إقالة ريزنيكوف يبرز التحدي المستمر في مكافحة الفساد

أتى قرار إقالة وزير الدفاع الأوكراني أليكسي ريزنيكوف، عقب سلسلة من التقارير حول الكسب غير المشروع وسوء الإدارة المالية في وزارة الدفاع، الأمر الذي يشكل تحدياً محورياً لقيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في زمن الحرب، ألا وهو التخلص من الفساد المستشري على نطاق واسع في أوكرانيا منذ سنوات.

بعض العقود العسكرية لم ينجم عنها لا أسلحة ولا ذخائر وبعض الأموال تبخرت

وكتب مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية من كييف أندرو إي.

كرامر، أن الفساد في أوساط المسؤولين كان موضوعاً محرماً على الغالب في السنة الأولى من الحرب، في وقت التفّ الأوكرانيون حول حكومتهم في القتال من أجل بقاء أمتهم، لكن إعلان زيلينسكي، ليل الأحد، عزمه على استبدال ريزنيكوف، رفع هذه المسألة إلى أعلى المستويات في السياسة الأوكرانية.

أتى القرار عند لحظة محورية من الحرب، في وقت تشن أوكرانيا هجوماً مضاداً في جنوب البلاد يعتمد على نحو كبير على مساعدة عسكرية من الحلفاء الغربيين، وهؤلاء الحلفاء عمدوا منذ بداية الحرب إلى الضغط على زيلينسكي، كي يتأكد من أن المسؤولين الأوكرانيين لا يسربون بعضاً من المساعدات البالغة مليارات الدولارات التي تتدفق على كييف.

والأسبوع الماضي، التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان ثلاثة مسؤولين أوكرانيين رفيعي المستوى، في محاولة لاستئصال الفساد في زمن الحرب، وأتى قرار الإقالة في الوقت الذي يستخدم بعض النواب الأمريكيين مسألة الكسب غير المشروع، ذريعة للحد من المساعدات العسكرية المقدمة لأوكرانيا. 

واستجاب زيلينسكي للضغوط من الحلفاء ولانتقادات من الداخل بإطلاق موجة من المبادرات ضد الفساد، لم تكن كلها موضع ترحيب من قبل خبراء في الشفافية الحكومية.. وكانت المسألة الأكثر إثارة للجدل هي إقتراح يدعو إلى استخدام صلاحيات قانون الأحكام العرفية لاعتبار الفساد بمثابة خيانة وطنية.

وقدم ريزينكوف، الذي تولى سلسلة من المناصب المختلفة خلال ولاية زيلينسكي، استقالته، صباح الإثنين، ولم يكن متورطاً شخصياً في مزاعم بإساءة إدارة العقود العسكرية.. لكن التوسع في التحقيقات داخل وزارته شكل التحدي الأول للحكومة في إجراءاتها لمكافحة الفساد، منذ شنت روسيا هجومها الشامل على أوكرانيا.

"إن المسألة هنا أين هي الأموال" بحسب داريا كالينيوك، المديرة التنفيذية لمركز العمل على مكافحة الفساد في أوكرانيا، وهو مجموعة من المتطوعين لإجتثاث الكسب غير المشروع في القطاع العام، ويركز الآن على المتربحين من الحرب.

وقالت كالينيوك إن "الفساد يمكن أن يقتل.. وبحسب مدى فاعليتنا في حماية المال العام، يمكن الجندي أن يحوز على سلاح أو لا يحوز عليه".

وفي مرحلة ما من هذه السنة، جرى التخلف عن تسليم عقود تسلح بقيمة 980 مليون دولار في مواعيدها، وفقاً لإحصاءات رسمية، كما أن بعض الأموال المدفوعة مسبقاً لشراء أسلحة قد انتقلت إلى حسابات تجار سلاح في الخارج، بحسب ما كشفت تقارير قدمت إلى البرلمان.. وعلى الرغم من عدم ظهور تفاصيل دقيقة، تشير المخالفات إلى أن المسؤولين عن المشتريات في وزارة الدفاع لم يدققوا في بائعي السلاح، أو أنهم سمحوا لهم بالحصول على المال من دون تسليم السلاح.

مدفوعات مبالغ فيها

وأشارت تقارير في وسائل الإعلام الأوكرانية إلى مدفوعات مبالغ فيها من أجل إمدادات أساسية للجيش، مثل الطعام والمعاطف الشتوية.

وتم إلقاء القبض على مسؤولَين في وزارة الدفاع -نائب الوزير والمسؤول عن المشتريات- خلال الشتاء، بسبب تقارير عن شرائهما البيض للجيش بأسعار مبالغ فيها.. وعزل زيلينسكي رؤساء مكاتب التجنيد الشهر الماضي، بعد مزاعم ظهرت حول تقاضي بعضهم رشى من أشخاص يريدون تفادي التجنيد. 

Who’d have thought this might happen if we sent $130 billion in aid to country known for rampant corruption? https://t.co/kwGUzBZwc6

— Mike Lee (@BasedMikeLee) September 4, 2023

وأثار اقتراح زيلينسكي للتعامل مع الفساد على أنه خيانة، موجة من الانتقادات على خلفية احتمال إساءة استخدام صلاحيات الأحكام العرفية.

وقال النائب أوليكسي غونتشارينكو عن حزب التضامن الأوروبي المعارض حول سجل زيلينسكي في مكافحة الفساد: "لا يمكنني امتداح جهوده في هذا المجال في زمن الحرب".

بعض الأموال تبخرت

ويقر المسؤولون الحكوميون بأن بعض العقود العسكرية لم ينجم عنها لا أسلحة ولا ذخائر، وأن بعض الأموال تبخرت، لكنهم يقولون إن معظم هذه المشاكل برزت في أشهر الفوضى الأولى، التي أعقبت الهجوم العام الماضي، وأنه جرت معالجتها بعد ذلك.

والمتبرعون الغربيون يراقبون عن كثب كيفية معالجة أوكرانيا لمسألة الفساد، وفق ما صرحت رئيسة لجنة مكافحة الفساد في البرلمان الأوكراني أنستازيا رادينا.

وينظر إلى توقيف إيهور كولومويسكي، أحد أغنى أغنياء أوكرانيا، على أنه كان إشارة إلى توجه لكبح جماح نفوذ الأوليغارشية.

وكولومويسكي المشتبه فيه بالتزوير وتبييض الأموال، دعم حملة زيلينسكي للانتخابات الرئاسية عام 2019، لكن منذ بدء الحرب، يبدو أن الرئيس قطع كل العلاقات معه. 

CORRUPTION: Ukraine's military graft scandal raises eyebrows as billions in aid flow in. Zelensky's anti-corruption measures are under scrutiny. Is this where U.S. aid is going? Time for accountability, not just in Kyiv but in Washington too.https://t.co/cCT5HBzmso

— @amuse (@amuse) September 4, 2023

ومن ضمن الحملات ضد الفساد هذه السنة، وجه مدعون عامون اتهامات بالرشى ضد رئيس المحكمة العليا فسيفولود كنيازيف، الذي عزل من منصبه واعتقل في مايو (أيار).. كما أن نائب وزير الاقتصاد يخضع للمحاكمة بتهمة الاختلاس من أموال المساعدات.

ويقول مدير الشفافية الدولية في أوكرانيا أندريه بوروفيك، إن الكشف عن حالات الفساد في المستويات العليا هو خطوة إيجابية. واعتبر أن "الحرب لا يمكن أن تشكل عذراً للتوقف عن مكافحة الفساد".

المصدر: موقع 24