت جزافاً. وهو كلام غير رحيم عن فرض تصالحها مع أنها طرف أصيل في الكارثة التي دمدمت عليها.
وهي هذا الطرف بوجهين. فظلمت الخلق بإفراغها الدولة، وعلى عهد دولة الإنقاذ بصورة صميمة، فتقطعت سبلها بأهلها غير آصرة العنف، فصارت شبحاً مروعاً من وراء تطاول بنيانها وواجهاتها الأنيقة. أما الوجه الآخر، وهو الأنكر، فأنها روعت معارضتها وسدت الدروب في وجهها فلم تعُد لها، وهي حاضنة "الوجود المغاير" في قول نبيه للشاعر التيجاني يوسف بشير (1912-1937)، سوى إذاعة تلك المظالم في الهامش من دون غيره لإيغار الصدور وتلويثها بمعارضة عقيم. ولما نجحت هذه المعارضة في الثورة عليها في ديسمبر عام 2018 لم يكُن قد اتفق لها وجود مغاير. والباقي حرب.
الخرطوم المدينة تتعافى. ولكن عافيتها كحاضرة سياسية تنتظر فكراً غير الذي كان في نشأتها الأولى لتخرج من "هاء السكت" إلى الرحاب.


ibrahima@missouri.edu  

مقالات مشابهة

  • الشهري يوضح هل العصير الأخضر يسبب فشل كلوي؟ ..فيديو
  • مآرب السيارات المحيطة بساحة جامع الفنا… بين غياب التراخيص وارتفاع التسعيرة
  • الصين.. حريق بمطعم يسبب مقتل 22 شخصًا وإصابة 3 آخرين
  • مواسم الفاكهة
  • "استخدامات الذكاء الاصطناعي ومستقبله" فى ورشة تدريبية لطلاب كلية الآداب بجامعة أسيوط
  • العراق.. ضبط 15 كيلوغراما من الكبتاغون والحشيش خلال تهريبها عبر نهر الفرات
  • الخرطوم وهاء السكت
  • ترويج المخدرات على السوشيال ميديا.. تجديد حبس «ديلر» السلام
  • فاجعة ابن احمد: الأمن يوقف شخصا ادعى أن "السفاح" قتل أيضا طفلة لا يتجاوز عمرها 12 سنة
  • المخترة.. نسائية أيضاً!