بوابة الوفد:
2025-01-31@00:49:10 GMT

الازدواجية الثقافية فى الواقع العربى المعاصر -6

تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT

-1-

نقل حسن البنا عن رشيد رضا موقفه السلفى المتصالح جزئيًا مع الحداثة السياسية. وهو موقف يعبر عن تكوين فكرى هجين، مفهوم عمومًا فى مناخ الارتباك الثقافى الذى يصاحب مراحل التحول الاجتماعى الواسع. يخفى هذا الموقف إعجابًا مضمرًا بالحداثة، ونزوعًا براجماتيًا تحركه دوافع سياسية مباشرة، لكنه يظل «سلفيًا» وهو يسعى إلى تسكين الدولة الحديثة داخل قوالب النظام التراثى الاسلامى.

تم ذلك بشكل انتقائى، ومن خلال عملية إعادة تأويل متعسفة لمفردات الحداثة والتراث معًا؛ فالديموقراطية مثلًا تندرج تحت مصطلح الشورى، الأمر الذى استلزم تعريفًا للديموقراطية يتسع للمعنى الثيوقراطى، وتعريفًا للشورى يتسع لمعنى المشاركة الشعبية وبشرية التشريع. وكلاهما تعريف مضلل؛ الأول لا يقبله الفكر المدنى الحداثى، والثانى لا يقبله الفكر الأصولى المتشدد. ولذلك لم تنتج هذه العملية أكثر من نسخة سطحية مشوشة لنظرية الدولة، فضلًا عن صبغ الأداء السياسى والحركى للإخوان بالاضطراب والتردد.

-2-

يعلن البنا أن «المبادئ الأساسية للحكم الدستورى متفقة، بل مستمدة من نظام الإسلام»، ويشرح ذلك بقوله «إن الباحث حين ينظر إلى مبادئ الحكم الدستورى التى تتلخص فى المحافظة على الحرية الشخصية بكل أنواعها، وعلى الشورى واستمداد السلطة من الأمة، وعلى مسئولية الحكام أمام الشعب ومحاسبتهم على ما يعملون من أعمال، وبيان حدود كل سلطة من السلطات. هذه الأصول كلها يتجلى للباحث أنها تنطبق كل الانطباق على تعاليم الإسلام ونظمه وقواعده فى شكل الحكم. ولذلك يعتقد الإخوان أن نظام الحكم الدستورى هو أقرب نظم الحكم القائمة فى العالم كله إلى الإسلام».

فى هذا النص يتجاهل البنا- عمدًا- جوهر التناقض بين النظام الدستورى الحديث والنظام الإسلامي؛ وهو يقدم تلخيصًا «قاصرًا» لمبادئ النظام الأول، ويخلط فى خصوص الثانى بين القيم الكلية الواردة فى النصوص، والنظرية السياسية التى قننها « الفقه» ترجمة للأمر الواقع فى عصور التدوين. المبادئ الأساسية للحكم الدستورى لا تقتصر على هذه القواعد العامة التى تعالج مشكل الاستبداد الأوتوقراطى، والتى يمكن ردها إلى الكليات الأخلاقية المشتركة فى جميع الديانات والفلسفات السياسية. ويقوم الحكم الدستورى الحديث على مبدأين أساسيين؛ القانون، والمواطنة أى على «وضعانية التشريع» ( = التشريع صلاحية بشرية/ عملية اجتماعية متغيرة)، و «علمانية» العلاقة بين الدولة ورعاياها ( = المساواة فى المراكز القانونية للأفراد بغض النظر عن الدين). عند هذه النقطة يتناقض الحكم الدستورى جذريًا مع النظام الإسلامى بوصفه نظامًا ثيوقراطيًا يجعل التشريع صلاحية «إلهية» مطلقة أى حصرية ومؤبدة، ويجعل علاقة الدولة بالأفراد علاقة دينية. ولذلك فإن الفكر الإسلامى قد يستطيع نظريًا الالتفاف على المشكل الأوتوقراطى عن طريق التخلى عن «الفقه» والاستناد مباشرة إلى النصوص الكلية ذات الطابع المطلق، لكنه يواجه صعوبات حقيقية فى تجاوز «المشكل الثيوقراطي» الذى يكمن فى بنية الديانة كما تطرحها المدونة الرسمية.

لكن الوعى الأصولى لم يتخل كليًا عن الفقه.

ينكر هذا الوعى بجميع أطيافه مضمون المشكل الثيوقراطى، أى ينكر على الحداثة السياسية حق النقاش حول «أبدية» القانون. الذى يجب أن يكون كذلك بحكم مصدره الإلهى المفترض. إلاَّ أن الفكر الإخوانى بتكوينه المهجَّن ودوافعه العملية، يقبل بمحاورة الحداثة، والالتقاء معها فى منتصف المسافة، خلافًا لتيارات الفقه السلفى الأكثر تشددًا، والتى ترفض بتكوينها الأحادى النقلى مبدأ النقاش حول «الثوابت الشرعية»، وتنكر من حيث الأصل وجود مشكل فى الثيوقراطية ( الثيوقراطية هى الدين، ولتذهب الحداثة إلى الجحيم).

فى هذا الإطار يلزم قراءة الطرح النظرى والأداء السياسى للإخوان فى مسألة القانون والشريعة، وحول الدولة الدستورية بوجه عام؛ الطرح النظرى توفيقى غامض، والأداء السياسى يتسم بالمراوغة والتردد بين الإنكار العلنى والتقية، وكمثال واضح يمكن مناقشته الموقف الإخوانى المتذبذب من فكرة «الأحزاب» والمشاركة فى التعددية السياسية.

-3-

مع تسليمه «بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري» رفض البنا فكرة الأحزاب السياسية من حيث المبدأ، وبنى رفضه على الحيثيات الآتية: «أعتقد أن الإسلام وهو دين الوحدة فى كل شيء، وهو دين سلامة الصدور، ونقاء القلوب، والإخاء الصحيح والتعاون الصادق بين بنى الإنسان جمعيًا فضلًا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه. والقرآن الكريم يقول: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا». ويقول رسول الله عليه السلام «ألا أدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين». يواصل البنا:«كل ما يستتبعه هذا النظام الحزبى من تنابذ وتقاطع وتدابر وبغضاء يمقته الإسلام أشد المقت ويحذر منه فى كثير من الأحاديث والآيات. وفرق أيها الإخوان بين «الحزبية» التى شعارها الخلاف والانقسام فى الرأى والوجهة العامة فى كل ما يتفرع منها، وبين حرية الآراء التى يبيحها الإسلام ويحض عليها، وبين تمحيص الأمور وبحث الشئون والاختلاف فيما يعرض تحريًا للحق، حتى اذا وضح نزل حكمه على الجميع سواء كان تابعًا للغالبية أو للإجماع، فلا تظهر الأمة إلا مجتمعة ولا يرى القادة إلا متفقين» (مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين 1358 هـ.).

بعيدًا عن لغة الطرح الخطابية- التى تشير إلى ثقافة «تقليدية» ساذجة، وتكشف عن غرض سياسى تحريضى – ما يستدعى النقاش فى نص البنا هو فهمه الخاص لمعنى الحزبية السياسية، ومرجعيته التراثية الفقهية التى تكمن وراء هذا الفهم:

ينظر البنا إلى الحزبية على أنها محض شقاق وافتراق معيب. لا يتعلق الأمر بالتجربة النيابية المصرية حصرًا، بل بفكرة الحزبية عمومًا ومن حيث المبدأ. وهو لا يقدم هذا الفهم كرأى سياسى مطروح للنقاش، بل كحكم «شرعي» مسند إلى الله. لكنه لا يقدم أدلة كافية على هذا الإسناد من خلال الآيات والأحاديث التى يستشهد بها، فهذه الآيات والأحاديث لم تصدر لمعالجة الاختلاف الطبيعى بين وجهات النظر داخل المجتمع، بل لنبذ الصدام والتقاتل بسبب الدين، أى أنها «ليست نصًا فى الباب بحسب المصطلح الدارج فى أصول الفقه التقليدية. الاعتصام بحبل الله لا يعارض تعددية الرؤى التى تعكس «واقعة» التنوع الطبيعى فى الاجتماع.

بوصفها كذلك، تحظى «التعددية» بموقع مركزى فى الوعى الحداثى، وبوجه خاص داخل الفكر السياسى الليبرالى الذى ينظر إلى الديموقراطية النيابية كآلية مقبولة «لإدارة» الاختلاف الناجم عن التعددية، بغرض التخفف من أعراضه السلبية، أى بغرض منعه من الوصول إلى الصدام والعنف، وهو مفهوم مغاير تمامًا للمفهوم المثالى الساذج الذى يتصور إمكانية رفع الاختلاف كليًا من الواقع، أى خلق حالة مستحيلة تسمى «الإجماع».

تنتمى حالة الإجماع إلى ثقافة العصر الوسيط، الخاضعة عمومًا لهيمنة الروح الدينى بلاهوته الحصرى، وحكومات الأوتوقراطية ذات الطابع الشمولى. وهى ثقافة موروثة من تاريخ الوعى البدائى الطويل، حيث ظلت الذات الفردية تعمل على الدوام من خلال أطر جماعية سلطوية قابضة (العائلة/ العشيرة/ القبيلة/ الدولة/ الكهنوت/ المذهب) وهى الأطر التى تقلصت سلطتها – بفعل الحداثة- لصالح التعددية الفردانية.

 واضح أن البنا يرفض الحزبية بمنطق الإجماع الذى ينكر حقيقة التعددية. سياسيًا، لا يترجم الإجماع فى نهاية التحليل الا فى شكل حكومة «شمولية»، وهو ما أدت إليه بالفعل تحليلات البنا للنظام النيابى، الذى انتهت إلى تقريظ نظام «الحزب الواحد» وتفضليه على التعددية الحزبية؛ يشرح البنا: «النظام النيابى بل حتى البرلمانى فى غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة فى مصر، وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية فى البلاد الديموقراطية. فالحجة القائلة بأن النظام البرلمانى لا يتصور إلا بوجود الأحزاب واهية. وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد، وذلك فى الإمكان.»

وواضح أنه يصدر فى ذلك عن ثقافة التراث الحصرية التى كرسها الفقه وتاريخ الدولة فى الإسلام. فهو لا يزال يستصحب مفردات ومصطلحات «السياسة الشرعية» والمصممة على النموذج الأوتوقراطى القديم؛ يقول البنا: «كما يعتقد الإخوان أن هناك فرقًا بين حرية الرأى والتفكير والإبانة والإفصاح والشورى والنصيحة، وهو ما يوجبه الإسلام، وبين التعصب للرأى والعمل الدائب على توسيع هوة الانقسام فى الأمة وزعزعة سلطان الحكام، وهو ما تستلزمه الحزبية». لا يتكلم البنا عن «سلطة الدولة» بل عن «سلطان الحكام»، وهو لا يناقش فكرة «المعارضة» التى تمارسها «مؤسسات» سياسية مقابل الحكومة، بل يشير إلى «الإبانة، والإفصاح، والشورى، والنصيحة» التى تقدم للحاكم. وفى النهاية لا تعنى الحزبية أكثر من «التعصب للرأي» الذى يؤدى إلى «زعزعة سلطان الحاكم».

-4-

عمليًا، وطوال الوقت، لم تكن جماعة الإخوان أكثر من حزب سياسى متنكر، ومع تفاقم حضورها صارت تعمل فى إطار «المنافسة» مع بقية الأحزاب على كسب الشارع السياسى (وفى هذا الإطار يمكن قراءة موقف البنا من الحزبية كوسيلة لهدم شرعية الخصوم) لكن البنا ظل يقدم الجماعة بلغة الخطاب الدينى ككيان أعلى من الأحزاب السياسية، يملك الحق فى إرشادها أو فى إزالتها من الوجود بما هو متحدث باسم الله. يخطب البنا:«أيها الإخوان أنتم لستم جماعة خيرية، ولا حزبًا سياسيًا، ولا هيئة موضوعة لأغراض محدودة المقاصد، ولكنكم روح جديد يسرى فى قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله..».

فى المحصلة النهائية أدى هذا الموقف الخطابى إلى صناعة «قوة سياسية» تمتلك آليات الأحزاب، وتزاحمها فى سباق المنافسة على الجمهور، لكنها لا تلتزم بقواعد اللعبة السياسية كما يحددها الدستور والقانون، فتمنح نفسها الحق فى ممارسة العمل السرى وإنشاء تنظيم داخلى مسلح يعمل ضد الدستور والقانون ومبادئ الدولة المدنية.

 يتبع...

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: جماعة الاخوان الازدواجية الثقافية فى الواقع العربى المعاصر حسن البنا نظام ا فى هذا

إقرأ أيضاً:

«ادفعوا للناس».. كتاب أمريكي جديد عن نصائح «المليونيرات»

هذا الكتاب يريد أن يقول لك إن مليونيرات أمريكا ليسوا كلهم سواء.. ليسوا كلهم نتاج «الرأسمالية المتوحشة» التى لا تهتم إلا بمصلحة أفراد معدودين على حساب الكل. ليسوا كلهم من أنصار مبدأ «أنا ومن بعدى الطوفان.. ما دمتُ أزداد أنا ثراءً فلا يهم أن يزداد الآخرون فقراً».

ليسوا كلهم من مؤيدى سياسات تخفيف الضرائب عن الأغنياء، التى أكسبت الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أصوات قطاع كبير من مليارديرات أمريكا. هؤلاء الذين تسابقوا للوقوف على باب قصره فى منتجع «مارالاجو» طلباً لمزيد من الثروة والنفوذ. ليس كل المليونيرات ممن تتعلق أبصارهم وقلوبهم بمن يتولى أعلى المناصب وحسب، ولكن منهم من ينظر إلى من هم أدنى منه، ويحمل هم الحلقات الأضعف، ويرى أن صحة الاقتصاد ككل لا يمكن أن تنصلح إلا إذا انصلح حال الكل.

مؤلفا الكتاب: كيف ننتظر أداءً جيداً من موظف لا يجد ما يكفى لدفع فواتيره؟

الكتاب الذى صدر قبل شهر فى الأسواق الأمريكية يحمل عنوان: «ادفعوا للناس!». ويشرح رسالته قائلاً: «لماذا تُعد الأجور العادلة أمراً جيداً للأعمال وأمراً عظيماً بالنسبة لأمريكا». مؤلفا الكتاب هما «جون دريسكول» و«موريس بيرل». كلاهما من أغنياء أمريكا، وكلاهما لديه خبرة كبيرة فى الإدارة التنفيذية لمؤسسات وشركات تساوى قيمتها مليارات الدولارات. كلاهما تشهد له الأسواق المالية الأمريكية بالكفاءة الاقتصادية وبالنجاح فى التعامل بأروقة نُظم الرأسمالية الأمريكية التى تفرض قواعد لعبها على العالم كله. لكنهما يضيفان إلى اسميهما فى خانة مؤلف الكتاب اسم «المليونيرات الوطنيين»، وهى المجموعة التى يترأسها «بيرل»، وتضم مجموعة من أصحاب الملايين الذين يرون أن النظام الاقتصادى فى بلادهم ليس النظام الأمثل الذى يصب فى صالح الجميع، وأن توزيع الثروات وفقاً لقواعد الرأسمالية الأمريكية حالياً، ليس بالضرورة هو النظام الذى يؤدى تطبيقه إلى صلاح الحال.

لا ينبغي الحكم على قوة وصحة الاقتصاد بتزايد أعداد المليارديرات 

هى مجموعة تكونت -كما يقول الكتاب- عام 2010. بدأت بـ56 مواطناً أمريكياً ممن يزيد دخلهم السنوى على مليون دولار. قام هؤلاء بإرسال خطاب إلى الكونجرس الأمريكى يطالبون صُناع التشريعات فيه بأن يزيدوا الضرائب المفروضة عليهم وعلى أمثالهم من أصحاب الملايين، على عكس التوجّه الذى كان سائداً فى الكونجرس وقتها نحو استمرار سياسة خفض الضرائب على الأغنياء، التى أعلنها الرئيس الأمريكى الأسبق «جورج دبليو بوش» وبدا أنها ستستمر فى عهد خلفه «باراك أوباما». ويقول صاحبا الكتاب إن سبب اختيارهما اسم «المليونيرات الوطنيين» جاء من إحساسهما بأن بلادهما أهم بالنسبة إليهما من أموالهما.

هم بضع مئات فى الولايات المتحدة، وبدأوا ينتشرون فى بريطانيا. وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة انضم أكثر من ألف مليونير إلى مطالبتهم بفرض مزيد من الضرائب على الأغنياء، لإصلاح البنية الاقتصادية قبل فوات الأوان.

ما يثير الاهتمام فى «المليونيرات الوطنيين» هو أنهم جاءوا من خلفيات متنوعة، وكوّنوا ثرواتهم بأساليب مختلفة. بعضهم ورث ثروات طائلة عن أهله، وبعضهم الآخر بدأ من الصفر وكوّن نفسه بنفسه. بعضهم معروف بين الأمريكان، مثل المخرجة «أبيجيل ديزنى»، سليلة العائلة المعروفة فى عالم الترفيه، أو «جورج زيمر» صاحب إحدى أشهر سلاسل محلات الأزياء الرجالية، وبعضهم، حتى إن لم يكونوا معروفين، أسسوا أعمالاً تدر ملايين الدولارات، بدءاً من سلاسل محلات البقالة، وحتى شركات بناء السفن والتكنولوجيا المتنوعة. منهم من كوّن ثروته عبر مجالات الاستثمار والأسهم، ومنهم من كوّنها من خلال عمله فى القانون والمحاماة.

هم إذن أغنياء مختلفون، جمعهم شعور عميق بالقلق على مستقبل بلادهم. ليسوا فقط من أصحاب الملايين، لكنهم أيضاً من أصحاب العائلات، لديهم أبناء وأحفاد لا يعيشون فى فراغ، لكنهم محاطون بمجتمع يعانى من غياب العدالة الاجتماعية. هؤلاء المليونيرات، كما يصفهم الكتاب، يدركون ما يبدو أن غيرهم من المليونيرات لا يدركونه أو يتغافلون عنه من أن أى مجتمع يصل إلى هذا الحد من غياب العدالة الاجتماعية بين الأغنياء وغيرهم، كما هو واقع فى المجتمع الأمريكى، لا يمكن له أن يصمد فى المستقبل.

لكن ما هى هذه الحالة التى وصل إليها المجتمع، والتى تثير قلق «المليونيرات الوطنيين»؟

يصفها الكتاب بأنها حالة يشعر فيها 71% من المواطنين الأمريكان بأن الاقتصاد كله يعمل ضدهم. ويقول الكتاب إنهم محقُّون فى شعورهم، فعلى مدى عقود، سعى أكبر حزبين فى أمريكا، الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطى، اللذين يأتى منهما غالبية أعضاء مجلسى النواب والشيوخ والرؤساء الأمريكان، إلى كسب ود الطبقة الثرية التى تُقدم التبرعات اللازمة لتمويل الحملات الانتخابية للحزبين الكبيرين، من خلال تمرير قوانين شكّلت اقتصاداً يجعل الثروات التى تنتج من عمل ملايين الناس تنتهى إلى أيدى مجموعة صغيرة من ذوى الثراء الفاحش، على حساب الطبقات الاجتماعية الأخرى.

فى عام 1973 كانت تلك المجموعة من أصحاب الثراء الفاحش، التى لا تزيد نسبتها على 1% من المجتمع، تستحوذ على 9% من دخل البلاد. أما فى عام 2023، فصارت هذه الطبقة تستحوذ على 26% من الدخل. وتشير بعض التقديرات إلى أنه منذ عام 1981، انتقل ما يقرب من 50 تريليوناً (أى 50 ألف مليار) دولار من الطبقات الأدنى، التى تُمثل 90% من الشعب إلى الطبقة التى تُمثل 1% منه.

ما يحدث فى أمريكا، كما يقول الكتاب، بسيط للغاية: صار الأمريكان يعملون أكثر، فينمو الاقتصاد أكثر. لكن من يعملون أكثر لم يعودوا يحصلون على نصيبهم العادل من الثروة بسبب تحرّكات الأفراد الأكثر ثراءً الذين استعانوا بمجموعات ضغط واسعة، لتمكين السياسيين الذين يدافعون عن مصالحهم وحدهم، لكى يزدادوا ثراءً على حساب غيرهم، ويتسببوا فى زعزعة استقرار البلاد كلها بتصرفهم هذا.

الأمر يشبه بناءً مكوناً من قوالب الطوب، كلما انتزعت قوالب طوب من صفوف المنتصف والصفوف السفلى لتضيفها على الصفوف العليا من البناء، فإن البناء كله لن يلبث أن يتداعى وينهار بسبب خواء قلبه وقاعدته وتزايد ثقل قمته.

هذا الخلل فى التوزيع العادل يأتى من أمرين أساسيين: الضرائب والأجور.

هما وجهان لعملة واحدة، أو كفتا ميزان العدل الاقتصادى فى المجتمع. لهذا فهناك دائماً حاجة إلى نظام «ذكى» لفرض الضرائب من ناحية، ومن ناحية أخرى إلى أرضية صلبة من الأجور العادلة التى تتناسب مع جهد العاملين.

وجهة نظر مؤلفى الكتاب هى أن قوانين الضرائب المدروسة بشكل جيد يمكن أن تمنع غياب العدالة الاقتصادية فى المجتمع إذا قامت بتوجيه الثروات المتراكمة بشكل مُفرط من الأفراد والمؤسسات إلى الاستثمار فى المجالات العامة التى تفيد المجتمع والمواطنين ككل. أما الأجور، فهى تشكل القاعدة التى ينبنى عليها الاقتصاد كله. ولا بد أن تشكل هذه القاعدة أرضية صلبة من أجور عادلة وعالية بما يكفى لكى تستند إليها طبقة متوسطة كبيرة ومزدهرة فى المجتمع. بعبارة أخرى، يمكن النظر إلى نظام الضرائب على أنه وسيلة لإعادة توزيع الثروة والناتج الاقتصادى، بينما يُشكل نظام الأجور الوسيلة الأسهل والأكثر فاعلية للتوزيع المسبق للناتج الاقتصادى.

هما طرفان لمعادلة واحدة لاقتصاد قوى. لو أن طرفاً منهما أصابه الخلل أو الضعف فسيختل التوازن الاقتصادى للمجتمع، ولن يمكن لطرف واحد منهما منفرداً أن يساعد على التماسك. الوضع حالياً فى أمريكا -وفقاً للكتاب- يؤكد أن القاعدة التى تمثلها الأجور، هى أرضية ضعيفة ومخلخلة للغاية، والسبب: عدم كفاية الحد الأدنى للأجور.

وهى قضية لا يمكن النظر إليها بغير السبب الحقيقى لها وهو ارتفاع تكلفة المعيشة. وهى القضية المحورية التى يدور حولها الكتاب كله، إذ إن أكثر من ٥٠ مليون شخص، يمثلون نحو 40% من سوق العمل فى أمريكا، يكسبون أقل مما تحتاجه تكاليف معيشتهم.

والحل الواضح الذى يقترحه الكتاب فى كلمتين بسيطتين من عنوانه هو: «ادفعوا للناس!».

هى الطريقة التى يرى «المليونيرات الوطنيون» أنها الأكثر وضوحاً وفاعلية وتأثيراً للوصول إلى حالة من الاستقرار الاقتصادى، من خلال الحرص على أن تكون أجور العاملين متناسبة مع احتياجات معيشتهم الأساسية. ويقول الكتاب: «لقد حان الوقت للربط بين نجاح الأعمال الأمريكية ورفاهية معيشة العاملين فيها. إذا كانت الأعمال مزدهرة، فلا بد أن يزدهر حال كل من يعمل فيها كذلك، وليس فقط كبار المديرين والمسئولين فيها. وهذا الأمر يبدأ بأن تدفع للعاملين أجراً يُقارب تكلفة المعيشة الحقيقية. إن المسألة بهذه البساطة: إذا لم يكن بإمكانك أن تدفع لمن يعمل لديك أجراً يمكنه من الحياة الكريمة، إذن فليس بإمكانك أن تتحمّل أن يكون لديك عامل أصلاً!. إذا كنت كصاحب عمل تربح أموالاً فى الوقت الذى يعانى فيه من يعملون عندك لتأمين أساسيات حياتهم، فأنت حينها لا تدير عملاً، ولكنك تُشرف على مخطط لاستغلال البشر!».

هى عبارات قاسية وُلدت من فرط قسوة نظام الرأسمالية الأمريكية الذى لا يرحم، ولا يراعى أن يكون هناك تناسب بين زيادة إنتاجية الأفراد وزيادة الأجور التى يستحقونها. وعلى ما يبدو، فإن هذا الخلل قد ظهر بشدة فى المجتمع الأمريكى منذ عام 1973.

وفقاً للكتاب، فإنه فى الفترة بين عامى 1948 حتى عام 1973، زادت إنتاجية الأفراد بنسبة 97%، فى الوقت الذى زادت فيه أجورهم بنسبة 91%. خلال هذه السنوات، كان الأفراد يتلقون مكافأة على زيادة إنتاجيتهم فى صورة تزايد أجورهم. لكن بعد عام 1973، ظل معدل إنتاجية الأفراد يتزايد دون أن تقابله زيادة مماثلة فى الأجور. فمن عام 1973 حتى عام 2014، تزايدت إنتاجية الأفراد بنسبة 72% بينما زادت أجورهم بنسبة 9% فقط.

أين ذهبت مكاسب وأرباح تلك الأعمال إذن بعد عام 1973؟ الإجابة أنها ذهبت لأصحاب الأعمال وملاك الشركات، وليس للعاملين أنفسهم، بينما ظلت قيمة الحد الأدنى للأجور لهؤلاء العاملين تنخفض مع مرور الزمن.

إن أهمية الحد الأدنى «العادل» للأجور، كما يصفها الكتاب، هو أنه بمثابة أرضية صلبة يستند عليها قيام وقوام الطبقة الوسطى فى المجتمع التى تقوم عليها الطبقات العليا فيه. والواقع حالياً يقول إنه لا توجد ولاية واحدة فى الولايات المتحدة يكفى فيها الحد الأدنى للأجور لتغطية تكاليف معيشة مواطن يعيش منفرداً، دعك من أن يكون عنده أطفال. بعبارة أخرى، فلا توجد ولاية واحدة فى أمريكا يمكن أن يعيش فيها إنسان يعمل بدوام كامل بالحد الأدنى للأجور الذى يوفره عمله، والمخيف أن هذه الفجوة ما بين الأجور وتكاليف المعيشة فى تزايد مستمر، خاصة مع زيادة معدلات التضخم (والتى يتوقع أن تظل مستمرة فى عام 2025على الأقل). ولو تم أخذ معدلات التضخم فى الاعتبار منذ عام 1968، إذن لكان من الضرورى أن يصل الحد الأدنى للأجور إلى ضعف ما هو عليه حالياً لكى تستقر الناحية الاقتصادية فى حياة العاملين.

يقول الكتاب: «إنه لا ينبغى الحكم على مدى قوة وصحة الاقتصاد من خلال تزايد عدد أصحاب المليارات فيه سنوياً، ولكن بالنظر إلى قدرته على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للناس الذين يعيشون فى البلاد. والواقع أنه يمكن القول إنه كلما تزايد عدد المليارديرات الذين ينتجهم اقتصاد المجتمع، قلّت قدرة هذا الاقتصاد على الوفاء باحتياجات كل من تبقى فيه. وليس من الطبيعى أن يكافح أغلب الناس لسد احتياجاتهم المعيشية الأساسية فى الوقت الذى يقوم فيه أحد كبار المديرين التنفيذيين برحلة إلى الفضاء على متن صاروخه الخاص من باب التسلية!. هذه الحالة المفرطة والمستمرة من عدم المساواة كتلك التى نشهدها حالياً يمكن أن تؤدى حتماً إلى انهيار المجتمع. ولو أنها تركت بلا ضابط، فإن تركز الثروات (فى أيدى قلة من الناس) يمكن أن يصل إلى تفكيك ونهاية الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات. من الممكن أن تكون لدينا ديمقراطية، أو من الممكن أن تكون لدينا ثروة متركزة فى أيدى قلة قليلة، لكن لا يمكن أن نحظى بالاثنين معاً. لذلك فلا مفر من زيادة الضرائب على الأغنياء ودفع أجور مناسبة للناس قبل فوات الأوان. هى ليست مجرد نظريات أو عبارات مثالية لا تدعمها التجربة. «جون دريسكول» أحد مؤلفى الكتاب، هو واحد من المديرين التنفيذيين الناجحين فى أمريكا، ويدعم «نظرية» الكتاب برواية تجربته الناجحة فى تولى إدارة شركة متخصصة فى مجال الرعاية الصحية، لا من خلال تركيزه على الأرقام والإحصائيات والتقارير المالية فقط، ولكن من خلال اهتمامه بحال الموظفين، وإصلاح ظروفهم الاقتصادية، والاستماع إلى شكاواهم، وتغيير نظام الأجور فيها فى تجربة تستحق التوقف أمامها على الأقل.

البداية كانت عام 2014، عندما تولى «دريسكول» رئاسة شركته، وفتح المجال للموظفين لكى يتواصلوا معه مباشرة. وسرعان ما انهالت عليه الرسائل الإلكترونية التى تطالب فيها إحدى الموظفات بدفعة مقدمة من راتبها لأنها أم مسئولة عن ثلاثة أطفال ولا تملك ما يكفى لشراء الحفاضات، بينما طلب منه موظف آخر قرضاً لأنه لا يملك ما يكفى لتغطية مصاريف جنازة طفله الذى توفى مؤخراً، ووصلت الأمور إلى حد لا يمكن تحمله عندما أخبرته موظفة ثالثة أن دفعات إيجار منزلها تراكمت عليها وصارت تنام مع طفلتها فى السيارة!.

لم يفهم المدير التنفيذى «المليونير» كيف وصل الحال إلى أن موظفى الشركة الذين يعملون بدوام كامل ليس لديهم ما يكفى لتأمين سقف فوق رءوسهم أو شراء احتياجات أطفالهم الأساسية. وبدا له أن أول الطريق لإصلاح شركته هو إيجاد وسيلة لرفع الأجور ومنح مزيد من المال لمئات الموظفين فيها، خاصة أن أحوال الشركة نفسها (من الناحية المالية على الورق) كانت تظهر نمواً قد تضاعف ثلاث مرات على الأقل على مدى ثلاث سنوات، وكان حكام ولاية «فلوريدا» التى تقع فيها الشركة يصفونها بأنها «نموذج يحتذى به فى خلق فرص العمل»، إلا أن هذا كله لم ينعكس على أجور الموظفين.

يقول «دريسكول» إن هذا هو حال العديد من الشركات الخاصة التى تهتم بما ينتظره المستثمرون منها أكثر من اهتمامها بالموظفين الذين يشكلون قلبها النابض والأساس الذى تقوم عليه أرباحها. معظم المستثمرين ينتظرون من الشركات التى يضعون فيها أموالهم أن تزيد أرباحها وعوائدها مع تقليل نفقاتها، وهذا يعنى بالنسبة للعديد من الشركات تقليل الأجور.

لكن كان الوجه الآخر لهذه العملية، هو تزايد أعداد ما يمكن تسميته بالموظف «الدوار». وهم الموظفون الذين ينضمون للعمل فى شركة ما، ويتركونها بعد أقل من عام واحد، وهو ما يعد أمراً مكلفاً بالنسبة للشركات لأن مسألة تدريب وإعداد الموظفين للعمل فيها يكلف جهداً ومالاً، لكن الموظفين لا يستطيعون الاستمرار فى العمل فى شركة لا تقدم لهم أجوراً تتحمل تكاليف معيشتهم، وفى حالة شركة «دريسكول»، وصلت نسبة الموظفين «الدوارين» الذين يتركون العمل بعد أقل من عام من الالتحاق بها إلى 50% من نسبة الموظفين الجدد.

ويتساءل مؤلف الكتاب: «هل منح الناس الحد الأدنى الذى يكفيهم بالكاد لأن يعيشوا عليه، الذى يسمى قانوناً بالحد الأدنى للأجور، والذى لا يسمح لصاحبه إلا بأن يصرف بالكاد على نفسه دون أن تكون له أسرة، هذا إذا تقاسم تكاليف العيش مع آخرين، من دون الأخذ فى الاعتبار الطوارئ التى تحدث فى الحياة والتى لا تسير أبداً من الناحية الواقعية حسب الخطة، فقد يمرض طفل أو يموت زوج، أو تظهر مصاريف مفاجئة لأى سبب، هل منح الموظف مالاً أقل مما يمكنه من العيش يمكن أن يعد سبباً لزيادة الطموح الوظيفى؟. وما هو شكل الأداء الوظيفى الذى يمكن أن تنتظره من أشخاص يشعرون بقلق مستمر من عدم قدرتهم على دفع أجور مساكنهم بسبب ضعف أجرهم؟».

لم يمر وقت كثير قبل أن يضع «دريسكول» يده على مكمن أساسى للخلل فى شركته: لقد كانت الشركة تنتهج سياسة الحفاظ على الحد الأدنى للأجور (الذى لا يكفى لتغطية تكاليف المعيشة) على مستوى الوظائف الصغيرة، فى الوقت الذى كانت تزيد فيه أجور أصحاب المناصب العليا فيها بشكل يتناسب مع معدلات التضخم. وهكذا ظلت قيمة مرتبات غالبية العاملين بالشركة تنخفض بمرور الوقت بسبب التضخم، بينما تتزايد مرتبات كبار المسئولين التنفيذيين فيها بشكل منتظم.

كانت الفكرة الأولى التى طرأت على ذهن «دريسكول» هى أن يكتب كبار المسئولين فى الشركة شيكات يقدمون بها إعانات لموظفيها الأكثر احتياجاً للتعامل مع أزماتهم المادية الأكثر إلحاحاً، لكنه ما لبث أن قال «إن التبرعات الخيرية حتى وإن تمت بشكل دورى لا يمكن أن تحل مشكلات الموظفين. وكان لا بد من إيجاد طريقة لزيادة أجورهم بشكل دائم».

هنا طرأت على ذهنه فكرة أخرى: ماذا لو تم إبقاء مرتبات كبار الموظفين بالشركة على ما هى عليه، فى الوقت الذى يتم فيه استثمار أى زيادة تطرأ على مرتباتهم لتتناسب مع معدلات التضخم، وإعادة توزيعها لزيادة أجور الموظفين على مستوى القاعدة؟. كان هذا يعنى مضاعفة أجور الموظفين الصغار بشكل يسمح لهم بمعيشة لائقة، كان رهاناً على الناس الذين سيعطون أفضل ما عندهم للمكان الذى يعملون به لو شعروا أنه يهتم بهم. كانت المسألة تحتاج لقرار جماعى من ٢٠ موظفاً كبيراً بالشركة، وصلت أجورهم فيها إلى حد خيالى، لضخ أى زيادة قادمة إلى مرتبات ٥٠٠ موظف تقوم عليهم شركتهم.

يقول «دريسكول»: «لم يكن أحد منا من كبار المديرين مجبراً على القيام بذلك الأمر، لكنه كان التصرف الصحيح، وكان قراراً سليماً من الناحية الاقتصادية: إذا كنا نريد تحقيق نجاح على المدى الطويل لشركتنا فهذا يحتاج إلى فريق عمل أكثر ثباتاً واستقراراً وإلى تقليل نسبة الموظفين المغادرين أو (الدوارين). كان ذلك القرار يعنى إنشاء علاقة من نوع خاص بين المديرين والموظفين، نظهر للموظفين فيها أننا كمديرين نستثمر شخصياً فيهم، من خلال إضافة جزء من رواتبنا لتحسين أجورهم. صحيح أن الأمر لا يخلو من المخاطرة، وأنه لا بد من العمل على زيادة أرباح الشركة فى المرحلة القادمة لتحقيق الزيادة والتوازن المطلوبين فى الأجور، إلا أننا سنضمن عندئذ أن كل العاملين فى الشركة يسعون بكل جهدهم فى هذه الاتجاه».

دارت مناقشات طويلة، كما يروى مؤلف الكتاب، بينه وبين باقى المسئولين فى شركته، لكنهم انتهوا جميعاً إلى الاتفاق على تنفيذ الفكرة. وعلى مدى السنوات العشر التالية، استمر مليونيرات الشركة الكبار فى الاستثمار فى موظفيها، وزادوا من أجورهم بشكل منتظم بشكل يتناسب مع زيادة معدلات التضخم، بالإضافة لتقديم نظام تأمين صحى ملائم لهم. وكان عائد ذلك الاستثمار فى العاملين بالشركة هو الازدهار والنمو المباشر فى العمل، الذى تزايد حجمه أكثر من ثلاث مرات، وتضاعفت قيمته أربعة أضعاف فى عشر سنوات فقط.

تجربة «المليونيرات الوطنيين» تجربة مختلفة من قلب بلاد الرأسمالية العالمية، قد يعتبرها البعض مثالية وغير واقعية، وقد يعتبرها آخرون نموذجاً إنسانياً فى عالم الأعمال يستحق الدراسة والاحترام. لكنها تجربة يقول أصحابها بأفعالهم وأقوالهم إن أهمية الاقتصاد الحقيقية هى تحسين نوعية حياة البشر، وبغير ذلك، فإن كل الأرقام لا تهم.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: جدد حياتك !!
  • «الأزمة الاقتصادية» الباب الخلفى لمجتمع دموى
  • أصبحت أفعالكم لا تليق بمقام أم الدنيا
  • الرئيس المقاول
  • «الجارديان»: «ترامب» يهدد آمال «غزة» فى إعادة الإعمار
  • «ترامب».. لا بد منه!
  • قضية القضايا
  • «ادفعوا للناس».. كتاب أمريكي جديد عن نصائح «المليونيرات»
  • عادل حمودة يكتب: الجيوب والقلوب
  • سيناء الغزاوية وسوريا الداعشية والأحزاب الإخوانية!