كتاب ومهتمون بالتسويق الإلكتروني يثمنون إصدار اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية ويؤكدون مساهمتها في الحد من الممارسات الخاطئة
تاريخ النشر: 19th, September 2023 GMT
ـ 180 نشاطا تتضمنها اللائحة وإطلاق منصة لتوثيق المتاجر الإلكترونية
مسقط ـ «الوطن»:
ثمن عدد من المهتمين في التجارة الإلكترونية على أن القرار الوزاري الصادر من وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار الخاص باللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية مؤكدين على أن القرار يساهم في القضاء على الممارسات الخاطئة وسينظم العمليات المتعلقة بالبيع والشراء عبر الانترنت والتقليل من عمليات النصب والاحتيال المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، كما أن القرار سيساهم في إيجاد بيئة قانونية وتنظيمية لتطوير وتعزيز التجارة الإلكترونية، وتوثيق المتاجر الإلكترونية المحلية وتسهيل الوصول إليها.
وأوضحت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار أن إصدار اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية جاء بهدف تنظيم هذا القطاع وإيجاد قاعدة بيانات حقيقية لممارسي نشاط التجارة الإلكترونية بسلطنة عمان على مستوى الأفراد والشركات. مشيرة إلى أن إصدار اللائحة يعد إحدى مبادرات الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية التي تكمل سلسلة التشريعات التي صدرت من الوزارة أو من الجهات الشريكة الأخرى. كما أن ممارسة نشاط التجارة الإلكترونية سيشمل فئتي الأفراد والشركات، وستكون هناك تسهيلات لممارسة هذا النشاط ولجذب استثمارات نوعية في التجارة الإلكترونية.
وأكدت الوزارة على أنها ستطلق خلال الفترة المقبلة منصة توثيق للمتاجر الإلكترونية بالتعاون مع القطاع الخاص لتكون أول منصة لتوثيق المتاجر الإلكترونية بسلطنة عُمان، كما أن المرحلة الأولى من اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية ستشمل 180 نشاطا اقتصاديا، على أن يتم في المرحلة الثانية إضافة أنشطة تشارك في الإشراف عليها جهات أخرى. مشيرة إلى أن 57 شركة مرخصة تعمل في مجال التوصيل بالتجارة والمتاجر الإلكترونية مسجلة لدى وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار.
وقال رجب بن علي العويسي كاتب وباحث خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية بمجلس الدولة: يمثل إصدار وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية، تحولاً نوعياً في مسيرة العمل الوطني للانتقال بالاقتصاد الوطني إلى مستوى الكفاءة والإنتاجية، وهو انعكاس للجهود الوطنية الساعية إلى توسيع الخيارات الوطنية المعززة لاقتصاد المعرفة والذي يجعل من التقنية انطلاقة له في رسم ملامح المستقبل، كما أنه يعكس مستوى التقدم الحاصل في الخطة الوطنية للتجارة الإلكترونية الساعية إلى إيجاد بيئة قانونية وتنظيمية لتطوير وتعزيز التجارة الإلكترونية وضمان توثيق المتاجر الإلكترونية المحلية وتسهيل الوصول إليها، وتنظيم العمليات الخاصة المتعلقة بالبيع والشراء عبر الانترنت والمنصات والبرامج والتطبيقات الإلكترونية، كما أن اصدار هذه اللائحة سوف يعزز من الموثوقية ويرفع من سقف التوقعات الوطنية بشأن التوسع في الأنشطة الاقتصادية والتجارية عبر البوابة الإلكترونية الاستثمارية، ويخفض من هاجس القلق التي تواجه المستهلك أو المستفيد من الخدمة بسبب عمليات النصب والاحتيال وانتشار المحافظ الوهمية الأمر الذي أعطى صورة غير سارة حول آلية التعامل مع المتاجر الإلكترونية أو التسويق الإلكتروني والشبكي، وبالتالي يمثل هذا القرار رؤية استراتيجية عميقة في الاتجاه الصحيح سوف يكون لها نتائجها الإيجابية وآثارها النوعية في الحد من عمليات النصب والاحتيال المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وفي الوقت نفسه الاستفادة من التحولات الحاصلة في العالم في التعامل مع التجارة الإلكترونية وأفضل الممارسات العالمية في هذا الشأن، بالإضافة إلى الرقابة على المتاجر الإلكترونية ووضع الجزاءان الإدارية للمخالفين.
وأضاف الدكتور رجب العويسي: ما من شك فإن الوجه المشرق والايجابي لهذا القرار سيكون كبيرا على مختلف الأصعدة، وبشكل خاص المعلن والمسوق وصاحب العلامة التجاري، وصاحب المتجر القائم على التسويق لمنتجه أو بضاعته أو خدماته والتي يرغب أن تجد الاقبال عليها وشرائها ما يعزز من مقدرته على دفع التكاليف المرتبطة بهذا المتجر أو في بناء نظام أو برنامج تطبيقي قادر على أن يكون له حضوره في سوق التقنية والمنصات الاجتماعية، وهذا التفاؤل سوف ينعكس ايجابا على المستهلك الذي يجد في هذه المتاجر فرصته في التعامل معها والشراء منها، ويدرك أن أي تشريع في هذا الأمر سواء من الناحية القانونية والتشريعية أو الإجراءات وآليات العمل سيكون له نتاجها على تنشيط حركة البيع والشراء عبر المتجر، ويكون الاقبال عليه فوق المتوقع، ذلك أن الهاجس الشخصي الذي يظل يرافق مستخدم التقنية عامة وتطور التطبيقات الإلكترونية في الأنشطة التجارية أو الخدمية سوف يزول، وهنا تقوى روح الإرادة لدى كل منهما في الاستفادة مما وفرته التقنية من فرص التسويق والترويج وسرعة وصول المنتج للمستهلك، كما أن الحصول عليه يتم بكل سهولة وسلاسة فيحفظ حق المستهلك في حصوله على منتج عالي الجودة وصحي وآمن وفق مقاييس الجودة والكفاءة التي وفرتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار كما أن الخدمة المقدمة والتوسع فيها يتسم بالجودة، كما أن المتجر الذي يتعامل معه إنما هو متجر واقعي قانوني وأن ممارسة أي نشاط عبره سيكون وفق الشروط والمعايير التي تضعها الوزارة. وبالتالي سينتج عن تطبيق القرار مزيدا من الثقة والاريحية والالتزام بين المعلن والمستهلك، وأصحاب المتاجر الإلكترونية، فيزيل عقد الخوف من الإقدام على الشراء عبر هذه المنصات لقناعته بأن الإجراءات والعقوبات التي فرضها القرار ورتبها على المعلن صاحب المتجر والمستهلك كفيلة بتصحيح الأوضاع وتعظيم القيمة المضافة للمنتج والحصول عليه في الوقت والمكان وبالسرعة المطلوبة، كما أنه يدرك أن أي اخلال بالشروط وغياب للمعايير المتفق عليها بين الطرفين سيمكن المستهلك من ارجاعه ورفع الدعوى القضائية والقانونية على المتجر الذي أصبح له كيانه وموقعه وحضوره.
من ناحيته أشاد الكاتب الصحفي محمود بن سعيد العوفي والمهتم بالتسويق الإلكتروني أن اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية التي أصدرتها وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار سوف تنظم وتوجه هذا القطاع المتنامي وتشجع المؤسسات الصغيرة على استخدام التقنية الحديثة في البيع والشراء بطرق قانونية وحماية للمستهلكين من الاحتيال والتلاعب وضمان حقوقهم عند التسوق عبر الإنترنت، وحماية بياناتهم الشخصية، وبالتالي سوف يساهم في توفير بيئة منافسة عادلة ومشجعة للأعمال ..مؤكدا على أن اللائحة ستسهم في تعزيز الثقة في التجارة الإلكترونية، واعتماد المستهلكين على التسوق الرقمي وزيادة الوعي به.
وأشار محمود العوفي إلى أن اللائحة تسهم في حفظ وحقوق وواجبات المعلن والمستهلك من خلال إعلان صحيح وتقديم معلومات دقيقة وشفافة حول المنتجات أو الخدمات التي تساعد المستهلكين في اتخاذ قرارات مستنيرة في الشراء مع وجود سياسات واضحة للإرجاع والضمان وتسمح لهم بإعادة المنتجات المعيبة أو غير المناسبة، وكذلك توفر آليات واضحة لحل النزاعات بين المستهلكين والمعلنين بطرق عادلة وفعَالة، وتطبيق عقوبات على المخالفين، من أجل إيجاد بيئة تجارية أكثر نزاهة وحماية لحقوق المستهلكين من الغش والاحتيال.
بدوه ثمن هزاع بن صالح البلوشي ناشط ومختص في مجال التقنيات الإلكترونية صدور القرار الوزاري الخاص باللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية والذي أكد على أنه سوف يساهم في توثيق المتاجر الإلكترونية المحلية والأجنبية في سلطنة عمان بالإضافة إلى ذلك فإن القرار جاء ليكون دافعا للمستهلكين للاعلان والترويج لمنتجاتهم عبر المتاجر الإلكترونية المرخصة ..مشيرا إلى أن التكنولوجيا الحديثة هي الأداة المسيطرة في عصرنا الحديث بل إنها مفتاح الرقي وتطور المجتمعات، حيث أصبح العالم قرية واحدة ومتقاربة بشكل لم تشهده العصور السابقة كما هو الحال الآن.
وقال هزاع البلوشي: إن معيار الجهد والتعب هو الأمر الذي لطالما كان يشكل التحدي بالنسبة للمستهلك والمعلن في ما يتعلق بالتجارة الإلكترونية والترويج للمنتجات ألا أن الأمر أصبح الآن متغيرا تماما عما كان عليه في السابق حيث بدأت الكثير من التطورات المتعددة تسيطر وتدخل العالم بصورة تدريجية إلى أن استطاعت الوصول إلى ما نحن عليه الآن ..مؤكدا على أن التجارة الإلكترونية تتميز بأن متجرها الإلكتروني متاح طول الوقت، مما يتيح للعملاء سواء المعلن أو المستهلك من زيارة المتجر في أي وقت مناسب لهم، بغض النظر عن جدولهم الزمني وانشغالاتهم أو أوقات عمل المتجر أو موقعهم الجغرافي أيضا وبالتالي فإن ذلك يبعث شعور بالراحة للعملاء ومنحهم فرصة مرنة في زيارة المتاجر الإلكترونيّة والبحث عن المنتجات التي يريدونها بكل مرونة وسهولة.
من جانبها قالت أمل بنت علي البوسعيدية مدربة في مجال العقود والمناقصات الإلكترونية: صدور قرار اللائحة التنظيمية للتجارة الإلكترونية، جاء مواكبا للتطور السريع في العالم الرقمي حيث يساهم في حفظ حقوق المستهلكين حيث إن المستفيد الأكبر هو المستهلك من بداية وصف المنتج حتى استلامه للمنتج الصحيح ، في حين أن المعلن سيكسب التسويق والمصداقية عند المستهلكين.
وأضافت: إن القرار يشجع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على استخدام التقنية الحديثة وعرض منتجاتهم بطرق قانونية وآمنة للوصول إلى شريحة كبيرة من المستهلكين.
بدورها ثمنت ردينة بنت عامر الحجرية رئيسة جمعية الصداقة العمانية البحرينية بإن إصدار لائحة تنظيم التجارة الإلكترونية في سلطنة عُمان خطوة مهمة لتقنين الممارسات الخاطئة من جانب البعض وحماية للمستهلك ،مؤكدة على أن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار لا تالو جهداً في إتاحة ممارسة الأعمال التجارية على اختلافها وجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
وأضافت: جاء إصدار اللائحة في هذا السياق لتنظيم ممارسة الأعمال التجارية الإلكترونية التي أصبحت أحد ركائز ممارسة الأعمال وجزء من منظومة العمل الاقتصادي التي تتطلب تنظيم كغيرها من الأنشطة لما تمثله من أهمية على العديد من الأصعدة والمستويات.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: وزارة التجارة والصناعة وترویج الاستثمار التجارة الإلکترونیة المتاجر الإلکترونیة إصدار اللائحة المستهلک من یساهم فی على أن کما أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
السودان.. تاريخ المسارات الخاطئة والحروب الخاسرة
ليتَ القادة الأفارقة- والسودانيون جزء منهم- استمعوا بآذان التواضع للمفكّر الفرنسي رينيه دومون، حين أذن فيهم بكتابه: (أفريقيا.. البدايات الخاطئة) والذي خطّه في العام 1966، أي بعد عشر سنوات تقريبًا من نيل كثير من البلدان الأفريقية استقلالها.
ليتهم قرؤُوا كتابه الذي يسلّط الضوء على خطأ النموذج التنموي الذي اختارته النُخَبة الأفريقية لبلدانها بعد الاستعمار، بما فيه إعادة نمذجة دولة المستعمر بكل سوءاتها، وإضافة أثقال جديدة كسوء الإدارة، والفساد، والفشل في بناء النظم والمؤسسات التي تحدّ من سلطان الأفراد لصالح سيادة القانون، والتخطيط العلمي محل تسلّط القادة بفرض المشاريع الأيديولوجية المستوردة على شعوبهم، وتوطين الحرية بدلًا من الانقلابات العسكرية التي أورثت القارة واقع البؤس والحروب الأهلية، وكرّست الانقسام والتخلّف المميت.
ولربما ينهض السودان مثلًا شاخصًا على (البدايات الخاطئة)، والسير في مساراتها التي انتهت بنا إلى الحروب المستمرة منذ الاستقلال قبل سبعين عامًا ولا تزال.
بيدَ أن السودان كان يمتلك ميزة إيجابية نسبية، متفوقًا على كثير من الدول الأفريقية التي رسم حدودها المستعمر الأوروبي، إذ كانت تجربة الدولة فيه سابقة للاستعمار الإنجليزي الذي حلّ ضيفًا ثقيلًا على البلاد عام 1898 بعدما أسقط الدولة المهدية التي حكمت البلاد ستة عشر عامًا، وقبلها كانت (التركية السابقة) والتي امتدت لستين عامًا بعدما أسقطت المملكة السنارية التي حكمت أجزاء واسعة من السودان الحالي لمدة ثلاثة قرون.
إعلانإن التحالف الخلّاق الذي تم بين قبائل الفونج ذات الأصول المحلية في السودان، والقبائل العربية بقيادة عبدالله جماع، والذي تأسست بموجبه مملكة سنار في العام 1504، قد أجاب باكرًا على أسس التعايش المشترك بين المكونات القبلية المختلفة في السودان.
وكان يمكن للنخبة التي ورثت الحكم من المستعمرين استدعاء ذلك النموذج الخلّاق، والتأسيس عليه للإجابة عن سؤال الهوية المستجد بعد ستّين عامًا من الحكم الثنائي الإنجليزي- المصري.
ولكن، وبدلًا من سعي النخبة لبناء الأساس المتوافق عليه للعيش المشترك، ومن بعد ذلك التفرّغ لبحث الأنموذج الأحكم لبناء التنمية الاقتصادية الشاملة بتوظيف الموارد، وتنويع الإنتاج، مع الاهتمام بالصناعة، وإيجاد الأسواق المستقرّة للصادر السوداني عبر علاقات خارجية متوازنة قائمة على المصالح المتبادلة، غرقت النخبة السودانية -وبجميع اتجاهاتها الفكرية والسياسية- في بحر الأيديولوجيات القاتلة، والحوارات غير المنتجة، فتركت مسار التفكير الواقعي المنتج، والذي مجاله التنمية الاقتصادية، وسلكت أودية المشاريع الفكرية القائمة على (التهويم)، ومفارقة ما يطلبه الوطن في لحظته تلك.
الأيديولوجيا.. مدخل لفهم الأزماتنرى أن واحدة من أزمات السياسة السودانية المركزية، والتي ساهمت مساهمة كبيرة في هذا الواقع البائس اليوم، هي سيطرة الأيديولوجيات على مجمل المشهد الوطني، مما أنتج حالة التعصب، وعقلية خوض المعارك الصفرية (إما نحن أو لا أحد)، أو بعبارة أخرى: انتشار ثقافة الإقصاء والإقصاء المضاد. ولا يمكن استثناء فريق دون الآخر من هذه الثقافة التي صارت سمة مميزة للشأن العام في السودان.
والأيديولوجيا التي نعنيها في هذا المقال، هي: (الفكر غير المطابق للواقع)، كما يعرفها عبدالله العروي، وحين يسيطر التفكير المفارق للواقع على قادة الدولة، فإن النتيجة المحققة لمشاريعهم هي (الوهم)؛ لأن الأيديولوجيا، كما يقول المفكر الفرنسي بول ريكور، تمارس وظائفها من خلال ثلاث آليات:
إعلان تشويه الواقع: حيث تعمل على إنتاج صورة معكوسة عنه. تبرير الأوضاع القائمة: بإعطاء توضيحات وأسباب كامنة وراء أيديولوجيا معينة. إدماج الأفراد في هوية الجماعة: بتكوين بنية رمزية للذاكرة الجماعية.بهذا المفهوم، تغلغلت الأفكار غير الواقعية في السياسة السودانية، فقادت عجلة مسارها بعيدًا عن الأهداف الواقعية التي طالب السودانيون بتحقيقها بعيد خروج المستعمر الإنجليزي.
وللتدليل على هذا الزعم، دعونا نرَ كيف سيطرت بعض الأجندات والقضايا التي لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال ذات أولوية في الهمّ الوطني، ولكن ظلّت هذه القضايا هي محل الحوار والتنافس، والتشاكس والخلاف، وسببًا للحروب والنزاعات.
وسنتناول في هذا المقال قضيتين فقط تصلحان لتجلية كيف سيطر تفكير الأزمة على خيال النخبة السودانية، وكيف أنها أضاعت وقت البلاد والعباد في مسار خاطئ. ولا شك أن فساد المقدمات سيؤدي إلى فساد النتائج، وهو بالضبط ما حدث لهذا البلد المنكوب.
أولًا: الهوية كسؤال زائفظلّت قضية الهوية وسؤالها ثابتًا جوهريًّا في كل عهود الحكم الوطني، حتى صار من المسلَّم به أن بالسودان مشكلة هوية موروثة لا يمكن حلها.
وخلال عقود من الحكم الوطني، تمَّت تغذية النعرات القبلية، وإحياء الانتماءات الضيقة، بل ونشر خطاب الكراهية في بعض الأحيان، وهو الأمر الذي وسّع الشقة بين شمال السودان وجنوبه، حتى انتهى الأمر بانفصال جنوب السودان.
ولم تكن تلك التجربة المؤلمة لتعلّم السودانيين درسًا في التعايش والتسامح، بل استمرّ الوعي الزائف بوجود مشكلة في الهوية ينتشر فيما تبقى من جغرافيا البلاد، منذرًا بمزيد من الانقسامات بين السودانيين.
وبكل اطمئنان أقول: إن سؤال الهوية سؤال زائف، ورفعه إلى أعلى الأولويات في سلّم القضايا الوطنية فخٌّ وقعت فيه النخبة الوطنية، فصرفها عن الواجب الوطني نحو (السفسطة غير المنتجة).
إعلانلقد قامت المملكة السنارية قبل خمسة قرون على وعي كامل بالشروط الموضوعية لنجاح الدولة في بلد متعدد الأعراق مختلف السحنات، ورسّخت أصول الحكم فيها على علاقة التراضي بين مكونات الدولة، أو ما يعرف بالنظام الفدرالي في الأدبيات الحديثة.
ومع أن الركيزة الأساسية التي قامت عليها كانت التحالف بين قبائل الفونج والقبائل العربية، فإنه لم تكن هناك مشكلة كبيرة اسمها الهوية، بل اعتمدت المملكة على الشخصية السودانية التي تضافرت عوامل كثيرة عبر التاريخ لصناعتها، لتكون عامل وحدة واندماج طوعي دون إكراه أو استعلاء.
وقد يجادل مجادل هنا ليقول: إنّ السودان الحديث أضيف إليه جنوب السودان بكل تنوّعه الديني والعرقي، وهو مما يتباين تباينًا جوهريًّا مع شمال السودان. فنقول: إن استيعاب شروط التعايش مع الدولة الحديثة كان يقتضي من السودانيين استيعاب التعدد والتنوع، وفقًا لمفهوم التدرّج في تخلّق الهوية الوطنية الجامعة.
إذ إنّ الهوية، في نظرنا، هي عملية صيرورة لا تتحقق بالقوانين والأوامر. وبهذا المفهوم، فهي بحاجة للصبر والتعايش الخلّاق. وكان يمكن إعلاء روح شخصية الجماعة بدلًا من حوارات الهوية، وهو المفهوم الذي يعرفه البروفيسور بركات الحواتي عن البعض بأنه: (تلك القوى المعنوية في جماعة ما، تبرز صفاتها، وتعبّر عن مدى عزيمتها في التكاتف والتعاضد للنهوض بمجتمعها، وفي سعيها الحثيث نحو التقدم والمحافظة على تراثها في إطار اتحادها).
وهو المفهوم الذي اختصره الشاعر السوداني إبراهيم العبادي إذ يقول: (يكفي النيل أبونا والجنس سوداني).
نعم، كان يمكن – وما زال- الاكتفاء بالهوية السودانية، وتطويرها عبر مناهج التعليم ومرتكزات الثقافة والفكر، لتصل بنا إلى القومية السودانية الجامعة التي بشّر بها أحد رواد النهضة السودانية المجهضة، ورئيس الوزراء السابق محمد أحمد المحجوب: (وأول الطرق لبث الشعور القومي هو أن نعمد إلى عصبية القبائل الحالية، ونحولها إلى عصبية وطنية شاملة).
إعلانوكان المحجوب ورهطه من أبكار المثقفين السودانيين قد تميزوا في مجلة الفجر بالمناداة بالقومية السودانية نموذجًا للتعامل مع سؤال الهوية، ولكن مشروعهم ذلك دُفن تحت سنابك التيارات الحديثة المثقلة بسلاح الأيديولوجيات الإقصائية.
في سؤال الهوية، أقول: لقد اجتهد المثقفون السودانيون في صناعة الأزمة، وأوهموا أنفسهم بعد ذلك أنهم يبحثون عن حل لمشكلة حلّت على السودانيين (بما كسبت أيديهم).
وليت السودانيين استفادوا من النصيحة الغالية التي قدّمها لهم أحد الحكماء والمفكرين الأفارقة، وهو المفكر الكيني علي المزروعي، في زيارته للخرطوم في الستينيات من القرن الماضي، إذ ركّز على أهمية الوعي بالجغرافيا السياسية للسودان، واستثمارها لتكون عاملًا للقوة، بدلًا من أن تنتصر الهامشية المركبة للسودان الذي يقبع في (سافل العربان وهامش الأفارقة) على حد وصف الدكتور عبدالله علي إبراهيم.
وللأسف الشديد، لم يكن الوعي الوطني كافيًا للاستفادة من الجغرافيا السياسية للبلاد، وتوظيف ذلك لإثراء التنوع الداخلي والاستفادة منه لتقوية الجبهة الداخلية.
بدلًا من ذلك، تسلّل إلى الفكر السوداني باكرًا الدعوة لعروبة السودان، وفرض ذلك بالقوة القسرية، الأمر الذي أنتج سردية أخرى مغايرة تنادي بالأفريقانية. وحتى حين قامت مدرسة الغابة والصحراء كحل توفيقي ينادي بالتوفيق بين المدرستين، لم يكن ذلك كافيًا لاستعادة مسار الدولة الوطنية التي ابتدرتها المملكة السنارية.
ثانيًا: الشريعة الإسلاميةالقضية الثانية التي ثار حولها الخلاف، هي قضية الشريعة الإسلامية. وفي رأينا، أن كل ما ثار حول هذه القضية كان يمكن تجنّبه، لو تخلّت الأطراف عن تفكيرها الحزبي، ونظرت للأمر من زاوية علمية وموضوعية. وعلى كل، فإن مقالنا القادم سيتناول هذه القضية المؤثرة في السياسة السودانية.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline