تتزامن الذكرى الستون لربط "الاتصال الساخن" بين موسكو وواشنطن على خلفية أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1963، مع الظروف الخطرة بسبب الأزمة بأوكرانيا، ما يضاعف من أهميتها.

إقرأ المزيد 10 أرقام عربية و"ثعلب بني وكلب كسول" لتجنب الحرب النووية

الاتصال الساخن الذي يوصف مجازيا بـ"الهاتف الأحمر"، كان دشن في 30 أغسطس عام 1963 أثناء الحرب الباردة بهدف تفادي اندلاع حرب نووية بطريقة عرضية، وكان استخدم عمليا لتبادل وجهات النظر في حالات الطوارئ في عدة مناسبات مثل اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي في نوفمبر 1963، والحرب بين الهند وباكستان في عام 1971 وخلال حرب الأيام الستة في عام 1967، وكذلك حرب عام 1973 في الشرق الأوسط، فيما يُسجل أن الخط الساخن استخدم في المرة الأخيرة في عام 2016، حين اتصل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على خلفية تقارير مزعومة بشأن هجمات قرصنة"على الانتخابات الأمريكية.

الاتصال الساخن على سبيل المثال كان الاتحاد السوفيتي قد استخدمه خلال حرب النكسة في عام 1967، والتي تعرف باسم حرب الأيام الستة، وحينها أيقظ في الصباح الباكر وزير الدفاع الأمريكي حينها روبرت ماكنمارا الرئيس ليندون جونسون، وأبلغه أن موسكو طلبت عبر الخط الساخن الضغط على تل أبيب لوقف الحرب.

الاتحاد السوفيتي كان المبادر في عام 1954 إلى اقتراح ربط اتصال مباشر للطوارئ مع الولايات المتحدة على خلفية الحرب الكورية لاحتواء أي تصعيد يهدد السلم والاستقرار العالميين، وتيقنت واشنطن من أهمية هذا "الاتصال" عقب أزمة الكاريبي المتمثلة في إرسال موسكو صواريخ نووية إلى كوبا ردا على نشر صواريخ نووية في تركيا.

الأمريكيون هم من بادر حينها بطلب إقامة حط اتصال عملي مباشر مع موسكو، حين احتاجت أجهزة الاستخبارات الأمريكية في ذروة الأزمة إلى 12 ساعة لفك تشفير رسالة للزعيم السوفيتي نكيتا خروتشوف المكونة من 3000 كلمة، وقبلت موسكو العرض.

وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر كان عبر في وقت لاحق عن أهمية هذا الإجراء بقوله: "يبدو لي أن الخطر الأكبر للحرب ليس في الأفعال المتعمدة للأشخاص الأشرار، ولكن في عدم القدرة على إبقاء الأحداث تحت السيطرة".  

عند ذكر "الخط الساخن"، يتبادر إلى الذهن تلقائيا "هاتف أحمر"، إلا أن موسكو وواشنطن استخدمتا في البداية التلغراف للاتصال في حالات الطوارئ، وفي عام 1986 جرى توصيل فاكس به، وحتى عام 1991، كان قادة البلدين يتواصلان فقط عن طريق الرسائل النصية.

الجانبان تبادلا الرسائل التي حملت عبارات لا تحتمل التأويل بعد تشفيرها على عدة مراحل، عبر "الخط الساخن" بواسطة كابل بقاع المحيط الأطلسي بطول 16000 كيلو متر، يمر بلندن وكوبنهاغن وستوكهولم وهلسنكي، وجرى تركيب جهاز الاستقبال الأمريكي في البنتاغون، ويقوم على خدمته شخصان على مدار الساعة، وهما مشغل ومترجم فوري.

صحيفة الغارديان البريطانية كتبت في افتتاحية لها في أغسطس عام 1963 تقول: "إن وجود خط ساخن لن يجعل مثل هذه الأزمات أقل احتمالا في المستقبل ، لكنه سيساعد في تقليل الخطر الكامن في أي صدام مباشر بين القوى العظمى".

"الخط الساخن" بين واشنطن وموسكو دخل ميدان التنافس في السباق الرئاسي بين هيلاري كلينتون وباراك أوباما، حيث ظهرت كلينتون خلال حملتها في عام 2008 في مقطع فيديو وهي تؤدي دورا في سيناريو متخيل لمكالمة هاتفية طارئة على خلفية أزمة دولية حادة.

المقطع الدعائي بدأ بمشهد مؤثر بالأبيض والأسود لأطفال ينامون بسلام على أسرتهم، وبدت غرفتهم كما لو كانت مضاءة بالقمر.

الكاميرا تركزت على الوجوه البريئة الهانئة، وخلف الكواليس بمرافقة موسيقى "ملحمية" ينطلق صوت عميق لمتحدث يقول: "الساعة الثالثة صباحا، ينام أطفالكم بسلام. لكن الهاتف يرن في البيت الأبيض.. (مكالمة هاتفية بعيدة ومستمرة) حدث شيء ما في العالم... (صوت إنذار يتصاعد) صوتكم سيقرر من سيرفع هذا الهاتف. هل سيكون شخصا على دراية بقادة العالم فعلا، يعرف القوات المسلحة، شخص صمد استعداده للقيادة في هذا العالم الخطير أمام الاختبار".

الأم في المشهد تراقب بقلق غرفة نوم أطفالها، للتأكد من أنهم على ما يرام. ومرة أخرى يرتفع الصوت العميق قائلا: "الساعة الثالثة صباحا، ينام أطفالك بسلام. إذن من سيجيب على المكالمة؟".

تظهر صورة لهيلاري كلينتون في إطار مع سماعة هاتف على أذنها: "أنا هيلاري كلينتون، وأقف مع هذا النداء".

في اليوم التالي، رد بارك أوباما بمشهد مشابه، مع تغيير في النص يقول: "الساعة الثالثة صباحا، ينام أطفالك بسلام. لكن الهاتف يرن في البيت الأبيض... ستقرر أصواتكم من سيرفع هذا الهاتف. هل سيكون الشخص الوحيد الذي كان لديه الشجاعة للتحدث علنا ضد الحرب في العراق منذ البداية؟ الوحيد الذي يفهم أن التهديد الحقيقي لأمريكا هو تنظيم القاعدة، وأنه تأتي من أفغانستان، وليس من العراق؟.. يظهر باراك أوباما في المشهد المضاد ليقول: "أنا باراك أوباما، وأنا اقف مع هذا النداء".

الساعة الثالثة صباحا تتكرر في كل يوم، و"الخط الساخن" اليوم ضروري للغاية وربما أكثر من أي وقت مضى. سبب ذلك أن الولايات المتحدة غارقة في وهمها بأنها سنتنصر في أي حرب تخوضها بما في ذلك الحرب النووية. مثل هذا الاعتقاد فقط يمكن أن يجعل "الهاتف الأحمر" يرن طويلا ولا أحد يرد.

المصدر: RT

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا أرشيف الاتحاد السوفييتي باراك اوباما هيلاري كلينتون الخط الساخن على خلفیة فی عام

إقرأ أيضاً:

مطرقة ترامب على خريطة العالم

القارة العجوز كما يسمونها، هي من صنعت الولايات المتحدة، منذ اكتشافها على يد بحارة أوروبيين. وفي حربها مع المستعمر البريطاني من أجل الاستقلال، اعتمدت على الدعم الفرنسي، واهتدت بكثير من أفكار الثورة الفرنسية، في قواعد إقامة الدولة الجديدة. عند اشتعال الحرب العالمية الثانية، واجتياح الجيوش الألمانية النازية لفرنسا، وقصف لندن بطيرانها العسكري، ثم الهجوم على الاتحاد السوفياتي، أيقن رئيس الوزراء البريطاني، أن صمود شعبه في وجه القوة النازية، لن يطول ولا سبيل لكسر المشروع العدواني الألماني، إلا بدعم أمريكي واسع عسكرياً ومالياً وسياسياً. ارتبط تشرشل بعلاقة صداقة مع الرئيس الأمريكي آنذاك فرنكلين روزفلت، لكنه لم يتمكن من إقناعه بدعم بريطانيا في حربها مع هتلر. الرئيس روزفلت وكان من الحزب الديمقراطي الأمريكي، وحكم الولايات المتحدة أربع مرات، ولم يغادر البيت الأبيض إلا بسبب الوفاة، رفض في البداية تقديم الدعم العسكري لبريطانيا، بسبب المعارضة الشعبية في أمريكا لذلك. جاءت ضربتا القدر اللتان حققتا أمل ونستون تشرشل. الأولى الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأمريكي، والثانية الهجوم الألماني على الاتحاد السوفياتي. اندفعت الولايات المتحدة بقوة عسكرية هائلة متحالفة مع بريطانيا وقوات فرنسا الحرة التي يقودها شارل ديغول. فتحت صفحة جديدة في مسار التاريخ. بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، بقوة الآلة العسكرية الأمريكية، قام الرئيس الأمريكي هاري ترومان الذي خلف الرئيس روزفلت، بإعادة إعمار أوروبا المدمرة، عبر مشروع مارشال، وأصبح غرب القارة العجوز، تابعاً للولايات المتحدة.
الآن تفتح الولايات المتحدة، صفحة أخرى في كتاب علاقتها مع أوروبا بشرقها وغربها، بيد الرئيس دونالد ترامب. محركه الأساسي الحرب الروسية على دولة أوكرانيا. الحروب تصنع التحولات التاريخية الكبيرة. في السنوات الثلاث الماضية، قدمت الولايات المتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، دعماً عسكرياً ومالياً ضخماً لأوكرانيا، وفرضت عقوبات واسعة على روسيا.
في حملته الانتخابية الرئاسية، تعهد دونالد ترامب، بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية في أربع وعشرين ساعة، وأنه لو كان رئيساً لأمريكا قبل اشتعال تلك الحرب، لما نشبت أصلاً. مباشرة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية، شرع ترامب يهوي بمطرقته، على الجانب الأوكراني، وعرض حلَّه الذي يعدّه حاسماً، وهو أن تقبل أوكرانيا بالتنازل عن الأرض التي احتلتها روسيا، وأضاف أن على الرئيس زيلينسكي أن يغادر السلطة، لأنه ديكتاتور قاد بلاده إلى الدمار، فهو من تسبب في تلك الحرب الدامية. الرئيس ترامب طالب أوكرانيا بأن تعوض الولايات المتحدة، على كل ما قدمته لها من دعم مالي وعسكري، عبر المعادن التي تختزنها أرض أوكرانيا. مطرقة ترامب هوت أيضاً على جبل التاريخ الطويل، من التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي تجمع على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وتجنح إلى استمرار دعمها عسكرياً ومالياً. بدأ القادة الأوروبيون يراجعون علاقاتهم الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة. ارتفعت أصوات أوروبية تدعو إلى إقامة جيش أوروبي، يحقق الاستقلال العسكري عن حلف "الناتو" الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة. لم يعد خافياً أن الرئيس دونالد ترامب، ينتهج سياسة الانسحاب من المنظمات الدولية، وفق مبدأ "أمريكا أولاً". انسحب من منظمة الصحة العالمية، ومن اتفاق باريس للمناخ، وأوقف برنامج المساعدات الأمريكية لكل الدول، باستثناء مصر وإسرائيل. هل سيوقف الرئيس دونالد ترامب دفع المساهمة الأمريكية لمنظمة الأمم المتحدة، التي تبلغ نحو ربع ميزانيتها، وبذلك تصبح معاقة مالياً، وتدخل في دائرة النهاية؟ من دون شك؛ فإن العالم يتحرك نحو تشكل آخر، وذلك ما عبر عنه وزير الخارجية الروسي لافروف، في كلمته أمام مجلس الدوما الروسي، في الأسبوع الماضي.
الولايات المتحدة قوة عسكرية وصناعية وعلمية غير مسبوقة. شكلت التكوين العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، منذ الرئيسين فرنكلين روزفلت، وهاري ترومان. الاتحاد السوفياتي كان القوة الوحيدة التي شكلت المقارع السياسي والعسكري لأمريكا، وبعد انهياره انفردت الولايات المتحدة، بالتحكم في القرارات الدولية الأكثر أهمية. موازين القوة في عالم اليوم، تتحرك ببروز قوى كبيرة أخرى، وفي مقدمتها الصين الشعبية التي حققت تقدماً اقتصادياً هائلاً، ولها وجود منافس للولايات المتحدة وأوروبا. التقارب الصيني الروسي، والكوري الشمالي، له فاعليته الكبيرة التي ستسهم في إعادة رسم خريطة القوة العالمية. الرئيس دونالد ترامب سيهزُّ كثيراً من المسلمات السياسية والاقتصادية، التي عاش فيها العالم وتعايش معها لسنوات طويلة، دعا إلى ضم كل من كندا، وغرينلاند إلى بلاده، وهدد بالهيمنة على قناة بنما، وغيَّر اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا. لا نستبعد أن يكون الرئيس الأمريكي الثالث، الذي يضع بصمات جديدة على خريطة العالم، بعد الرئيسين روزفلت وترومان، اللذين رسما خريطة العالم في القرن العشرين، وفرضا السيطرة الأمريكية على اليابان بعد ضربها بالقنبلة الذرية، وعلى كوريا الجنوبية وأوروبا الغربية، كما فرضت الولايات المتحدة نمطيها السياسي والاقتصادي على هذه الدول.

مقالات مشابهة

  • موسكو: الوقت أثبت أن العملية الخاصة بأوكرانيا كانت الحل الوحيد الصحيح
  • تحليل.. كيف غيّر ترامب العالم في شهر واحد؟
  • Oppo تطلق Find N5 .. أنحف هاتف قابل للطي في العالم
  • مطرقة ترامب على خريطة العالم
  • أول تعليق من ترامب على أنباء زيارته لـ موسكو في عيد النصر
  • ترامب يزور موسكو للاحتفال بيوم النصر.. 9 مايو
  • خبراء يحذرون: إدارة ترامب اقتربت من الخط الأحمر
  • مخاطر تهدد قلبك.. العلماء يحذرون من تناول الطعام الساخن في هذه العبوات
  • موسكو: هناك القليل من التفاصيل بشأن تسوية الصراع في أوكرانيا 
  • قوات أوروبية بأوكرانيا.. تعكير للمفاوضات الأميركية الروسية أم للضغط على موسكو؟