التنافس الدولي يحتدم القارة السمراء .. هل تُسقط عرش النفوذ الفرنسي؟
تاريخ النشر: 4th, September 2023 GMT
متغيرات كثيرة على المستوى الإقليمي والدولي، وتحولات تتسارع وتيرتها لتشكل واقعا دوليا مختلفا في علاقاته وتحالفاته، جعلت تلك التحولات الكونية القارة السمراء ساحة للتنافس الدولي المحموم الأكبر على الاطلاق باعتبارها تمثل مخزونا للموارد الطبيعة غير المستغلة في ظل التناقص المستمر للموارد، ويبرز ذلك التنافس بشكل أكثر وضوحا من خلال التطورات التي تشهدها منطقة وسط وغرب افريقيا، مع تضعضع للنفوذ الغربي الفرنسي التاريخي وصعود لاعبين جدد أكثر تأثيرا وأسرع تمددا مثل روسيا والصين وغيرها من القوى الجديدة.
يتزامن ذلك التنافس الدولي المتزايد مع حركة انقلابات عسكرية وصراعات مسلحة وموجات احتجاجات شعبية في عدة دول افريقية لا سيما دول الساحل والصحراء تهدد النفوذ الفرنسي التاريخي في المنطقة، مع توجه أكثر ميلا للقوى الدولية الجديدة لبناء علاقات تقوم على المصالح المتبادلة بعيدا عن التدخلات في الشؤون الداخلية، وأجبرت الاحتجاجات الشعبية في جمهورية بوركينا فاسو الحكومة الانتقالية هناك على إبعاد القوات الفرنسية الموجودة على أرضيها، وسبقتها في ذلك دولة مالي
ولم يكن قرار واغادوغو الخاص بابعاد القوات الفرنسية الأول وقطعا لن يكون الأخير، إذ سبق وأن سحبت فرنسا في العام الماضي آخر جندي من قواتها في دولة مالي بعد تواجد دام لتسع سنوات، بعد الرفض الشعبي والحكومي للوجود العسكري الفرنسي في البلاد، وجاء مؤخرا انقلاب الحرس الرئاسي في جمهورية النيجر على الرئيس المنتخب محمد بازوم ليقلب الطاولة من جديد، مما جعل النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الافريقي على المحك وفق مراقبين.
السودان ليس بعيدا
كما أن السودان لم يكن بعيدا عن تلك المتغيرات الإقليمية، وما الحرب التي تدور رحاها لأربعة أشهر الا امتدادا لما يحدث في غرب القارة من احداث، إذ يؤكد الخبير العسكري المختص في ادارة الازمات اللواء د. أمين مجذوب لـ(البيان) أن مجريات الأوضاع في السودان مرتبطة بشكل مباشر بما يحدث في بقية القارة جراء تنافس القوى العظمى في القارة الافريقية، ويشير الى أن روسيا حاولت ولا تزال تحاول مزاحمة الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا في الازمة السودانية، باعتبار أن منطقة البحر الأحمر هي منطقة صراع نفوذ بين تلك الدول، بجانب أن هناك ملف ثالث مهم جدا وهو ما يدور في أفريقيا الاوسطى وتشاد ووجود شركة فاغنر للخدمات الأمنية الروسية، هذا الامر عقد كثيرا من الوجود الروسي في افريقيا.
ويؤكد مجذوب أن السودان أصبح وبموقعه الجيواستراتيجي منطقة صراع للنفوذ الإقليمي والدولي، وأضاف :” واضح أن حرب الموانئ بدأت كل دولة تسعى لحجز موقعها على الساحل السوداني، وما يميز الساحل السوداني بانه نظيف ويتحمل وجود موانئ ويقدم خدمات الموانئ ويمر عبر البحر الأحمر 90% من بترول منطقة الخليج، الذي يذهب للولايات المتحدة الامريكية وغلى جنوب شرق اسيا من يسيطر على المجرى المائي يستطيع أن يخنق الطرف الآخر، ومن يهيمن على الأراضي الصالحة للزراعة”.
موطئ قدم
ومع تناقص النفوذ الغربي في القارة الافريقية يتمدد بشكل متسارع النفوذ الروسي والصيني، الذي استطاع أن يجد موطئ قدم في العمق الفرنسي الافريقي، من خلال خلق الشراكات الاقتصادية والتجارية والانفتاح الثقافي، مع ارتفاع حدة الصراع بين الدول العظمي حول الثروات والمعادن التي تزخر بها أفريقيا خاصة بعد أن استدارت فرنسا ظهرها لأفريقيا خلال العقدين الأخيرين، ما فتح المجال للصين أن تتمدد ثقافيا واقتصاديا في افريقيا جنوب الصحراء من خلال تدريس اللغة الصينية في العديد من الجامعات الافريقية واتجاهها للعمل الاغاثي والإنساني والتنموي في افريقيا.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم د. الزمزمي بشير لـ(البيان) أن التمدد الروسي في افريقيا محدود حتى الآن، ولكنه مؤثر ويمكن أن يكون أكثر تأثيرا خلال السنوات المقبلة لا سيما بعد التحولات ومجريات الاحداث على المستوى الدولي، التي ستنعكس على شكل التحالفات القائمة، غير أنه لفت إلى النفوذ الصيني الذي بات الأكثر تمددا في القارة الافريقية لا سيما فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي والتجاري، وابتعاده عن التدخل في طبيعة الأنظمة الحكم.
ويشير بشير إلى أن هناك حالة من الملل وشعور عام بالضيق من الوجود النفوذ الفرنسي في عدد من دول غرب افريقيا لا سيما مالي وتشاد وافريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، والنيجر والذي ستنتقل عدوته إلى بقية شعوب المنطقة التي تخضع تاريخيا للنفوذ الغربي عموما والنفوذ الفرنسي بشكل خاص، إذ نجحت فرنسا عبر الموالين لها في تحجيم الأصوات المناوئة لجودها في تلك الدول، ولكنه أشار غلى أنه وبعد المتغيرات العالمية ليس بمقدورها السيطرة على الأصوات الرافضة لها في المنطقة.
ولفت إلى بروز نخب جديدة في دول غرب افريقيا اعتنقت ثقافات جديدة وتحمل أفكارا مناهضة للهيمنة الفرنسية، إذ تعتبر أن الوجود الفرنسي حجم دول الغرب الافريقي عن النهوض، واتجهت تلك النخب إلى محاولة خلق شراكات جديدة بعيدا عن الغرب، ووجدت الأبواب مشرعة أمامها عبر المنح الدراسية المقدمة في الجامعات والكليات العسكرية الروسية الصينية والعربية، مع تراجع ملحوظ في حجم المنح الدراسية من قبل الجامعات الفرنسية، بالإضافة للفرص الاقتصادية والتجارية المتاحة من قبل تلك الدول.
توغل صيني
ويؤكد بشير أن الصين نجحت في التوغل في القارة السمراء من خلال المبادرات الاقتصادية العملية، إذ استطاعت أن تخلق علاقات اقتصادية متماسكة مع الكثير من البلدان الافريقية، وعقدت حتى الآن أكثر من ست قمم افريقية صينية تركزت جلها حول العمليات الاقتصادية وكيفية رفع حجم التبادل التجاري بين الصين والدول الافريقية، ويلفت إلى أن مبادرة طريق الحرير الجديد التي وجدت تأييدا من العشرات من دول القارة، فتحت الأفق لشراكات ضخمة، في مشاريع تنموية تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات، مما يتيح المنافع المتبادلة بين الصين وافريقيا .
وتوقع أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية د. الزمزمي بشير أن يتمدد النفوذ الروسي في القارة السمراء بشكل أكبر في غضون السنوات القادمة، ويلفت الى أن هناك الكثير من القيادات الافريقية الصاعدة تلقت دراستها في روسيا وتأثرت بالنموذج الروسي المناوئ للغرب، ما يشير إلى هناك أجيال جديدة في دول الغرب افريقيا تحديدا لديها شعورعام مناوئ لفرنسا، بجانب أن التغيرات السياسية التي شهدتها عدد من دول غرب افريقيا أدت الى تغيير الطبقات الحاكمة مع صعود للقيادات الجديدة التي لديها ميول نحو الصين وروسيا والدول العربية وتحمل كراهية للنفوذ الفرنسي .
تزايد السخط الشعبي
بدوره يلفت المحلل السياسي الجميل الفاضل لـ(البيان) الى موجة الانقلابات العسكرية في السنوات الأخيرة في منطقة الغرب الافريقي، وما تبع ذلك من تغير في المواقف والعلاقات التقليدية القائمة ما بين فرنسا والدول الفرانكفونية، بجانب الموجة الشعبية الرافضة في ذات الدول للنفوذ الفرنسي، إذ أن في غالب التغيرات التي جرت عن طريق انقلابات عسكرية في غرب القارة الافريقية، ناتجة عن الشعور الشعبي العام بأن فرنسا ظلت تستغل ثروات وموارد دول غرب افريقيا، وتم تنفيذ حملات لترسيخ تلك المفاهيم لدى الشعوب في تلك المنطقة وبدأت حالة التململ الشعبي من الوجود الفرنسي.
ويضيف الفاضل الى أن من العوامل التي قادت تزايد السخط ضد فرنسا الأداء الميداني الضعيف بحسب الفاضل للقوات الفرنسية في عملية برخان التي تهدف لمحاربة التمرد في الساحل الافريقي، ما ولد شعور بأن فرنسا ليس لديها ما تقدمه لتلك الدول من خلال الوجود العسكري على الأرض، وفي ذات الوقت فإن تلك القوات تتهم بأنها تمثل غطاءا لنهب ثروات شعوب الساحل.
ويرى الجميل الفاضل أن كل تلك العوامل ساعدت روسيا على خلق قادة حلفاء موالين لها في منطقة الغرب الافريقي، مشيرا إلى أن وجود قوات فاغنر الروسية في بعض البلدان خاصة في افريقيا الوسطى، وما تقوم به من أدوار في حماية السلطة القائمة الآن بانجي، ما أدى إلى موجة طرد السفراء في مالي أو بروكينا فاسو التي منحت القوات الفرنسية المتواجدة في أراضيها مهلة شهر للمغادرة.
ويرجع الفاضل تضعضع النفوذ الفرنسي لأخطاء فرنسا في المنطقة والأداء الضعيف لعملية برخان، فضلا عن الانطباعات السالبة التي ترسخت وفق عمل دعائي واعلامي منظم ضد فرنسا، تزامن مع انقلابات عسكرية، ووجد قادة تلك الانقلابات ضالتهم في التعاون مع روسيا التي لا تتمنع في التعامل مع الأنظمة الانقلابية، عكس الدول الغربية التي تقيدها قوانينها وبرلمانتها من التعامل مع النظم الانقلابية.
الخرطوم – طارق عثمان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: القارة الافریقیة دول غرب افریقیا النفوذ الفرنسی القارة السمراء فی افریقیا فی القارة تلک الدول من خلال
إقرأ أيضاً:
10 أدوات صينية حاسمة في صراع النفوذ مع واشنطن
في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، لا تلجأ الصين إلى المواجهة العلنية، بل تشيّد أدواتها الإستراتيجية بهدوء ودقة فائقة.
وتنتهج بكين أساليب بعيدة عن المعارك المباشرة، معتمدة على ما يُعرف بـ"الحرب الرمادية"، حيث تستخدم الوسائل السياسية والاقتصادية والتقنية لإحداث تغييرات تدريجية تُضعف خصومها عبر الزمن.
تُتقن بكين إدارة أدواتها من خلف الستار، فتراوح بين استنزاف الخصم بخطى بطيئة وبين توجيه صدمات مفاجئة تُحدث ارتباكا دون سابق إنذار. رغم أن تلك الأدوات لا تنتمي للمجال العسكري، فإن تأثيرها قد يفوق وقع السلاح.
ويُشبه بعض المراقبين الولايات المتحدة بإعصار عابر يُحدث دمارا ثم يزول، بينما يرون في الصين ظاهرة مناخية مستدامة، تتغلغل بهدوء وتُغيّر معالم المشهد على الأمد الطويل.
ومع تعاظم حضورها الدولي، تجاوزت العلاقة بينها وبين واشنطن حدود التنافس التقليدي، لتتحوّل إلى محاولة صريحة لإعادة هندسة النظام العالمي نحو تعددية قطبية تتصدرها بكين بحنكة ودأب لا يقلّ خطورة عن الحرب الصريحة.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز الأدوات التي تستخدمها الصين في تعزيز نفوذها العالمي، وتأثير كل منها على مواقف الولايات المتحدة وإستراتيجياتها.
إعلان زعزعة الاستقرار الاقتصادي الأميركيتتحرك بكين بخطط اقتصادية مدروسة تؤدي إلى اختلالات في الداخل الأميركي دون الدخول في صراع مباشر. وتستخدم وسائل منها فرض رسوم مضادة، وتقنين صادراتها من المواد الأولية، وتعديل أسعارها بما يُسبب ارتفاعا في الكلفة داخل الأسواق الأميركية.
هذا التحرك يُسهم في تصاعد أسعار السلع، وتفاقم مستويات التضخم، مما يُشكل عبئا إضافيا على كاهل الشركات. مع واردات سنوية من الصين تتجاوز 438 مليار دولار، يتحوّل النشاط التجاري إلى ورقة تفاوضية تُستخدم بمنتهى الحرفية ضد واشنطن.
هذه الضغوط الاقتصادية تدفع الاحتياطي الفدرالي إلى رفع أسعار الفائدة، في محاولة لاحتواء التضخم، إلا أن النتيجة المحتملة غالبا ما تكون ركودا مصحوبا بارتفاع الأسعار، مما يؤدي إلى إبطاء عجلة الاقتصاد الأميركي.
إلى جانب ذلك، تواجه الشركات الأميركية عراقيل متعددة داخل الصين، من تعقيدات إجرائية إلى قيود تشغيلية تؤثر على استقرارها وربحيتها. داخليا، يتعرض صانعو القرار في البيت الأبيض لضغوط متزايدة، إذ باتت الحرب التجارية تُحدث انقسامات داخلية، مع ارتفاع أصوات المنتقدين لسياسات الرسوم الجمركية.
المعادن النادرة.. نقطة ضعف الصناعة الأميركيةتُهيمن الصين على نحو 80% من الإنتاج العالمي للمعادن النادرة، التي تُعد مكونات أساسية في الصناعات العسكرية والتقنية مثل الرقائق الدقيقة والطائرات المتطورة والبطاريات.
في فترات التصعيد، لا تحتاج بكين إلى تهديدات مباشرة، بل يكفيها أن تُبطئ وتيرة التصدير أو تعدّل الأسعار، مما يعرقل عجلة الإنتاج الأميركي.
هيمنتها لا تقتصر على أراضيها، إذ تنتشر استثماراتها في أكثر من 30 مشروعا لاستخراج هذه المعادن في أفريقيا، مما يمنحها نفوذا شبه مطلق.
وتحاول واشنطن التحرر من هذا التبعية عبر اتفاقات مع دول مثل أوكرانيا والكونغو وباكستان، كما تنظر إلى غرينلاند كمصدر واعد، لكن استخراج تلك المواد يتطلب وقتا طويلا وكلفة مرتفعة، مما يُبقي مفتاح هذه الصناعة في قبضة بكين.
وفي سياق موازٍ، تسيطر الصين على صناعة الطاقة النظيفة، إذ تنتج 90% من الألواح الشمسية العالمية، وتهيمن على أكثر من 75% من بطاريات السيارات الكهربائية.
كسر احتكار الدولارتُنفذ الصين إستراتيجية تدريجية للحد من سطوة الدولار على النظام المالي الدولي. لا تسعى لإسقاطه بشكل مباشر، بل لانتزاع هيمنته عبر خطوات محسوبة تهدف إلى إرساء توازن نقدي عالمي.
تتجلى خطط الصين في:
إعلان توقيع اتفاقيات تبادل عملات باليوان. تسعير بعض السلع بالعملة الصينية. تطوير منصات مالية بديلة لنظام سويفت. ربط مشاريع الحزام والطريق باليوان. تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة الدولية. التحايل على العقوبات عبر نظام المقايضة أو اليوان. شن حملات إعلامية ودبلوماسية تُندد بسطوة الدولار. تأسيس شبكة من 31 بنك مقاصة لليوان في 27 دولة.ومع تراجع الثقة بالاستقرار السياسي الأميركي، خاصة في عهد ترامب، تتسارع خطوات الدول نحو تنويع احتياطاتها بعيدا عن الدولار. هذا التغيير لا يُحدث بين عشية وضحاها، لكنه آخذ في الترسخ.
بحلول نهاية 2023، أصبحت الصين تتجاوز الولايات المتحدة في حجم التجارة الثنائية مع 112 دولة حول العالم.
السندات الأميركية أداة تأثير ماليةتحتفظ بكين بحوالي 750 مليار دولار من السندات الأميركية، وهي أداة مالية ذات حساسية بالغة. لا يُشترط استخدامها علنا؛ فالتلويح ببيع تدريجي يكفي لرفع كلفة الاقتراض وإحداث اضطراب في الأسواق.
تُستخدم هذه الأداة كورقة ردع ضمنية تجعل أي محاولة أميركية لتصعيد الخلاف محفوفة بالتكلفة، إذ إن تصرفا كهذا قد يؤدي إلى اهتزاز صورة الدولار كعملة ملاذ.
استهداف الشركات الأميركية داخل الصينتعمد بكين إلى فرض بيئة تشغيلية غير مستقرة على الشركات الأميركية العاملة في الصين أو المرتبطة بها في سلاسل التوريد. يتم ذلك من خلال تحقيقات قانونية مفاجئة، أو تعديل الأنظمة الضريبية، أو تعمد تأخير الإجراءات التنظيمية.
قد تُدرج بعض الشركات على قوائم الحظر، أو تُصدر تعليمات غير معلنة بوقف التعاون معها، مما يُربك بيئة الأعمال ويضغط على بورصة نيويورك من خلال تقليص الأرباح وتراجع الثقة.
التحكم في سوق الأدويةتعتمد الولايات المتحدة بنسبة 80% على الاستيراد في المواد الفعالة الدوائية، وتُهيمن الصين على جزء كبير من هذه السوق، إما مباشرة أو عبر الهند التي تعتمد بدورها على بكين بنسبة 70%.
أي تقليص في التصدير الصيني قد يضرب سلاسل الإمداد الدوائي، مما يؤدي إلى نقص في الأدوية، وارتفاع أسعارها، وضغط مباشر على النظام الصحي الأميركي.
إعلان الغذاء سلاح إستراتيجيتلعب الصين دورا كبيرا في السوق الغذائية العالمية، وهي تستغل هذا النفوذ للضغط في أوقات التوتر، من خلال فرض تعريفات على المنتجات الزراعية الأميركية أو التحول إلى مصادر بديلة.
في عام 2024، بلغت واردات الصين من الزراعة الأميركية نحو 25 مليار دولار، أي ما يعادل 14% من إجمالي واردات واشنطن الزراعية. هذه المعادلة تُربك المزارعين الأميركيين، وتزيد الضغط على حكام الولايات الريفية.
أدوات الصين الناعمة والتكنولوجيةعملت بكين على تقديم بدائل تقنية وتمويلية للدول النامية، تشمل الأقمار الاصطناعية وشبكات الاتصالات والسيارات الكهربائية والتمويل المنخفض التكلفة. كما عززت مبادرة "الحزام والطريق" لتصبح منصة عالمية للتعاون متعدد الأطراف.
وأنشأت أيضا مراكز تعليمية وثقافية، وروّجت لخطاب "الشريك التنموي" مقابل اللهجة الأميركية الحادة.
تُمارس كذلك ضغوطا غير مباشرة على حلفاء واشنطن، وتدعم جماعات ضغط داخل أميركا، وتستقطب العقول العلمية من جامعاتها.
ورقة تايوان وبحر جنوب الصينتحركات الصين في مضيق تايوان والمياه المتنازع عليها تُعد تحديا صريحا لواشنطن، حيث تضعها أمام خيارين: التصعيد بما يحمل من مخاطر، أو التراجع وتحمّل خسائر الهيبة السياسية.
السياحة كأداة اقتصادية صامتةتُشكّل السياحة الصينية مصدر دخل حيويا لمدن أميركية كبرى، وتصل مساهمتها إلى نحو 20 مليار دولار سنويا. في حال تقليصها، تتأثر قطاعات متعددة من الفنادق إلى النقل، دون ضجيج مباشر.
ونشرت المتحدثة باسم الخارجية الصينية مؤخرا تسجيلا نادرا لماو تسي تونغ يعود لعام 1953 قال فيه: "سنقاتل حتى ننتصر تماما". بعد عقود، تُجسد بكين هذه المقولة، لكن بوسائل مختلفة: عبر الاقتصاد والمال والتكنولوجيا والدبلوماسية.
وبينما أهدرت واشنطن الكثير من قوتها في صراعات جانبية، استثمرت الصين صبرها في تعزيز أدواتها الناعمة والصلبة. واليوم، تقف الولايات المتحدة أمام مشهد عالمي يتبدّل بثبات، ويُهدد موقعها التاريخي، في مواجهة خصم لا يُطلق الرصاص، بل يُعيد تشكيل موازين القوة بهدوء شديد، لكن بفعالية لا تخفى.
إعلان