سؤال التلقي والتفاعل الجمالي - الذكاء الاصطناعي يكتب .. فهل يهم مَن المؤلف أم كيف نقرأ؟
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
«في زقاق ضيق من أزقة المدينة القديمة، يعيش رجل يُدعى أيوب، لا ظل له! لم يلحظ الناس اختفاء ظله في البداية، إذ كان يسير بجوار الجدران، في الوقت الذي كانت الشمس فيه خلف السحاب. لكن مع الوقت، بدأ يبتعد عن الشمس عمدًا. لا أحد يسأل، لماذا ليس له ظل، ولا هو تبرع بالشرح.
كان أيوب يعمل ناسخًا في مكتبة، يعيد طباعة النصوص القديمة على ورق أصفر.
في أحد الأيام، دخل عليه صبي صغير وسأله:
- لماذا لا تملك ظلًا؟
نظر أيوب إلى الطفل طويلًا، ثم قال:
- كنت أظنني مجرد رجل صامت... ثم اكتشفت أني مجرد صدى. لا صوت لي لأمتلك ظلا.
مرت الأيام، والصبي يعود كل مساء، يسمع من أيوب حكايات لا تنتهي: عن مدينة لم تُرسم على الخرائط، وعن رجل فقد اسمه فصار حرًا، وعن بائعة خبز تُؤمن أن الأرغفة تحفظ أسرار الراحلين.
لكن في مساء غريب، لم يظهر أيوب.
الصبي دخل المكتبة، فوجد الورق مبعثرًا، وجملة واحدة كُتبت في منتصف الطاولة:
«حين تفقد ظلك، تبدأ في رؤية ما وراء الضوء».
ومنذ ذلك اليوم، لم يره أحد.
لكن ظلًا كان يظهر على جدار المكتبة، كلما مرّ الصبي من هناك».
***
كانت القصة القصيرة جدا أعلاه بعنوان «الظل الذي لا ينعكس»، قال عنها مجموعة من النقاد -الذين أخفينا عنهم في البدء حقيقة أنها مولّدة بالذكاء الاصطناعي- إنها نص مركز ومستفز ويكسر أفق التوقع، ويذّكر بنصوص كتاب يعرفونهم، وتنطوي على أبعاد رمزية كثيرة، تفتح باب التأويل القرائي، وتوسع أفق المعنى والدلالة. ووصف بعضهم الشعرية الناتجة من غموض الرمز في النص بالمحفز الدافع للقارئ ليتفاعل معه بما يشبه اللعبة المليئة بالمراوغات في محاولته للإمساك بخيط التأويل. ولفت بعضهم إلى تضمنه أهم عناصر المتون السردية القصصية من مكان زمان وحدث وشخصية، فيما رأى البعض الآخر أن النصّ ممنهَـج بطريقة محنَّطة ويفتقد السيولةَ والوهَج ويفتقر إلى الدهشة والتعقيد ويُسيطر عليه نمطٌ بارد وفجّ.
تقول فيكتوريا جريفيث، أستاذة الأدب المقارن في جامعة كامبريدج: «الإبداع الحقيقي يأتي من البشر»، لكن ماذا إن أتى من غيرهم؟! واستبدلنا الكتّاب بأداة طورت قدرتها على توليد نصوص أدبية قصيرة، وروايات، وقصائد؟!
بعد جملة قراءات النقاد والأكاديميين للنص، كشفنا لهم أن كاتب النص هو الذكاء الاصطناعي، تفاجأ البعض فيما كان البعض الآخر متوقعا ذلك، فهل ستتغير طريقة تلقيهم له وانطباعاتهم عنه بعد معرفتهم الأمر؟
فسألناهم جملة من الأسئلة إن سلمنا بأن النصوص المنتَجة بالذكاء الاصطناعي لا تمتلك روحًا فنيةً أو تلامس القارئ كتلك التي يكتبها الكاتب، هل تؤثر معرفتنا المسبقة بأن النص من إنتاج «آلة» على طريقة تلقينا له؟ وهل يمكن أن نمنحه نفس التفاعل الجمالي لو علمنا من البداية أنه بلا كاتب بشري؟ وهل مازال لمفهوم «المؤلف» قيمة حاسمة في تلقي النصوص في زمن الذكاء الاصطناعي؟ أم أننا نقترب فعلا من تحقق فكرة «موت المؤلف» حيث لا يهم من كتب، بل كيف يُقرأ النص؟
هل تمتلك نصوص الذكاء الاصطناعي روحًا؟
ما بين القلق من افتقاد «الروح الحية» والانبهار بقدرات المحاكاة، تتباين آراء النقاد والأكاديميين بشأن مدى قدرة النصوص المُنتَجة بالذكاء الاصطناعي على إحداث الأثر الفني والتأثير الوجداني في المتلقي. في هذا التحقيق، يجيب 5 نقاد وأكاديميين عن سؤال: إلى أي مدى يمكن للنصوص المنتَجة بالذكاء الاصطناعي أن تمتلك روحًا فنيةً أو تلامس القارئ؟
يرى علي كاظم داود أن النصوص المُنتَجَة بالذكاء الاصطناعي تنطوي على خصائص أدبية وفنية بلا شك؛ لأنها تُكتب على غرار استيعاب الذكاء الاصطناعي لأنماط كتابة الأدباء للنصوص المخزونة في ذاكرته، ويمكن أن يتفاعل معها القارئ، فهي نصوص لغوية تجتمع فيها العناصر التي تجعلها تنتمي إلى الأدب. غير أن ما يميزها أنها لم تُكتب على يد بشر. ويؤكد أن الفارق الجوهري بينها وبين النصوص البشرية يكمن في افتقاد الأولى للصدق العاطفي والروح الحية، ما يعني غياب قدرتها على دفع القارئ للغوص في أعماق النفس الإنسانية واكتشاف تعقيداتها.
أما جاسم الطارشي فيرى أنه إذا سلّمنا بقدرة الذكاء الاصطناعي على استثمار ما تصله من بيانات –بعضها نماذج أدبية سامية– فإنه جدير بامتلاك روح فنية وأصالة إبداعية يمكن أن تلامس القارئ وتوفّر له تجربة تفاعل خاصة. ويضرب مثالًا بالنص «الظلّ الذي لا ينعكس»، قائلاً إن قراءته للنص حرّكت في ذهنه أسئلة كثيرة وأسهمت فراغاته وبناؤه السردي في تعديل أفق انتظاره، ما منحه مسافة جمالية دفعته لإعادة القراءة مرات متعددة.
وتتبنى شفيقة وعيل موقفًا ناقدًا للذكاء الاصطناعي، انطلاقًا من تمييزها بين مستويات القراءة. فهي ترى أن القراءة المبدعة تبحث عن «الإنسانية المشتعلة»، في حين تناسب القراءة المحنطة النصوص الباردة التي تفتقر للدهشة. وتنتقد اللوغاريتمات التي تنتج قياسات لغوية وأدبية متوقعة، معتبرة إياها أشبه بـ«الأكل المعلب»، المصنوع من مواد صناعية لا طعم لها، مقارنةً بطبقٍ طبيعي مطبوخ بعناية و«نَفَس» في مطبخ البيت.
من جهته، يقدّم حسين المطوع مقاربة فلسفية وتقريبية، فيسأل: ما الذي يفتقده الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالإنسان؟ ويجيب إنه يفتقد الوعي الفردي النابع من التجربة الشخصية المعيشة والمعرفة العاطفية المكتسبة من الحياة. ويشبّه الأمر بالعلاقة بين الطبيب والمريض: الطبيب قد يملك معلومات وافرة عن المرض، لكنه لن يعرف الألم كما يعرفه المريض الذي عاشه. ويخلص إلى أن المعرفة وحدها لا تصنع تجربة إبداعية حقيقية، ويضرب مثالًا بأنه لا يستطيع كتابة رواية عن مدينة البصرة حتى لو قرأ عنها ألف كتاب، لأن التفاصيل اللغوية والثقافية لا تُكتسب من الكتب وحدها، لكنه يُقر بأن الذكاء الاصطناعي –مع سرعة تطوره– قد يتجاوز ذلك مستقبلاً.
وتذهب هاجر حراثي إلى التوازن في النظرة، حيث تقرّ بنجاح الكثير من نصوص الذكاء الاصطناعي في امتلاك روح فنية قادرة على ملامسة القارئ. وترى أن ذلك ممكن بفضل المحاكاة، التي تُعد عنصرًا أساسيًا في الإبداع، مذكّرةً بأن الشعراء القدامى كانوا يحفظون نماذج سابقة ويبدعون بناءً عليها. ومع ذلك، تلفت إلى أن نصوص الذكاء الاصطناعي –رغم فنيتها– ستظل تفتقر إلى الأصالة المتولّدة من التجارب الإنسانية الحيّة.
حين نعرف أن «الكاتب» آلة: هل يتغير تلقينا الجمالي؟
كيف يتغير تفاعلنا الجمالي مع النص عندما نعلم مسبقًا أنه لم يُكتب بيد بشرية، بل أنتجه الذكاء الاصطناعي؟ هل يمكن أن نمنحه نفس ما نمنحه لنصوص البشر من انفعال وتأمل وتأثر؟ في مقاربات تتراوح بين الشك والقبول المشروط، وصولًا إلى التحليل الفلسفي والاجتماعي للنظرة المسبقة. يرى علي كاظم داود أن معرفة القارئ المسبقة بأن النص من إنتاج الذكاء الاصطناعي تؤثر بشكل كبير على طبيعة تلقيه له. فاستجابته لن تكون مماثلة لاستجابته لنص بشري؛ لأنه سيتعامل معه بوصفه ناتج تجربة علمية أو رياضياتية، وسيكون تركيزه على تحليل آلية الإنتاج ومدى نجاحها وفق معاييره، لا على تفاعل وجداني مع تجربة إنسانية. لن يبحث في النص عن مقاصد كاتبه أو انعكاسات وعيه وثقافته، بل عن مدى محاكاته للنموذج الأدبي المعروف.
وعلى العكس من ذلك، يذهب جاسم الطارشي إلى أن كون النص من إنتاج آلة لا ينبغي أن يؤثر في التلقي، مشيرًا إلى أننا أحيانًا نقرأ نصوصًا لمؤلفين نجهلهم ومع ذلك نتفاعل معها. ويضيف أن اللغة أصبحت «كائنًا حيًّا» يخفي الأفكار والمشاعر، وينتظر قارئًا يشعل شرارته. ويشير إلى أنه عند قراءته للنص تذكّر أساليب عدد من كتّاب السرد الذين قرأ لهم، سواء أكانوا عربًا أم أجانب، وحتى عمانيين. فكان تفاعله مرتبطًا بجمالية البناء وغرابة الخطاب، وليس بهوية الكاتب. لكنه يؤكد في الوقت ذاته أنه لا يستخدم ذلك كذريعة لتبرير إشكاليات أخلاقية مثل: محاكاة الذكاء الاصطناعي لحساسيات خاصة في أساليب كتاب معروفين، مشبهًا آلية إنتاج النصوص بعملية التناص التي تذيب النصوص السابقة في نص جديد.
شفيقة وعيل بدورها ترى أن النص يمنح القارئ –بغض النظر عن مؤلفه– شعورًا معينًا: إما بوهج الحياة وقلق الخيال، أو بالركاكة والنمطية. وتشير إلى أن القارئ صاحب الخبرة سيتعرف بسهولة على افتقاد النص الآلي لهذه «الخصوصية الإنسانية»، أو سيظنه على الأقل نصًا «طفوليًا» لم يختبر الحياة بعد.
أما حسين المطوع فيتناول المسألة من زاوية فلسفية، مستشهدًا بغادامير الذي يرى أن «الوعي ما هو إلا مجموعة من الأحكام المسبقة»، ويؤكد أن الإنسان لا يستطيع أن يتلقى شيئًا بتجرّد تام. فحتى مشاعرنا تجاه كاتب بشري معين قد تؤثر على قراءتنا لأعماله. ويخلص إلى أن الأمر في النهاية ذاتي وشخصي، ويتعلق بقدرة كل قارئ على الوعي بأحكامه المسبقة، ومدى تجرده منها في محاولة لقراءة مخلصة للنص، مهما كانت هوية مُنتِجه.
وفي طرحها، تؤكد هاجر حراثي أن معرفة أن النص من إنتاج آلة تؤثر بالتأكيد على التلقي، لكنها لا تعني الرفض أو النفور، بل تستدعي استخدام أدوات قراءة مختلفة. وتقول إن القارئ قد يندهش بدايةً بنص أنتجه الذكاء الاصطناعي، لكن التمعن فيه سيكشف له الكثير من التناقضات والقوالب الجاهزة. ومن ثم، فحتى في أوج تطوره، تظل قدرة الذكاء الاصطناعي على ابتكار ما لم يُبتكر بعد أمرًا مستبعدًا مقارنة بالتجارب الإبداعية الإنسانية.
هل مات المؤلف حقًا؟ الذكاء الاصطناعي يعيد فتح الجدل
في ظل الطفرة التي يشهدها الذكاء الاصطناعي، عادت إلى الواجهة واحدة من أكثر الإشكالات النقدية إثارة للجدل: هل ما زال للمؤلف قيمة حاسمة في تلقي النصوص؟ أم أننا نعيش تحققًا متجددًا لفكرة «موت المؤلف» كما بشر بها رولان بارت منذ عقود؟
يرى علي كاظم داود أنه مهما تطور الذكاء الصناعي في إنتاج النصوص الأدبية، فإن النصّ البشري سيبقى متفردًا؛ لأنه يصدر عن تجربة شعورية وشخصية حقيقية، تنبع من حاجة داخلية للتعبير عن الذات والوجدان. ويرى أن النصوص الآلية، وإن قُرئت واستُمتِع بها، إلا أنها تفتقر إلى الإحالة على تجربة إنسانية بعينها، ولن تقدر على ابتكار رؤى جديدة للعالم، أو التعبير عن القضايا الوجودية واللحظات الحميمة التي تشكّل جوهر الأدب.
أما جاسم الطارشي فيرى أن الحديث عن «موت المؤلف» ليس وليد الذكاء الاصطناعي، بل هو نتيجة تحصيل حاصل منذ ظهور نظريات النص الكبرى كالبنيوية، التي نقلت مركز المعنى من المؤلف إلى القارئ. ويؤكد أن المؤلف – سواء كان بشريًا أو آلة – لم يكن حضوره حاسمًا في تلقي النص؛ لأن المعنى يتشكّل لحظة القراءة، انطلاقًا من تجربة القارئ وشروط الجنس الأدبي، وهو ما ينطبق على النصوص المنتَجة آليًا أيضًا.
من جهة أخرى، تعارض شفيقة وعيل هذه الطروحات، معتبرة أن قراءة النص خارج مقوماته الإنسانية والسياقية أمر «ممتنع منطقيًا وفعليًا». فاللغة والخيال والرؤية لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى خلفيات معرفية وتجريبية، لا يمكن فصلها عن شرطها الزمني والمكاني. وترى أن «المؤلف» في الذكاء الاصطناعي ليس غائبًا تمامًا، بل هو حاضر في صورة «جماعة المؤلفين» الذين شكّلوا الذاكرة المرجعية التي يستند إليها النص الآلي. وتحذر من أن تغييب المؤلف لصالح نموذج إنتاج تجريدي سيؤدي إلى «اضمحلال الخيال الخلاق» وهيمنة النسخ والتقليد، وفقدان التفرد الإبداعي والإنساني.
أما حسين المطوع فيشير إلى أن فكرة «موت المؤلف» تقوم على استحالة إدراك نية المؤلف، مما يجعل النص يتفاعل فقط مع القارئ. ويرى أن النصوص المنتَجة عبر الذكاء الاصطناعي قد تكون الأقرب إلى هذا التصور، بحكم أن مؤلفها «محايد» إلى حد ما، لكن لا يجب أن نغفل أن وراء هذه النصوص بشرًا زوّدوا النظام بالمدخلات والتعليمات. وبالتالي، فهي ليست نصوصًا «آلية بحتة» كما قد يتوهم البعض.
وتطرح هاجر حراثي تفريقًا بين ما قصده بارت بـ»موت المؤلف»، وبين انعدام المؤلف في حالة النصوص المنتجة بالذكاء الاصطناعي. فبارت لم يُلغِ المؤلف بوصفه مبدعًا، بل نفى سلطته على المعنى بعد صدور النص، وركّز على دور القارئ في إنتاج الدلالة. أما مع الذكاء الاصطناعي، فالمسألة تتعلق بجوهر الإنتاج نفسه، وبأسئلة عميقة حول الأصالة والملكية الفكرية. وتؤكد أن النصوص الآلية لا يمكن مقارنتها بتجربة بشرية ثرية ومركبة، وأن دور الذكاء الاصطناعي لا يتجاوز «تجميع الأنماط وتقليد النماذج».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: موت المؤلف أن النصوص أن النص نصوص ا التی ت إلى أن یرى أن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل
أحمد بن خلفان الزعابي
يُعدّ الذكاء الاصطناعي أحد أهم ما قام بتطويره الإنسان لخدمة مصالحه واستجابة للتطور والنمو الهائل الذي يشهدهُ العالم في مجال ذكاء الآلة حتى الآن، ويأتي احتفال دول العالم هذا العام بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية 28-4-2025 ليوظف هذه التقنيات في مجال العمل بهدف توفير بيئة أكثر أمانًا.
ومع التطور الهائل الذي يشهده العالم في مجال تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي والرقمنة في قطاع الأعمال تحتفل منظمة العمل الدولية ILO هذا العام تحت شعار "إحداث ثورة في الصحة والسلامة دورة الذكاء الاصطناعي والرقمنة في العمل" بمناسبة اليوم العالمي للسلامة والصحة المهنية، ولا شك أن الجميع على اطلاع لما وصل إليه الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته من تقدم هائل في شتى المجالات لذلك فإنه من الأولى تطويع كل هذه التقنيات والتطبيقات والنماذج لخدمة سلامة الإنسان والحفاظ على بقائه آمنًا مطمئنًا.
لا شك أن الإنسان قام بتطوير أنظمة سلامة تحدّ من المخاطر في بيئات العمل الأكثر خطرًا إلا أن دخول الآلات التي يعتمد تشغيلها على تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتقدم ستساهم بشكلٍ فعّال في الحد من مخاطر بيئات العمل والتي تحلُّ محلَ الإنسان في مجالات العمل الأكثر خطرًا كالعمل في المناجم العميقة أو بالقربِ من المصاهر أو التعامل مع المواد الكيماوية أو المواد التي تتسم بدرجة سُميّته عالية أو رفع الأحمال الثقيلة حيث تتولى هذه الروبوتات مهام عمل متكررة وروتينية والتي يمكن برمجتها للعمل في مختلف الظروف أو حتى بشكل متواصل.
ولا يمكننا هنا أن نغفل دور الإنسان الذي قام هو بذاتهِ بإبتكار هذه التطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي حيث لولا الإنسان لما عملت هذه الآلات لأنه يبقى تهديد الاختراقات والهجمات السيبرانية قائما وبالتالي يمكن لهذه الآلات أن تتعطل وتتوقف عن العمل وبالتالي يبقى دور التدخل البشري قائمًا لمعالجة هذه المشكلة وبالتالي فإن الآلة مهما تطورت لا يمكنها أن تحلّ محل الإنسان أو تلغي دورهُ تمامًا، إنما هي تساعدهُ في تسريع العمل بكفاءةٍ وإتقان وتضمن أفضل درجات السلامة للعاملين.
من جهة أخرى، يقوم مهندسو وفنيو السلامة في أماكن العمل بإجراء تقييمٍ شامل لمخاطر بيئة العمل بشكل دوري مستمر وذلك بهدف المحافظة على بيئة العمل أكثر أمانا وضمان خلوها من التهديدات التي يمكن أن تتسبب في وقوع حوادث وشيكة، أما الآن ومع دخول الأجهزة الرقمية وأجهزة الاستشعار الذكية فيمكنها أن تساعد المعنيين في الكشف المبكر عن مخاطر بيئة العمل بكفاءة عالية حيث أصبحت هذه الأجهزة تساعد على اكتشاف المخاطر مبكرًا وبالتالي تسمح للمختصين بالتدخل مبكرًا أيضًا والعمل على معالجة أسباب الخطر مما يُساهم ذلك في بقاء بيئة العمل أكثر أمانا.
وبما أن قطاع تقنية المعلومات والاتصالات يشهد تطورًا هائلًا مدعومًا ببحوث تطوير التقنيات المتقدمة وأدوات الذكاء الاصطناعي وكذلك سباق شركات قطاع تقنية المعلومات المحموم لتقديم أفضل الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي والرقمنة فهذا يدعونا لتطوير سياسات سلامة وصحة مهنية تـُركزُّ على اعتماد استخدام مثل هذه التقنيات في بيئات العمل للمساهمة في الحفاظ على سلامة وصحة الإنسان في مكان العمل.
ويأتي الاحتفال بهذه المناسبة سنويًا للتذكير بضرورة مناقشة أسباب الخطر في أماكن العمل واعتماد أفضل الوسائل التي تحافظ على سلامة وصحة الإنسان واستدامة موارد المنشآت وارتفاع العائدات بمختلف أنواعها.
رابط مختصر