في العمق : إعلام المحافظات هل سيعكس واقعية المشهد التنموي الداخلي وتطلعاته الطموحة؟
تاريخ النشر: 16th, September 2023 GMT
يأتي الحديث اليوم عن إعلام المحافظات وسلطنة عُمان تدخل مرحلة جديدة في الإدارة المحلِّيَّة وتعزيز فرص المشاركة الواسعة عَبْرَ تعزيز اللامركزيَّة في عمل المحافظات، وكان في اكتمال البنية التشريعيَّة والمؤسَّسيَّة ـ نظام المحافظات الصادر بالمرسوم السُّلطاني 36/2022 ـ محطَّة جديدة للتفكير خارج الصندوق في تعزيز الكفاءة الداخليَّة لعمل المحافظات، وبما يتناغم مع معطيات التحَوُّل المأمول تحقيقه من تطبيق النظام، ويجيب عن التساؤلات التي يطرحها المواطن حَوْلَ إعلام رؤية «عُمان 2040» وواقعيَّة التشخيص الإعلامي للأحداث المستجدَّة في المحافظات، ثم موقع صوت المواطن في هذه المسألة، في ظلِّ بروز دَوْر محوري نشط للإعلام البديل، سواء كان الإعلام الخاصُّ أو كذلك الإعلام الفردي وإعلام المُجتمع، وما يُمثِّله من دَوْر الحسابات الشخصيَّة ومنصَّات التواصل الاجتماعي في تشخيص الحالة المُجتمعيَّة، وبالتَّالي أن يُشكِّلَ إعلام المحافظات مزيجًا من التكامل والتناغم والحوار بَيْنَ أكثر من وسيلة إعلاميَّة، فهو إعلام متوازن يلتزم التأطير والمهنيَّة والتحييد، وينطلق من الشفافيَّة والوضوح والموضوعيَّة، ويتَّجه نَحْوَ المواطن ورفع درجة التوقُّعات لدَيْه، ومنحه فرصًا أكبر في تشكيل الحدث الإعلامي ويقف على محطَّاته، وهو إعلام مُجتمعي يعبِّر عن مستوى التكامل بَيْنَ الوسائل الإعلاميَّة في مُجتمع المحافظة، والمساحة التي يتناول فيها الإعلام مبادرات المُجتمع المَدني ومؤسَّساته المختلفة، ويستوعب كُلَّ الوسائل الإعلاميَّة الأخرى عَبْرَ توجيهها نَحْوَ رصد الواقع وتشخيصه وتحليله وإبراز تحدِّياته وتهديداته، والوقوف على متغيِّراته وبرامجه لِتتناسبَ مع طبيعة التحَوُّل في الرسالة والوسيلة الإعلاميَّة، وضمان فاعليتها كإحدى محطَّات التشخيص والتسويق الداعمة لعمل المحافظة وقياس الأداء، في الخروج من نمطيَّة التكرار والروتين والسَّرد الصحفي أو المرئي أو المسموع والذي غلب على عمل المراسلين الإعلاميين، والصورة التي التزمتها الوسائل الإعلاميَّة التقليديَّة في هذا الشأن.
إنَّ تجسيد الصورة النموذج لإعلام المُجتمع ـ الذي يتَّسع لكُلِّ الفئات والشرائح ويستخدم كُلَّ الفنون الإعلاميَّة المناسبة، يؤسِّس اليوم لمرحلة متقَدِّمة في قدرة إعلام المحافظات على تكوين محطَّة إعلاميَّة تتَّسم بالتنوُّع والتجديد والمهنيَّة والاحترافيَّة، وتقَدِّم محتوى إعلاميًّا أكثر شفافيَّة ومصداقيَّة وموضوعيَّة في تسليط الضوء على المشهد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والتنموي بالمحافظات، وهو مشهد بما يتَّسم به من تنوُّع في الخبرات والتجارب، واتِّساع في المبادرات والفرص، ومشاركة المواطن في صناعته وإنتاجه، وتوفير بيئة إعلاميَّة يستطيع من خلالها أن ينقلَ الصورة ويستكشفَ العمق في الواقع؛ سوف يضْمَن إنتاج مساحة إعلاميَّة تنافسيَّة قادرة على استيعاب الواقع، والتسويق للمحافظة سياحيًّا واقتصاديًّا واستثماريًّا، وفي الوقت نَفْسِه يضْمْن الإيجابيَّة والروح المعنويَّة والمنافسة النَّوْعيَّة وإنتاج الحلول واتِّساع مساحة المشاركة، وصناعة الإلهام في الخِطاب الإعلامي؛ كونه خطابًا يتناغم مع متطلبات المرحلة، ويصنع لصوت المواطن حضورًا مُهمًّا في أجندته، بما يمتلكه من مساحة اتِّصاليَّة وتواصليَّة أكثر حضورًا في الوصول إلى العمق، وتشخيص الحدث، وتحليل الصورة.
إنَّ هذا التنوُّع، بما يُمثِّله من ميزة تنافسيَّة تضيف إلى اختصاصات المحافظات ومهام عمل المحافظين والولاة ومساعديهم والمجالس البلديَّة ومؤسَّسات المُجتمع المَدني بالمحافظات، فرصة أكبر في توسيع الخيارات المتاحة للوسيلة الإعلاميَّة، أو التفكير في إيجاد منصَّة إعلاميَّة متخصِّصة تنقل المشهد، وتضْمَن استيعاب المستهدفين والرأي العامِّ له، سواء ما يتعلق مِنْه بالاستثمار في موارد المحافظة والفرص المتاحة في ذلك في مجالات السِّياحة والتراث والتعليم والتدريب والإنتاج الزراعي والحيواني والنباتي والمعادن، أو كذلك في بناء القدرات الوطنيَّة وصناعة القدوات وتنشيط دَوْر مؤسَّسات المُجتمع المَدني في المحافظة مِثل: الجمعيَّات الخيريَّة وجمعيَّات المرأة العُمانيَّة والجمعيَّات المهنيَّة والنقابات العمَّاليَّة والأندية الرياضيَّة، في تأكيد ممارسة أنضج للعمل الخيري والعمل الاجتماعي والتطوُّعي ورعاية الأُسر محدودة الدخل والأُسر المعسرة، وتنشيط دَوْر الأُسر المنتجة، والوقوف بشكلٍ أدقَّ على احتياجات المحافظات من البنى الأساسيَّة والمشروعات الخدميَّة والتطويريَّة وغيرها، وعِنْدها تصبح الوسيلة الإعلاميَّة نتاج جهد مُجتمعي، ورغبة مشتركة، واستشعارًا للعمل بروح الفريق؛ فإنَّ المأمول من إعلام المحافظات الذي نريد، أن يكُونَ أكثر قدرة على الاستجابة للحراك الداخلي بالمحافظات، ويعكس صورة تناغميَّة تكامليَّة في العمل بَيْنَ الدَّوائر الحكوميَّة بالمحافظة ومكتب المحافظ، ويوفِّر فرصًا تسويقيَّة أكبر للمبادرات والفرص الاستثماريَّة التي يقَدِّمها المواطن، وهو في الوقت نَفْسِه إعلام تفاعلي بالصوت والصورة يرصد حركة الواقع، ويستجيب لتجريب الأفكار المطروحة، ويمتلك الوسيلة المناسبة لعرض المحتوى الإعلامي في ظلِّ التنوُّع الحاصل فيه وبطُرق مختلفة، بالإضافة إلى امتلاك الصلاحيَّات المناسبة، وله سُلطة الضبطيَّة القانونيَّة والإلزام فيما يتعلَّق بِدَوْر الجهات الحكوميَّة في الإجابة عن التساؤلات التي يطرحها المواطن حَوْلَ الخدمات المقَدَّمة، وتقديم إجراءات عمليَّة في التعامل مع المشهد أو حلحلة التحدِّيات؛ كما أنَّه إعلام يقَدِّم حلولًا منتجة، ويستفيد من مؤشِّرات الأداء، ويمتلك قواعد بيانات دقيقة حَوْلَ المحافظة، بما يعنيه ذلك في كونه إعلامًا أقرب إلى الفعل والتطبيق وقراءة الواقع والاستجابة للتغيير، وإدارة التحَوُّلَ وإنتاج محطَّات البناء الفكري في مواجهة الإشاعة، والتعامل مع التصريحات التي تفتقر للمصداقيَّة والموضوعيَّة والبيانات أو المعلومات.
ويبقى نجاح إعلام المحافظات مرهونًا بوجود جملة من المحكَّات التي تضْمَن له القوَّة والمهنيَّة والمصداقيَّة والموضوعيَّة والاحتواء والتأثير، ومن ذلك وجود التشريعات والضوابط والإجراءات التي تفسِّر دَوْر الوسيلة الإعلاميَّة وتنوُّعها وأهمِّيتها في إعلام المحافظات، وتضْمَن مستوى الشفافيَّة فيها، مع المحافظة على كفاءة انطلاقته المهنيَّة وعَبْرَ حماية حقوق العاملين في القِطاع الإعلامي وحقوق النشر وغيرها من الأمور التي يجِبُ أن تكُونَ حاضرة لضمان قدرة إعلام المحافظات على الوصول إلى الأهداف المنشودة مِنْه، وأن يقومَ عليه ذوو الاختصاص والخبرة والكفاءة والمهنيَّة الإعلاميَّة، وأهمِّية تبنِّي سياسات مهنيَّة عالية الجاهزيَّة لتأهيل وبناء القدرات الإعلاميَّة، سواء فيما يتعلق بمهارات الإعلامي أو في إدارة المنصَّات والوسائل الإعلاميَّة، بحيث يتناول إعلام المحافظات في برامجه قضايا السلوك والوعي الاجتماعي في مُجتمع المحافظة من خلال دراسة الظواهر الاجتماعيَّة وتشخيصها وتحليلها والمعالجات التي تتمُّ بشأنها، وفي الوقت نَفْسِه تعزيز برامج التوعية والتثقيف ونماذج المحاكاة في استنطاق القِيَم في مُجتمع المحافظة والخصوصيَّة الثقافيَّة والعادات والتقاليد النَّوْعيَّة التي لها أهمِّيتها في تقليل هذه الظواهر، مِثل: الحالة الزواجيَّة والطلاق والمخدرات والاحتيال وغيرها من الظواهر الاجتماعيَّة التي باتت تقلق المواطن وتشوِّه صورة الهُوِيَّة العُمانيَّة، إضافة إلى دَوْره كمحطَّة استثماريَّة وتسويقيَّة واعدة للمحافظة للتعريف بالفرص الاستثماريَّة والمبادرات الإنتاجيَّة والنماذج النَّوْعيَّة في المبادرات الزراعيَّة والصناعيَّة والتعليميَّة والسياحيَّة والثقافيَّة وغيرها.
عَلَيْه، فإنَّ الوصول إلى تحقيق مستهدف رؤية «عُمان 2040» «إعلام مهني معزّز للوعي المُجتمعي ومُسهم في التنمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة»، مرهون اليوم بمستوى التمكين والصلاحيَّات الممنوحة للمسار الإعلامي عامَّة وإعلام المحافظات خاصَّة في التعامل مع المفاهيم والمفردات المرتبطة برؤية «عُمان 2040» ونظام المحافظات، بحيث يصنع من تنوُّع الوسيلة الإعلاميَّة مساحة لقراءة معمَّقة لهذه المفاهيم والمفردات التي باتتْ تعَبِّر عن خصوصيَّة المرحلة وطبيعة التحَوُّل الذي تعيشه، فيعمل على استيعابها ويفتح منصَّاته بالحديث عَنْها وسَبر أعماقها ودلالة تفاصيلها وبناء النماذج المعَبِّرَة عَنْها، والمُبرِّرات المرتبطة بها، فيقف مِنْها موقف الداعم لها، والمسوِّق لها، الحامل لمعطياتها، والمبصِّر للمُجتمع والرأي العامِّ بما تحمله من دلالات، وما تبرزه من تعابير أو تطرحه من بدائل أو تعيد إنتاجه من ثقافة مُجتمعيَّة، وبقدر إيلاء إعلام المحافظات لمفردات الإصلاح والنزاهة والمسؤوليَّة والعدالة والقانون والتشريع والرقابة على الأداء الحكومي ومتابعة أداء المسؤول الحكومي واللامركزيَّة وبناء الضمير والحسِّ المسؤول وغيرها؛ بقدر ما تتأصَّل في ثقافة المُجتمع وقناعات المواطن فيتَّجه الإعلام إلى مرحلة التأثير والاحتواء وصناعة التوجُّهات، كما يُسهم في إعادة إنتاج المشهد الثقافي بالمحافظات، وتعزيز فرص الإنتاج الإعلامي للمبادرات والأفلام الوثائقيَّة وغيرها كثير. مرحلة تؤكِّد على أهمِّية أن يتنازلَ فيها الإعلام الرَّسمي عن بعض التزاماته، لِيتقاسمَ مع الإعلام الخاصِّ والإعلام الفردي تشكيل هُوِيَّة إعلام المحافظات القادم النابض بروح التغيير وفرص البناء والإنجاز.
أخيرًا، هل ستثمر نتائج اللقاء الذي عقَدته وزارة الإعلام مشكورة يوم الأحد 14 مايو 2023، حَوْلَ إعلام المحافظات، في تجديد عهد الالتزام بهذا التحَوُّلَ في المسار الإعلامي الوطني، في اتِّخاذ قرارات نَوْعيَّة تصبُّ في صالح بناء إعلام المرحلة، الذي يستوعب كُلَّ الوسائل الإعلاميَّة ويمنح الإعلام الخاصَّ والفردي والإعلام الجمعي (إعلام المحافظات) فرصًا أكبر لقَبول التحدِّي وتوسيع إنتاجيَّة الخيار الإعلامي وتمكين منصَّاته في ظلِّ تنافسيَّة الإعلام المفتوح، وهل سيفتح المجال للمحافظات في تكوين إعلامها المستقل الذي يقَدِّم تفاصيل هذا الحراك التنموي وسَبره بالتحليل والحوار بدلًا من انتظار أن تتاحَ له فقرة على الهامش للحديث عن مشروع أو فعاليَّة أو برنامج في حين أنَّ ما يجِبُ أن يظهرَ من تحليل لِمَا بَيْنَ السطور، لا يزال خارج التغطية؟
د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: مع المحافظة ة الإعلامی ة الإعلام ة إعلامی جتمع الم الم جتمع ات التی إعلام ا ة إعلام إعلام م ة التی م جتمع فی الم
إقرأ أيضاً:
تلميحات غير أخلاقية.. نص حيثيات الحكم على منى فاروق بالسجن 3 سنوات
أودعت محكمة القاهرة الاقتصادية، حيثيات الحكم على الفنانة منى فاروق، بتهمة التعدي على المبادئ والقيم الأسرية بالحبس 3 سنوات، والغرامة 100 ألف جنيه.
وقالت حيثيات الحكم، إنه في غضون شهر أكتوبر 2024 وبتّاريخ سابق عليه، بدائرة قسم شُرطة السيدة زينب في محافظة القاهرة، اعتدت المتهمة على المبادئ والقيم الأسرية للمجتمع المصري، عبر بثِ مباشر من خلال حسابها الإلكتروني الخاص المسمى "Mona.Faroukk" بموقع “تيك توك”.
وأشارت الحيثيات، إلى أن المتهمة سردت وقائع خاصة بحياتها الشخصية مع ترديدها ألفاظ وعبارات خارجة وتلميحات غير أخلاقية لواقعة نسبت إليها سلفًا وحرر بشأنها القضية رقم 6427 لسدة 2019 جنح أول مدينة نصر، توجج من يشاهدها وتثير اشمئزازه غير مكترثة بقيم الأسرة المصرية والمجتمع كافة، مؤثرة بالسلب فيمنْ يشاهد ذلك المقطع المرئي بطبيعة نشر مثل تلك المقاطع المرئية التي لاقت استهجان العامة.
وأضافت الحيثيات، أن فيديو منى فاروق نشر عبر منصتي “يوتيوب” و"فيسبوك" ما ذاع صيته وعظم تأثيره سلبًا على أفراد المجتمع على النحو المبين بالتحقيقات، التي يعاقب بها القانون منى فاروق طبقًا للمادتين 12 و25 من القانون رقم 175 لسنة 1018 بشان مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
ونوهت المحكمةُ، إلى أنها تُهيبَ بالمُجتمع المصري الحفاظُ عَلى القيمِ والمبادئِ الأُسريةِ التي تُعدُّ حجرَ الزاويةِ في بناءِ مُجتمعٍ مُتماسكٍ وقويًّ، إن القيمَ والمبادئَ الأُسريةَ ليستْ مُجردَ قواعدَ اجتماعيةٍ نتوارثُها جيلاً بعد جيلٍ، بل هيَ ركيزة أساسية لحفظِ تماسُك المُجتمعِ المصرِي وهُويته، كما أن الأُسرةَ هي اللبنةُ الأولى لبناءِ المُجتمعاتِ إن صحَّت صح المُجتمع كُلهُ وإن فسَدَت فسدَ المُجتمع كُلهُ، والأسرةُ المصريةُ التي كانت على مدارِ التاريخِ نموذجًا يُحتذى به في التماسكِ والعطاءِ، يجبُ أن تبقى منارة تُرشد الأجيال القادمة إلى طريق الخيرِ والصلاحِ.
وتابعت المحكمة: "لقد شهدتْ تلك الجُنحةُ وقائع تُمثل إساءةً بالغةً للقيمِ والأخلاقِ المُجتمعية من قِبَلِ المُتهمةِ، واعتداءً واضحًا على الضوابطِ التي تحكُمُ الأُسرة المصرية ،وإن استخدامَ وسائلِ التواصُلِ الاجتماعيَّ، كموقع"تيك توك"، في خدشِ حياءِ الأسرة والإضرارِ بالمبادئِ الـمُجتمعية يُعد أمرًا خطيرًا يُهدد استقرار الـمُجتمع وأخلاقه، كما أن هذه المُمارسات لا تنالُ فقط من هيبةِ الأسرةِ المصريةِ، بل تعرض الأجيال الشابةَ إلى مخاطرَ حقيقيةٍ، تـُضعفُ من وعيهم وتُبعدُهُم عن أهدافهم البناءةِ".
وأوضحت: “والمحكمةِ وإنْ كانت ترى كونَ حُريةِ الرأي مكفولة، ولكُل إنسان الحقُّ في التعبيرِ عن رأيهِ ونشرهِ بالقولِ أو بالكتابةِ أو التصويرِ أو غير ذلك مِن وسائلِ التعبيرِ في حُدُود القانون والنقدِ المُباح والنقدِ البناءُ ضمان لسلامة البناءِ الوطني، ولئن كان الدستوُرُ قد كفلَ بهذا النص حُرية التعبيرِ عن الرأيِ بمدلولهِ الذي جاء عاما مُطلقًا ليشمل الرأي في مُختلفِ المجالاتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والعلميةِ”.
وتابعت: “وترتيبـًا على ذلك تستخلصُ المحكمةُ أن ما قامتْ بهِ وأدلتْ بهِ المُتهمةُ من عباراتٍ بالمقطع المرئي محل الواقعةِ كان سياقُهُ خارجًا عن النقدِ الذاتي وحُرية الرأيِ إنما يُعدُّ اعتداءً على المبادئِ والقيمِ الأسرية في المجتمعِ المصرِي، وأسفَتْ المحكمةُ على أن تصدُر تلك العباراتُ من المُتهمة لمُتابعيهَا من أفرادِ الأسرةِ المصريةِ، وتدعُو المحكمةُ كُل أُسرةٍ مصريةٍ إلى أن تضطلع بدورها المحوري في حمايةِ أطفالهَا من الإفراطِ في استخدامِ وسائلِ التواصلِ الاجتماعِي، لا سيما التطبيقاتُ التي قد تحملُ مـُحتوًى يتنافَى مع القيمِ والمبادئِ الأخلاقيةِ، وعلى الآباءِ والأمهاتِ مُراقبةُ استخدام أبنائهمْ لتلك الوسائلِ، مع توجيههمْ نحوَ المحتوى الهادفِ والبنّاءِ الذي يُثري عقولهم ويُعزز قيمهم والحدَّ من مُشاهدتهمْ للبثِ المباشرِ والمقاطع المرئيةُ التي تحوي على هدمِ القيَم والمبادئِ الأسريةِ والتي تقُومُ في أساسهَا على عددِ المُشاهداتِ، والتي تزدادُ كُلما زاد الإقبالُ عليها”.
وأشارت المحكمة إلى أن قِلة مُشاهدتها ستُسهمُ بشكلٍ كبيـرٍ في تلاشي هذهِ الظواهرِ التي لا تهدفُ إلا إلى تحقيقِ مكاسبَ شخصيةٍ على حسابِ الأخلاقِ واستقرارِ المجتمعِ.
وأكدت المحكمةُ أن رسالتهَا تتَجاوز حُدود العقوبة إلى دعوةٍ لكُل فردٍ في هذا الـمُجتمع لأن يتحملَ مسئوليتهُ تجاهَ الأُسرة والـمُجتمع، وأن احترامَ القيم والمبادئ ليسَ خيارًا، بل واجبًا، وإن إرساء هذه القيم في النفُوس هو الحصنُ المنيعُ الذي يحمِي الأُسرةَ والمجتمعَ من كل مُحاولات الهدْم أو التشويهِ.
لذلكَ، فإنَّ القضاءَ حينَ يتدخلُ في مثلِ هذه القضايا، لا يسعَى فقط لتطبيقِ القانُون، بل لتنبيهِ الجميعِ منْ خُطورة المساس بالأُسُس التي بُني عليها هذا الـمُجتمعُ العظيمُ، وعدَم الانسياقِ وراء الـمُغرياتِ الإلكترونيةِ التي تهدفُ إلى زعزعةِ استقرارِ الأًسرة ونشْر محُتوياتٍ تُسيءُ للأخلاقِ، وأخِيرًا تُهيبُ المحكمة بكل أفرادِ المُجتمع، شبابًا وكبارًا، بمُواجهةِ هذهِ الظاهرة التي تبدأ بتكاتـُفِ الجميع، وأن يجعلُوا منْ استخدام وسائلِ التواصلِ الاجتماعي وسيلةً للبناءِ لا للهدمِ، وأداةً لنشرِ الخيرِ والمعرفةِ، لا للإساءةِ والتخريبِ، ومن جماع ما سلف سردُهُ فالمحكمةُ تأخذ المُتهمةُ بقسطًا من الشدة جراء ما اقترفته من جُرمٍ.
وأصدرت أمس الدائرة الثانية محكمة جنح القاهرة الاقتصادية حكمها بحبس الفنانة منى فاروق 3 سنوات مع الشغل وكفالة قدرها 10 آلاف جنيه لإيقاف تنفيذ عقوبة الحبس مؤقتُا وتغريمها مبلغًا وقدره 100 ألف جنيه وألزمتها المصاريف الجنائية، وذلك في اتهامها ببث مقطع مرئي بث مباشر عبر موقع التواصل الاجتماعي تيك توك مثل اعتداءً على القيم والمبادئ الأسرية في المجتمع المصري، والتهمة مؤثمة بمواد قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.