«الضوء».. وسيلة واعدة ومستدامة لتحلية المياه
تاريخ النشر: 20th, September 2023 GMT
يعد خطر نقص المياه قضية حرجة ومتعددة الأوجه ولها عواقب بعيدة المدى على البيئة والمجتمع البشري، ولعل من أهم مخاطرها أزمة الصحة العامة الناتجة عن عدم كفاية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والآمنة، إضافة إلى تهديد الأمن الغذائي، بما أن الزراعة تعتمد بشكل كبير على المياه لأغراض الري. ويمكن أن تؤدي ندرة المياه إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل ونقص الغذاء، مما قد يؤدي إلى حدوث أزمات غذائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بالإضافة إلى الآثار الاقتصادية والهجرة.
وتعد معالجة المياه من أولى الحلول المطبقة وقد تعتبر عملية حاسمة لضمان توافر مياه الشرب الآمنة والنظيفة، وحماية الصحة العامة، والحفاظ على البيئة. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أنه على الرغم من فعاليتها، فإن عمليات معالجة المياه التقليدية لها قيود وتحديات معينة يمكن أن تؤثر على قدرتها على توفير مياه نقية وغير ملوثة باستمرار.
إن مواد الحفز الكيميائي الضوئي والضوئي الحراري، وهي مواد تساعد في عملية تسريع التفاعلات الكيميائية دون استهلاكها في العملية وهي تلعب دورًا محوريًا في مجالات مختلفة، بدءًا من التصنيع الكيميائي الصناعي وإنتاج الطاقة وحتى المعالجة البيئية وبالخصوص معالجة أو تحلية المياه الملوثة والمالحة.
وتعتمد المحفزات التقليدية على التفاعلات الكيميائية على المستوى الذري أو الجزيئي لتسهيل التفاعلات. ومع ذلك، وفي السنوات الأخيرة، ظهر استخدام الضوء كمحفز وكوسيلة واعدة مستدامة، مما أدى إلى ولادة مجالين متمايزين ولكن مترابطين وهما التحفيز الضوئي والتحفيز الضوئي الحراري.
السر في الطاقة الضوئية
يعد التحفيز الضوئي والتحفيز الحراري الضوئي عمليتين متمايزتين لبدء وتسريع التفاعلات الكيميائية باستخدام الطاقة الضوئية. يتضمن التحفيز الضوئي امتصاص الفوتونات بواسطة أشباه الموصلات، مما يؤدي إلى إنشاء أزواج من حاملات الشحن وهي الثقوب والإلكترونات، والتي تلعب دورا أساسيا في تفاعلات الأكسدة والاختزال اللاحقة. في المقابل، يعتمد التحفيز الحراري الضوئي على تحويل الضوء إلى حرارة موضعية داخل نظام حفاز، مما يؤدي إلى تسريع حركة التفاعل عن طريق رفع درجة الحرارة. في حين أن التحفيز الضوئي مفيد لتطبيقات مثل تنقية المياه وأسطح التنظيف الذاتي، فإن التحفيز الحراري الضوئي مفيد بشكل خاص للتفاعلات التي تتطلب درجات حرارة عالية، مثل التكسير الحفزي وتكثيف البخار الكيميائي. ويعتمد الاختيار بين الاثنين على متطلبات التفاعل المحددة والنتائج المرجوة، حيث يستخدم التحفيز الضوئي الاستثارة الضوئية والتحفيز الحراري الضوئي باستخدام توليد الحرارة لدفع التحولات الكيميائية.
الضوء والتفاعل الكيميائي
تعتبر هذه المواد النانومترية طريقة متطورة وصديقة للبيئة لمعالجة المياه من بقايا المواد العضوية المختلفة والتي لا تستطيع الطرق التقليدية إزالتها. إن تحضير هذه المواد ذات الفعالية المرتفعة في مجالات الضوء الطبيعية المتوفرة يعد سابقة علمية. كما أن البحث في مجال تطوير نوع جديد من المحفزات الضوئية النانومترية مطلوب بشدة. من ضمن هذه المواد الجديدة هو الكربون المنترد والذي يعتبر ثورة جديدة في مجال المحفزات الضوئية مقارنة بالمحفزات الضوئية المحضرة من أكاسيد وكبريتدات المعادن والتي يكمن أن يكون لها آثار جانبية خطيرة وعديدة بالإضافة إلى نسبة الاستقرار الضعيفة. من مميزات الكربون المنترد أن له درجة عالية من الثبات الفيزيائي والكيميائي كما أن له القدرة الفعالة على العمل في مجال الضوء المرئي الطبيعي والمتوفرة بشكل جيد في السلطنة.
إن استخدام تقنية النانو لرفع كفاءة المواد الحفازة يعتبر أمرا حديثا يسهم في تصغير الجسيمات إلى مقياس النانومتر الذي يسهم بدوره في زيادة سطح التفاعل وبالتالي زيادة الفعالية للتحفيز الضوئي. تم تجربة المادة المحضرة ومقارنة كفاءتها في التكسير التحفيزي الضوئي للصبغات الملوثة وكانت النتائج جيدة من حيث رفع مستوى الفعالية.
تحفيز حراري
التحفيز الحراري الضوئي هو عملية متطورة تستغل التأثيرات المباشرة لمستويات الطاقة غير الإشعاعية، والمعروفة أيضًا باسم التحولات غير الإشعاعية أو العمليات غير الإشعاعية، حيث يلجأ أي نظام كمي لتغيير في الطاقة دون انبعاث أو امتصاص فوتون من الإشعاع الكهرومغناطيسي. تختلف هذه العمليات عن التحولات الإشعاعية، حيث تكون تغيرات الطاقة مصحوبة بانبعاث أو امتصاص الفوتونات (الضوء أو الإشعاع الكهرومغناطيسي).
وتعتمد هذه التقنية في جوهرها على التأثير الحراري الضوئي، حيث يتم امتصاص الضوء بواسطة مادة محفزة، مما يؤدي إلى تسخين موضعي ثم تسريع التحولات الكيميائية على سبيل المثال تبخير مياه البحر والمعروف بالتحلية. إن المبدأ الكامن وراء هذه العملية متجذر في آليتين أساسيتين: أولا: يؤدي امتصاص الفوتونات بواسطة المادة الحفزية إلى توليد إلكترونات عالية الطاقة، مما يثيرها إلى مستويات طاقة أعلى ويؤدي إلى إطلاق طاقة زائدة على شكل حرارة. يمكن لهذه الطاقة الحرارية أن تزيد معدلات التفاعل بشكل كبير من خلال تزويد المواد المتفاعلة بطاقة التنشيط اللازمة، وبالتالي التغلب على الحواجز الحركية. ثانيًا، يمكن أن تؤدي درجة الحرارة المرتفعة الناجمة عن التأثير الحراري الضوئي إلى تغيير مسارات التفاعل والديناميكا الحرارية، مما يؤدي إلى تكوين المنتجات المرغوبة. يعد التحفيز الحراري الضوئي مفيدًا بشكل خاص في تحفيز التفاعلات الصعبة التي عادة ما تكون بطيئة أو غير مواتية من الناحية الديناميكية الحرارية في ظل الظروف التقليدية. من خلال استغلال التفاعل الفريد بين امتصاص الضوء، وإثارة الإلكترون، والتدفئة الموضعية، يفتح التحفيز الحراري الضوئي طرقًا جديدة للتحولات الكيميائية الموفرة للطاقة والمستدامة والانتقائية، مع تطبيقات واسعة تتراوح من المعالجة البيئية وإنتاج الطاقة النظيفة إلى التوليف الحفزي للمركبات القيمة.. يحمل هذا المجال الناشئ وعدًا كبيرًا في تطوير الكيمياء الخضراء وتسهيل تطوير عمليات تحفيزية أكثر كفاءة وصديقة للبيئة، مما يساهم في النهاية في الانتقال نحو مستقبل أكثر استدامة.
د. فيصل بن راشد المرزوقي
أستاذ مساعد في الكيمياء بالجامعة الوطنية للعلوم والتكنولوجيا٬ كلية عُمان البحرية الدولية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مما یؤدی إلى الضوئی ا
إقرأ أيضاً:
وزير البترول: مصر تذخر بفرص واعدة فى قطاع التعدين
استمرارًا للجهود المتواصلة التي تبذلها وزارة البترول والثروة المعدنية للنهوض بقطاع التعدين وتعزيز الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، وفي إطار محاور العمل الرئيسية للوزارة والتي يأتي على رأسها تعزيز التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي ولا سيما مع دول القارة الأفريقية بهدف تعظيم القيمة المضافة من الموارد الطبيعية والثروات التعدينية، واستغلال كافة الطاقات التي تذخر بها القارة الأفريقية، وذلك في ضوء الأهداف المشتركة ووحدة المصالح.
ووسط ترحيب واهتمام شديدين بالمشاركة المصرية من طرف وزراء التعدين ورؤساء شركات التعدين العالمية الحاضرين بمؤتمر إندابا للتعدين المُنعقد بمدينة كيب تاون في جنوب إفريقيا من 3-6 فبراير 2025، والذي يعد أكبر مؤتمر شامل للتعدين في إفريقيا.
شارك المهندس كريم بدوي وزير البترول والثروة المعدنية كمتحدث رئيسي في الجلسة الوزارية الرئيسية التي تم عقدها تحت عنوان "تشكيل جبهة تعدين أفريقية موحدة: التعاون من أجل التنمية المستدامة" ضمن نخبة من وزراء وقادة صناعة التعدين بالقارة الأفريقية. وشارك في الجلسة الوزارية كل من جويدي مانتاشي، وزير الثروة المعدنية والبترولية، بجمهورية جنوب إفريقيا، وكيزيتو باكابومبا كابينجا مولومي، وزير المناجم بجمهورية الكونغو الديمقراطية، وبول كابوسوي، وزير المناجم وتنمية المعادن بجمهورية زامبيا. وأدارت الجلسة الدكتورة ماريت كيتاو، مدير المركز الأفريقي لتنمية المعادن.
وخلال حديثه استعرض المهندس كريم بدوي جهود تطوير قطاع التعدين في مصر والمحاور الأساسية لاستراتيجية عمل الوزارة في هذا الشأن والتي تشتمل على محور خاص بإحداث نقلة نوعية في قطاع الثروة المعدنية لزيادة مساهمته في الناتج المحلى الإجمالي من 1٪ حاليًا إلى ما يتراوح بين 5-6٪، وكذلك جهود القطاع لتحويل الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية إلى هيئة اقتصادية، بالإضافة إلى المحور الخاص بتعزيز ثقافة السلامة والصحة المهنية والاستدامة والبيئة وترشيد الطاقة بمختلف مراحل سلسلة القيمة لقطاع التعدين، لافتا إلى أن قطاع التعدين في مصر يشهد بداية ثمار التحديث ويسعى لمواصلة البناء على ما تحقق.
وفي هذا الإطار تطرق المهندس كريم بدوي إلى الفرص الواعدة والإمكانات الهائلة التي يذخر بها قطاع التعدين في مصر والتي يدعمها برنامج الحكومة المصرية الجديدة الذي يهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات، وتعزيز جاذبية قطاع التعدين في إطار رؤية مصر 2030، بهدف وضع مصر على خريطة الاستثمار التعديني العالمية. وأكد على اهتمام قطاع التعدين المصري ببناء شراكات مستدامة مع مختلف الشركاء المعنيين بصناعة التعدين، لافتًا في هذا الصدد إلى الإعلان مؤخرًا عن الانتهاء من نموذج اتفاقية استغلال المعادن المعدلة حديثًا، والتي تعكس الجهود الخاصة بتحسين مناخ الاستثمار وتؤسس لإطار قوي لتحقيق المنفعة المتبادلة لجميع الأطراف، بما يتماشى مع استراتيجية تحديث قطاع التعدين الشامل في مصر.
كما أوضح المهندس كريم بدوي أنه يجري العمل علي وضع استراتيجية للقيمة المضافة والصناعات التعدينية، وأخرى لمعالجة الآثار البيئية والاجتماعية لقطاع التعدين.
كما استعرض محاور استراتيجية تعظيم الاستفادة من المعادن الحرجة في دعم جهود التحول الطاقي لافتاَ إلى أن الطلب على المعادن الحرجة يشهد زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة بسبب الطلب العالمي المتزايد على تقنيات الطاقة النظيفة. وأوضح أن إنتاج هذه المعادن يكتنفه عدد من التحديات البيئية والاجتماعية، لافتًا في هذا الصدد إلى أن قطاع التعدين المصري يعمل على تعزيز التعاون مع مختلف أطراف صناعة التعدين لتطوير استراتيجيات من شأنها أن تسهم في تعزيز التوريد المسئول والإنتاج المستدام للمعادن الحرجة.
كما تطرق المهندس كريم بدوي إلى مبادرات تشجيع استخدام مصادر الطاقة المتجددة بمختلف مراحل الأنشطة التعدينية، وتحسين كفاءة العمليات في قطاع التعدين المصري من خلال استخدام أحدث التقنيات الرقمية والمعدات الأكثر كفاءة بما يسهم في تقليل الانبعاثات.
وأشار كذلك إلى أن قطاع التعدين المصري بصدد إطلاق "بوابة التعدين المصرية" على غرار بوابة مصر للاستكشاف والإنتاج EUG بهدف توفير بيانات جيولوجية تفصيلية ومعلومات شاملة للمستثمرين، وتعزيز الشفافية وسهولة التواصل بين الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية والمستثمرين.
وفي نهاية حديثه أكد المهندس كريم بدوي على أهمية التعاون والعمل التكاملي بين مختلف دول القارة الأفريقية لتعظيم الاستفادة من الثروات المعدنية التي تذخر بها القارة الأفريقية من خلال تعظيم القيمة المضافة من تلك الثروات بما يعود بالنفع على شعوب القارة.