ممر الهند أوروبا.. أهداف جيوسياسية تتجاوز التنمية الاقتصادية
تاريخ النشر: 18th, September 2023 GMT
يعدّ مشروع الممر الرابط بين منطقة المحيط الهندي والشرق الأوسط وأوروبا، مؤشرًا جديدًا على مدى تصاعد المنافسة الجيوسياسية بين الهند والصين، وتزايد الصراع على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا والتجارة والنفوذ الإقليمي والعالمي.
ويشير تقرير للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أن المشروع يمثل ذروة الأفكار والجهود الأمريكية، لتحدي الصين، ووقف تمددها في منطقة حيوية للمصالح الأمريكية.
والأسبوع الماضي، وقّعت الولايات المتحدة والسعودية والإمارات والهند وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي، على هامش قمة العشرين التي عقدت في نيودلهي، مذكرة تفاهم لإنشاء ممر اقتصادي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا.
ويشمل الممر بناء خطوط للسكك الحديدية وأنابيب لنقل الطاقة، وكابلات لنقل البيانات.
ويعدّ هذا المشروع، الذي وصفه الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ"التاريخي"، بمنزلة رد أمريكي على مشروع "الحزام والطريق" الذي طرحته الصين عام 2013، والذي يُنظر إليه في الغرب على أنه مشروع جيوسياسي بغطاء اقتصادي - تنموي يهدف إلى مد نفوذ الصين عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ويهدف المشروع الأمريكي أيضًا إلى تثبيت منطقة الشرق الأوسط منطقةَ نفوذ أمريكية في مقابل محاولات الصين اختراقها، وكذلك دمج إسرائيل في المنطقة العربية، وتعزيز موقع الهند في مواجهة الصين.
اقرأ أيضاً
الممر الواصل بين الهند أوروبا يتلافي سلبيات مشروعات أخرى.. كيف؟
وتتمحور فكرة المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، بما يخفض التكاليف اللوجستية للنقل، بنحو 40%، ويعزز فرص التنمية في المنطقة التي يشملها.
ويتكون المشروع من ممرين: هما الممر الشرقي ويربط الهند بدول الخليج العربي، والممر الشمالي الذي يربط دول الخليج بأوروبا عبر الأردن وإسرائيل.
وقد أشاد بايدن بقدرة المشروع "على رفع مستوى النمو في الجنوب العالمي"، عبر إنشاء خطوط جديدة للسكك الحديدية من الهند على طول الطريق إلى البحر الأبيض المتوسط، مع ممرات للشحن وخطوط أنابيب لنقل الكهرباء والهيدروجين لتحقيق النمو الاقتصادي.
وسيشمل هذا المشروع أيضًا كابلًا بحريًا جديدًا لنقل البيانات وربط موانئ المنطقة.
ورغم تأكيد بايدن على أن المشروع لا يهدف إلى منافسة الصين، وأن أهدافه تنموية بالدرجة الأولى، فإنه لا يمكن إغفال الجوانب السياسية المتصلة به، خصوصًا مع اقتراب انعقاد المنتدى الثالث لمبادرة "الحزام والطريق"، واستمرار الجهود التي تبذلها واشنطن لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وخصوصًا السعودية.
اقرأ أيضاً
طريق التنمية.. تركيا تدفع ببديل للممر التجاري بين الهند وأوروبا
وتحاول إدارة بايدن، منذ عام 2021، طرح مقترحات لمشاريع بنية تحتية كبرى، لمواجهة نفوذ الصين المتنامي عبر العالم، وفي منطقة الخليج والشرق الأوسط، خصوصًا.
وخلال قمة الدول الصناعية السبع الكبرى في كورنويل – بريطانيا في حزيران/ يونيو 2021، طرح بايدن مبادرة استراتيجية تحت اسم "إعادة بناء عالم أفضل" تهدف إلى مساعدة دول العالم النامية خصوصًا في تطوير بنيتها التحتية ومشاريعها التنموية بحلول عام 2053 بقيمة 40 تريليون دولار، لقطع الطريق على الصين "الساعية إلى السيطرة" على هذه الدول من خلال مبادرة الحزام والطريق.
ومنذ يناير/كانون الثاني 2023، بدأت الولايات المتحدة بإجراء محادثات مع الهند والسعودية والإمارات وإسرائيل، حيث وضعت إدارة بايدن رؤية لتطوير ممرات اقتصادية، من خلال طرح استراتيجية للاستثمار عبر قطاعات متعددة في البلدان المُشار إليها، للاستفادة من "التأثيرات الأوسع لتعزيز التنمية الاقتصادية وتأمين سلاسل التوريد العالمي، وتعزيز التواصل الإقليمي.
وجاء الإعلان عن المشروع على ما يبدو حصيلة لهذه المحادثات التي جرت خلف أبواب مغلقة.
وتعدّ هذه المحادثات امتدادًا للاتفاقات الرباعية التي جرى التوصل إليها عام 2022 في إطار صيغة مجموعة (I2U2) التي ضمت، إلى جانب الولايات المتحدة، الهند وإسرائيل والإمارات.
وقد مثلت "اتفاقات أبراهام" التي رعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، لدمج إسرائيل في النظام الإقليمي للمنطقة العربية، الأرضية التي نشأت على أساسها مجموعة (I2U2).
اقرأ أيضاً
الممر الاقتصادي.. الخليج لا يراه منافسا للصين ونفوذ الغرب لن يكون مطلقا
ووفق التقرير، فيبدو أن السعودية انضمت إلى فكرة المشروع، نتيجة التطور الكبير الذي طرأ على علاقتها بالهند منذ وصول الحزب القومي الهندي باهاراتيا جاناتا إلى الحكم بزعامة رئيس الوزراء ناريندا مودي 2014.
ويلفت إلى أن مقدار اهتمام السعودية بعلاقاتها مع الهند بدا واضحًا في تصريحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أثناء قمة العشرين، حيث أشاد بالمستوى الذي وصلت إليه العلاقة بين البلدين بما تحمله من "منفعة متبادلة، وفرص مستقبلية مشتركة".
وحصل دخول السعودية في المبادرة بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية التي تبذلها إدارة بايدن لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والتي تكثفت في الشهور الأخيرة في محاولة لعقد "معاهدة سلام" بين الطرفين قبل انطلاق موسم الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة في ربيع 2024.
وبرز اهتمام الاتحاد الأوروبي بأداء دور أساسي في إنشاء الممر الاقتصادي، خلال زيارة قامت بها أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إلى أبوظبي في 7 سبتمبر/أيلول 2023، حيث اعتبرت الاتفاقية جزءًا أساسيًا من جهود الاتحاد لتمتين العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول الخليج، خاصة في ضوء حرب روسيا ضد أوكرانيا، وحاجة أوروبا إلى إيجاد بدائل من الطاقة الروسية.
ويسعى المشروع إلى ربط الهند بأوروبا من خلال خط سكة حديد، والموانئ القائمة في الإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، لربط المراكز التجارية في القارتين الآسيوية والأوربية وتسهيل تطوير الطاقة النظيفة وتصديرها، ودعم أوجه التعاون في المجالات التجارية والتصنيعية القائمة، وتعزيز الأمن الغذائي وسلاسل التوريد.
اقرأ أيضاً
تشاتام هاوس: الممر الاقتصادي لن يكون طريقا للتطبيع بين السعودية وإسرائيل
كما يستهدف ربط شبكات الطاقة وخطوط الاتصالات عبر الكابلات البحرية لضمان الوصول المستمر إلى الكهرباء، وتعزيز ابتكار تكنولوجيا الطاقة النظيفة المتقدمة وربط المجتمعات بالإنترنت الآمن والمستقر، وإطلاق العنان لاستثمارات جديدة بين الشركاء، بما في ذلك القطاع الخاص، وتحفيز خلق فرص عمل جيدة.
وبناء عليه، وفق التقرير، فإن الخريطة الجغرافية للمشروع المطروح بشكله الأولي تفيد أن الممر المقترح سيمتد، عبر بحر العرب من الهند إلى الإمارات، ثم يعبر السعودية والأردن وإسرائيل، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط.
ولكن طرح المشروع بلغة اقتصادية لا يكفي لفهم منطلقاته وأهدافه، فثمة أهداف أخرى استراتيجية أساسية، منها، تثبيت النفوذ الأمريكي في المنطقة وقطع الطريق على مساعي الصين لاستقطاب دول الخليج العربي، عبر تقديم بديل اقتصادي ينافس مشروع الحزام والطريق.
كما يستهدف المشروع تأكيد التزام واشنطن بالشراكة الاستراتيجية مع حلفائها، ومحاولة ردم فجوة الثقة التي تصاعدت في المنطقة تجاهها، بعد أن اعتبره بعض حلفائها تخليًا عن حليفها الرئيس المصري حسني مبارك عام 2011، والهجمات التي تعرضت لها ناقلات ومنشآت نفطية خليجية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي مع إيران، وخلال الحرب في اليمن، من دون أن تقدم لها واشنطن حماية تذكر.
وبرعايتها لمشروع الممر الاقتصادي، أرادت إدارة بايدن القول إن الولايات المتحدة "لن تنسحب وتترك فراغًا تملؤه الصين أو روسيا أو إيران"، وإنها لن تترك منطقة الشرق الأوسط لأهميتها الكبيرة فيما يخص ممراتها المائية الضرورية للتجارة العالمية وسلاسل التوريد وموارد الطاقة.
اقرأ أيضاً
بعد الممر الاقتصادي.. هل قررت السعودية فصل نزاع الهند وباكستان عن سياساتها بجنوب آسيا؟
كما تسعى الولايات المتحدة إلى دمج إسرائيل في المنطقة، وهو أمر تسعى إدارة بايدن إلى تحقيقه بشغف كبير، حيث يعدّ الممر الاقتصادي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، رحب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووصفه بأنه "أكبر مشروع تعاون في تاريخنا" من شأنه أن "يغير وجه الشرق الأوسط وإسرائيل وأوروبا وسيؤثر في العالم أجمع".
كما يهدف المشروع وفق التقرير، إلى عزل إيران من خلال تعزيز الشراكة بين الهند ودول الخليج وإسرائيل، فمن خلال إنشاء تحالف اقتصادي بين هذه الأطراف تعمد الولايات المتحدة إلى قطع الطريق على أي محاولات إيرانية للتقارب مع الهند، بما في ذلك إبعاد الأخيرة عن الاستثمار في ميناء تشابهار الإيراني على بحر العرب، والذي يمثل محورًا رئيسًا في مشروع إيران الطموح إلى إنشاء ممر جنوب-شمال بين الهند وأوروبا.
ويضيف التقرير: "الواقع أن ممر الهند-الشرق الأوسط-أوروبا يعني عمليًا القضاء على فكرة المشروع الإيراني الذي كانت تطمح من خلاله طهران إلى التحول إلى نقطة عبور رئيسة على خط التجارة العالمية بين آسيا وأوروبا".
ورغم الحماسة التي رافقت إطلاق المشروع، فإن شكوكًا تحيط به، إذ لا توجد حتى الآن تفاصيل كثيرة عن التمويل أو الإطار الزمني، مع أنه جرى التأكيد على أن المسؤولين في البلدان المعنية سيضعون في غضون 60 يومًا خطة عمل وجدولًا زمنيًا لتنفيذ المشاريع، بما فيها ربط شبكات الطاقة، ومد الكابلات البحرية والبرية، وتوفير المزيد من الاتصالات الرقمية.
ويختتم التقرير بالإشارة إلى أن التجارب السابقة بخصوص مشاريع البنية التحتية الطموحة، عبر الحدود في المنطقة العربية، لم تحظَ سوى بالقليل من النجاح، كما أن مشروع شبكة السكك الحديدية المخطط لها بطول 2117 كيلومترًا التي تربط الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية لم يحرز تقدمًا كبيرًا على الرغم من إطلاقه قبل عقد من الزمن.
اقرأ أيضاً
رغم العوائق.. الممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا سيكافح للوصول إلى أهدافه
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: ممر اقتصادي الصين أمريكا الخليج التطبيع إسرائيل الولایات المتحدة الممر الاقتصادی الحزام والطریق الشرق الأوسط إدارة بایدن فی المنطقة دول الخلیج اقرأ أیضا ربط الهند بین الهند من خلال
إقرأ أيضاً:
عقوبات أم مساومات.. من بايدن الى ترامب: كيف تستخدم واشنطن العراق لخدمة مصالحها؟
بغداد اليوم - خاص
في دهاليز السياسة الأمريكية، حيث تُدار الحروب بقرارات رئاسية، ويُرسم مصير الدول بمصالح الشركات الكبرى، يبرز العراق كأحد أبرز الساحات التي تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية والاقتصادية.
منذ سنوات، تحولت بغداد إلى نقطة ارتكاز في الاستراتيجيات الأمريكية، ليس كحليف حقيقي، بل كورقة تُستغل كلما دعت الحاجة. واليوم، تحت إدارة دونالد ترامب، يتعرض العراق لموجة جديدة من الضغوط تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للولايات المتحدة، بينما تُقدَّم على أنها حملة لضبط النفوذ الإيراني.
لكن خلف هذه الإجراءات، تتوارى أزمات داخلية أمريكية خانقة، ومحاولات مستميتة للتغطية على فشل الإدارات السابقة، وعلى رأسها إدارة جو بايدن، التي تركت إرثًا من الإخفاقات في الشرق الأوسط، إلى جانب أزمة اقتصادية تهدد بانهيار غير مسبوق للاقتصاد الأمريكي.
الضغوط الأمريكية.. لعبة سياسية أكثر من مواجهة حقيقية
كل ما يفعله ترامب في الشرق الأوسط، والضغوط التي يمارسها على العراق، لا تعكس بالضرورة استراتيجية أمنية واضحة أو سياسة خارجية ثابتة، بل هي مجرد أدوات يستخدمها لخدمة مصالحه السياسية والاقتصادية.
الأمر الأول: محاولة التغطية على إخفاقات إدارة بايدن، حيث توجد أدلة على أن بايدن، خلال فترة حكمه، تواطؤ مع جهات شرق أوسطية وسمح بتمدد النفوذ الإيراني في العراق، مما جعل الجمهوريين يستخدمون هذا الملف لإظهار ضعف الديمقراطيين في إدارة السياسة الخارجية.
الأمر الآخر: الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الولايات المتحدة، والتي باتت تُشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار المالي الأمريكي، حيث تظهر أرقام التسريح الجماعي للموظفين في الشركات الكبرى والمؤسسات الصناعية كدليل على حجم الأزمة. ترامب، الذي يواجه ضغوطًا داخلية متزايدة، يسعى إلى تحويل الأنظار عن الداخل الأمريكي، عبر افتعال أزمات خارجية تشغل الرأي العام، ويأتي العراق في مقدمة هذه الملفات.
مصرف الرافدين في عين العاصفة: اتهامات بلا أدلة
ضمن سلسلة الضغوط، يأتي ملف مصرف الرافدين كواحد من أبرز الأهداف الأمريكية، حيث تتهم واشنطن العراق وإيران بالتورط في تمويل أنشطة مشبوهة ودعم الحرس الثوري، وهي اتهامات لم تستند إلى أدلة قانونية واضحة، بل جاءت في سياق حملة تضييق اقتصادي على بغداد.
الحكومة الأمريكية تدرك جيدًا أن هذه التعاملات تتم ضمن الأطر القانونية والتجارية الدولية، لكنها تسعى إلى خلق حالة من الهلع المالي والاقتصادي داخل العراق، لإجبار بغداد على الخضوع لخيارات أمريكية محددة.
لكن المفارقة هنا، أن الإدارة الأمريكية نفسها لا تملك القدرة على إغلاق هذا الملف، ولا حتى تقديم بدائل اقتصادية للعراق، مما يجعل الضغوط أشبه بأداة ابتزاز سياسي، أكثر منها إجراءً اقتصادياً ذا أثر حقيقي.
الاقتصاد العراقي بين واشنطن والحاجة لدول الجوار
العراق، الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز والكهرباء المستوردين من إيران، لم يجد أي خطط بديلة قدمتها الولايات المتحدة، بل تُرك يعتمد على منظومة اقتصادية هشة، جعلته مضطرًا إلى تعزيز علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار، رغم الضغوط الخارجية.
الولايات المتحدة، التي كانت تمتلك فرصة تاريخية لإعادة بناء الاقتصاد العراقي على أسس متينة بعد 2003، تركت البلاد متخلفة اقتصاديًا، باستثناء الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل.
هذا الفشل الأمريكي في تقديم حلول حقيقية، يجعل أي ضغوط لمنع العراق من التعامل مع إيران أو أي دولة أخرى، أقرب إلى محاولة خنق بغداد اقتصاديًا، دون تقديم بدائل ملموسة.
الملف العراقي: ساحة لخدمة مصالح ترامب الاقتصادية
تحت غطاء مواجهة النفوذ الإيراني، تسعى واشنطن إلى تمرير صفقات اقتصادية لصالح شركات أمريكية مرتبطة بدوائر النفوذ داخل إدارة ترامب. فالضغوط التي تُمارس على الحكومة العراقية لا تهدف فقط إلى عزل إيران اقتصاديًا، بل إلى إجبار العراق على تقديم امتيازات لشركات أمريكية محددة، في قطاعات الطاقة والاستثمار والمقاولات.
الرئيس الأمريكي، الذي يواجه انتقادات متزايدة بسبب سياساته الداخلية، يحاول إعادة فرض الهيمنة الاقتصادية الأمريكية على العراق، عبر صفقات تخدم دوائر النفوذ الاقتصادي داخل البيت الأبيض.
ازدواجية المعايير: واشنطن ليست جادة في مواجهة إيران
لو كانت الولايات المتحدة جادة حقًا في محاصرة إيران، لكانت المواجهة مباشرة، بدلاً من استخدام العراق كأداة ضغط. فالواقع يشير إلى أن واشنطن، رغم كل تصريحاتها، لا تزال تدير علاقتها مع طهران وفق حسابات دقيقة، وتستغل العراق فقط كوسيط لتطبيق استراتيجياتها.
الأمر لا يتعلق فقط بفرض عقوبات أو إغلاق ملفات مالية، بل هو جزء من سياسة أمريكية طويلة الأمد، تُبقي العراق في حالة من الفوضى الاقتصادية والسياسية، حتى يظل بحاجة دائمة إلى التدخل الأمريكي.
إلى أين يتجه العراق وسط هذه الضغوط؟
المشهد الحالي يعكس حقيقة واضحة: واشنطن تستخدم العراق كورقة ضغط لخدمة أجنداتها الداخلية والخارجية، دون أن تقدم حلولًا واقعية لمشكلاته الاقتصادية والسياسية. ومع استمرار هذه الضغوط، تجد بغداد نفسها أمام خيارين:
إما الخضوع لهذه السياسات، والاستمرار في حالة الارتهان الاقتصادي والسياسي، أو تبني سياسة أكثر استقلالية، عبر تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على واشنطن، لصياغة معادلة أكثر توازنًا في علاقاتها الدولية.
لكن هذه الخطوة ليست سهلة، إذ تتطلب إجماعًا داخليًا، وإرادة سياسية قادرة على مقاومة الابتزاز الأمريكي، والبحث عن حلول عملية تُخرج العراق من هذه الحلقة المفرغة.
المصدر: قسم التحليل والمتابعة في وكالة بغداد اليوم