لجريدة عمان:
2025-03-16@10:05:25 GMT

النفوذ الفرنسي في إفريقيا وانتفاضة الشعوب

تاريخ النشر: 5th, September 2023 GMT

الذي يحدث في عدد من دول وسط وغرب إفريقيا، بداية من الانقلابات العسكرية ومرورا بالانتفاضات الشعبية ضد النفوذ الفرنسي تحديدا وانتهاء بملامح الدخول الصيني والروسي للقارة السمراء، يثير عددا من التساؤلات والتوقعات حول النفوذ الاستعماري القديم لفرنسا في إفريقيا، وخاصة دول الساحل وجنوب الصحراء كمالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، حيث إن الانقلابات العسكرية التي شهدتها تلك الدول جعلت فرنسا أمام مواقف سياسية صعبة على الصعيد العسكري والأمني، وعلى صعيد النفوذ الاقتصادي، عبر شركاتها خاصة شركات الطاقة والمعادن، حيث إن إفريقيا عموما لديها من الإمكانات الطبيعية ما يمكّنها من أن تنجز تنمية مستدامة ورفاهية لشعوبها منذ عهود الاستقلال عن فرنسا عام ١٩٦٠، ومع ذلك ظلت دول وسط وغرب إفريقيا وحتى بقية الدول الإفريقية تعاني الأمرّين طوال عقود.

وهذا لا يعود فقط إلى الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والأمنية الفرنسية، ولكن هناك ظواهر حقيقية حول السلطات المحلية وقضايا الفساد الذي نخر في الاقتصاديات الإفريقية. من هنا فإن المشهد السياسي الإفريقي كان يعاني من السلطات المحلية التي حكمت إفريقيا ووصل بعضها إلى أكثر من خمسة عقود كما هو الحال في الجابون، علاوة على الحروب والصراعات الأهلية التي اندلعت في عدد من الدول الإفريقية ولعل أكثرها قسوة الحرب العرقية في رواندا، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون نسمة. ومع ذلك استطاع النظام السياسي الحالي في رواندا أن يطلق برنامجًا شاملًا للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي نتج عنه تطور مذهل في رواندا، التي سجلت تنميةً إيجابيةً ومقصدًا للاستثمار الخارجي.

ومن هنا فإن نموذج رواندا يعطي الأمل نحو إفريقيا جديدة متطورة وتنعم بالاستقرار والسلام بعيدا عن ظاهرة الانقلابات والصراعات.

الانقلابات العسكرية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وأخيرا الجابون أصبحت واقعا سياسيا ومن الصعب الحديث عن رجوع الأنظمة السياسية السابقة. كما أن المظاهرات الشعبية التي خرجت تأييدا لتلك الانقلابات تعطي مؤشرا على وجود حاضنة شعبية واضحة، وهو الأمر الذي يحتاجه أي انقلاب ليعطي حجته السياسية والقانونية، ليس فقط للمجتمع المحلي ولكن على صعيد المجتمع الدولي ولعل مسألة الفترة الانتقالية التي تحدث عنها القادمون الجدد للسلطة في الدول الإفريقية الأربع هي بمثابة امتحان حقيقي للسلطات العسكرية الحالية وفي تصوري أن التهديد بشن تدخل عسكري من قبل المجموعة الإفريقية في النيجر تحديدا سوف يتحول إلى حرب أهلية إفريقية، خاصة وأن بوركينا فاسو ومالي هددتا بالتدخل العسكري للدفاع عن النيجر، وهذا يعطي المشهد السياسي الإفريقي المزيد من التعقيد وتدخل النيجر في صراع مسلح يكون ضحيته شعب النيجر، كما هو الحال الآن في السودان، حيث نزوح الملايين من الشعب السوداني علاوة على تدمير البنية الأساسية في عدد من المدن السودانية. عودة إلى المتضرر الأكبر -من تلك المتغيرات التي يشهدها عدد من دول وسط وغرب إفريقيا- وهي فرنسا التي تعيش معضلة دبلوماسية، حيث وجود السفير الفرنسي في عاصمة النيجر وسط مظاهرات شعبية ووسط حراسة أمنية ووسط رفض فرنسي لمغادرة السفير للنيجر. ومن هنا فإن باريس تشعر أن تلك الانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية قد تكون بداية النهاية لنفوذها ومغيب شمسها عن إفريقيا التي كانت درة مستعمراتها لأكثر من قرن.

وكما هو الحال مع بريطانيا، فإن الاستعمار القديم استغل الثروات الطبيعية بشكل سافر خاصة وأن دولة كالنيجر تعد من أكبر دول العالم إنتاجا لمعدن اليورانيوم الذي يعد أساسيا في الطاقة النووية العسكرية والسلمية خاصة قطاع الكهرباء علاوة على الذهب. كما أن الجابون تعد من دول الأوبك في مجال النفط كما أن عدد سكانها لا يتعدى مليوني نسمة والأمر ينسحب على بقية وسط وغرب إفريقيا وحتى القارة بشكل عام ولسنا في حاجة للتذكير بدول عملاقة في مجال النفط والغاز كنيجيريا والسودان والكونجو وجنوب إفريقيا. ولذلك فإن فرنسا تشعر بخيبة أمل في ظل المشهد الحالي في عدد من الدول الإفريقية خاصة وأن هناك قوى جديدة بدأت تتمدد نحو القارة السمراء من خلال القوة الناعمة، حيث الاستثمار والموانئ البحرية وسكة الحديد والتسهيلات في مجال القروض. ولا شك أن الصين عملاق العالم القادم هو المقصود في هذا الإطار علاوة على تحفز روسيا الاتحادية التي تخوض حرب استنزاف ضد أوكرانيا وحربا بالوكالة من قبل دول حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا فإن القيادة الروسية ترى أن بوابة إفريقيا تعد المدخل الصحيح نحو ترسيخ علاقتها مع دول أصبحت شعوبها ترفع العلم الروسي في إشارة إلى الترحيب بالعلاقات مع موسكو كما هو الحال مع بكين. ولذلك فإن فرنسا تشعر أن هناك واقعا سياسيا يتشكل في إفريقيا ليس فقط على صعيد السلطات المحلية الجديدة ولكن الأهم هو من خلال الرفض الشعبي للسياسة والنفوذ الفرنسي في إفريقيا وهذا يعد مؤشرا سلبيا واضحا لفرنسا.

المشهد السياسي في إفريقيا لم ينته بعد، فقد نشهد انقلابات عسكرية قادمة، خاصة وأن ظاهرة الانقلابات في إفريقيا تعد ظاهرة قديمة تعود إلى عقود وحدث بعضها بفعل خارجي لأسباب تتعلق بالسيطرة على الثروات الطبيعية. ولهذا كله، فإن هناك تحولا ولو تدريجيا من قبل الرأي العام في إفريقيا نحو الدول الاستعمارية السابقة. وهنا نتحدث عن فرنسا ولعل التطورات السياسية والعسكرية التي سوف تشهدها الدول الإفريقية الأربع وهي: مالي وبوركينا فاسو والنيجر والجابون، سوف يحدد مسار النفوذ الفرنسي في المرحلة القادمة، خاصة وأن الشعور السلبي من قبل تلك الشعوب الإفريقية يعد واضحا، حيث نقلت الشبكات الإخبارية مظاهر الفرح بانتهاء تلك الأنظمة السياسية السابقة وأيضا التعبير عن رفض التواجد العسكري والديبلوماسي والاقتصادي الفرنسي في بلدانها، وهذا الأخير هو ما يزعج باريس ويجعلها تصر على عدم الاعتراف بشرعية الأنظمة الجديدة ورفض مغادرة سفيرها النيجر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الانقلابات العسکریة الدول الإفریقیة النفوذ الفرنسی فی إفریقیا الفرنسی فی علاوة على فی عدد من خاصة وأن من قبل

إقرأ أيضاً:

وضع الأوطان مرآة لحكامها وليس لشعوبها!!!

بينما أقلب في جهازي اليوم وجدت مقال سابق لي لم أتوفق في إرساله للصحف في زحمة الحياة اليومية ،ولذلك أرسله اليوم لأنه يظل يرد على مواقف بعض الكتاب "الرمادية" في الأمس واليوم ولربما الغد!
قرأت مقال للزميلة باتحاد الصحفيين والكتاب العرب فوزية رشيد بتاريخ 24 ديسمبر 2024 بعنوان" الأوطان مرآة شعوبها!"، وقد استفزني المقال لأنني شعرت فيه باتهام مبطن لبعض الشعوب بأنها سيئة ولذلك فهي تدمر بلادها، و وبرغم جودة المقال والجراءة الظاهرة فيه، ولكنه يستدعي الرد والنقاش حول ما جاء فيه، بدأت الزميلة بالقول )الأوطان في فعل عكسها لما يجري فيها، تشير إلى حقيقة شعوبها، ....... ! فهي الأوطان التي تعكس ما وصلت إليه شعوبها من رقي وحضارة وثقافة وقيم أو تخلف وتأخر وجهل !(
ومن هنا نجدها تبدأ بالهجوم على الشعوب متهمة إياها بالتخلف والتأخر والجهل دون إيضاح أسباب ذلك التخلف وهل لحكام تلك الشعوب دور فيه ام لا!!! وخاصة قادة الأنظمة الاستبدادية الحاكمة فيه عسكرية كانت ام مدنية!!!
ثم تستميت في الهجوم على الشعوب مع غض النظر عن استبدادية حكامها فنجدها تكتب ..) ما يهمنا أننا نرى أوطاناً عربية تمتلك كل الإمكانيات وتمتلك ثروات مختلفة، لكنها وبيد أبنائها تمزقت وتخلفت واضطربت، بعد أن استجابت بفئات فيها إلى مسارات الفوضى المرسومة لها، والمخططات التي تعبث بمصائرها، ( !
وهنا نجدها تخاف ان توجه الاتهام للحكام صراحة وتوجه الى "فئات فيها"
!!! ثم تستمر في الهجوم على الشعوب وتمايز بينها بأن )هناك شعوب بالفطرة تغلب عليها وعلى سلوكياتها الرؤية الوطنية، فتفدي أوطانها بالغالي( !!! ثم تعود لاتهام الأوطان بأنها دمرت نفسها بنفسها وفي ذلك تبرئة واضحة للحكام فتقول )بينما أوطان عربية سلمت نفسها وعلى يد بعض أبنائها إلى الخراب والدمار، ولم تفهم في لغة الوطن إلا مصالحها الأنانية، بل دمرت شعوبها، ومارست القتل فيهم بناء على اختلافات مذهبية أو إيديولوجية،(
أجد الخلط الواضح في المقال بين الشعوب والاوطان والحكام، فحين تريد التجريم تتهم الشعوب او تذكر الأوطان ولكأني بأن تلك الشعوب هب الفاعل الحقيقي والمالك للقوة العسكرية والأمنية التي يمكن من خلالها فرض قرارها السياسي وخياراتها، في حين ان الزميلة العزيزة تعلم علم اليقين بأن تلك الشعوب ترضخ تحت حكم القهر والاستبداد وبالحديد والنار!!!
وكأني بها قد أستحت في نهاية المقال فحاولت بقدر الإمكان الإشارة من طرف خفي لجرم الحكام فكتبت ) رأينا .... كيف تبيع أنظمة دول أبناءها للحفاظ على بقائها، وكيف تمارس أبشع الجرائم في حق مواطنيها، … والخلاصة أن كل من يفعل ذلك، لا يفهم معنى الوطن، ولا قيمة الإنسان، ولا يدرك معنى الإخلاص للوطن ولشعبه، ولا يرى نفسه قط في مرآة الوطن ومرآة التاريخ !(
ان الحقيقة الثابتة هي انه ليست هناك شعوب لها سلوك وطني وأخرى لا تملك ذلك السلوك، ولكن هناك شعوب تصر الأنظمة العالمية على ضرورة ان تظل تحت الحكم الاستبدادي مع حاكم "عميل" حتى يتسنى لها سرقة موارد تلك الشعوب بثمن بخس، فتعمل تلك الأنظمة العالمية على دعم وتقوية النظام العميل، ويقوم هذا الأخير وأصحاب المصالح حوله بإحكام قبضتهم الأمنية على الوطن وجعله سجنا كبيرا، غالبا سجنا مليء بالتعذيب والسحل والقتل وأحيانا سجنا ناعما!!!
ان قهر الشعوب يتم أحيانا من خلال تلك الأقلام التي تريد ان تشعره بعقدة الذنب وانه سبب تخلفه وفي نفس الوقت تقوم بتبرئة الحكام بصورة ناعمة. والحقيقة التي تخاف الكاتبة عن البوح بها هي أن الأوطان مرآة لحكامها، او لشعوبها المقهورة .

abdelgadir@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • بينها اليمن.. قائمة الجنسيات التي ستفرض عليها إدارة ترامب حظر سفر
  • وضع الأوطان مرآة لحكامها وليس لشعوبها!!!
  • جيهان عبد السلام: الرئيس السيسي وضع ملف القارة الإفريقية في مقدمة اهتماماته
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • الداخلية: الفيزا الإلكترونية إلزامية لجميع الوافدين وتُمنح خلال 6 ساعات
  • أمير طعيمة: أضع ضوابط خاصة لاختيار الأعمال التي أشارك فيها .. فيديو
  • السعودية تتفوّق على مصر وإسرائيل.. الدول التي تمتلك أقوى «مقاتلات عسكرية»!
  • استهتار بعض أبناء الأثرياء والمتنفذين في العراق
  • هيئة الدواء: تنفيذ الاستراتيجية الوطنية بتوطين التصنيع الدوائي في إفريقيا.. ونواب: مصر دولة ذات تاريخ كبير في هذه الصناعة لمدة 100 عام