النزوح السوري المستمرّ سيغيّر هوية لبنان... هذا ما حذّر منه ميقاتي
تاريخ النشر: 22nd, September 2023 GMT
لم تكن كلمة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، التي ألقاها باسم لبنان من على منبر الأمم المتحدة، كلمة عابرة كسائر الكلمات، التي تُلقى عادة في مثل هكذا مناسبات، بل جاءت لتختصر ما يعانيه الكون المريض من أزمات وجودية لا يمكن التغاضي عمّا يمكن أن تكون عليه في حال لم تأت المعالجات على مستوى التحديات الكبيرة. ومن بين هذه الأزمات ما يواجهه لبنان بالتحديد من أزمة وجودية تتمثّل باستمرار تدفق أعداد كبيرة من النازحين السوريين إلى أراضيه، التي لم يعد في مقدورها استيعاب هذه الأعداد، التي تفوق إمكانات لبنان، الذي يعاني أساسًا من أزمات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية وديموغرافية خطيرة، وذلك بفعل ما يتعرّض له من هزّات بنيوية في تركيبته السوسيولوجية، فضلًا عمّا يتهدّده من تداعيات أمنية نتيجة ما يرسم للمخيمات الفلسطينية من خطط تتخطّى إمكانات لبنان المحدودة، في ظل الانقسام العمودي والأفقي في البنية السياسية اللبنانية نتيجة اختلاف اللبنانيين على تحديد أولويات المعالجات في ظلّ استمرار الشغور الرئاسي للشهر العاشر على التوالي، مع غياب أي مؤشر لإمكانية حلحلة العقد الرئاسية، مع ما سجلته الساعات الـ 48 الأخيرة من خلافات داخل اللجنة الخماسية الموكل إليها في الأساس إيجاد حل للأزمة الرئاسية.
فالرئيس ميقاتي اختصر في كلمة الثلاث عشرة دقيقة ما يعانية العالم، ومن ضمنه لبنان، من أزمات كونية، وهي أزمات لا يمكن مواجهتها بمزيد من التشرذم والانقسام بين شمال وجنوب، "وهي تحدّيات عابرة للحدود، تتطلّب المزيد من التنسيق والتعاون بين الدول. فمن تَغيُّر المناخ، إلى الجوائح الفيروسية، مروراً بمسائل الأمن، والأمن الغذائي، والأمن السيبراني، والهجرة غير الشرعية، والتطرُّف والإرهاب، وغيرها. تتعدَّدُ التحدّيات ذات الطابع الكوني التي لا يُمكن مواجهتها إلا بتضافر الجهود بين الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني".
وأضاف: "السلام" و"الازدهار" و"التقدم" و"الاستدامة" هي بالفعل عناوين عريضة جامعة لتطلّعات دولنا وشعوبنا جميعاً. إذ، لا مستقبل آمن ومزدهِر لنا جميعاً من دون تحقيق تلك الأُسس والمرتكزات، ولا يُمكن تحقيقها إلا بالتكاتُف والتعاضُد والعمل المشترك تفادياً للمزيد من الحروب والنزاعات والتحدّيات والمآسي الإنسانية والخسائر المادية والبيئية".
ما حاول أن يقوله رئيس حكومة لبنان على مسمع العالم كله هو أن التحديات الكبيرة والمصيرية التي تهدّد الكرة الأرضية بأسرها لا يمكن معالجتها بمزيد من الحروب، وبمزيد من الانقسامات، وبمزيد من السطحية، وبمزيد من الخفّة في التعاطي مع مصير محتّم لعالم يتهالك بفعل النزاعات المتنقلة، وقد لا يكون آخرها ما يحصل في المنطقة، وبالتحديد في سوريا، التي ينزح منها إلى لبنان الآف مؤلفة كل يوم، وقد تكون وجهة البعض الأساسية الاستقرار في الربوع اللبنانية، ووجهة البعض الآخر عبور البحر إلى دول أوروبية عبر قبرص واليونان.
ومما قاله الرئيس ميقاتي عن خطر النزوح السوري: "إثنا عشر عاماً مرّت على بدء الأزمة السورية، وما زال لبنان يرزح تحت عبء موجات متتالية من النزوح طالت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية كافة مظاهر الحياة فيه، وباتت تُهدِّد وجوده في الصميم. ورغم إعلائنا الصوت في كافة المنتديات الدولية، وفي هذا المحفل بالذات، ما زال تَجاوب المجتمع الدولي مع نتائج هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها علينا، بالغ الخجل وقاصراً عن معالجتها بشكلٍ فعّال ومستدام".
ولأن الوضع لم يعد يُحتمل، ولأن هذا النزوح بكل مفاعليه لم يعد لبنان قادرًا وحده على مواجهته، لأنه يهدّد كيانه، ويعرّض هويته لخطر الزوال، حذّر الرئيس ميقاتي، ومن على أعلى منبر أممي، "من انعكاسات النزوح السلبية التي تُعمّق أزمات لبنان، الذي لن يبقَى في عين العاصفة وحده". كما أكرّر الدعوة لوضع خارطة طريق بالتعاون مع كافة المعنيين من المجتمع الدولي، لإيجاد الحلول المستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة.
وخلص إلى ما يعرفه العالم تمام المعرفة، وهي التشديد على أن "أهمية وجود دولة لبنانية سيّدة ومستقلّة، قوية وقادرة وحاضِنة، متعاونة مع المجتمع الدولي والدول الصديقة والشقيقة، دولة لبنانية تحمي النظام الديمقراطي البرلماني والحريات العامة والخاصة، وتنخرِط في مسار الإصلاح البُنيوي وعملية تعزيز أُطر دولة الحق والمواطَنة والمساءلة والعدالة، دولة لبنانية تؤمن بالتسامُح والتآخي والتلاقي، وتعتمد سياسة "النأي بالنفس" والابتعاد عن "سياسة المحاور"، دولة لبنانية هي بمثابة حاجة ماسة للأمن والسلم والسلام والاستقرار والازدهار في المنطقة، وأفضل السُبُل لنا جميعاً لمواكبة المتغيّرات والتخفيف من الانعكاسات والتداعيات، وبناء المستقبل، ومواجهة التحدّيات المتمثّلة بالفقر والبطالة وهجرة الأدمغة والتطرّف والإرهاب، وبالتالي تجنُّب الوقوع في المجهول".
فهذا المجهول الذي حذر من الوقوع فيه رئيس حكومة لبنان لن تقتصر أضراره على لبنان لوحده، بل سيتجاوز حدوده البحرية ليصل إلى أقصى الأقاصي.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
لبنان تحت القصف المستمر.. غارات إسرائيلية مكثفة ومجازر مروعة في بيروت وضواحيها
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستمر الحرب في لبنان لتدخل شهرها الثالث بين إسرائيل وحزب الله، حيث تصاعدت العمليات العسكرية بشكل مكثف في الأيام الأخيرة، مستهدفة مناطق سكنية وأهدافًا حيوية، وسط سقوط المزيد من الضحايا المدنيين.
استيقظت العاصمة اللبنانية بيروت، فجر السبت، على أصوات انفجارات مدوية في منطقة البسطة المكتظة بالسكان، وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام بأن الطيران الإسرائيلي دمر مبنى سكنيًا مكونًا من ثمانية طوابق بشكل كامل في شارع المأمون، وذلك عبر إطلاق خمسة صواريخ على المبنى.
وأكدت وزارة الصحة اللبنانية في بيان، أن الغارة أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة ٢٣ آخرين، بينما لا تزال فرق الإنقاذ تعمل على رفع الأنقاض بحثًا عن ضحايا آخرين أو ناجين محتملين. وألحقت الغارة أضرارًا جسيمة بالمباني المجاورة، حيث هرعت سيارات الإسعاف لنقل الجرحى والضحايا.
في بيان عبر تطبيق تليجرام، أعلن الجيش الإسرائيلي، أن الضربة استهدفت أهدافًا إرهابية تابعة لحزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، شملت مراكز قيادة، منشآت لتخزين الأسلحة، وبنى تحتية وصفها بأنها إرهابية.
ونفذت إسرائيل ثلاث غارات جديدة، ليل السبت،استهدفت الضاحية الجنوبية للعاصمة، معقل حزب الله، وأفادت مراسلون لفرانس برس بسماع دوي ثلاثة انفجارات قوية في أرجاء بيروت وشرقها. سبق هذه الغارات إنذارات من الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء المباني، ما أثار حالة من الهلع بين المدنيين، خصوصًا أن العديد من هذه المباني تقع في مناطق سكنية وتجارية مكتظة.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية، إن القصف الجمعة على الضاحية الجنوبية أسفر عن مقتل خمسة مسعفين من الهيئة الصحية الإسلامية التابعة لحزب الله، مما يعكس استهدافًا مباشرًا للطواقم الطبية والإغاثية. في بعلبك شرقي لبنان، استشهد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي، الدكتور علي راكان علام، مع ستة من أفراد الطاقم الطبي إثر قصف إسرائيلي استهدف منزله المجاور للمستشفى، وأكدت وزارة الصحة اللبنانية في بيان صحفي، أن القصف أدى إلى استشهاد الدكتور علام وستة من زملائه، واصفة الهجوم بأنه جبان وغير مبرر.
يأتي هذا التصعيد في سياق سلسلة من الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت المرافق الصحية والعاملين فيها، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية أن ٢٢٦ من العاملين في القطاع الصحي اللبناني قتلوا منذ بداية الحرب في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وحتى ١٨ نوفمبر الجاري.
على صعيد آخر، أعلنت الوكالة الوطنية للإعلام، أن القوات الإسرائيلية نفذت أول توغل بري في بلدة دير ميماس الواقعة على بعد ٢.٥ كيلومتر من الحدود الإسرائيلية، وأفادت بأن طائرة استطلاع معادية طلبت من سكان البلدة عدم مغادرة منازلهم. البلدة التي نزح العدد الأكبر من سكانها المسيحيين نتيجة التصعيد، أصبحت نقطة ساخنة في المواجهة.
كما تحاول القوات الإسرائيلية التوغل في محاور أخرى مثل بلدة الخيام، حيث أعلن حزب الله مرارًا استهداف تجمعات الجنود الإسرائيليين على تخومها، مما يشير إلى اشتداد المعارك في المناطق الحدودية.
تأتي هذه التطورات في ظل استمرار الحرب المفتوحة بين إسرائيل وحزب الله، التي فاقمت من معاناة اللبنانيين وسط أزمة اقتصادية خانقة وعجز الحكومة عن توفير الحماية للسكان. وبينما تتصاعد الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار، يبدو أن المعارك ستستمر في تصعيدها، مع استمرار سقوط الضحايا واستهداف البنى التحتية والمرافق الحيوية.