الترجمة جسر الاقتصاد
تاريخ النشر: 13th, September 2023 GMT
سبتمبر 12, 2023آخر تحديث: سبتمبر 12, 2023
الدكتور محمود عبد العال فراج
بينما كنا والاسرة نشاهد احد الاعمال الدرامية التركية،لا اذكر جيدا ما إذا كان العمل مدبلج أم مترجم الى اللغة العربية، بادرتني زوجتي بسؤال “وبحكم اننا نقيم في إسطنبول منذ عدة سنوات”، مفاده أنه اذا لم تترجم الأعمال التركية الي لغات متعددة هل كان العالم من مشرقه الي مغربه قادراًعلي فهم هذه الأعمال؟ وهل كان صناع الاعمال الدرامية قادرين علي تسويقها للعالم دون ترجمة لتلك الأعمال؟ هذا ما قادني الي مجموعة من التساؤلات باعتبار أن بيع الأعمال التلفزيونية التركية أو السينمائية صارت من أهم مصادر الدخل للدولة التركية، حيث ذكرت وكالة الأناضول التركية أن حجم مبيعات المسلسلات التركية للعالم تجاوز مبلغ 500 مليون دولار أمريكي في العام 2018م، وذكر موقع العربي الجديد أنه من المتوقع أن حجم تلك المبيعات قد يصل الي مليار دولار في العام الجاري 2023م، وهذه ارقام جديرة بالتأمل والتحليل.
في الحقيقة،بدأتعملية الترجمة في العالم قبل آلاف السنين، وتطورت تدريجياً على مر العصور،حيث تم ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى لأغراض دينية، وأدبية، وعلمية في العصور القديمة، ثم تم ترجمة الأعمال الفلسفية، والعلمية الكلاسيكية اليونانية واللاتينية إلى لغات أوروبية مختلفة. كما ولعبت هذه الترجمات دورًا كبيرًا في تفسير الأفكار الكلاسيكية ونقلها إلى العالم الإسلامي وأوروبا في العصور الوسطى، ثم جاء عصر النهضة في أوروبا والذي قدمت الترجمة فيه دورا ملموسا فيترجمة العديد من الأعمال اليونانية واللاتينية إلى اللغات الأوروبية الحديثة، وهو ما ساعد في انتشار أفكار النهضة وتقدم الفهم الإنساني والعلمي مع تقدم التكنولوجيا ووسائل الاتصال في العصر الحديث. أصبحت عمليات الترجمة أسهل وأسرع،كما وتأثرت الترجمة بالعولمة، حيث أصبحت لغات العمل والتجارة تتقاطع بشكل أكبر اليوم، حيث تلعب الترجمة دورًا حاسمًا في تيسير التواصل بين الثقافات واللغات المختلفة، وتسهم في نقل المعرفة والثقافة والأفكار عبر الحدود باعتبارها أداة أساسية في التفاعل الدولي والتبادل الثقافي والاقتصادي، حيث لعبت الترجمة تاريخيا دورًا هامًا في تطور الاقتصاد والتفاعلات الثقافية بين مختلف الشعوبفكانت الترجمة تُستخدم لنقل المعرفة والأفكار بين الحضارات المختلفة، مما ساهم في تطور العلوم والثقافة،فتاريخيًا كانت ولا تزال عاملًا حيويًا في تعزيز التفاهم بين الشعوب والتبادل الاقتصادي العالمي، وقد ساهمت في تكوين العالم كما نعرفه اليوم في العصر الحديث.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل عالم الأعمال بحاجة ماسة للترجمة منهاالوصول إلى أسواق دولية حيث تسمح للشركات بالوصول إلى أسواق جديدة حول العالم،ويمكن ترجمة مواقع الويب والمواد التسويقية لاستهداف جمهور دولي وزيادة فرص النمو، وكذلك التواصل مع العملاء الدوليين،فالشركات بحاجة إلى التواصل بفعالية مع العملاء الدوليين الذين يتحدثون لغات مختلفة وذلك يشمل التفاوض على الصفقات وتقديم خدمة العملاء بلغات متعددة، ومن ثم العمل على بناء الشراكات الدولية والتحالفات وتوضيح الشروط والاتفاقيات، كما تساهم في نقل المعرفة والتكنولوجيا بين مختلف أرجاء وبقاع العالم، وهذا يتطلب معرفة دقيقة للغات الشركات المصنعة للتكنولوجيا الحديثة، وكذلك حاجة الشركات والدول لها من أجل ترجمة الوثائق المالية والقانونية بهدف التزام تلك الدول والشركات بالمتطلبات وامتثالها للقوانين واللوائح المنظمة لقطاع الأعمال سواء كانت القوانين واللوائح محلية أو دولية، وهذا ما يتطلب معرفة وثيقة باللغات التي كُتبت بها تلك القوانين واللوائح. كما لا ننسي أهمية الترجمة ودورها الحيوي في تسهيل السفر والتنقل بين دول العالم المختلفة بهدف ابرام العقود وعقد الصفقات المالية والتجارية والاقتصادية. كما ولعبت الترجمة دورا مفصليا في ترجمة العديد من المعايير المالية التي يتطلبها قطاع المال والاعمال لتنظيم أعمالهم، فلولاهم لكان من الصعوبة وجود أرضية مشتركة في قراءة وفهم وتحليل القوائم المالية لمختلف الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية، فقد خلقت الترجمة تلك الأرضية الصلبة التي مكنت المهتمين بقراءة وتحليل القوائم المالية من خلال اعتماد لغة موحدة لتلك التقارير وهو ما ساهم في اتخاذ العديد من القرارات الاقتصادية والمالية علي مستوي العالم.باختصار مثلت الترجمة جزءًا أساسيًا من استراتيجية الأعمال العالمية، وتمكنت الشركات من الاستفادة من الفرص العالمية والتفاعل بفعالية مع العملاء والشركاء في جميع أنحاء العالم.
تؤثر الترجمة على الاقتصاد بشكل كبير فهي كما أسلفنا تساعد في مهام التواصل بين الشركات والأفراد من مختلف الثقافات واللغات، مما يعزز التجارة الدولية وزيادة التبادل التجاري.كما تلعب دورًا هامًا في التسويق العالمي والإعلان، حيث يمكن أن تساعد في توصيل رسائل العلامة التجارية بفعالية للجماهير الدولية، بالإضافة الي تعزيز تجارب السفر العالمية وتسوق الافراد وارتياد الجامعات والمعاهد واكمال مسير الدراسة. بالإضافة الي تعزيز وتحسين تجربة السياحة العلاجية وارتياد المستشفيات ومراكز الأمراض المختلفة التي لولا وجود الترجمة ما انتشرت وجهات علاجية في منطقتنا العربية كمملكة تايلند والهند وتركيا وألمانيا وغيرها من الوجهات العلاجية التي صارت مقصد للكثير من سكان الوطن العربي وغيرهم. بالإضافة الي قدرتها علي تعزيز ونقل التجارب الطبية المتقدمة الي مناطق متفرقة في انحاء العالم. كما وتبسط الترجمة سيطرتها وسطوتها في عمليات التفاوض وتوقيع العقود واكمال الاعمال في بيئة متعددة اللغات، علاوة على ذلك دورها الهام والكبير في نقل المعرفة والأبحاث العلمية عبر الحدود، وتسهم الترجمة أيضا في التواصل الفعّال مع الشركاء التجاريين والعملاء الدوليين، مما يعزز التجارة والاستثمار،ومما يسهم أيضا في التقدم التكنولوجي والاقتصادي،فالترجمة تسهم بشكل كبير في تعزيز التفاعل والتعاون الدولي وتوسيع الفرص الاقتصادية في العالم.
وبالعودة الي التجربة التركية واستفادتها من وجود كبير من الأجانب علي أراضيها فقد ساعدت وساهمت ترجمة اللغة التركية الي لغات مختلفة المنتجات والخدمات التركية في غزو العديد من دول العالم ابتداء من منطقتنا العربية ومرورا بالدول الأوروبية، بالإضافة الي الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من الدول. كما ساعدت في تعزيز فهم العملاء الأجانب للثقافة والقيم التركية، مما يزيد من فرص نجاح العمليات التجارية، كما ساهمت بشكل كبير في إنجاح الدبلوماسية التجارية التركية، وصارت بفضلها تركيا من أهم الشركاء العالميين في أفريقيا مع الصين والهند. ولا ننسي دورها الفاعل في الترويج العالمي للسياحة في تركيا، حيث تعتمد الجمهورية التركية بشكل كبير على صناعة السياحة، وترجمة المواد السياحية تساعد في جذب سياح من مختلف أنحاء العالم. ان استخدام الترجمة بالشكل الحالي تمكنت تركيا من تعزيز تواجدها في الأسواق العالمية وزيادة صادراتها، مما ساهم في تعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز التفاعل مع العالم الخارجي، وان كانت بحاجة الي مضاعفة جهودها في الإبقاء على التواجد الأجنبي وتوعية المجتمع التركي بما ساهمت به ترجمة لغتهم للعديد من اللغات المستخدمة في أنحاء العالم المختلفة، وما أضاف ذلك من قيمة مضافة للاقتصاد التركي وجعلها قوة إقليمية تجارية واقتصادية لا يستهان بها.
مع ايماننا المطلق بأن الجمهورية التركية وشعبها قادرين على احداث نقلة نوعية في الاقتصاد العالمي، وفي هذا الصدد لا أحد يستطيع نكران مقدرة الاقتصاد التركي علي التكيف علي التحديات والصعوبات الكبيرة التي واجهها في فترات مختلفة واستطاع تجاوزها، انما يجب التذكير بأهمية الالتفات وعمل جوائز عالمية للمصنفات والاعمال التي تترجم اللغة التركية الي لغات عالمية أخري بما يساهم في تعزيز وتطوير وتحسين جودة الاأعمال الاقتصادية والتجارية والفنية التركية بما يمثل بعدا اقتصاديا ذا نفع علي المجتمع والاقتصاد التركي.
وإضافة الي ذلك وعلى غرار التجربة التركية وغيرها من التجارب العالمية الأخرى التي استخدمت الترجمة أيما استخدام في تشكيل وتحقيق نهضة اقتصادية،فان الترجمة تلعب دورًا هامًا في تحقيق النهضة الاقتصادية في العديد من المجالات من خلال تعزيز التواصل، وتوسيع الأسواق، وتعزيز التعليم والتدريب، وكونها جسر لتعزيز العلاقات الدولية، في الترجمة تسهم في تخفيف حواجز اللغة وتعزيز التفاهم الثقافي والاقتصادي، مما يساعد في تعزيز النهضة الاقتصادية، كما ينبغي الي أهميتها وتأثيرها المباشر وغير المباشر علي الميزان التجاري للدول فهي أداة قوية لزيادة الصادرات والواردات، وبالتالي تؤثر على الميزان التجاري إذا تم استخدامها بشكل فعال. يمكن للدول تحقيق توازن أكبر في هذا المجال من خلال زيادة صادرات الدول الي دول العالم المختلفة بالتعريف على مزايا صادرات الدول، بالإضافة الي كونها وسيلةلتحسين القدرة على التفاوض والتعاون مع شركاء دوليين بما يساهم في وصول الواردات الفعالة. كما ان ترجمة المعلومات التقنية والتعليمات يمكن أن تزيد من قدرة الشركات المحلية على تطوير وتصنيع منتجات متطورة ومطلوبة عالميًا، بما يؤدي إلى زيادة الصادرات وتحسين مواصفات المنتج المحلي وقدرته على المنافسة بالأسواق العالمية والدولية، يمكن للدول تعزيز قطاع السياحة وجذب المزيد من الزوار الدوليين. زيادة الإيرادات من السياحة تؤثر بشكل كبير، كما وتعزز الترجمة التفاهم بين الدول والثقافات، وتسهم في بناء علاقات دبلوماسية وتجارية قوية تؤثر بشكل إيجابي على الميزان التجاري.
الاقتصاد الإسلامي وما صار له من أهمية كبرى في كل العالم ايضاً تأثر بالترجمة حيث انها لعبت دوراً محوريا في تعزيز وفهم الاقتصاد الإسلامي وتطوره من خلال نقل مفاهيم ومبادئ الاقتصاد الإسلامي الي لغات عديدة، وهو ما ساهم في تعزيز وفهم هذه المبادئ وتطبيقها في الاقتصاد العالمي. كما انها لعبت دورا هاما في نقل مفاهيم الأخلاقيات والعدالة الاقتصادية في الإسلام إلى العالم بأسره، مما يشجع على ممارسات اقتصادية أكثر توجهاً نحو العدالة،ومن خلالها تم توفير الترجمة للعقود والاتفاقيات الاقتصادية الإسلامية بما سهل للشركات والمستثمرين من مختلف الثقافات الاستفادة من فرص الأعمال والتعاون في الأسواق الإسلاميةبشكل عام.كما انها ساعدت في نقل الأبحاث والمقالات الاقتصادية الإسلامية إلى لغات متعددة، مما عزز التبادل العلمي وعمق فهم هذا النوع من الاقتصاد.عند ترجمة الأعمال الأدبية والفنية والأفلام أيضاً يتسنى للدولة أو المؤسسة تصدير ثقافتها وقيمها إلى جمهور أوسع من العالم، مما يعزز فهمهم لهذه الثقافة ويعزز تأثيرها الناعم واضافة قيمة مضافة لاقتصادها، وهنا يجدر بالذكر ان مسلسل “قيامة ارطغرل” والد مؤسس الدولة العثمانية على سبيل المثال حقق ارقام قياسية في مبيعاته،حيث قدرت عدد مشاهداته حوالي 3 مليار، وتم عرضه في 85 دولة، وتم ترجمته الي 25 لغة، وتخطت ايراداته المليار دولار امريكي، وهو رقم جدير بالملاحظة والتحليل، وهو مسلسل ساهم في تحسين الصورة المغلوطة عن الدين الإسلامي، وتعتبر مثل هذه الاعمال من أحد قطاعات الاقتصاد الإسلامي، فالفنون وغيرها من القطاعات الأخرى تشكل في المجمل كامل الصورة للاقتصاد الإسلامي، وعليه يمكن القول أن الترجمة تلعب دورًا مهمًا في تعزيز التفاعل والتفاهم حول الاقتصاد الإسلامي وتعزيز دوره في الاقتصاد الإسلامي.
بالإضافة الي ذلك، فإن الترجمة لعبت دورا محوريا في تحقيق القوة الناعمة للعديد من الدول من خلال ترجمة الاعمال الفنية والثقافية كما اسلفنا، بالإضافة الي انها مكنت المسؤولين الحكوميين والدبلوماسيين من التواصل مع العالم بلغات متعددة، مما يعزز الدبلوماسية الثقافية والسياسية ويسهم في بناء التحالفات، كما ساهمت الترجمة في نقل المعرفة والتعليم عبر الثقافات، مما اسهم في تعزيز القوة الناعمة من خلال تطوير قوى العقل والتفكير، فالترجمة تلعب دورًا حاسمًا في تعزيز القوة الناعمة عن طريق تسهيل التفاهم والتواصل عبر الحدود ونقل الفهم والثقافة والأفكار، حيث انها تعتبر أداة مهمة في بناء العلاقات الدولية،وتعزيز التأثير والتأثر الثقافي والسياسي.
الا ان هنالك وجه آخر للترجمة لا يقلل من أهميتها، حيث أنه في بعض الحالات يمكن أن تكون الترجمة معوقة للاقتصاد والتجارة، حيث يترتب عليها تكاليف على الشركات والمؤسسات، وخاصة إذا كانت هناك حاجة مستمرة إلى ترجمة المستندات أو المواد، وهذه التكاليف يمكن أن تكون عبئاماليًا. كما ان عملية الترجمة قد تأخذ وقتًا، وهذا يمكن أن يؤثر على السرعة في اتخاذ القرارات التجارية أو تسليم المشاريع. كما وأنه وفي حالات وجود أخطاء في عملية الترجمة فقد يترتب على ذلك سوء التفاهم،والذي بدوره أن يؤثر بشكل كبير على الصفقات والعلاقات التجارية.وكذلكأيضاًفي بعض الصناعات مثل التكنولوجيا والأدوية، يمكن أن يكون هناك تحديات بسبب قوانين البراءات والملكية الفكرية التي تختلف من دولة لأخرى في بعض الحالات، كما قد تكون الترجمة في بعض الأحيان ذات جودة منخفضة، مما يؤدي إلى فقدان معنى النص أو تشويهه.
على الرغم من هذه التحديات، الترجمة لا تعتبر عاملًا معوقًا كبيرًا بشكل عام، بل إنها أداة ضرورية للتفاعل الدولي وتوسيع الفرص التجارية حيث، يمكن التغلب على بعض هذه التحديات من خلال استخدام مترجمين محترفين والاستثمار في تكنولوجيا الترجمة الحديثة.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الاقتصاد الإسلامی القوة الناعمة بالإضافة الی الترجمة فی ا فی تعزیز تلعب دور ا وغیرها من بشکل کبیر العدید من تساعد فی یمکن أن من خلال فی بعض کما ان
إقرأ أيضاً:
العملية البرية ضد الحوثيين في اليمن.. بين مخاوف السعودية والإمارات والانقسامات في مكونات الحكومة (ترجمة خاصة)
أفادت تقارير غربية أن الحملة الأمريكية ضد الحوثيين في اليمن التي تثير شبح هجوم بري حكومي، تهدد بإشعال التهديدات الأمنية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
وذكرت شبكة " Worldview- News" في تقرير ترجمه للعربية "الموقع بوست" أن أي هجوم بري حكومي محتمل ضد الحوثيين يهدد بإعادة إشعال التهديدات الأمنية للدولتين الخليجتين، وقد يُقوّض التحالف الداخلي للحكومة اليمنية.
في 14 أبريل/نيسان، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن مسؤولين أمريكيين ويمنيين يزعمون أن هناك مناقشات جارية حول هجوم محتمل على مدينة الحديدة الساحلية الرئيسية على البحر الأحمر، كجزء من هجوم بري ضد حركة الحوثيين المسلحة.
وأشارت تقارير أخرى في بلومبرغ وصحيفة ذا ناشيونال الإماراتية إلى أن الهجمات قد تهدف إلى استعادة العاصمة صنعاء، وستشمل عشرات الآلاف من القوات.
وحسب التقرير فإن الهجوم المحتمل لا يزال في مرحلة التخطيط، وليس مرحلة التجهيز، ولا يزال من غير الواضح مدى التزام مختلف الشركاء في أي من هذه السيناريوهات المحتملة. مشيرا إلى ان أبوظبي الداعم الرئيسي للحكومة اليمنية ولوكلاء أقوياء على الأرض مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، نفت مشاركتها في مثل هذه المناقشات.
رغم الشكوك حول صحة التقارير الإعلامية، إلا أنها الأولى التي تظهر منذ أن أطلقت الولايات المتحدة حملتها البحرية والجوية ضد الحوثيين في ديسمبر/كانون الأول 2023 (والتي صعّدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ مارس/آذار).
"يشير هذا إلى أن واشنطن تدرس دورًا أكثر مباشرة في الحرب الأهلية اليمنية المتجمدة، في محاولة لكسر عزيمة الحوثيين على مواصلة مهاجمة السفن المدنية في البحر الأحمر وإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل تضامنًا مع حماس في غزة"، وفق التقرير.
يقول التقرير "مع فشل الغارات الجوية الأمريكية المكثفة في وقف هجمات الحوثيين على إسرائيل وحركة الملاحة في البحر الأحمر، من المرجح بشكل متزايد أن تسعى واشنطن إلى شركاء يمنيين على الأرض لممارسة الضغط العسكري على الحركة المسلحة".
ورجح التقرير فشل القوة الجوية الأمريكية في إحباط جميع هجمات الحوثيين نظرًا للبنية التحتية العسكرية اللامركزية للجماعة، بالإضافة إلى أسلحتها منخفضة التقنية نسبيًا والتي تعتمد على طرق التهريب من إيران واستخدام السلع الاستهلاكية ذات الاستخدام المزدوج.
في واشنطن، يتضاءل الحماس السياسي لحملة الغارات الجوية المستمرة على خلفية التكاليف المتزايدة والمخاوف من أن الذخائر المستخدمة في اليمن قد يكون من الأفضل نشرها في أوروبا أو آسيا. ونتيجة لذلك، من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة إلى شركاء يمنيين للتقدم ضد خطوط المواجهة للحوثيين على الأرض، كما يقول التقرير.
مخاوف سعودية إماراتية
وتابع أن مثل هذه الخطة ستواجه قيودًا كبيرة، بما في ذلك تردد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين مثل الإمارات والسعودية. ولكن إذا تحقق ذلك، فستكون الحديدة هدفًا بارزًا بشكل خاص، لأنها الميناء الرئيسي الوحيد على البحر الأحمر الخاضع لسيطرة الحوثيين، وستعيق بشدة قدرة المسلحين على إعادة الإمداد والحصول على الواردات الأساسية من الغذاء والوقود للشمال، وستضع القوات على الطريق إلى صنعاء.
وأردف "كما أنها ستوجه ضربة لمعنويات الجماعة وتضعف قدرتها على تجنيد المقاتلين والحفاظ على ولاء القبائل الرئيسية التي تشكل تحالفها. ومع ذلك، فإن الحديدة ليست الهدف المحتمل الوحيد، حيث من المحتمل أن تحدث هجمات برية أكثر محدودية حول مأرب (حيث تشن الولايات المتحدة بالفعل غارات جوية) وتعز. إذا هاجمت الولايات المتحدة وشركاؤها على الأرض هذه الأهداف، فسيشير ذلك إلى اهتمام واشنطن بتغيير ميزان القوى في الحرب الأهلية اليمنية دون زعزعة استقرار موقف الحوثيين بشكل عام في الشمال بالضرورة".
واستطرد "إن طرد الحوثيين من الحديدة، حتى لو كان ممكنًا، لن يُضعف بالضرورة قدرتهم على مواصلة شن هجمات على سفن الشحن في البحر الأحمر". وقال إن "إجبارهم على التوغل أكثر في عمق اليمن قد يُحبط بعض أنظمة الحوثيين قصيرة المدى من قدرتها على استهداف السفن المارة في الممرات البحرية الإقليمية".
واستدرك "ومع ذلك، فإن ترسانة الحوثيين الضخمة وشبكات التهريب تعني أنهم سيظلون قادرين على الأرجح على شن بعض الهجمات، حتى لو لم يكن بنفس الوتيرة، وهو ما سيظل كافيًا لردع معظم شركات الشحن عن إعادة دخول المنطقة".
وزاد التقرير "لطالما نُشر عدد غير مؤكد، وإن كان يُفترض أنه صغير، من القوات الخاصة الأمريكية سرًا في اليمن، كجزء من جهود مكافحة الإرهاب. ومع ذلك، لا يزال نشر المزيد من القوات البرية مثيرًا للجدل في الولايات المتحدة، حيث تُحاول إدارة ترامب تقليص نفوذها في الشرق الأوسط".
من شأن شنّ هجمات برية جديدة حسب التقرير أن يُخاطر بدفع الحوثيين إلى إعادة توجيه بعض أنظمتهم بعيدة المدى من إسرائيل إلى السعودية والإمارات، مُستهدفين مدنًا رئيسية مثل الرياض وأبو ظبي، والبنية التحتية للطاقة في دول الخليج العربية على طول الخليج العربي.
رؤية 2030
ولفت التقرير إلى أن الحوثيين يمتلكون القدرة على ضرب عمق دول مجلس التعاون الخليجي. في الماضي، غالبًا ما كانت تُعترض هذه الضربات بواسطة دفاعات جوية أمريكية الصنع، لكنها مع ذلك هزّت العزيمة السياسية لحكومات دول الخليج العربية، وأوجدت حالة من عدم اليقين لدى الشركات والمستثمرين الذين يتطلعون إلى الانخراط في برامج التنويع الاقتصادي في هذه الدول. وخاصةً إذا شاركت وكلاء دول الخليج العربية، مثل لواء العمالقة المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، في هجمات برية في اليمن، فمن المرجح أن يستهدف الحوثيون الدول المضيفة لهم في محاولة لتقويض الإرادة السياسية لتلك الحكومات لدعم مثل هذا الهجوم.
وأكد أنه ورغم أن هذه الهجمات قد لا تُسبب أضرارًا مادية كبيرة، إلا أنها ستظل تُشكل مخاطر على المدنيين وتُقوّض ثقة الشركات والمستثمرين في الأوضاع الأمنية الإقليمية.
"ونتيجة لهذه المخاطر، قد لا ترغب أجزاء من التحالف اليمني في المشاركة في هجوم بري منسق أمريكيًا ضد الحوثيين، مما يجهد تحالف الحكومة اليمنية ويعمق الانقسامات الداخلية القائمة. كما جاء في التقرير.
وأشار إلى أن السعودية، على وجه الخصوص، نهجت مؤخرًا نهجها تجاه اليمن نحو خفض التصعيد والدبلوماسية بدلاً من الضغط العسكري بعد سنوات من الحملات الفاشلة لطرد الحوثيين من الشمال.
وقال "قد تكون العناصر المدعومة من السعودية في التحالف اليمني أقل استعدادًا لشن هجمات برية خوفًا من استفزاز السعودية مجددًا لشن ضربات مباشرة، وتقويض الثقة في برنامج المملكة للتنويع الاقتصادي "رؤية 2030". كما يساور الرياض القلق من أن دعم حملة تُنظمها الولايات المتحدة ضد الحوثيين قد يُقوّض تواصلها المستمر مع إيران، والذي تجلّى مؤخرًا في زيارة وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى البلاد في 17 أبريل/نيسان الجاري".
يضيف "لذا، فبدون الدعم السعودي، من غير الواضح ما إذا كان الهجوم البري المدعوم من الولايات المتحدة سيكفي للسيطرة على مدن رئيسية مثل الحديدة".
وقال إذا "تعثّر هذا الهجوم أو تسبّب في هزائم عسكرية، فسيُسفر عن تداعيات سياسية داخلية كبيرة بين الفصائل الداخلية في الحكومة اليمنية، مما سيُضعف من تماسكها، حيث يتبادل القادة اللوم على فشل الهجوم. وفي المقابل، إذا نجح الهجوم دون الدعم الكامل من تحالف الحكومة اليمنية، فسيُعمّق الانقسامات الداخلية، حيث تُعزّز الفصائل المشاركة نفوذها وتستولي على الأراضي لجمع الأموال وتجنيد مقاتلين جدد".
ورجح أن يؤدي أي هجوم بري يُشن ضد الحوثيين دون الوحدة الكاملة للتحالف اليمني إلى تفاقم التوترات بين الحكومة المركزية في اليمن ومنافسيها، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، بالإضافة إلى الفصائل المدعومة من السعودية والإمارات، مما قد يؤدي في النهاية إلى مزيد من تجزئة البلد الذي مزقته الحرب.
ولفت إلى أن الهجوم الحكومي الأخير لاستعادة الحديدة في عام 2018 فشل بسبب المخاوف الدولية من أن القتال في المدينة الساحلية قد يتسبب في أزمة إنسانية في شمال اليمن. ساهم الهجوم الفاشل في قرار الإمارات العربية المتحدة بالانسحاب من اليمن بعد عام.
وخلص التقرير إلى القول "توجد انقسامات طويلة الأمد بين الفصائل المدعومة من السعودية والفصائل المدعومة من الإمارات حول مستقبل اليمن وتقاسم السلطة، مع اندلاع اشتباكات عرضية بينهما. لا يزال المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي يريد جنوب اليمن مستقلاً، وهو أمر يعارضه السعوديون."