خلال الأسابيع الماضية، برز الحديث في منطقة الشرق الأوسط عن طريقين جديدين يهدفان إلى ربط دول المنطقة مع أوروبا، أولهما هو "طريق التنمية"، الذي يبدأ من ميناء الفاو بالعراق ويمر بتركيا ويصل منها عبر أوروبا، وهو طريق تستثمر فيه الصين، حيث يتقاطع مع مبادرتها الأشهر "الحزام والطريق"، أما الثاني فهو "الممر الاقتصادي IMEC"، والذي أعلنته الولايات المتحدة خلال قمة العشرين الأخيرة، والذي يبدأ من الهند مرورا بدول خليجية وعربية حتى أوروبا.

ووفقا لتحليل نشره موقع "جيوبولوتيكال فيوتشرز"، وترجمه "الخليج الجديد"، فإن المنافسة المزمعة بين الطريقين ستكون حديث المنطقة والعالم خلال الفترة المقبلة، وليست سوى أحدث إشارة إلى أن الولايات المتحدة والصين قد دخلتا فترة جديدة من المنافسة العالمية، مما أدى إلى تعزيز تحالفاتهما وبناء طرق تجارية متنافسة تخدم مصالحهما الاقتصادية.

اقرأ أيضاً

خبير: لهذا يتفوق طريق التنمية على الممر الاقتصادي في ربط أوروبا بالشرق الأوسط

"طريق التنمية".. استثمار قوي للصين

وبالنسبة إلى "طريق التنمية"، تشير التقارير إلى أن نقطة البداية له "ميناء الفاو" في العراق يستعد للاكتمال، حيث أنهت شركة "دايو" الكورية الجنوبية المنفذة له نحو ثلثيه بالفعل.

ويمتد ميناء الفاو على مساحة تزيد عن 16 كيلومترًا مربعًا، ومن المتوقع أن يتمتع بقدرة استيعابية سنوية لمناولة 99 مليون طن.

وسيتم ربط ميناء الفاو بتركيا من خلال شبكة طرق وسكك حديدية بطول 1200 كيلومتر سيتم بناؤها ضمن نطاق مشروع "طريق التنمية".

ويهدف هذا المشروع - الذي تبلغ كلفته 17 مليار دولار - إلى إنشاء طريق نقل من آسيا إلى أوروبا.

ويقول الخبراء إن "طريق التنمية"، الذي يبدأ من البصرة ويخطط للوصول إلى تركيا مروراً بمحافظات النجف وكربلاء وبغداد والموصل، لديه القدرة على توفير وقت نقل أقصر من قناة السويس، مع القدرة على الاتصال بأوروبا من ميناء مرسين التركي.

وتبرز الصين كواحدة من الدول التي دعمت بناء ميناء الفاو وإنشاء طريق التنمية. وبالإضافة إلى إبرام صفقة بقيمة 10 مليارات دولار مع العراق، أعربت الحكومة الصينية عن عزمها المساهمة مالياً في كلا المشروعين.

وتتميز هذه المشاريع بسمات أساسية تعزز مصالح الصين في المنطقة.

اقرأ أيضاً

ممر الهند أوروبا.. أهداف جيوسياسية تتجاوز التنمية الاقتصادية

فوائد لبكين

ومن المعروف أن الصين تستورد  ما يقرب من 10 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا وتشتري معظم هذا النفط من دول الشرق الأوسط. وتعد المملكة العربية السعودية والعراق من بين الدول التي تزود الصين بأكبر قدر من النفط، حيث تصدر ما يزيد عن 110 مليارات دولار من النفط الخام سنويًا.

ويساعد كل من ميناء الفاو وطريق التنمية على ربط الصين بشكل أفضل بموارد النفط التي تستوردها من الخليج العربي.

ومن المتوقع أن يصبح ميناء الفاو أحد أكبر موانئ الحاويات في الشرق الأوسط، مما قد يعني المزيد من واردات النفط الخام من العراق إلى الصين.

الإضافة إلى ذلك، فإن الممر التجاري الممتد إلى تركيا وأوروبا مع شبكة الطرق والسكك الحديدية التي تم بناؤها عبر ميناء الفاو سيسمح للصين بإيصال منتجاتها غير النفطية إلى السوق الأوروبية بشكل أكثر فعالية.

ومن الممكن أن يؤدي ميناء الفاو إلى زيادة حجم التجارة العالمية عبر العراق، الذي تتمتع الصين معه بالفعل بترابط قوي.

ومن المتوقع أن يتمتع طريق التنمية، الذي سيتم ربطه بأوروبا، خاصة عبر تركيا، بالقدرة على إيصال المنتجات إلى أوروبا في وقت أقصر وبتكلفة أقل من قناة السويس.

ويتقاطع مشروع ميناء الفاو و"طريق التنمية" في العراق مع مبادرة "الحزام والطريق" ومشروع الطريق البحري التابع لها، ولديهما القدرة على تقديم طريق بديل في نقاط معينة.

وباستخدام هذا الطريق، تستطيع الصين توسيع شبكتها التجارية العالمية من خلال دول الخليج مثل العراق، كما تتاح لها الفرصة لتعزيز مبادرة الحزام والطريق، التي تتابعها الولايات المتحدة عن كثب.

وتشكل هذه المشاريع، التي توفر إمكانية تقصير طرق التجارة وإدخال الصين في عملية التكامل الإقليمي، تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة بسبب المزايا التي توفرها للصين.

وبعد الإعلان عن مبادرة "الحزام والطريق" في عام 2013، لجأت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات مختلفة وضغوط دبلوماسية لمنع العلاقات بين دول الشرق الأوسط والصين.

اقرأ أيضاً

طريق التنمية.. تركيا تدفع ببديل للممر التجاري بين الهند وأوروبا

"الممر الاقتصادي".. أمريكا تدخل على الخط

وفي الآونة الأخيرة، هدفت الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالفات مختلفة وبناء طرق تجارية مختلفة من خلال التحالفات، وخلق بدائل لطرق التجارة التي تروج لها الصين تحت شعار مبادرة "الحزام والطريق".

إحدى الخطوات الأخيرة التي تم اتخاذها في هذا السياق هي التوصل إلى اتفاق بشأن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC) تحت قيادة الولايات المتحدة في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في الهند.

وقد أعلن البيت الأبيض عن الطريق التجاري، الذي يتصور ربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر السكك الحديدية والموانئ، باعتباره "عصرًا جديدًا من الاتصال"، والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اتفقوا على تطوير المشروع معًا.

وبهذه الطريقة، تحاول الولايات المتحدة زيادة نفوذها في الخليج على حساب الصين والحفاظ على ريادتها في المنطقة.

اقرأ أيضاً

الإمارات تطلب المشاركة رسميا في طريق التنمية بين العراق وتركيا

وكما يقول التحليل، يعد هذا المشروع واحدًا من أكثر الخطوات الملموسة التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد مبادرة "الحزام والطريق".

علاوة على ذلك، كان "الممر الاقتصادي" بمثابة إعلان بأن واشنطن لا يزال بإمكانها وضع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين أقامتا مؤخرًا تعاونًا اقتصاديًا وثيقًا مع الصين، إلى جانبها.

المصدر | سيركان تشاليشكان / جيوبولوتيكال فيوتشرز - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: العلاقات الأمريكية الصينية الشرق الاوسط طريق التنمية الممر الاقتصادي ميناء الفاو الولایات المتحدة الممر الاقتصادی الحزام والطریق طریق التنمیة الشرق الأوسط میناء الفاو اقرأ أیضا

إقرأ أيضاً:

إمبراطورية بلا قائد... من الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة؟

نشر موقع " لو ديبلومات" الفرنسية تقريرا سلّط فيه الضوء على طبيعة القوة الحقيقية في الولايات المتحدة، حيث لا يستأثر الرئيس بصنع القرار بشكل مطلق بل تلعب المؤسسات الفيدرالية وخاصة البيروقراطية والإدارات الأمنية والعسكرية دورا أساسيا في توجيه الاستراتيجية الأمريكية.

وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن السلطة الإمبريالية الأمريكية لا تكمن في البيت الأبيض - على عكس ما يُعتقد - حتى عندما يحظى بدعم أغلبية الكونغرس، بل الأجهزة الضخمة للإدارة الفيدرالية هي التي تحدد مسار الأمة مما يضمن الاستمرارية الاستراتيجية للهيمنة الأمريكية.

يُنظر إلى انتخاب الرئيس على أنه محطة مفصلية في المسار الإمبريالي، لكنه في الواقع لا يعدو كونه تغييرا في التمثيل والسرد السياسي أكثر من كونه تغييرا حقيقيًا في النهج، حسب التقرير.


وأشار الموقع إلى أن الانتخابات الأمريكية وتنصيب الرئيس الجديد دائمًا ما يثيران اهتمامًا كبيرًا لما يكتسيانه من أهمية في مسار القوة العظمى المهيمنة عالميًا. لكن في الواقع، يعد مدى تأثير الرئيس في الولايات المتحدة على السياسات العامة والمسار الاستراتيجي للبلاد مبالغًا فيه إلى حد كبير.

وقال الموقع إن أكبر جهة توظيف في العالم ليست إحدى الشركات متعددة الجنسيات الخاصة التي تعمل على نطاق عالمي مثل "وول مارت" أو "ماكدونالدز" أو "كوكاكولا"، وليست أيضًا جيش أحد البلدين الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، الهند والصين، بل هي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التي تضم ما يقارب ثلاثة ملايين موظّف. وهذا الرقم لا يشمل الموظفين "السريّين" أو العاملين في الشركات الخاصة التي تعتمد عليها الوزارة، مثل المتعاقدين.

تعد أجهزة المخابرات الأمريكية بدورها كيانا واسعا ومعقدا للغاية، حيث تتألف من سبع عشرة وكالة استخباراتية أبرزها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) التي غالبًا ما تختلف في رؤاها وتكتيكاتها وتتنافس بشدة فيما بينها. ونظرًا للشبكة الواسعة من المنظمات ومراكز الأبحاث والشركات المرتبطة بها، يصعب تحديد العدد الدقيق لإجمالي العاملين في هذا القطاع.

قدّمت صحيفة "واشنطن بوست" في سنة 2010 تقديرًا تقريبيًا يفيد بأن أكثر من 800 ألف شخص لديهم حق الوصول إلى معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي. لكن هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار العدد غير المحدد من العملاء المنتشرين في جميع أنحاء العالم الذين لا تظهر أسماؤهم في السجلات الرسمية بسبب عملهم كعملاء سريين أو متخفين.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار المنظومة الفيدرالية الأمريكية بكاملها، فإننا نتحدث عن أكثر من خمسة ملايين موظف مسجلين، من بينهم آلاف المسؤولين الحكوميين الذين يشغلون مناصب رفيعة يدعمهم عشرات الآلاف من الخبراء الفنيين الذين يمتلكون مهارات متخصصة ويتولّون إدارة وتحمل مسؤولية المناطق الجغرافية الموكلة إليهم حول العالم.

ووفقا للتقرير، فإنه بغض النظر عن هوية الشخص الذي يشغل البيت الأبيض أو الانتماء السياسي للأغلبية في الكونغرس، فإن الآلة الضخمة للإدارة الفيدرالية تضمن الاستمرارية الاستراتيجية للإمبراطورية غير الرسمية التي تقوم على ركيزتين أساسيتين: السيطرة على جميع بحار العالم والهيمنة على أوروبا. للحفاظ على هذه السيطرة وتعزيزها، من الضروري تمامًا منع ألمانيا من التقارب الجيوسياسي مع روسيا والصين وكذلك منع بكين من فرض سيطرتها على بحر الصين من خلال الاستيلاء على تايوان. على هذا النحو، لن يكون بإمكان أي رئيس للولايات المتحدة مهما كان توجّهه السياسي أو أي أغلبية في الكونغرس التخلي عن هذه المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد لأن الأجهزة الفيدرالية لن تسمح بذلك.

لكن التواجد في الخطوط الأمامية للحفاظ على الهيمنة العالمية وتعزيزها هو مهمة شاقة للغاية، وليس فقط بسبب حالة الحرب الدائمة التي تفرضها. فكما كان الحال مع الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية البريطانية اللتين سبقتاها، لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تجاهل عاملين أساسيين يحددان مكانتها كقوة مهيمنة: العجز التجاري الهائل والتدفق الهائل للمهاجرين. العجز التجاري هو أداة ضرورية لإبقاء الدول التابعة اقتصاديًا، حيث تصبح أميركا المستهلك الرئيسي لمنتجاتها مما يضمن استمرار تبعيتها. أما الهجرة الجماعية، فهي ضرورية للحفاظ على مجتمع ديناميكي وتنافسي للغاية، والأهم من ذلك، إبقاء السكان في حالة شبابية عدوانية وعنيفة.


لكن التضحيات الاقتصادية الناجمة عن إلغاء التصنيع والاستيعاب المتواصل للمهاجرين بأعداد متزايدة والاستنزاف الناتج عن الحروب المستمرة، كلها عوامل أدت إلى تنامي شعور بالضيق والسخط داخل بين صفوف العرق المهيمن، وهو شعور يميز جميع الإمبراطوريات الكبرى في مراحلها المتأخرة. في الولايات المتحدة، بدأت ملامح هذا الاستياء بالظهور خلال الولاية الثانية لإدارة جورج بوش الابن، ومنذ ذلك الحين استمرت في التصاعد بشكل ملحوظ.

أورد الموقع أن دونالد ترامب يُعد تجسيدًا بارزًا للعرق الجرماني المهيمن، وقد تمكن من التعبير عن استيائه بوضوح. ارتكزت حملته الانتخابية على شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" وهي تستند إلى ثلاثة أهداف رئيسية لمعالجة هذا الاستياء: إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة واستعادة الهيمنة الاقتصادية، تقليص تدفق الهجرة للحد من التأثيرات الثقافية والديموغرافية، وإنهاء الحروب الخارجية وإعادة الجنود الأمريكيين إلى الوطن.

لكن هذه الرؤية غير واقعية إلى حد بعيد لأنها تعني انسحاب الولايات المتحدة من إمبراطوريتها غير الرسمية والتراجع إلى عزلة قومية قديمة الطراز. وهذا أمر لن يسمح به الجهاز البيروقراطي للدولة، وهو ما أكده بوضوح خلال الولاية الأولى لترامب الذي اصطدم بصلابة "الدولة العميقة" التي حالت دون تنفيذ الكثير من سياساته.

لهذا تتمحور نوايا ترامب، رغم غموضها الكبير، حول تقليص نفوذ الإدارة الفيدرالية التي يصفها بـ "الدولة العميقة" - بمعنى سلبي - ورفع سلطة البيت الأبيض بدعم من الأغلبية في الكونغرس لإعادة تشكيل نهج أميركا الجيوسياسي نحو العزلة. لكن هذا الطموح يصطدم بعائق جوهري وهو استحالة تنفيذ نظام "التطهير الإداري" على عشرات الآلاف من البيروقراطيين المتخصصين، الذين يشكلون العمود الفقري للدولة. حتى لو نجح ترامب بمعجزة في هذا التحدي الضخم، فإن الهوية العميقة للأمة الأمريكية لن تتخلى أبدًا عن دورها كقوة عظمى مهيمنة عالميا.

وقال الموقع إن هنا تصطدم الدعاية الانتخابية بالواقع الجيوسياسي الصلب، حيث لا يمكن للرئيس بغض النظر عن سلطته ونفوذه أن يغيّر بسهولة الأسس الاستراتيجية التي تقوم عليها الهيمنة الأمريكية في العالم. لكن موظفي ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" ينتمون في الغالب إلى التيار المهيمن، مما يجعلهم شديدي الحساسية والاستجابة لمشاعر هذا التيار وتوجهاته. وقد شكّل الهجوم على مبنى الكابيتول قبل أربع سنوات نقطة تحوّل كبيرة في المسار الإمبراطوري لواشنطن، حيث أن الأجهزة الحكومية لم تستهِن أبدًا بهذه الموجة الحادة من السخط التي اجتاحت العاصمة قادمة من عمق البلاد.

يوضح ذلك التغيير التاريخي في الموقف الذي بدأته الولايات المتحدة خلال إدارة باراك أوباما، والذي تسارع بشكل كبير في عهد جو بايدن، مباشرة بعد محاولة الانقلاب في 6 كانون الثاني/ يناير 2021. وقد قلّصت أمريكا إلى الحد الأدنى تدخلها بل وحتى وجودها في المناطق التي تعتبرها أقل استراتيجية، معتمدة على وكلائها المحليين لإدارة تلك الساحات بدلاً منها.

يعد الشرق الأوسط، حسب التقرير، مثالًا بارزًا حيث عملت الأجهزة الحكومية الأمريكية بشكل مكثف على تحقيق تقارب بين "إسرائيل" والدول العربية السُّنية بهدف احتواء إيران، مما أدى في النهاية إلى توقيع "اتفاقيات إبراهيم". وبنفس النهج، جاء الانسحاب من أفغانستان، لكن بطريقة "غير منظمة" – إن صح التعبير – حيث لم يكن هناك توافق بشأن الانسحاب وتسليم البلاد في الوقت نفسه إلى حركة طالبان، بل شهدت الساحة انقسامًا واضحًا بين الوكالات الفيدرالية الأمريكية المختلفة.

وفي منطقة الساحل الإفريقي، أدت إعادة تموضع واشنطن إلى فشل فرنسا في الحفاظ على جميع مواقعها، مما تسبب في خسارة بعض معاقلها التقليدية أمام نفوذ روسيا. وفي الوقت ذاته، كثفت الولايات المتحدة سيطرتها على المناطق التي تعتبرها استراتيجية، مثل ألمانيا وأوروبا الشرقية والشرق الأقصى.

وذكر الموقع أن فرض الرسوم الجمركية أو تبني سياسات تحفيزية للصناعة الأمريكية، التي بدأت في عهد "باراك أوباما"، واستمرت خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب وتسارعت تحت إدارة جو بايدن لم يكن يهدف إلى تحقيق هدف وهمي أو غير اجتماعي متمثل في إعادة التصنيع كجزء من مشروع إمبريالي، بل كان الهدف منه تحقيق هدف استراتيجي واضح يتمثل في تقليص الفوائض التجارية الضخمة لكل من الصين وألمانيا.


تعتمد هاتان الدولتان بشكل رئيسي على تلك الفوائض للحد من القوى الانفصالية الداخلية القوية، التي لولاها لتفككت وحدتهما الوطنية. في الوقت نفسه، تساعد هذه الفوائض في تعزيز طموحاتهما الجيو-اقتصادية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي. ومع ذلك، لا يمكن للتأثير الجانبي الناجم عن إعادة التصنيع الجزئي الناتج عن هذه التدابير إلا أن يخفف من حالة السخط الاقتصادي داخل الفئة السكانية المهيمنة في الولايات المتحدة.

أشار الموقع إلى أن بناء جدار حدودي مع المكسيك، الذي بدأ في عهد إدارة أوباما ولا يزال مستمرًا منذ أربع سنوات، لا يهدف إلى وقف تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية بل يسعى لتحقيق هدف إمبريالي بحت يتمثل في تسهيل عملية استيعاب المهاجرين من خلال إنشاء حاجز مادي يقطع روابطهم الثقافية مع وطنهم الأم.

نتيجة انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر والخطاب الافتتاحي الأول لدونالد ترامب يؤكّدان توجهًا هيكليًا مستمرًا منذ ما يقارب عشرين عامًا داخل المجتمع الأمريكي: وهو الشعور بالسخط داخل العرق المهيمن. فالولايات المتحدة القارية، التي يغلب عليها الأصل الجرماني والتي تتحمل العبء الثقيل للإمبراطورية، تشعر بالإحباط والغضب. إنها تحمل ضغينة تجاه السواحل و"مقاطعات" أوروبا الغربية - أو ما يُعرف بـ"القارة العجوز" - حيث تُعتبر هذه المناطق طفيليات تعيش على حسابها وتُصنف على أنها المستفيد الأكبر من "السلام الأمريكي" دون تقديم أي تضحيات ضرورية لحمايته. وقد تمكن الرئيس الجديد من استيعاب هذا الشعور بالغضب والسخط والتعبير عنه بمهارة، مما مكنه من تحقيق انتصار في المواجهة الانتخابية.

بعيدًا عن كونه نقطة تحول أو حتى بداية لعصر جيوسياسي جديد، فإن تولي رجل الأعمال النيويوركي الرئاسة في البيت الأبيض سيعزز الموقف الأمريكي الجديد الذي يتبناه الجهاز الفيدرالي منذ أواخر سنة 2010، لا سيما على مستوى السرد السياسي. سترتفع الرسوم الجمركية، خاصة تلك المفروضة على المنتجات الألمانية والصينية.

وبحسب التقرير، فإنه من المؤكد أن "الشركاء" الأوروبيين سيتم دفعهم لتحمل مسؤوليات أكبر داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) للمساهمة في الدفاع عن "السلام الأمريكي" ضد خصومه. ومع أن نبرة الخطاب حول هذه القضايا تتغير، إذ أصبحت أقل ودية مقارنة بالحكومة السابقة، إلا أن الجوهر لا يزال كما هو.

مقالات مشابهة

  • عاجل:- الصين تعارض بشدة فرض الولايات المتحدة لرسوم جمركية إضافية وتخطط للرد
  • الصين والمكسيك وكندا تندد بالرسوم الجمركية التي فرضها ترامب
  • عاجل.. الصين تعتزم رفع دعوى قضائية على الولايات المتحدة أمام منظمة التجارة العالمية
  • هددوا الولايات المتحدة وحلفاءنا.. ترامب يعلن قتل إرهابيين في الصومال
  • "دي سكويرز" تعزز ريادتها في حلول الولاء بالشرق الأوسط عبر استحواذها على "بريبيت"
  • ما هي الرموز والشعارات التي ظهرت على منصة تسليم الأسرى في ميناء غزة؟
  • إمبراطورية بلا قائد... من الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة؟
  • منسقة السلام بالشرق الأوسط: شعرت بالعجز عند وصولي إلى غزة
  • وزيرا دفاع اليابان وأمريكا يتفقان على تعزيز تحالفهما الثنائي في ظل إدارة ترامب
  • فودافون تنافس Starlink.. تجربة ناجحة لأول مكالمة فيديو عبر الأقمار الصناعية