طالبت الروائية والكاتبة الصحفية فكرية احمد وزارة الثقافة بإطلاق مشروع قومي ثقافي جاد  ومتكامل يتبنى بفاعلية جادة ترجمة أعمال الأدباء المصريين المتميزة والصالحة للترجمة، لتتجاوز الحدود المحلية وتصل إلى للقراء في شتى دول العالم، وهو ما يثري عالم الترجمة، ويقدم المبدعين المصريين إلى العالم بصورة جيدة ومحترمة أسوة بالترجمات العربية التي تتم  للأعمال الأدبية للكتاب العالميين، والتي وجدت فرصتها وطريقها إلى القارئ العربي.

جاء ذلك خلال استضافة المنتدى الثقافي للرواد بنقابة الصحفيين للكاتبة فكرية احمد للتحدث حول سيرتها الأدبية وأعمالها المنجزة ومناقشة رصدها لواقع ومجريات الحياة الأدبية في مصر في تلك المرحلة، أدار الندوة الكاتب محمود الشيخ سكرتير عام الرواد بنقابة الصحفيين، وسعيد جمال الدين رئيس الكتاب السياحيين بالنقابة . 

 وأكدت الكاتبة أن المركز القومي للترجمة منذ تأسيسه في العام 2006 يفتقر إلى توافر الموازنة المالية الكافية التي تتيح له ترجمة الأعمال الأدبية المصرية إلى الإنجليزية واللغات الأخرى، حيث يقف العامل اقتصادي عائقا لعزل الإبداع المصري عن العالم الخارجي، وهو ما يضعف دور الثقافة والأدب المصري وتواجده في قلب العالم لمواجهة الغزو الثقافي الغربي، ويجعلنا نكتب لأنفسنا فقط في جزر منعزلة عن العالم .

ولفتت الكاتبة إلى أن الجهات المحدودة والغير رسمية أو غير مصرية على الإطلاق، و التي تعمل على ترجمة بعض النتاج الفكري والثقافي  والأدبي إلى العربية، على غرار الجامعة الأمريكية، المعهد الفرنسي، المعهد الثقافي الإسباني أو غيرهم، إنما تتم الترجمة من خلالها بصورة انتقائية من الممكن أن تكون منحازة وتفتقد للحياد، حيث يتم اختيار الأعمال التي تميل إلى الفكر الغربي، وهو ما يؤدي إلى حركان الكثير من الأدباء الذين يلتزمون بالهوية المصرية بكل مفرداتها في الكتابة دونما العمد إلى التغريب .

وحذرت الكاتبة من تأثير العامل الاقتصادي على صناعة الكتاب في مصر وتراجع دور النشر عن نشر الكتب بسبب تراجع معدلات القراءة، وعدم الإقبال على اقتناء الكتب حتى في المعارض التي تقام من اجل الكتاب، وهو ما يكبد دور النش والكتاب خسائر مالية كبيرة تحد من النشر.

وحول تجربتها الأدبية، قالت فكرية أحمد أنها بدأت مبكرا الكتابة الأدبية منذ كانت طالبة في الثانوي ، حيث كانت تراسل صحف ومجلات وترسل لها قصصا قصيرة، وكان سعادتها لا توصف عندما يتم نشر بعض القصص، وانها اكتشفت موهبتها مبكراً والتي تم صقلها من خلال هوايتها لقراءة كل ما يقع تحت يدها، وغرامها بالروايات لمختلف الكتاب العالميين، حيث قرأت الكثير في الأدب الإنجليزي خاصة لشكسبير، مسرحياته، رواياته، منها  روميو وجولييت، والملك  لير، ومسرحية هاملت.

  كما قرأت لديكنز، وفيكتور هوجو، وأعجبت برصانة الأدب الروسي وعمقه وقرأت لتولستوي حيث يتميز الأدب الروسي بالثقافة الرفيعة والقيمة والإبداع والعمق الفلسفي في التناول، وله أثر ملحوظ في كتابات رواد الأدب بالعالم، فمن يمكنه أن ينسى رواية الإخوة  "كرامازوف" لدوستوفيسكي، والتي قدمتها حتى السينما المصرية في فيلم الإخوة الأعداء، و«انا كارينا» لتولستوي، وغيرها، أما الأدب الإنجليزي، رغم أنه يبدو للبعض مملًا في السرد والبطء في التصعيد الدرامي، لكن وفقا لها فقد استفادت منه الرصانة والدراما الموجعة بكثافة سعيًا لإحياء الضمير الإنساني، وتقديم العظة والدروس البشرية.

كما تأثرت بالحبكة الدرامية والصدق والدفاع باستماته على القيم والأخلاق في كتابات نجيب محفوظ، وتأثرت بالرقي في التناول وعدم الابتذال في الكلمة والرومانسية الحالمة الراقية في  كتابات يوسف السباعي، وجرأة الغوص في مشاعر شخوص القصة والنفاذ إلى أعماقهم من إحسان عبد القدوس خاصة مشاعر المرأة، وتعلمت السخاء في السرد وتناول نماذج بسيطة ومتنوعة في الرواية، نماذج لها عبق الأرض ورائحة الطمي الأصيل من الطيب الصالح. 

وحول تأثرها بالمدارس الأدبية، أكدت فكرية احمد أنها ترفض البقاء في قوالب محددة من المدارس الأدبية الكلاسيكية، فعلى الرغم أنها تأثرت بهذه المدارس، إلا أنها عبرتها جميعا لتجعل لنفسها أسلوب خاص بها، مؤكدة أنه لا يمكن أن يُخلق شيئاً ما منفرد من فراغ في حياة سبقها تاريخ لأخرين، ولكن يمكن أن يكون هذا الشيء له تفرده وخصائصه التي تميزه عن غيره من أعمال أدبية للغير. 

وناقش الحضور في الندوة الروائية فكرية احمد في أعمالها المنجزة والتي تتمثل في 14 عمل ما بين رواية طويلة وقصيرة، وقصص قصيرة والغاز بوليسية للأطفال، وقالت انه وجدت متعة في الكتابة للأطفال، خاصة وانها عمدت إلى تزجيج هذه الألغاز بالقيم والأخلاقيات الدينية ومبادئ الحفاظ على الهوية بصورة لا يشعر معها الطفل انه يتم تلقينه هذا، بل يتم بصور تلقائية من خلال الأحداث المثيرة للقصة.

شارك في الندوة لفيف من الأدباء والكتاب والصحفيين ونخب المثقفين، من بينهم للدكتور خالد شهاب خبير التنمية البشرية ، الدكتور عادل بدر أستاذ الفنون التطبيقية وخبير تجميل البيئة، الكاتب الجليل علي القماش، الكاتب الدكتور مصطفي عبد الرازق، الروائي والإعلامي أسامة إبراهيم، الإعلامي محمد نجم، الكاتب والروائي ممدوح حسن، ومديرو التحرير بجريدة الوفد الأساتذة نادية صبحي، نادية مطاوع، نعمة عز، هشام الهلوتي، صلاح صيام ، محمود شاكر، الفنانة التشكيلية فاتن مصطفى، الكاتبة الارترية أميره دار، رفعت عبد الواحد الصحفي بالاهرام، الكاتب نور الدين هريدي، الإذاعي القدير حسن زين العابدين.  

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فكرية المصرى سعيد الفنانة عربية نقابة الحدود جامعة الثقافة فكر النفاذ سياحي المبدع القومي للترجمة

إقرأ أيضاً:

نكهة اللبان

كان مازن يبحث عن كتابٍ يؤنسه في رحلته المقبلة إلى صلالة. لا يريد شيئًا عابرًا يقضي به الطريق الطويل في حافلة المسافرين من مسقط إلى ظفار، بل رفيقًا يعيد إليه الشغف الأول بالقراءة؛ كتابًا يفتح له بابًا إلى عوالم لا تُرى، كما فعل زقاق المدقّ يومًا، حين سحره نجيب محفوظ بكلماته الأولى:

«الإنسان إذ يفقد جوهرة الحب اللامعة لا يتصور أنه سيسعد بالعثور عليها مرةً أخرى.»

أو كما حدث حين سمع مظفّر النواب يصدح في المنفى:

«أنتَ كما الإسفنجة، تمتصّ الحانات ولا تسكر»

كان يبحث عن ذلك الرجف الخفيّ، عن قشعريرة البداية. لا شيء أقلّ من ذلك.

لكن، ويا للأسف، حتى في أوسع مكتبات المدينة، لم يجد ضالّته. تصفّح الجديد والقديم، العربي والمترجَم، الشعر والرواية، ومع ذلك بقي الشعور بالظمأ كما هو. كأن كل ما هو مطروح قد مرّ بروحه من قبل، فلم يعد شيءٌ يدهشه.

سأل نفسه: أهو الملل؟ فقدان الشغف؟ أبلغ به الركود الروحي هذا الحد؟

أم أن من قرأ المعرّي، وطه حسين، وحنّا مينه، ولوركا، وماركيز، وبلزاك... لم يعد شيءٌ يُدهشه؟

ترى، هل يخدعه الأدب من جديد؟

وماذا عن الشراع والعاصفة؟

هل كانت عظيمة فعلًا أم مجرد بوابة لذاكرته الناشئة، حين كان كلُّ كتابٍ اكتشافًا للذات؟

قرأ عن البحر والصحراء، عن الزمن المفقود والعشّاق التائهين، عن الجبال وسكّانها، عن كلّ شيءٍ تقريبًا... لكنه شعر أن معين الأدب قد نضب، أو أن الدهشة فرّت منه، ولم تعد تعرف الطريق إليه.

ساعةٌ ونصف الساعة قضاها بين أرفف الشعر والرواية وكتب الرحلات والمذكّرات والسيّر، وذلك النوع من الكتب الذي يسميه صديقه الناقد «الأدب النخبوي».

قال له يومًا:

«يا لها من تسميةٍ متغطرسة! أنتم، يا صديقي، تُشبهون علماء تصنيف النبات... و يا للعجب، لا تزال الطماطم من الفواكه، والتفاح ثمرة كاذبة!»

فكّر: من أين خرجت تلك الأقلام التي كتبت لنا الأدب العظيم؟

أليسوا أبناء الحقول والحارات والمقاهي الشعبية؟

ظلّ يقلب العناوين، متجنبًا رفوف التنمية البشرية و«الأكثر مبيعًا».

حتى الأدباء الذين أحبّهم - جبران، توفيق الحكيم، منيف - لم يعودوا يشعلون فيه شرارة الدهشة.

راودته فكرة: ماذا لو جرّب نوعًا جديدًا من الكتب؟ شيئًا لم يقرأه من قبل؟

ربما يجد فيه نكهة لم يألفها.

وفي زاوية معزولة من المكتبة، استوقفه غلافٌ أسود، تتوسّطه دوّامة حمراء كأنّها ثقبٌ زمني. ذكّرته بمسلسلٍ قديم: آلة الزمن.

كانوا يديرون العجلة ويهبطون في أعماق التاريخ. بسيط، لكنه طافح بالدهشة.

مدّ يده والتقط الكتاب.

لا اسم للمؤلف، لا عنوان.

شعر للحظة أن الدوّامة تتحرك بين يديه، كأنها تنبض... كأنها تتنفس.

اضطرب قلبه قليلًا، وأحسّ بانجذابٍ غريب، يشبه ذلك الذي شعر به حين قرأ أول قصة أفزعته، أو أول رواية غيّرت شيئًا في نظرته للعالم.

على الغلاف الخلفي، عبارةٌ واحدة:

«اقرأ بقلبك، تجد المتعة والدهشة.»

كم سمعها! وكم خذلته!

لكن شيئًا ما، دفينًا وعصيًّا على التفسير، دفعه ليفتح الكتاب.

لا مقدّمة، لا إهداء، لا فصول.

فقط دوّامات - بيضاء وسوداء وحمراء - واحدة في كل صفحة، تدور ببطء، ثم تتسارع كلما أطال النظر.

همّ بإعادته إلى مكانه... لكنه لم يستطع.

تسمّرت عيناه على الصفحة الأولى، وفي مركز الدوّامة، دائرة بيضاء، تنبض هي الأخرى.

وحين حدّق فيها، لم يرَ رسومات أو كلمات.

رأى ومضات من طفولته انبثقت كوميض برق:

بيت الطفولة.

رائحة البحر في مطرح.

يد أبيه المنمّشة.

ملامح أمّه الوادعة وهي تحكي له عن سندباد البحّار.

وصوتٌ قديم يهمس في أذنه:

«في البدء كانت الحكاية...»

قلب الصفحة.

كلماتٌ قليلة، كأنها تخرج من تلافيف الذاكرة:

«كان يا ما كان...»

«أيها السائل عن وطني، إنه الكلمات...»

«من يبدّد هذا الظلام؟ من يشعل جمرة المعنى؟»

«كلّما ازددتُ معرفة، ازددتُ وجعًا.»

ثم صُوَّر متقطعة:

ظلّ امرأة.

طفلٌ يلوّح لمركبٍ يغادر.

شجرة ليمون.

جدار طينيّ كُتبت عليه ذكريات وأحرف عربية.

ملعب ترابيّ في الحارة.

ثم سمع تهويدة أمّه:

«لومية يا لومية

مزروعة في الشمال

وعروقها في مسقط

ومظللة على عُمان...»

ثم - فجأة - انتهى كلّ شيء.

لا يدري كم مضى من الوقت.

الصفحات التالية كانت فارغة، والسابقة كذلك.

كأنّ ما رآه لم يكن موجودًا أصلًا، أو أن هذا الكتاب - بطريقة ما - قد نفض التراب عن كل ما سقط في بئر الذاكرة.

تنهد، وأعاد الكتاب إلى الرفّ المعزول.

لعلّ من سبقه تركه هناك عمدًا، كما سيفعل هو الآن.

لعلّه، مثله، أراد لغيره أن يقع في الدهشة.

وما زال مازن بحاجة إلى كتابٍ للرحلة.

مشى بين الأرفف بلا هدف، حتى قادته قدماه إلى قسم المجموعات القصصية.

لم يحبّها من قبل، لكنه بحاجة إلى شيء مختلف: أعمال قصيرة، مكثّفة، وقد تشدُّ القارئ - وهذا ما يحتاجه الآن.

سحب أول كتاب من الرف.

العنوان: العابرون فوق شظاياهم

الكاتب: عبد العزيز الفارسي

قلب الصفحات سريعًا، وقعت عيناه على هذه الجملة:

«وتختفين يا نكهة اللبان..»

استوقفته القصة، أجبرته على قلب الصفحة التالية، فقرأ:

«يا أيها القلب المدجج بالخواء: وطني المسافات التي نفت الغريب إلى أقاصي العاصفة»

أحس بقشعريرة خفيفة.

ابتسم، وهمس لنفسه:

ها قد عاد ذلك الرجف القديم.

سعد السامرائي قاص عراقي

مقالات مشابهة

  • وفاة الكاتب الرياضي محمد الشنيفي
  • حماس تطالب بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء جريمة التجويع الممنهج في غزة
  • الكاتب واليسناريست أحمد فوزي صالح: مسلسل ظلم المصطبة مكتوب من 7 سنوات
  • حماس تطالب بالضغط على العدو الصهيوني لإنهاء جريمة التجويع الممنهج في غزة
  • أصوات فكرية تطرح أسئلة الموازنة بين الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي
  • الرموز الأدبية ودورها في أدب المقاومة.. مناقشات مؤتمر أدباء القناة وسيناء بدورته الـ 25
  • نكهة اللبان
  • عندما يرسم الكاتب
  • الترجمة مدخل لفهم العالم العربي ونصرة فلسطين.. ميشيل هارتمان: الأدب المكان الذي يمكننا أن نجد فيه المزيد من التقارب
  • وداعًا لآخر كُتّاب «الطفرة الأدبية» في أمريكا اللاتينية