مع بدء العدِّ التنازلي لانتخابات أعضاء مجلس الشورى للفترة العاشرة، واستمرار حملات الدعاية الانتخابيَّة للمترشِّحين بالولايات بالدعوة لحضور لقاء الناخبين والتي تستهدف تعرُّف مُجتمع الولايات على المترشِّحين عن قرب حيث يتمُّ فيها استعراض تفاصيل البرنامج الانتخابي ومحدِّداته ومجالاته ورؤية المترشِّح في التعامل مع الموضوعات ذات الصِّلة في برنامجه، وفتح باب النقاش والتحاور والإجابة عن التساؤلات والنقاشات المطروحة من قِبل الجمهور، لتُشكِّلَ محطَّة مُهمَّة في سبيل بناء الثقة، وتعزيز لغة تواصليَّة أكبر مع المترشِّح والمدركات الفكريَّة لدَيْه، والممكنات والقَدْرات والمهارات التي يُتقنها، والاستعدادات النَّفْسيَّة والقناعات التي يحملها في ظلِّ معطيات الموقف التنفيذي واستراتيجيَّة التعامل مع التعدُّديَّة في الآراء، لضمان كفاءة تقديم الرؤى والمبادرات التي يُمكِن خلالها إبقاء خيوط الترابط وجسور التواصل مع المواطن ممتدَّة حتَّى بعد ترشُّحه لعضويَّة المجلس ـ في ظلِّ الهاجس المُجتمعي من انقِطاعه بعد حصوله على موقع له في مجلس الشورى ـ فإنَّ ما يُمكِن أن تثمرَ عَنْه هذه اللقاءات من فرص سوف يُعزِّز من مفهوم وحدة الهدف، والمسؤوليَّة المشتركة، ويؤطِّر التكامل الوطني الذي يتَّجه نَحْوَ الأولويَّات الوطنيَّة العُليا، في ظلِّ إدراك تامٍّ للمُجتمع حَوْلَ الصلاحيَّات الممنوحة لمجلس الشورى ومساحة الصلاحيَّات التي يُمكِنه الانطلاقة في ضوئها، والخيارات المتاحة له في ترجمة أجندة الحملة الانتخابيَّة وأهدافها إلى واقع عملي وإجراءات ونماذج وليس مجرَّد وعود وظواهر صوتية، الأمْرُ الذي من شأنه أن يُسهمَ في بناء لغة خِطابيَّة تواصليَّة متكافئة ومتوازنة في الطرح وتحليل الموقف، والتمكُّن من الإجابة عن ما يطرحه المُجتمع وقدرته على تغيير القناعات السلبيَّة التي تولَّدت لدى المُجتمع حَوْلَ تصرُّفات المترشِّحين التي ظلَّت حاضرة بعد كُلِّ فترة انتخابيَّة.


وعَلَيْه، يأتي التساؤل: ما المردود المتوقَّع من الحملات الانتخابيَّة؟ وهل سيفصح عن رحلة جديدة تُعِيد النظر في آليَّة الاختيار؟ وهل ستوفِّر الدعاية الانتخابيَّة وما حمَلته في رصيدها من مؤشِّرات وأعطته من وعود فرص نجاح مضمونة يُمكِن أن يقيسَ عَلَيْها قَبول هذا المترشِّح، وأن تكُونَ له أسبقيَّة الحصول على الاعتراف المُجتمعي؟ وهل يعوَّل على هذه المساحات الحواريَّة التي عبَّرت عَنْها اللقاءات وركَّزت عليها الدعايات؛ في نُموِّ الوعي المُجتمعي حَوْلَ معايير اختيار عضو مجلس الشورى؛ باعتباره الحلقة الأقوى في معادلة اختيار عضو مجلس الشورى، والذي يتناسب اختياره مع طبيعة المرحلة وتطلُّعات المواطنين والشَّباب وفئات المُجتمع الأخرى، ويعطي صورة أخرى غير الصورة المتكررة التي اعتاد عَلَيْها المُجتمع في عمليَّات الترشيح، القائمة على فرض لغة الوصاية الشخصيَّة المدعومة بالتراكمات القبليَّة وسُلطة العادات والتراكمات الفكريَّة التي ما زالت تقرأ عمليَّات اختيار في موازين ضيِّقة ومقاييس المال والوجاهة والعائلة؟ وبالتَّالي ما إذا كانت هذه اللقاءات تقَدِّم محطَّات للتأمل والمراجعة والتفكير وإعادة هندسة الذَّات وحشد الجهود المُجتمعيَّة في الوقوف على الطرح المقدَّم من المترشِّح لتمثيل الولاية في مجلس الشورى، ويعطي فرصًا أكبر للموازنة بَيْنَ ما يطرح من المترشِّحين من قضايا ويتداول من أجندة في دعايتهم الانتخابيَّة؟ وما إذا كانت ستحظى بالتطبيق بعد فوز المترشِّح، أم ستظلُّ مجرَّد نُسخ متكررة ووعود غير منتجة، وممارسات فارغة تستهدف الوصول إلى الفوز بِدُونِ أيِّ دلالات تعكسها أو مؤشِّرات تعبِّر عَنْها؟
من هنا، فإنَّ الرهان اليوم في قدرة المُجتمع على التخلِّي عن فرض سُلطة العادات وثقافة التراكمات الشخصيَّة لصالح بناء وعي مُجتمعي أصيل لا يرتبط بالأزمنة والأمكنة والأحداث والأشخاص والمناسبات، بل خيار استراتيجي وشعور جمعي، وخُلق مُجتمعي، يغيِّر معادلة القوَّة لصالح الوعي والمسؤوليَّة وتقدير الكفاءة في انتخاب عضو مجلس شورى واعد، يمتلك المهارة والتجربة، والاستعدادات والكفاءة العلميَّة والمهنيَّة، ويتَّسم بالتنوير الفكري والتأصيل الخُلقي الذي يحافظ على جاهزيَّة المهارات والاستعدادات وفاعليَّتها في رسم ملامح الصورة القادمة، كما يمتلك حسَّ التغيير الذَّاتي لصالح صناعة الفارق، وإنتاج التحَوُّل، وخَلق حسٍّ مسؤول يتفاعل مع أولويَّات المواطن، ويستجيب لمعطيات التحَوُّل الشامل، ويتقاسم مع المُجتمع مشترك التغيير والبناء ومسارات التمكين والاحتواء، وهذا الأمْرُ من شأنه أن يقلِّلَ فجوة التباينات واختفاء المترشِّح من الواقع الاجتماعي بعد انتخابه لِيجدَ له في السَّاحة الوظيفيَّة والمصالح الشخصيَّة ما يُغنيه عن السَّاحة الاجتماعيَّة، واتِّجاهه إلى تلبية وتقديم الدَّعوات الشخصيَّة والبروتوكولات وتصدُّر مشهد الاحتفالات والفعاليَّات وتسليم الشهادات والأوسمة، الأمْرُ الذي ينظر فيه لتلك المرحلة السَّابقة والحميميَّة التي ربطته بالمُجتمع ما هي إلَّا سحابة صَيْف تنقشع بمجرَّد وصوله إلى القبَّة البرلمانيَّة وإطلاق لفظ سعادة… عَلَيْه، وإعلان اسمه رسميًّا كعضو مجلس شورى ممثِّل للولاية الفلانيَّة. هذه الصورة القاتمة التي ما زالت تلاحق بعض الأعضاء المترشِّحين أو الذين تحقَّقت لَهُمْ فرصة المنصب بِدُونِ جهد، غير مدركين لمفهوم عضويَّة مجلس الشورى، وطبيعة الاستحقاقات القادمة التي على العضو أن يمتلكَها وفق اختصاصات مجلس الشورى والتي حدَّدها قانون مجلس عُمان رقم (7/2021) الصادر بالمرسوم السُّلطاني. ومع ذلك تبقى الحملات الانتخابيَّة وما حمَلته في حقائبها من أهداف العضو المترشِّح للمجلس خيوطًا ممتدَّة عَلَيْه أن لا يغلقَ باب الاهتمام بها أو الالتزام بالعهود والوعود التي قطَعها على نَفْسِه، ويتحجج بأنَّ دَوْر عضو مجلس الشورى هو تشريعي وليس تقديم الخدمات بَيْنَما كان يَعدُ الناخبين بأنَّه سوف يقَدِّم للولاية رؤية تطويريَّة تقف على الطموحات وتعالج التحدِّيات، لذلك يجِبُ أن لا ترفعَ الدعاية الانتخابيَّة سقف التوقُّعات لدى المنتخب وينظر إليها على أنَّها مصدر للإلهام والعصا السحريَّة، بل يجِبُ أن يتريثَ في الأمْرِ ويقرأَ العضو المترشِّح في إطار ما يحمله من منجز ويطبقه من استراتيجيَّات، لا أن تصبحَ تلك الأمنيات أضغاث أحلام وفقَّاعات هوائيَّة، وفرقعات صوتيَّة تتلاشى بعد اعتلائه المنصب وحصوله على المقصد؛ فإنَّ الإبقاء على هذه الهواجس والتراكمات الوجاهيَّة والقبليَّة كمُوجِّه لبوصلة الانتخاب والحاكم الرئيس في اختيار المترشِّح لعضو مجلس الشورى؛ سوف يبقى ملف عضو مجلس الشورى في وضعه المتأزم من وجهة نظر الرأي العام، وتظلُّ الحالة الشوريَّة تُكرِّر نَفْسَها دُونَ بصيص أملٍ بالتغيير الجذري المقْنع الذي ينتظره المواطن من تحت قبَّة المجلس، الأمْرُ الذي سيكُونُ له تداعياته السلبيَّة في انتزاع الثِّقة من الداخلين للمجلس، وأنَّه مساحة كلاميَّة تفتقر لوجود برنامج عمل يصنع التقَدُّم ويعالج الملفات ويقف عِنْد حدود الممارسة الشوريَّة مع الحفاظ على درجة التوازنات التي أصَّلت لقَبول هذا المترشِّح عضوًا ممثِّلًا للولاية، فإنَّ الاستمرار في هذا المسار سوف ينتج لَنَا أعضاء مُكرَّرين، كما هو معتاد لا يمتلكون روح التغيير، ولا يحاولون أن يصنعوا من المساحة المتاحة لَهُمْ في المجلس أيَّ حضور يُذْكر؛ لكونِ وصولهم إلى هذا المنصب جاء في ظلِّ غياب الوعي المُجتمعي بقِيمة الاختيار المَبني على الكفاءة، والترشيح القائم على الإيمان بامتلاك هذا العضو لدرجة عالية من أرصدة الإنجاز التي يشهد بها القاصي قَبل الدَّاني، بل جاءت بحُكم الوجاهة والثقافة القبليَّة والتراكمات الشخصيَّة أو ببعض الممارسات والتجاوزات التي فرضت نَفْسَها على واقع النَّاس في ظلِّ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
إنَّ التحدي الأكبر يكمن في غياب الوعي الاجتماعي وإرهاق الفكر الاجتماعي بالأشخاص المتكررة والأفكار البالية، ومحاولة تحجيم البُعد الثقافي وحصره في الأشخاص والفئات، وليس في إطار إنتاجيَّة البُعد الثقافي وقدرته على صناعة التغيير، وإحداث التحَوُّل ونُمو الممارسة القائمة على الابتكاريَّة والاحترافيَّة والجاهزيَّة بعيدًا عن أيِّ اعتبارات شخصيَّة لِجاهٍ أو منصب أو موقع اجتماعي، أو أن تكُونَ سطحيَّة الممارسة هي مَن تُدير المشهد، وتُحدِّد العضويَّة وتختار المترشِّح، وتصنع لِمَنْ لا يستحقُّ مكانه، وتضع الغائب في الواجهة، وتصنع للمتسلق فرص الأضواء والظهور، ويُنسى مَن يعمل بإخلاص في صَمت، ومَن ينجز خلف الكواليس، صاحب الإنجاز الحقيقي، فإنَّ أدقَّ وصف يُمكِن أن ينتجَ عن غياب الوعي المُجتمعي من المشهد الشوري مثله كمثل مشاهير الغفلة أو مشاهير الفلس والظواهر الصوتيَّة الفارغة التي تتحيَّن الفرصة لِتتسلقَ على أكتاف النَّاس، والسَّبب في ذلك هُم النَّاس أنْفُسهم عِنْدما يصنعون للمشاهير قِيمة والتفاهة حضورًا، وهكذا حال المترشِّح لمجلس الشورى التي يفتقر فيه الاختيار إلى النزاهة القائمة على استحضار الكفاءة والمهنيَّة والاحترافيَّة والإنتاجيَّة وخدمة الوطن والمواطن؛ وبالتَّالي مسؤوليَّتنا جميعًا كناخبين في كيف نصنع من الوعي المُجتمعي مرحلة متقَدِّمة تختزل كُلَّ المساومات على الوطن في أنانيَّات النَّفْس وأثَرَة الذَّات، وشخصنة الأحداث، وسُلطة الفوقيَّة والفردانيَّة الوجاهيَّة، فإنَّ التحرر من هذه السلبيَّات التي باتتْ تسلب حقَّ الإرادة والاختيار الذي يتجاوز كُلَّ أشكال التغريب في المشهد، وتوجيه بوصلة الاختيار وفزعة التكاتف نَحْوَ إعادة إنتاج الذَّات العُمانيَّة التي يقودها المخلصون للوطن، والكادحين في ميادين المنافسة، أغنياء النَّفْس، عظماء السلوك، القدوات والنماذج، العاملون خلف الكواليس في مواجهة سُلطة العادات وانتزاع الإرادة وغياب التأمل وفقدان التوازن وتهميش العقل وتسطيح الفكر، وتوطين الفوقيَّة والسلطويَّة، وهو التحدِّي الذي نعتقد أنَّه يجِبُ أن ينالَ اليوم أولويَّتنا في بناء نظام الحوكمة والرقابة والمتابعة واللامركزيَّة والشفافيَّة والعدالة التي جادَتْ بها يقينًا رؤية عُمان وسطَّرها عاطر النُّطق السَّامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ـ بأحْرُف من نور.
وأخيرًا، أيُّها المُحبُّ لعُمان وسُلطانها وشَعبها؛ هل سيكُونُ اختيارك وفق الاعتبارات الضيِّقة بحجَّة محافظتك على العادات والموروث، وهي من اختيارك براء، ما سينتج عَنْه استمرار الدَّوران في حلقة مفرغة، وتكرار الأسلوب نَفْسِه والطريقة نَفْسِها والأداء ذاته والأشخاص أنْفُسِهم دُونَ أُفق التطوير الذَّكي والشعور النَّقي، والأمل الصَّادق، والحُب المخلص، والأداء المُتقَن، والعمل المنتِج؟ أم ستختبر روحك الوعي، وضميرك الصدق، وأمانتك المسؤوليَّة، ولو لمرَّة واحدة، لِيكُونَ الوعي رهان القوَّة الذي يوجِّه بوصلة اختيارك، يعكس تصرُّفاتك ومنهجيَّتك وطريقتك في اختيار المترشِّح لعضويَّة مجلس الشورى للفترة العاشرة؟ فالله الله في وطنك الذي ينتظر مِنْك اختيارًا يُعبِّر عن طموحه، ويسرد قصَّة نجاح تصل إلى أقاصي الدُّنيا فخرًا بحُسْن انتخابك وصِدْق اختيارك.

د.رجب بن علي العويسي
Rajab.2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: عضو مجلس الشورى ات التی ی اختیار ا م جتمع مع الم ة التی الأم ر

إقرأ أيضاً:

شهر الرحمة و التغيير

يهل علينا شهر رمضان كل عام محمّلًا بالنفحات الإيمانية والفرص الثمينة التي يجب اغتنامها، فهو شهر الرحمة والمغفرة والتغيير الإيجابي، ليس فقط في العبادات، بل في السلوكيات والعادات أيضًا. فهو ليس مجرد فترة زمنية نمتنع فيها عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة عظيمة لتقويم الأخلاق وتنقية النفس من العادات السلبية التي قد تضعف أجر الصيام وتؤثر على علاقتنا بالآخرين.

ومع قدوم هذا الشهر الكريم، يصبح من الضروري أن نقف مع أنفسنا وقفة تأمل، ونعيد النظر في سلوكياتنا، فكم من عادات سيئة اعتدنا عليها دون أن نشعر بمدى أثرها السلبي؟ ومن بين هذه السلوكيات التي يجب الحذر منها الغيبة، والنميمة، والتنمر، والتي يمكن أن تفسد صيامنا وتُذهب بركة أيامنا وليالينا. في هذا التقرير، سنستعرض أهمية تهذيب السلوك في رمضان، وكيف يمكننا استغلال هذا الشهر المبارك لتحقيق التغيير الإيجابي في حياتنا.

تهذيب السلوك في رمضان: ضرورة لا خيار

إن الصيام ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب، بل هو تدريب للنفس على التحكم في الشهوات والرغبات، وعلى رأسها السيطرة على اللسان. فكثير من الناس يقعون في الغيبة دون إدراك لحجم الذنب الذي يرتكبونه، رغم تحذير الله تعالى من ذلك في قوله:

"وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ" (الحجرات: 12).

إن الغيبة، وهي ذكر الآخرين بسوء في غيابهم، والنميمة، أي نقل الكلام بهدف الإفساد، من أخطر العادات التي قد تسلب الإنسان حسناته دون أن يدرك، وقد تؤدي إلى فساد العلاقات الاجتماعية ونشر الضغينة بين الناس. أما التنمر، فهو صورة أخرى من الأذى، حيث يتم الاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم، وهو أمر ينافي تعاليم الإسلام التي تدعو إلى الرحمة والتسامح.

لذلك، علينا أن نجعل رمضان فرصة لترويض ألسنتنا، فلا نجلس في مجالس الغيبة، ولا ننقل الكلام بهدف الإفساد، ولا نسمح لأنفسنا بأن نؤذي غيرنا بالسخرية أو التحقير، بل نسعى جاهدين إلى أن يكون كلامنا طيبًا، وأفعالنا محسوبة، حتى نحصل على الأجر الكامل لصيامنا.

الصيام: تجديدٌ للجسد وصفاءٌ للنفس

لا تقتصر فوائد الصيام على الجانب الروحي فقط، بل تمتد لتشمل الجوانب الصحية والنفسية أيضًا. فمن الناحية الجسدية، يعمل الصيام على تجديد الخلايا وإزالة السموم المتراكمة في الجسم، مما يساعد في تحسين عمليات الأيض وتعزيز صحة الجهاز الهضمي. وقد أثبتت الدراسات أن الصيام المنتظم يسهم في تحسين وظائف المخ، وتقليل الالتهابات، وتعزيز صحة القلب.

أما من الناحية النفسية، فإن الصيام يعزز قدرة الإنسان على التحكم في رغباته وانفعالاته، مما يساعد على تقوية الإرادة وتعزيز الصبر. كما أن الابتعاد عن العادات السلبية يمنح النفس شعورًا بالسلام الداخلي، ويجعل الإنسان أكثر قدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، مما ينعكس على جودة علاقاته الاجتماعية.

استثمار رمضان في رفع الحسنات وزيادة البركة

لكي نحقق أقصى استفادة من رمضان، لا بد أن نستغل هذا الشهر في أعمال الخير والطاعات التي تضاعف حسناتنا، ومن بين الأمور التي يمكن التركيز عليها:

مراجعة سلوكياتنا وضبط ألسنتنا

يجب أن يكون رمضان فرصة لمراقبة أقوالنا وأفعالنا، والحرص على أن تكون خالية من الأذى والظلم. فالصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب فقط، بل يشمل الامتناع عن كل ما يضر الآخرين أو يؤذي مشاعرهم.

الإكثار من الاستغفار والتوبة

لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، لكن رمضان يمنحنا الفرصة لمحو الذنوب وتطهير القلوب. فالاستغفار يفتح أبواب الرحمة والمغفرة، ويجعل الإنسان أقرب إلى الله، ويمنحه راحة نفسية وسكينة داخلية.

الإحسان إلى الآخرين ومساعدتهم

رمضان هو شهر العطاء، وأفضل ما يمكن فعله هو مد يد العون لمن يحتاج، سواء كان ذلك بتقديم الصدقات، أو بمساندة من حولنا بالكلمة الطيبة والتصرف الحسن.

الانشغال بالطاعات بدلاً من العادات السلبية

كل لحظة في رمضان ثمينة، فلماذا نضيعها في القيل والقال؟ يمكننا استغلال الوقت في قراءة القرآن، والتأمل في معانيه، وصلة الأرحام، والإكثار من الذكر والدعاء، حتى نخرج من رمضان ونحن أكثر قربًا من الله.

ومسك الختام

يأتي رمضان ليكون فرصة عظيمة لكل من يريد إصلاح نفسه، وتهذيب سلوكه، ورفع درجاته عند الله. فكما نحرص على صحة أجسادنا خلال الصيام، علينا أن نحرص على صحة أرواحنا وأخلاقنا، ونبتعد عن كل ما قد ينقص من أجرنا. الغيبة، النميمة، والتنمر ليست مجرد أخطاء بسيطة، بل هي معاصٍ يمكن أن تُذهب بحسنات الصائم دون أن يشعر.

فلنكن أكثر وعيًا بأقوالنا وأفعالنا، ولنجعل رمضان نقطة انطلاق نحو حياة أكثر نقاءً، خالية من العادات السيئة، مليئة بالخير والطاعات. فإذا أحسنا استغلال هذا الشهر، فإن أثره سيستمر معنا طوال العام، وسنكون أقرب إلى الله، وأكثر سلامًا مع أنفسنا والآخرين.

مقالات مشابهة

  • الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية يكشف عن آلية اختيار مبعوثي الأزهر للخارج
  • المستقبل يكشف مرشحه لعضوية مجلس نقابة المحامين في بيروت
  • بعد أزمة تيك توك وحظر كاب كات.. هل ينجح رهان إنستغرام على إديتس؟
  • الجبهة الوطنية يعلن اختيار 10 أمناء جدد للأمانات المركزية بالحزب
  • فهد الرئيسي يقدم أوراق ترشحه لعضوية اللجنة الأولمبية العُمانية
  • “طلال الخيرية” تُمول حملة لتعزيز الوعي المجتمعي بالأبعاد غير النظامية للتسول
  • تعزيز الوعي المجتمعي بسلامة الغذاء في ضنك
  • شهر الرحمة و التغيير
  • نائب: السوداني لم ينفذ برنامجه الحكومي الذي ألزم به نفسه
  • قانونية الشورى: نشاط تشريعي مرتقب لمواكبة حركة التنمية