الازدواجية الثقافية فى الواقع العربى المعاصر -6
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
-1-
نقل حسن البنا عن رشيد رضا موقفه السلفى المتصالح جزئيًا مع الحداثة السياسية. وهو موقف يعبر عن تكوين فكرى هجين، مفهوم عمومًا فى مناخ الارتباك الثقافى الذى يصاحب مراحل التحول الاجتماعى الواسع. يخفى هذا الموقف إعجابًا مضمرًا بالحداثة، ونزوعًا براجماتيًا تحركه دوافع سياسية مباشرة، لكنه يظل «سلفيًا» وهو يسعى إلى تسكين الدولة الحديثة داخل قوالب النظام التراثى الاسلامى.
تم ذلك بشكل انتقائى، ومن خلال عملية إعادة تأويل متعسفة لمفردات الحداثة والتراث معًا؛ فالديموقراطية مثلًا تندرج تحت مصطلح الشورى، الأمر الذى استلزم تعريفًا للديموقراطية يتسع للمعنى الثيوقراطى، وتعريفًا للشورى يتسع لمعنى المشاركة الشعبية وبشرية التشريع. وكلاهما تعريف مضلل؛ الأول لا يقبله الفكر المدنى الحداثى، والثانى لا يقبله الفكر الأصولى المتشدد. ولذلك لم تنتج هذه العملية أكثر من نسخة سطحية مشوشة لنظرية الدولة، فضلًا عن صبغ الأداء السياسى والحركى للإخوان بالاضطراب والتردد.
-2-
يعلن البنا أن «المبادئ الأساسية للحكم الدستورى متفقة، بل مستمدة من نظام الإسلام»، ويشرح ذلك بقوله «إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستورى التى تتلخص فى المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم. ولذلك يعتقد الإخوان أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام».
فى هذا النص يتجاهل البنا- عمدًا- جوهر التناقض بين النظام الدستورى الحديث والنظام الإسلامي؛ وهو يقدم تلخيصًا «قاصرًا» لمبادئ النظام الأول، ويخلط فى خصوص الثانى بين القيم الكلية الواردة فى النصوص، والنظرية السياسية التى قننها « الفقه» ترجمة للأمر الواقع فى عصور التدوين. المبادئ الأساسية للحكم الدستورى لا تقتصر على هذه القواعد العامة التى تعالج مشكل الاستبداد الأوتوقراطى، والتى يمكن ردها إلى الكليات الأخلاقية المشتركة فى جميع الديانات والفلسفات السياسية. ويقوم الحكم الدستورى الحديث على مبدأين أساسيين؛ القانون، والمواطنة أى على «وضعانية التشريع» ( = التشريع صلاحية بشرية/ عملية اجتماعية متغيرة)، و «علمانية» العلاقة بين الدولة ورعاياها ( = المساواة فى المراكز القانونية للأفراد بغض النظر عن الدين). عند هذه النقطة يتناقض الحكم الدستورى جذريًا مع النظام الإسلامى بوصفه نظامًا ثيوقراطيًا يجعل التشريع صلاحية «إلهية» مطلقة أى حصرية ومؤبدة، ويجعل علاقة الدولة بالأفراد علاقة دينية. ولذلك فإن الفكر الإسلامى قد يستطيع نظريًا الالتفاف على المشكل الأوتوقراطى عن طريق التخلى عن «الفقه» والاستناد مباشرة إلى النصوص الكلية ذات الطابع المطلق، لكنه يواجه صعوبات حقيقية فى تجاوز «المشكل الثيوقراطي» الذى يكمن فى بنية الديانة كما تطرحها المدونة الرسمية.
لكن الوعى الأصولى لم يتخل كليًا عن الفقه.
ينكر هذا الوعى بجميع أطيافه مضمون المشكل الثيوقراطى، أى ينكر على الحداثة السياسية حق النقاش حول «أبدية» القانون. الذى يجب أن يكون كذلك بحكم مصدره الإلهى المفترض. إلاَّ أن الفكر الإخوانى بتكوينه المهجَّن ودوافعه العملية، يقبل بمحاورة الحداثة، والالتقاء معها فى منتصف المسافة، خلافًا لتيارات الفقه السلفى الأكثر تشددًا، والتى ترفض بتكوينها الأحادى النقلى مبدأ النقاش حول «الثوابت الشرعية»، وتنكر من حيث الأصل وجود مشكل فى الثيوقراطية ( الثيوقراطية هى الدين، ولتذهب الحداثة إلى الجحيم).
فى هذا الإطار يلزم قراءة الطرح النظرى والأداء السياسى للإخوان فى مسألة القانون والشريعة، وحول الدولة الدستورية بوجه عام؛ الطرح النظرى توفيقى غامض، والأداء السياسى يتسم بالمراوغة والتردد بين الإنكار العلنى والتقية، وكمثال واضح يمكن مناقشته الموقف الإخوانى المتذبذب من فكرة «الأحزاب» والمشاركة فى التعددية السياسية.
-3-
مع تسليمه «بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري» رفض البنا فكرة الأحزاب السياسية من حيث المبدأ، وبنى رفضه على الحيثيات الآتية: «أعتقد أن الإسلام وهو دين الوحدة فى كل شيء، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح والتعاون الصادق بين بنى الإنسان جمعيًا فضلًا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. والقرآن الكريم يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا». ويقول رسول الله عليه السلام «ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين». يواصل البنا:«كل ما يستتبعه هذا النظام الحزبى من تنابذ وتقاطع وتدابر وبغضاء يمقته الإسلام أشد المقت ويحذر منه فى كثير من الأحاديث والآيات. وفرق أيها الإخوان بين «الحزبية» التى شعارها الخلاف والانقسام فى الرأى والوجهة العامة فى كل ما يتفرع منها، وبين حرية الآراء التى يبيحها الإسلام ويحض عليها، وبين تمحيص الأمور وبحث الشئون والاختلاف فيما يعرض تحريًا للحق، حتى اذا وضح نزل حكمه على الجميع سواء كان تابعًا للغالبية أو للإجماع، فلا تظهر الأمة إلا مجتمعة ولا يرى القادة إلا متفقين» (مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين 1358 هـ.).
بعيدًا عن لغة الطرح الخطابية- التى تشير إلى ثقافة «تقليدية» ساذجة، وتكشف عن غرض سياسى تحريضى – ما يستدعى النقاش فى نص البنا هو فهمه الخاص لمعنى الحزبية السياسية، ومرجعيته التراثية الفقهية التى تكمن وراء هذا الفهم:
ينظر البنا إلى الحزبية على أنها محض شقاق وافتراق معيب. لا يتعلق الأمر بالتجربة النيابية المصرية حصرًا، بل بفكرة الحزبية عمومًا ومن حيث المبدأ. وهو لا يقدم هذا الفهم كرأى سياسى مطروح للنقاش، بل كحكم «شرعي» مسند إلى الله. لكنه لا يقدم أدلة كافية على هذا الإسناد من خلال الآيات والأحاديث التى يستشهد بها، فهذه الآيات والأحاديث لم تصدر لمعالجة الاختلاف الطبيعى بين وجهات النظر داخل المجتمع، بل لنبذ الصدام والتقاتل بسبب الدين، أى أنها «ليست نصًا فى الباب بحسب المصطلح الدارج فى أصول الفقه التقليدية. الاعتصام بحبل الله لا يعارض تعددية الرؤى التى تعكس «واقعة» التنوع الطبيعى فى الاجتماع.
بوصفها كذلك، تحظى «التعددية» بموقع مركزى فى الوعى الحداثى، وبوجه خاص داخل الفكر السياسى الليبرالى الذى ينظر إلى الديموقراطية النيابية كآلية مقبولة «لإدارة» الاختلاف الناجم عن التعددية، بغرض التخفف من أعراضه السلبية، أى بغرض منعه من الوصول إلى الصدام والعنف، وهو مفهوم مغاير تمامًا للمفهوم المثالى الساذج الذى يتصور إمكانية رفع الاختلاف كليًا من الواقع، أى خلق حالة مستحيلة تسمى «الإجماع».
تنتمى حالة الإجماع إلى ثقافة العصر الوسيط، الخاضعة عمومًا لهيمنة الروح الدينى بلاهوته الحصرى، وحكومات الأوتوقراطية ذات الطابع الشمولى. وهى ثقافة موروثة من تاريخ الوعى البدائى الطويل، حيث ظلت الذات الفردية تعمل على الدوام من خلال أطر جماعية سلطوية قابضة (العائلة/ العشيرة/ القبيلة/ الدولة/ الكهنوت/ المذهب) وهى الأطر التى تقلصت سلطتها – بفعل الحداثة- لصالح التعددية الفردانية.
واضح أن البنا يرفض الحزبية بمنطق الإجماع الذى ينكر حقيقة التعددية. سياسيًا، لا يترجم الإجماع فى نهاية التحليل الا فى شكل حكومة «شمولية»، وهو ما أدت إليه بالفعل تحليلات البنا للنظام النيابى، الذى انتهت إلى تقريظ نظام «الحزب الواحد» وتفضليه على التعددية الحزبية؛ يشرح البنا: «النظام النيابى بل حتى البرلمانى فى غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة فى مصر، وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية فى البلاد الديموقراطية. فالحجة القائلة بأن النظام البرلمانى لا يتصور إلا بوجود الأحزاب واهية. وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد، وذلك فى الإمكان.»
وواضح أنه يصدر فى ذلك عن ثقافة التراث الحصرية التى كرسها الفقه وتاريخ الدولة فى الإسلام. فهو لا يزال يستصحب مفردات ومصطلحات «السياسة الشرعية» والمصممة على النموذج الأوتوقراطى القديم؛ يقول البنا: «كما يعتقد الإخوان أن هناك فرقًا بين حرية الرأى والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة، وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأى والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام فى الأمة وزعزعة سلطان الحكام، وهو ما تستلزمه الحزبية». لا يتكلم البنا عن «سلطة الدولة» بل عن «سلطان الحكام»، وهو لا يناقش فكرة «المعارضة» التى تمارسها «مؤسسات» سياسية مقابل الحكومة، بل يشير إلى «الإبانة، والإفصاح، والشورى، والنصيحة» التى تقدم للحاكم. وفى النهاية لا تعنى الحزبية أكثر من «التعصب للرأي» الذى يؤدى إلى «زعزعة سلطان الحاكم».
-4-
عمليًا، وطوال الوقت، لم تكن جماعة الإخوان أكثر من حزب سياسى متنكر، ومع تفاقم حضورها صارت تعمل فى إطار «المنافسة» مع بقية الأحزاب على كسب الشارع السياسى (وفى هذا الإطار يمكن قراءة موقف البنا من الحزبية كوسيلة لهدم شرعية الخصوم) لكن البنا ظل يقدم الجماعة بلغة الخطاب الدينى ككيان أعلى من الأحزاب السياسية، يملك الحق فى إرشادها أو فى إزالتها من الوجود بما هو متحدث باسم الله. يخطب البنا:«أيها الإخوان أنتم لستم جماعة خيرية، ولا حزبًا سياسيًا، ولا هيئة موضوعة لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسرى فى قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله..».
فى المحصلة النهائية أدى هذا الموقف الخطابى إلى صناعة «قوة سياسية» تمتلك آليات الأحزاب، وتزاحمها فى سباق المنافسة على الجمهور، لكنها لا تلتزم بقواعد اللعبة السياسية كما يحددها الدستور والقانون، فتمنح نفسها الحق فى ممارسة العمل السرى وإنشاء تنظيم داخلى مسلح يعمل ضد الدستور والقانون ومبادئ الدولة المدنية.
يتبع...
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: جماعة الاخوان الازدواجية الثقافية فى الواقع العربى المعاصر حسن البنا نظام ا فى هذا
إقرأ أيضاً:
سلاف فواخرجى: فيلم «سلمى» يعبر عن معاناة نساء سوريا.. والظروف الحقيقية أصعب من التخيل
«أردت التعبير عن البسطاء»، بتلك الكلمات عبَّرت الفنانة السورية سلاف فواخرجى عن تجربتها فى فيلم «سلمى»، الذى شارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية ضمن فعاليات الدورة الـ45 لمهرجان القاهرة السينمائى، ويجسد معاناة الشعب السورى مع ما يواجهه من حروب وظروف معيشية قاسية.
وأوضحت «سلاف»، فى حوارها لـ«الوطن»، أن الفيلم يُعد كوميديا سوداء لواقع صعب تخيله من شدة قسوته، لتقدم من خلال شخصية سلمى نموذجاً للمرأة القوية والشجاعة، التى تمر أيضاً بلحظات ضعف وانكسار من أجل مواجهة الحياة فى ظل رحلتها الدائمة للبحث عن زوجها المفقود، وهو حال آلاف النساء فى سوريا.
وأضافت أن شخصية سلمى تشبهها للغاية فى قوتها وشجاعتها ورفضها للاستغلال، معربة عن فخرها وسعادتها بردود الفعل الصادقة للجمهور فور انتهاء عرض الفيلم بمهرجان القاهرة الذى تشعر بالفخر للمشاركة به لأنه الأهم والأعرق فى المنطقة العربية.
كيف تلقيتِ ردود الفعل على فيلم سلمى فور انتهاء عرضه بمهرجان القاهرة السينمائى؟
- دائماً ما يفاجئنى الجمهور المصرى بردود فعله الإيجابية، حيث نفدت جميع تذاكر العرض قبل يومين من عرض الفيلم، إلى جانب تفاعل الحضور اللحظى فى المسرح من خلال التصفيق، ما أثر فىَّ بشكل كبير، وحتى حالة السعادة بفكرة الفيلم وحفاوتهم بعد انتهاء عرضه، ومشاركتى فى مهرجان القاهرة فخر وشرف لى لأنه مهرجان السينما الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وهذا الفيلم مقدم للجمهور العادى وليس النخبة أو المثقفين لأنه يعبر عن «الناس البسيطة العادية».
هل الفيلم يُعد كوميديا سوداء تعبر عما يعانيه الشعب السورى؟
- بالفعل، فالفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية لواقع بعض الأسر فى سوريا التى تعيش مئات القصص التى عانى منها الشعب السورى خلال السنوات الأخيرة، سواء من الحرب والحرمان والموت والزلزال والفقر، فقد أصبحنا للأسف مادة أدبية للعديد من الموضوعات التى يتم تجسيدها على الشاشة، وجميعنا نضحك فى أوقات الحزن لأنها جزء من الحياة.
والشعب البسيط الذى لديه قدرة أكثر فى التعبير عن النفس يكون أكثر تأثراً بالكوميديا السوداء فى حياته، وهو ما عبرت عنه أحداث فيلم سلمى لأنها هى المتنفس فى حالة الحزن المسيطرة على الوضع العام نتيجة العنف والدمار، والسؤال الدائم لمن ينتهى من مشاهدة فيلم سلمى هو «كيف انتوا عايشين وبتشتغلوا؟» لأن الظروف أصعب من التخيل.
باسم ياخور إضافة قوية للفيلم وشخصيته تجسد نموذجاً للفساد فى عمود المجتمع السورىقدمتِ أكثر من مشهد «ماستر سين» بالأحداث، من بينها حالة الانهيار وقلة الحيلة فى المحكمة وضرب باسم ياخور لها.. كيف كانت الكواليس؟
- بالنسبة لضرب باسم ياخور لشخصية سلمى فى الفيلم فلم يكن حقيقياً بالطبع لأننا على قدر عالٍ من الاحتراف عدا مشهد صفعه على وجهه من قِبل سلمى، أما عن مشهد حالة الانهيار والصراخ فى المحكمة فقد كان بالفعل من أصعب المشاهد فى الفيلم، لأنه عبّر عن حالة المرأة السورية وكل الشعوب العربية التى تعيش مشاعر متناقضة بين الضعف والقوة لأننى بشكل شخصى أعيش تلك التفاصيل على أرض الواقع، وما يحدث جزء من حياتى، ولا أتعاطف معهم لمجرد أداء دور على الشاشة.
وهذا المشهد تحديداً يعبر عن آلاف النساء فى سوريا ممن يذهبن إلى ساحات المحاكم يبحثن عن أزواجهن المفقودين، سواء فى الحرب أو الزلزال أو غيره، ولا يتمكنَّ من إصدار شهادة وفاة، فقد تحولت سلمى من مجرد أم إلى معلمة ومضحية من أجل الأطفال كما ضحت أكثر بعد ترشحها فى الانتخابات لتحمى مجتمعها بعطاء أكبر، وجسدت سلمى الإنسان النقى الذى يشبه الأرض الطيبة، يتحمل البشاعة والفساد والظلم وضياع الكرامة التى تكون منغمسة بالدم.
مع عرض فيلم سلمى.. هل انتهى الخلاف مع الفنان باسم ياخور؟
- مخرج الفيلم جود سعيد أصر على مشاركته لأنه يعلم مدى صداقتنا وعلاقتنا القوية، وساعدنا على إزالة الخلاف بيننا وتجمعنا مرة أخرى، لأنه كان يرى أنه الأنسب لهذا الدور، خاصة مع حرفيته فى التمثيل، وباسم صديق عزيز منذ سنوات طويلة، وسعدت بمشاركته كضيف شرف فى الفيلم وكان إضافة حقيقية قوية للعمل، وبمثابة العدو الأكبر لشخصية سلمى وقدَّم نموذجاً للشر والفساد الذى يعانى منه الشعب السورى بحرفية شديدة.
هل تشبهك شخصية سلمى؟
- أكيد، المرأة فى حد ذاتها كائن قوى، وتستمر فى العطاء والتضحية عن طيب خاطر دون مقابل، حتى إنها قد تشعر بالذنب فى بعض الأوقات لبعض التقصير، وهى تشبهنى فى ذلك الأمر، وهو ما أسعى إليه فى أى شخصية أجسدها «لازم تكون شبهى»، كما أنها تشبهنى فى شجاعتها لأنها صاحبة رأى قوى، وهو ما عبّرت عنه سلمى فى رفضها لاستغلال باسم ياخور لها على حساب الضعفاء من أهالى البلدة فى أحداث الفيلم.
من وحى شخصية سلمى التى ترشحت لانتخابات مجلس الشعب.. هل يمكن أن تخوض سلاف تلك التجربة يوماً ما؟
- قطعاً لا، فأنا فنانة ولا أريد الدخول فى أى مجال آخر، وأعبر عن حبى لوطنى من خلال الفن، فشخصية سلمى تحولت عندما وصلت لأقصى مراحل الضعف والاستغلال، فكان عليها تحدى نفسها ومن حولها لدفع الضرر عن عائلتها، والدفاع عن حقوق مجتمعها الذى يتعرض للقهر، ونجحت فى هذا الأمر، وأصبحت بطلة.
تعرضتِ لانتقادات عديدة من الجمهور.. هل تخوفتِ بعد مشهد القبلة بالفيلم؟
- هى ليست جرأة، وكانت مشهداً فى أحداث الفيلم، والجرأة الحقيقية فى طرح الأفكار وانتقاد الفساد ومحاولة تغيير أفكار راكدة، ولكن الفيلم يشهد لحظات رومانسية ضمن حالة ضياع تعيشها البطلة التى كانت تسترجع معها ذكرياتها مع زوجها، ليرى المشاهد حال الفقدان الذى تعيشه سلمى، وقد أصبحت الانتقادات أمراً واقعاً وسهلاً، وتجاوزت تلك المرحلة لأننى أحب عملى ولى أسلوبى الخاص، والنقد أمر رائع ولكن يساء استخدامه لحد السباب، فقررت التجاهل.
نافست عدة أفلام تحمل قضايا إنسانية، مثل القضية الفلسطينية، على جوائز مسابقة آفاق للسينما العربية، ومن بينها فيلم الفنانة درة.. ألم تقلقى من المنافسة؟
- هى بالطبع صدفة، أن نشارك نحن بعمل حقيقى يعبر عن واقع قضايا إنسانية وشعور حقيقى، مثل ما يعانيه الشعب الفلسطينى أو اللبنانى أو السورى، وكذلك مشاركتنا فى مهرجان القاهرة السينمائى بهذه الأعمال كمنتجين وليس ممثلين فقط، ولكن تظل المنافسة جزءاً أساسياً من عملنا، وهى أمر صحى، ولكنى لا أنشغل بمن سيفوز بجائزة من المهرجان لأن ذلك يشتت تركيزى كممثلة، وخطوة الإنتاج بالنسبة لى ليست من أجل المكسب المادى ولكن من أجل تقديم سينما تحمل قيمة إنسانية خالدة ودائماً ما تحمل رسائل أريد توصيلها عن طريق الفن.
أتجاهل الانتقادات التى تحمل تجاوزات.. ولا أسعى لتحقيق مكاسب مادية من مجال الإنتاجولماذا كانت نهاية الفيلم صادمة للجمهور؟
- نهاية الفيلم كانت تعنى أنها كانت تبحث عن سراب، وأن زوجها الذى ظلت تنتظره لن يعود، وعليها أن تستمد قوتها وشجاعتها فى الحياة من ذاتها، فقد قضت سنوات فى البحث عنه داخل المحاكم وتعرضت للنصب من العصابات من أجل مساعدتها فى الوصول إليه، والتعايش مع الورق والأرقام والصور للمفقودين وضياع الهوية.
وفى نهاية الأمر أدركت الحقيقة، بأن الفقدان الحقيقى هو الأرض والأمان والعائلة والشغف بالحياة، والهوية السورية متجذرة داخل النفوس لا تتزعزع، فهى ليست بطاقة أو ورقة يتم طباعتها، كما أدركت كيفية الوصول إلى الخلاص الجماعى من المعاناة وليس الفردى لأنه سيحقق كل المكاسب بعد ذلك.
النجمة السورية:الفيلم كوميديا سوداء.. وفخورة بمشاركته فى مهرجان القاهرة السينمائىبصفتك تحملين الجنسية الفلسطينية.. كيف رأيتِ دعم وتضامن مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الحالية للسينما الفلسطينية؟
الفنان حسين فهمى قدَّم دورة مُشرفة لأقدم مهرجان سينمائى فى المنطقة العربية- أرى مجهوداً غير محدود من الفنان الكبير حسين فهمى فى الدورة الحالية من مهرجان القاهرة السينمائى وفخورة به، خاصة مع ما يمر به من حزن كبير لرحيل شقيقه الفنان مصطفى فهمى، ولكنه يدير المهرجان بحرفية شديدة وناجحة، وجذب انتباهى التبنى القوى للمهرجان للقضية الفلسطينية، سواء من خلال مشاركة عروض الأفلام أو المسابقات الخاصة أو الجوائز الخاصة، وأعطى نموذجاً مشرفاً لتحمل المسئولية.
وكما قال فى كلمته «لدينا على الأرض ما يستحق الحياة والعرض مستمر»، ولا يوجد أى حديث يكافئ حق ما يتحمله الفلسطينى وفى غزة وما يواجهونه، فنحن نعيش بهذا العنف والدمار والإبادة، وهناك حالة كبيرة من الحزن داخل قلوبنا للضحايا الذين يدفعون حياتهم ثمناً للحرية، والدفاع عن أرضهم وكرامتهم، وسعيدة بعودة البوصلة الأساسية للقضية الفلسطينية للعالم الذى كان مغيباً، ولكن تحول العالم لداعم كبير لاسم فلسطين، وفخورة بأننى أحمل الجنسية الفلسطينية لأنها شرف كبير.
«رسائل الكرز» أول عمل عن قضية إنسانية تناولت هضبة الجولان فى سورياهل تفكرين فى إنتاج فيلم عن القضية الفلسطينية؟
- بالطبع، دائماً ما أفكر فى ذلك، وقدمت من قبل فيلماً عن هضبة الجولان فى سوريا بعنوان «رسائل الكرز» عام 2020، وكان أول عمل عن قضية إنسانية، والفيلم المقبل سيكون عن القضية الفلسطينية.
شهدت الدورة الـ45 من مهرجان القاهرة السينمائى ترميم الأفلام الكلاسيكية المصرية.. كيف رأيتِ تلك الخطوة؟
- هى فكرة رائعة وأحترم الفنان حسين فهمى على قراره بالترميم، لأنه يحمى تراث السينما المصرية، والتى هى أساس الفن فى الوطن العربى، وهى من صنعت التاريخ، وأتمنى ترميم مزيد من الأفلام المصرية القديمة الكلاسيكية، وخاصة الأبيض والأسود لأننى أعشقها، وبصفة خاصة أفلام نعيمة عاكف، فهى سبب دخولى مجال التمثيل وحبى للفن منذ عمر 4 سنوات، وكنت أُشبع تلك الرغبة من خلال الرسم، وتتابعت دراستى حتى أتيحت لى الفرصة المناسبة لاحتراف التمثيل.
نفاد تذاكر الفيلم قبل عرضه أشعرنى بقيمته.. والجمهور المصرى ذواق للفن الجيدومتى تعودين للدراما والسينما المصرية؟
- الجمهور المصرى مختلف تماماً، والوقوف أمامه أو تقديم عمل فنى له أمر صعب، لأنه ذواق للفن، لذلك أنتظر عروضاً مميزة لأعود للجمهور المصرى بها، وكل ما يسعدنى طوال فترة غيابى عن الأعمال المصرية واستقرارى فى سوريا هو توالى العروض الفنية علىَّ، وهو ما أسعدنى للغاية، وسأعود قريباً.
ولماذا لم تفكرى فى الاستقرار بمصر والتركيز على تقديم أعمال درامية بشكل مكثف؟
- لأننى لا أستطيع التخلى عن بلادى فى أوقات الدمار والشدة وهو واجب علىّ، فهى وطنى وسأظل بها ولن أتركها، خاصة أن ذلك كان فى ظل وجود أهلى معى قبل وفاتهم، وعملت بالعديد من الأعمال الدرامية السورية وحققت بها نجاحات بفضل الله، ولكن هذا لا يمنعنى من المشاركة فى أعمال درامية مصرية، خاصة أن الجمهور المصرى منحنى فرصة كبيرة للنجاح وجماهيرية أعتز بها، لكن ظروفنا فى سوريا تمنعنى أحياناً من الوجود المستمر بمصر ولكنها بلدى الثانى، مصر تسحر، وهى بالنسبة لى هوليوود الشرق وجواز مرور أى فنان لقلوب الوطن العربى بأكمله.
بمناسبة اللوك الجديد.. هل توافقين على عمليات التجميل للحد الذى يغير الشكل؟
- بالطبع التجميل أمر مهم لكل فنانة، ولكنى ليس لدىّ حرب مع العمر لكى أحاول السيطرة عليه بعمليات التجميل، كل مرحلة لها متطلباتها، ولكنى أفضل الاهتمام الطبيعى ببشرتى، ويمكن الخضوع لبعض الأمور التجميلية من أجل دور فى عمل فنى فقط.
سلاف فواخرجى.. ممثلة ومخرجة وكاتبة ومؤخراً منتجة، فأيها الأقرب لكِ؟
- بالطبع التمثيل هو المحرك الأساسى لشغفى وعملى فى مجال الفن، ويحرك وجدانى لتقديم رسالة أو قضية وانفعالاتى وخيالى، وعندما دخلت مجال الإخراج فى أولى تجاربى من خلال فيلم «رسائل الكرز» شعرت بأن مجال الإخراج قد يكون مكانى لأنه أضاف لى الكثير من المتعة والاكتشاف والتعلم، ولكنى لن أكرر تلك التجربة إلا من خلال قصة تؤثر فى وجدانى، أما الكتابة فساعدتنى خبرتى فى تقديم عدة سيناريوهات ولكنها ليست الأقرب لقلبى سوى فى حالات المقالات أو التعبير عما بداخلى ليحقق شغفى، أما مرحلة الإنتاج فكانت الأهم لى فى فيلم «سلمى» الذى يشارك بالدورة الحالية من مهرجان القاهرة، وفخورة بها لأننى قدمت من خلالها تجربة حقيقية عن معاناة الشعب السورى.
دعم القضية الفلسطينية أعاد وعى العالم المُغيبلاحظنا فى أكثر من مناسبة فنية حرص أبنائك على الوجود.. هل ينضمون للمجال؟
- حمزة وعلى، لديهم حس فنى عالٍ ويحبان الفن بكل أشكاله، وهى جينات منى ومن والدهما وائل رمضان، وخاصة على، لأنه شارك معى فى تجربة درامية بسوريا عام 2023 بالموسم الرمضانى، ولكننى قررت الانتهاء من دراستهما أولاً ثم الانضمام لمجال التمثيل.