النفوذ الفرنسي في إفريقيا وانتفاضة الشعوب
تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT
الذي يحدث في عدد من دول وسط وغرب إفريقيا، بداية من الانقلابات العسكرية ومرورا بالانتفاضات الشعبية ضد النفوذ الفرنسي تحديدا وانتهاء بملامح الدخول الصيني والروسي للقارة السمراء، يثير عددا من التساؤلات والتوقعات حول النفوذ الاستعماري القديم لفرنسا في إفريقيا، وخاصة دول الساحل وجنوب الصحراء كمالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، حيث إن الانقلابات العسكرية التي شهدتها تلك الدول جعلت فرنسا أمام مواقف سياسية صعبة على الصعيد العسكري والأمني، وعلى صعيد النفوذ الاقتصادي، عبر شركاتها خاصة شركات الطاقة والمعادن، حيث إن إفريقيا عموما لديها من الإمكانات الطبيعية ما يمكّنها من أن تنجز تنمية مستدامة ورفاهية لشعوبها منذ عهود الاستقلال عن فرنسا عام ١٩٦٠، ومع ذلك ظلت دول وسط وغرب إفريقيا وحتى بقية الدول الإفريقية تعاني الأمرّين طوال عقود.
ومن هنا فإن نموذج رواندا يعطي الأمل نحو إفريقيا جديدة متطورة وتنعم بالاستقرار والسلام بعيدا عن ظاهرة الانقلابات والصراعات.
الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وأخيرا الجابون أصبحت واقعا سياسيا ومن الصعب الحديث عن رجوع الأنظمة السياسية السابقة. كما أن المظاهرات الشعبية التي خرجت تأييدا لتلك الانقلابات تعطي مؤشرا على وجود حاضنة شعبية واضحة، وهو الأمر الذي يحتاجه أي انقلاب ليعطي حجته السياسية والقانونية، ليس فقط للمجتمع المحلي ولكن على صعيد المجتمع الدولي ولعل مسألة الفترة الانتقالية التي تحدث عنها القادمون الجدد للسلطة في الدول الإفريقية الأربع هي بمثابة امتحان حقيقي للسلطات العسكرية الحالية وفي تصوري أن التهديد بشن تدخل عسكري من قبل المجموعة الإفريقية في النيجر تحديدا سوف يتحول إلى حرب أهلية إفريقية، خاصة وأن بوركينا فاسو ومالي هددتا بالتدخل العسكري للدفاع عن النيجر، وهذا يعطي المشهد السياسي الإفريقي المزيد من التعقيد وتدخل النيجر في صراع مسلح يكون ضحيته شعب النيجر، كما هو الحال الآن في السودان، حيث نزوح الملايين من الشعب السوداني علاوة على تدمير البنية الأساسية في عدد من المدن السودانية. عودة إلى المتضرر الأكبر -من تلك المتغيرات التي يشهدها عدد من دول وسط وغرب إفريقيا- وهي فرنسا التي تعيش معضلة دبلوماسية، حيث وجود السفير الفرنسي في عاصمة النيجر وسط مظاهرات شعبية ووسط حراسة أمنية ووسط رفض فرنسي لمغادرة السفير للنيجر. ومن هنا فإن باريس تشعر أن تلك الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية قد تكون بداية النهاية لنفوذها ومغيب شمسها عن إفريقيا التي كانت درة مستعمراتها لأكثر من قرن.
وكما هو الحال مع بريطانيا، فإن الاستعمار القديم استغل الثروات الطبيعية بشكل سافر خاصة وأن دولة كالنيجر تعد من أكبر دول العالم إنتاجا لمعدن اليورانيوم الذي يعد أساسيا في الطاقة النووية العسكرية والسلمية خاصة قطاع الكهرباء علاوة على الذهب. كما أن الجابون تعد من دول الأوبك في مجال النفط كما أن عدد سكانها لا يتعدى مليوني نسمة والأمر ينسحب على بقية وسط وغرب إفريقيا وحتى القارة بشكل عام ولسنا في حاجة للتذكير بدول عملاقة في مجال النفط والغاز كنيجيريا والسودان والكونجو وجنوب إفريقيا. ولذلك فإن فرنسا تشعر بخيبة أمل في ظل المشهد الحالي في عدد من الدول الإفريقية خاصة وأن هناك قوى جديدة بدأت تتمدد نحو القارة السمراء من خلال القوة الناعمة، حيث الاستثمار والموانئ البحرية وسكة الحديد والتسهيلات في مجال القروض. ولا شك أن الصين عملاق العالم القادم هو المقصود في هذا الإطار علاوة على تحفز روسيا الاتحادية التي تخوض حرب استنزاف ضد أوكرانيا وحربا بالوكالة من قبل دول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا فإن القيادة الروسية ترى أن بوابة إفريقيا تعد المدخل الصحيح نحو ترسيخ علاقتها مع دول أصبحت شعوبها ترفع العلم الروسي في إشارة إلى الترحيب بالعلاقات مع موسكو كما هو الحال مع بكين. ولذلك فإن فرنسا تشعر أن هناك واقعا سياسيا يتشكل في إفريقيا ليس فقط على صعيد السلطات المحلية الجديدة ولكن الأهم هو من خلال الرفض الشعبي للسياسة والنفوذ الفرنسي في إفريقيا وهذا يعد مؤشرا سلبيا واضحا لفرنسا.
المشهد السياسي في إفريقيا لم ينته بعد، فقد نشهد انقلابات عسكرية قادمة، خاصة وأن ظاهرة الانقلابات في إفريقيا تعد ظاهرة قديمة تعود إلى عقود وحدث بعضها بفعل خارجي لأسباب تتعلق بالسيطرة على الثروات الطبيعية. ولهذا كله، فإن هناك تحولا ولو تدريجيا من قبل الرأي العام في إفريقيا نحو الدول الاستعمارية السابقة. وهنا نتحدث عن فرنسا ولعل التطورات السياسية والعسكرية التي سوف تشهدها الدول الإفريقية الأربع وهي: مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، سوف يحدد مسار النفوذ الفرنسي في المرحلة القادمة، خاصة وأن الشعور السلبي من قبل تلك الشعوب الإفريقية يعد واضحا، حيث نقلت الشبكات الإخبارية مظاهر الفرح بانتهاء تلك الأنظمة السياسية السابقة وأيضا التعبير عن رفض التواجد العسكري والديبلوماسي والاقتصادي الفرنسي في بلدانها، وهذا الأخير هو ما يزعج باريس ويجعلها تصر على عدم الاعتراف بشرعية الأنظمة الجديدة ورفض مغادرة سفيرها النيجر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الانقلابات العسکریة الدول الإفریقیة النفوذ الفرنسی فی إفریقیا الفرنسی فی علاوة على فی عدد من خاصة وأن من قبل
إقرأ أيضاً:
كردستان العراق: ساحة صراع النفوذ بين تركيا وإيران
24 أبريل، 2025
بغداد/المسلة: تتصارع قوى إقليمية ودولية على بسط النفوذ في إقليم كردستان العراق، حيث يمثل الإقليم ساحة جيوسياسية معقدة تجمع بين المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية.
وتبرز تركيا كلاعب رئيسي، إذ ترسخت مصالحها عبر استثمارات ضخمة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، فضلاً عن وجودها العسكري لمواجهة حزب العمال الكردستاني.
وتمتلك إيران، في المقابل، نفوذاً سياسياً وعسكرياً عميقاً، مستفيدة من قربها الجغرافي وعلاقاتها مع فصائل مسلحة وأحزاب سياسية كردية وعراقية.
وتتجاوز هذه المنافسة حدود الإقليم، لتشمل صراعاً أوسع على استقرار العراق ومستقبله.
وتظهر محاولات خليجية للحضور في كردستان، لكنها تبقى محدودة. تسعى دول مثل السعودية وقطر والإمارات إلى تعزيز علاقاتها مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لكن هذه العلاقات لم تتجاوز اللقاءات الرسمية والدعم الإعلامي.
ويعكس هذا الحذر الخليجي تعقيدات المشهد العراقي، حيث تتجنب هذه الدول الصدام المباشر مع النفوذ التركي والإيراني.
ومع ذلك، يبرز الدور الخليجي في بغداد بشكل أوضح، مع استثمارات سعودية وقطرية وإماراتية في قطاعات الطاقة والبنية التحتية، مما يعزز الاستقرار الاقتصادي.
وتؤثر المنافسة التركية-الإيرانية بشكل مباشر على تشكيل حكومة إقليم كردستان.
وتدعم تركيا تياراً سياسياً يخدم مصالحها الاقتصادية والأمنية، بينما تسعى إيران للحفاظ على توازن يضمن نفوذها عبر الأحزاب الموالية.
ويعقّد هذا الصراع جهود توحيد الموقف الكردي، مما يؤخر تشكيل حكومة قوية ومستقرة. يفاقم الوضعَ ضعفَ التنسيق بين الأحزاب الكردية، التي تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الخارجية وسندان الانقسامات الداخلية.
ويعزز الاستقرار العراقي جاذبية البلاد للاستثمارات الدولية. تشير زيارة ممثلي أكثر من مئة شركة أمريكية إلى بغداد إلى اهتمام متزايد بالسوق العراقية، خاصة في قطاعات النفط والغاز والبنية التحتية.
ويعكس هذا التوجه إمكانية تحول العراق إلى مركز اقتصادي إقليمي، بشرط تحقيق استقرار سياسي وأمني مستدام.
ويبقى إقليم كردستان، بموقعه الاستراتيجي، محوراً حاسماً في هذا السياق، لكنه يظل رهينة التوازنات الإقليمية والدولية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts