المحور الهندي نحو الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT
عندما وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الممر الاقتصادي بأنه "استثمار يغير قواعد اللعبة" أكد بذلك على التأثير المحتمل لهذا الممر على المناطق المعنية مباشرة وعلى المجتمع الدولي الأوسع.
كان محور الهند نحو الشرق الأوسط أولوية سياسية لرئيس وزراء الهند ناريندرا مودي
تؤكد نتائج قمة مجموعة العشرين الأخيرة التي نظمتها الهند وجود تحول جوهري في الجغرافيا السياسية العالمية، وتقدم علامات واعدة لمستقبل التعددية.
ودافعت الهند خلال اجتماعات القمة في نيودلهي، عن الجنوب العالمي بعدة طرق، مثل الدعوة إلى إدراج الاتحاد الإفريقي كعضو دائم والدعوة إلى إصلاحات لبنوك التنمية متعددة الأطراف.
ومع ذلك، كان الحدث الأبرز هو الإعلان عن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، لا تشير هذه المبادرة الرائدة إلى تعميق علاقات الهند مع الشرق الأوسط فحسب، بل تحمل أيضا القدرة على تحويل المشهد الاقتصادي والتجاري والجيوسياسي العالمي.
عندما وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن الممر الاقتصادي بأنه "استثمار يغير قواعد اللعبة"، أكد على التأثير المحتمل لهذا الممر على المناطق المعنية مباشرة، والمجتمع الدولي الأوسع.
وتهدف خطوط السكك الحديد والنقل المقترحة في الممر إلى توفير "شبكة عبور موثوقة وفعالة من حيث التكلفة عبر الحدود من السفن إلى السكك الحديد"، والتي من المرجح أن تكون لها فوائد عديدة على سلاسل التوريد العالمية وديناميكيات التجارة.. وسلطت رئيسة الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لايين الضوء على قدرة الممر على خفض وقت السفر بنسبة 40 في المئة، واصفة إياه بأنه أسرع رابط بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.. وبمجرد اكتماله، سيخفض الممر تكاليف النقل بشكل كبير.
كان محور الهند نحو الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، أولوية سياسية رئيسية لرئيس وزراء الهند ناريندرا مودي.. وبعيداً عن العلاقة المتجانسة التي ترتكز فقط على النفط والوصول إلى الأسواق، يمتد تحالف الهند مع الشرق الأوسط إلى تفاصيل دقيقة في التعاون الأمني، والتقارب الثقافي، والتبادل التكنولوجي.
وخلال زيارة دولة قام بها مؤخراً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الهند، ترأس الجانبان الاجتماع الأول لمجلس الشراكة الإستراتيجية بين الهند والسعودية، حيث ناقشا موضوعات مثل السياسة والأمن والاستثمار. وتراوحت الصفقات من الطاقة والرقمنة إلى مكافحة الفساد وتحلية مياه البحر.
كما وصلت علاقة الهند المزدهرة مع الإمارات العربية المتحدة إلى ذروة جديدة، وهو ما يتضح من التعاون المكثف والتبادل الدبلوماسي بين البلدين.. وكانت الزيارات الخمس التي قام بها رئيس وزراء الهند إلى الإمارات العربية المتحدة في السنوات الثماني الماضية محورية في تشكيل هذه العلاقات، حيث بلغت الأرقام التجارية 85 مليار دولار هذا العام.
ويدعم هذا التحالف الاقتصادي اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، الموقعة في فبراير 2022، والتي ساعدت على تعزيز التجارة الثنائية بنحو 15 في المئة.
علاوة على ذلك، فإن الاتفاقيات التي تهدف إلى تعزيز استخدام العملات المحلية للمعاملات عبر الحدود ودمج أنظمة الدفع وشراكات الطاقة والالتزام المشترك ضد التطرف والإرهاب والمشاركة في مجموعة I2U2، التي تضم الهند وإسرائيل والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة، هي شهادة على عمق الثقة المتبادلة.. وتظهر خطة إنشاء المعهد الهندي للتكنولوجيا – دلهي في أبوظبي التزام البلدين بالتقدم الأكاديمي والتكنولوجي المشترك.
وكانت الجالية الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي قوة محورية في تعزيز هذه العلاقات، ويعد الخليج موطناً لـ9 ملايين هندي، وهو الوجهة الأولى للمغتربين الهنود، حيث يقيم 3.4 مليون في الإمارات العربية المتحدة و2.6 مليون في المملكة العربية السعودية وحدهما.. وقد تم التأكيد على أهمية هذه الجاليات خلال زيارة ولي العهد السعودي إلى نيودلهي، حيث وصف الهنود في المملكة بأنهم جزء لا يتجزأ من البلاد، وقال لمودي: "نعتبرهم جزءاً من السعودية"، "نحن نعتني بهم كما نعتني بمواطنينا".
وعلى الرغم من الروابط القوية القائمة بالفعل، فإن الهند والشرق الأوسط لا تزال لديهما سبل متعددة للتعاون في المستقبل.
أولاً، يمكن أن يكون وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي بمثابة حجر الزاوية لتعزيز العلاقات الاقتصادية.
ثانياً، في مجال التقنيات الرائدة، يمكن لكلتا المنطقتين الاستفادة من النظم الإيكولوجية التكنولوجية المزدهرة لتحقيق النمو المتبادل، لاسيما في قطاعات مثل بلوك تشين وإنترنت الأشياء.
ثالثاً، يمكن للتعاون في مجال الذكاء الاصطناعي أن يخلق ابتكارات في مجالات الرعاية الصحية والزراعة والمدن الذكية.
رابعاً، توفر تكنولوجيا الفضاء إمكانات غير مستغلة، حيث يمكن تطوير الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية واستكشاف الفضاء بشكل مشترك.
وأخيراً، يمكن لأهداف الهند الطموحة للطاقة المتجددة أن تجتذب استثمارات كبيرة من الشرق الأوسط، الذي ينوع أيضاً في مصادر الطاقة المستدامة.
لا يزال هناك الكثير من العمل لتنفيذ الممر الاقتصادي المعلن عنه حديثاً، ولا تزال هناك حاجة إلى بناء العديد من الموانئ وخطوط السكك الحديد.. ولكن تم وضع الأساس.. وبمرور الوقت، قد يكون الممر بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا بمثابة تغيير قواعد اللعبة التي تحتاج إليها المنطقة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الهند والشرق الأوسط الممر الاقتصادی العربیة المتحدة الشرق الأوسط بین الهند
إقرأ أيضاً:
التغييرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط بين المد والجزر
#سواليف
#التغييرات_الجيوسياسية في #الشرق_الأوسط بين المد والجزر
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي
منذ بداية الأحداث الجيوسياسية في المنطقة والتحولات كبرى في سوريا في اسقاط نظام بشار الاسد كان “محور المقاومة” يشكل أحد الأعمدة الرئيسية في الاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة النفوذ الغربي والصهيوني. هذا المحور، الذي جمع مجموعة من الدول والفصائل المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل، كان بمثابة حجر الزاوية في استراتيجية إيران لتوسيع نفوذها في المنطقة. إلا أن هذا المحور بدأ يشهد تغيرات كبيرة، حيث توالت العوامل التي ساهمت في استنزافه.
مقالات ذات صلة 13 ألف طالب استُشهدوا و 490 مدرسة وجامعة دمرت منذ بداية العدوان على غزة والضفة 2024/12/31في البداية، كانت لبنان وسوريا والعراق واليمن تشكل نقاط قوة لهذا المحور. لبنان، بوجود حزب الله، كان يمثل نقطة محورية في المواجهة مع إسرائيل، بينما كانت سوريا مركزًا لتمركز القوى الإيرانية والفصائل التابعة لها. أما العراق فقد شهد تدخلات إيرانية مكثفة من خلال دعم فصائل الحشد الشعبي. لكن اليوم، يبدو أن العديد من هذه الجبهات قد توقفت أو على الأقل تراجعت قوتها.
في لبنان، تراجع الدور الفعّال للمقاومة بشكل كبير نتيجة للأزمات الداخلية والخارجية، حيث تتزايد الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها حزب الله. هذه الأزمات جعلت من الصعب الحفاظ على استمرارية دعم المقاومة اللبنانية في وجه التحديات المتزايدة.
أما في العراق، فقد شهدت الساحة السياسية والعسكرية تطورات كبيرة بعد الانسحاب العسكري الأمريكي وتغيير الأولويات الإقليمية. إذ تبين أن الدعم الإيراني في العراق لم يعد كما كان في السابق، وهو ما جعل محور المقاومة العراقي يواجه صعوبات جمّة. على الرغم من استمرار بعض المجموعات المسلحة، فإن تأثير إيران على الساحة العراقية بدأ يتراجع بشكل ملحوظ.
في سوريا كان الدعم الكبير الذي تقدمه إيران للنظام السوري في مواجهة الثورة كبير جدا فإن الوضع الداخلي المعقد وصراعات القوى الدولية والإقليمية قد جعلت من الصعب الحفاظ على مستوى الدعم العسكري والتواجد الإيراني كما كان في السابق إلى تقييد قدرة إيران على تعزيز نفوذها في المنطقة، خاصة بعد انهيار النظام في دمشق.
في اليمن، ورغم استمرار دعم إيران للحوثيين، يظل الوضع هناك مختلفًا. يُعتبر اليمن جبهة مهمة للمقاومة، لكن الصراع الطويل مع التحالف العربي جعل هذه الجبهة بعيدة عن الأنظار الدولية. الفوضى المستمرة في البلاد تمنع تحقيق أي مكاسب استراتيجية حاسمة.
هذه التغيرات في سياق “محور المقاومة” تطرح تساؤلات حيوية حول كيفية تأثير ذلك على القضايا الأهم في المنطقة، القضية الفلسطينية. منذ توقف الدعم اللبناني والعراقي، باتت غزة تمثل الجبهة الأساسية التي تعتمد عليها فصائل المقاومة الفلسطينية. لكن، مع تراجع الدعم العسكري والمالي من هذه الجبهات، كيف ستتمكن غزة من الصمود أمام الضغوط المتزايدة؟
الورقة الفلسطينية الآن في موقف صعب للغاية، حيث تواجه تحديات اقتصادية وعسكرية متزايدة في ظل تراجع الدعم الخارجي. بعد الانهيار المحتمل لجبهات المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، أصبح من الواضح أن غزة، رغم قوتها وصمودها، ستواجه ضغطًا هائلًا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. التحديات الكبرى تشمل النقص في الموارد والدعم اللوجستي، فضلاً عن عدم وضوح الاتجاهات المستقبلية لهذه المقاومة في غياب الدعم الكافي من محور المقاومة الذي كان يعتمد عليه الفلسطينيون.
إيران، التي لا تزال تسعى للحفاظ على نفوذها في المنطقة، قد تجد نفسها مضطرة لتطوير استراتيجيات جديدة لمساندة غزة بشكل غير تقليدي. أما الدول الأخرى في محور المقاومة، فقد تجد صعوبة في تقديم الدعم الفعّال في ظل الوضع الإقليمي المتأزم.
ختامًا مبادرة السلام العربية لعام 2002 تمثل إطاراً مهماً لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال منح الاعتراف العربي بإسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ومع ذلك، فإن هذه المبادرة تواجه صعوبات كبيرة في ظل التطورات الراهنة، حيث تشهد العديد من الدول العربية خطوات نحو التطبيع مع إسرائيل، مما قد يؤثر سلبًا على الدعم العربي لقضية فلسطين. في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مطروحًا: هل يمكن أن تظل فكرة “الأرض مقابل السلام” قائمة، أم أنها ستختفي في ظل الظروف المتغيرة؟يُعتبر “محور المقاومة” اليوم في مرحلة تحول حرجة. رغم توقف الجبهات الأساسية مثل لبنان والعراق وسوريا إلا أن القضية الفلسطينية قد تظل محور التركيز.