الرهانات الخاطئة على فشل الإسلام السياسي
تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT
منذ نشوء وصعود الإسلام السياسي في المجال العربي الإسلامي تعرض إلى حملة مادية ورمزية عنيفة منسقة وممنهجة من القمع والاحتواء، وخضعت الحركات الإسلامية على مدى عقود إلى عمليات نزع شرعية قاسية من الاستئصال والاستبعاد، وخضع حقل دراسات الإسلام السياسي إلى مقاربة استشراقية وثقافوية وأمنية غير تفهمية؛ بهدف تشويه وتسفيه خياراته الأيديولوجية والسياسية والأخلاقية، وجرى حبسه في سجن المقاربة الجوهرانية الماهوية، وحُشر في سياق هوية متطرفة عنيفة على يد خبراء مزعومين وموظفين مخلصين لأجندة الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والسلطوية العربية؛ بقصد إخضاع حركات الإسلام السياسي وتطويعه وفرض الهيمنة والسيطرة على أفكاره وممارساته.
منذ صدور كتاب الباحث الفرنسي أوليفييه روا "فشل الإسلام السياسي" في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، باتت مقولة "فشل الإسلام السياسي" وأفوله ونهايته ثيمة راسخة في التعاطي مع الحركات والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وهي نبوءة سياسية رغبوية لا تستند إلى أدنى درجات المعرفة العلمية، فقد أخقفت في كافة مراحل صعود الإسلام السياسي. فلم تفشل الحركات الإسلامية قي أي اختبار ديمقراطي حقيقي، وتعرضت لعمليات قمع واستئصال عنيقة وقاسية من خلال أجهزة الدولة الاستبدادية القمعية العسكرية والقانونية. ففي كل مرة حصلت فيها حركات الإسلام السياسي على ثقة الشارع بانتخابات ديمقراطية نزيهة تم قمعها بعنف عسكري وقانوني، وبدعم ومباركة من المركزية الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي كانت حركات الإسلام السياسي رغم عمليات القمع والاحتواء تعود أقوى من السابق، وشكلت محطة الانتفاضات العربية مختبرا لإخفاق نبوءات الفشل والأفول. وفي زمن "طوفان الأقصى" برهن الإسلام السياسي عن استحالة إزاحته وإعلان موته، فقد برهنت حركة حماس عن وهم الصهيونية بالقضاء عليها، وفي غفلة عن التحولات الجيوبوليتيكية أصبحت سوريا في قبضة الإسلام السياسي وتخلصت من حكم استبدادي عربي وحشي، وكانت حركة طالبان قد أحكمت قبضتها على أفغانستان قبل ذلك ودحرت الولايات المتحدة وواجهضت الحلم الإمبريالي.
تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي
تكشف التحولات العميقة التي عصفت في بنية النظام الدولي عن بوادر هزيمة استراتيجية للثلاثي الإمبريالي والصهيوني والاستبدادي في ثلاث مناطق جيوسياسية مركزية (أفغانستان وفلسطين وسوريا) عن طريق الإسلام السياسي، على اختلاف توجهاته الأيديولوجية، وهو ما دفع بثلاثي القهر العالمي إلى استخدم العنف المفرط للحيلولة دون تحقيق نصر كامل للإسلام السياسي، وهو ما يتزامن مع صعود منظورات دول الحضارة وبروز التعددية القطبية، حيث يشهد العالم تحولا في النظام العالمي من نظام عمودي، حيث يكون الغرب فوق البقية، إلى نظام أفقي، حيث يكون الغرب والبقية على قدم المساواة مع بعضهم البعض من حيث الثروة والقوة والأفكار. وشكلت حرب الإبادة في غزة مختبرا لثلاثي القهر ونهاية سردية الحضارة والبربرية، فبدلا من الدفاع عن القيم العالمية كالديمقراطية وحقوق الإنسان، انتهت الأحادية إلى الدفاع عن أسلوب حياة أحادي ضد كل البدائل المتعددة.
إن العداء للإسلام السياسي يعبر عن حالة الهلع والفوبيا من عودة منظورات دول الحضارة التي ترتكز على الهوية الحضارية، والالتزام بالرموز الثقافية الموروثة من أجيال وأجيال من الأجداد، والمتجذرة في هوية الشعوب الذاتية، إذ يشير مصطلح الإسلام السياسي إلى الأفكار والحركات التي تسعى لتأسيس كينونة تناهض المنظومة الإمبريالية والحركة الصهيونية والأنظمة الاستبدادية.
وتهدف حركات الإسلام السياسي على المدى المنظور والبعيد إلى إقامة "نظامٍ إسلامي" يتمثّل في دولة تُحكَم بالشريعة وتفرض القوانين الأخلاقية الخاصة بها في المجتمعات الإسلامية، وما حصل في العالم العربي من إخفاق مؤقت لهذه الحركات هو فشل لنوع من نضالات الإسلام السياسي؛ حين تخلى عن أهدافه النهائية واندمج في إطار دولة سلطوية استبدادية تتناقض في أبسط تعريفاتها مع مفاهيم الحكم الإسلامي الجيد.
وبهذا فإن فشل الإسلام السياسي هو فشل تكتيكي في إطار حدود اللعبة السلطوية المحسوبة دون ديمقراطية حق، فالحرب الشاملة على حركات الإسلام السياسي هي نتاج حقد وكراهية متأصلة خشية ظهور كينونة مسلمة مخِلة بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتبارها الإسلام السياسي. وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز عبر إعادة تقرير تفوّق البيض.
يبدو أن الخوف من عودة حركات الإسلام السياسي كفاعل في المجال السياسي العربي منطقيا عقب عملية "طوفان الأقصى" المباغتة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 التي شنتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، داخل المعسكرات والمستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة المحتل، وكانت حركة طالبان قبل ذلك بعام قد فرضت واقعا مختلفا في أفغانستان وهزمت الولايات المتحدة. وقد برهنت "حماس" على قدرة الإسلام السياسي على المخاطرة والمغامرة في ظل انسداد أفق الحل السياسي العادل، وأن الاستقرار المبني على جبروت القهر وغطرسة القوة مجرد وهم لا يحقق الأمن، ولا يتمتع بالشرعية والمشروعية. وسرعان ما أطاحت هيئة تحرير الشام بعد عام من عملية "طوفان الأقصى" بنظام استبدادي عربي وحشي.
فعملية "طوفان الأقصى" عصفت بركائز الأمن القومي الإسرائيلي وعقيدة الردع الاستعمارية، وهزت أركان النظام الدولي المبني على الهيمنة الأمريكية الأحادية، وأصبح النظام الاستبدادي العربي ما بعد استعماري في حالة شك وفقدان الثقة بمستقبله، وسرعان ما صدرت تحذيرات عالمية وإقليمية ومحلية واسعة من خطر صعود حركات الإسلام السياسي في المنطقة، والترهيب من موجة جهادية عالمية جديدة تهدد الاستقرار العالمي والإقليمي.
إن حالة الرعب التي دبت في أوصال النظام الاستبدادي المبني على القهر من موجة ثالثة لصعود حركات الإسلام السياسي تقوم على الخشية من تشكّل نموذج جديد على شاكلة "حماس"، فلا جدال في أن حركة "حماس" ترتبط تاريخيا وأيديولوجيا بحركات الإسلام السياسي، لكنها تختلف عن الحركات الإسلامية الأخرى بخصوصية العمل في نطاق حكم استعماري. وقد تطورت "حماس" من حركة إحيائية دعوية إصلاحية إلى حركة مقاومة إسلامية عسكرية، وهي تجمع بين العمل الديني الإصلاحي الدعوي والاشتغال السياسي والمدني والعسكري. وهي حركة مقاومة وطنية إسلامية سياسية جهادية تحصر نطاق عملها العسكري بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين، وتؤمن بنهج إصلاحي تدريجي في تطبيق المبادئ الإسلامية والحكم، ولذلك تمتعت "حماس" بحكم صلاتها التاريخية والأيديولوجية بالإخوان المسلمين؛ بالدعم والتأييد من كافة حركات الإسلام السياسي المنبثقة من الإخوان.
يتأسس الخوف من ظهور نمط جديد من حركات الإسلام السياسي من الخشية من نجاح حركة "حماس" في فرض نفسها وعدم القدرة على هزيمتها وتجاوزها في أي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وهو ما يؤذن بتدشين نموذج إرشادي جديد وملهم لحركات الإسلام السياسي التي فشلت في خلق جاذبية كافية لإحداث اختراق في النظام الاستبدادي العربي الما بعد استعماري. فالنموذج الجديد الذي تقدمه "حماس" يجمع بين التقاليد الخطابية الإسلامية والتأويلات الواقعية المجسدة، إذ لم تتخل حماس عن هويتها الدينية الإسلامية، وإنما أعادت تعريفها هويتها نتيجة تطور نظرتها العالمية المتغيرة، ولم تستبدل معجمها الديني الإسلامي وحقلها الدلالي، وإنما أضافت إليه مفردات من المعجم القومي الحداثي، لتوسع مجال الخطاب إلى مجال تداولي أشمل، وهو ما فشلت فيه حركات الإسلام السياسي في اختبارات عدة.
في زمن الاستقرار في ظل الهيمنة الأحادية الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أصبح العداء للإسلام السياسي بضاعة رائجة في ظل عولمة "الإسلاموفوبيا" صناعة إمبريالية غربية رائجة، وبات مصطلح الإرهاب يكافئ دين الإسلام، وبعد الانقلاب على ثورات الربيع العربي أعيد تشكيل النظام الاستبدادي العربي باستبعاد أي شكل من عملية تسيس الإسلام، والانتقال إلى إدماج المستعمرة الصهيونية في المنطقة.
وقد جاءت عملية "طوفان الأقصى" في لحظة تاريخية شهدت تراجعا قسريا لدور الحركات الإسلامية على اختلاف أوجهها وتوجهاتها، عقب الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، وفي حقبة تاريخية بائسة تماهى فيها الخطاب الاستبدادي العربي مع المقاربة الصهيونية الإسرائيلية والإمبريالية الغربية، حيث تناسى خطاب القهر الثلاثي أسباب العنف الإسرائيلي في قطاع غزة الذي حوله الاحتلال إلى معتقل وسحن كبير. وقد تجاهل الثلاثي الإمبريالي الغربي والاستعماري الصهيوني والاستبدادي العربي الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الإسرائيلي الذي يستند إلى الاحتلال والإخضاع والإبادة والمحو والتطهير، كما تناسى المجتمع الدولي حقيقة شرعية المقاومة الفلسطينية المناهضة للاستعمار وطبيعتها كحركة تحرر وطني، الأمر الذي جعل من تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة شيئا ممكنا، بل واجبا يقوم على حق الدفاع عن النفس، بينما حشرت حركات الإسلام السياسي عموما وحركات المقاومة خصوصا في خانة "الإرهاب".
نظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي
فقد أصبح الوهم القائل بأن القضية الفلسطينية يمكن محوها أو نسيانها حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين، وتنامى الاعتقاد بأن المقاومة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى لأنها صاحبة اليد العسكرية العليا. وقد عززت مسارات التطبيع مع الدول العربية السلطوية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية، حيث تماهت الخطابات الإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية والاستبدادية العربية مع أسطورة "الإرهاب الإسلامي"، وخرافة الإسلام السياسي كمهدد للاستقرار.
لقد تنامى الوهم بالقضاء على الإسلام السياسي بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي"، حيث تشكّلت تصورات دولية وإقليمية جديدة حول دور الحركات الإسلامية في تحقيق الاستقرار، فقد تبدلت النظرة التقليدية التي طالما ربطت عدم الاستقرار الداخلي بالأنظمة الاستبدادية وغياب الديمقراطية، وهشاشة الاستقرار الإقليمي بسبب الاحتلال الإسرائيلي، وتحولت المقاربة الدولية والإقليمية بالنظر إلى جماعات الإسلام السياسي باعتبارها أحد أهم عوامل عدم الاستقرار.
فنظرية الاستقرار في ظل الهيمنة الأمريكية باتت ترتكز إلى دعم الأنظمة السلطوية، ولم تعد قضية الديمقراطية ومسألة حقوق الإنسان جوهرية في السياسات الدولية والإقليمية، وأصبحت شأنا ثانويا داخليا من متطلبات السيادة الوطنية، وتحولت مدارك النظر إلى القضية الفلسطينية من مسألة استعمار واحتلال وعدالة سياسية إلى مشكلة إنسانية، وتبدلت النظرة إلى إسرائيل من دولة استعمارية عنصرية توسعية مهددة للاستقرار إلى شريك في صناعة الاستقرار الإقليمي.
وهكذا أُسدل الستار على نظريات إدماج الإسلاميين في الحكم، وضرورة اشتمال الاعتدال في السلطة، وانتهت مقولات الاعتدال وجدار الوقاية، وغدت الحركات الإسلامية تتقلب بين تعريفها بين كونها حزاما ناقلا للتطرف والعنف، أو اعتبارها حركات عنيفة إرهابية، وتبلورت عقيدة دولية جديدة حول ماهية الاستقرار ومكوناته في نظام سلطوي في الشرق الأوسط، وأصبح وجود إسرائيل مشروطا بوجود أنظمة استبدادية عربية تقمع الإرادة الحرة للشعوب، وغدت الوظيفة المقدسة للاستبدادية العربية العمل كحاجز حماية بين إسرائيل والشعوب العربية.
فالعلاقة بين "عملية السلام" والديمقراطية في المنطقة العربية حسب الرؤية الأمريكية والإسرائيلية باتت توصف بالعلاقة المعقدة، وهو ما يفرض التضحية بالديمقراطية وحقوق الإنسان لجلب السلام والاستقرار الإقليمي في ظل الهيمنة العالمية الأمريكية. واختفت النظرة إلى الكيان الإسرائيلي كعدو مهدد للاستقرار، وباتت إسرائيل بمنزلة الصديق، بعد أن أصبحت المستعمرة الصهيونية الإسرائيلية صلة الوصل بين الأنظمة الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية.
قبل عملية "طوفان الأقصى" تبدلت المنطقة وتحولت إلى واحة استبدادية في ظل الهيمنة الأمريكية، وظهر مشروع إعادة بناء الشرق الأوسط عقب اكتمال إعادة بناء الاستبدادية العربية، بعد الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي جاءت بالإسلاميين إلى السلطة، وبرزت تصورات جديدة حول مهددات الاستقرار في نظام سلطوي في المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية، إذ لم يعد ينظر إلى الاستبداد كتهديد وعقبة تحول دون الاستقرار، بل أصبحت مطلبا ضروريا للاستقرار، ولم يعد يُشار إلى وجود الاستعمار الإسرائيلي كمهدد للاستقرار، وتبدلت تعريفات الصديق والعدو، فاختُزلت مهددات الاستقرار بوجود الإسلام السياسي على اختلاف توجهاته السياسية؛ الديمقراطية السلمية والجهادية الثورية، وتبلورت رؤية تقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإدماج المستوطنة الاستعمارية الإسرائيلية في نسيج المنطقة، من خلال تأسيس تحالف بين الإمبريالية الأمريكية والاستبدادية العربية والاستعمارية الإسرائيلية تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك المتمثل بالحركات الإسلامية؛ التي تقوم أيديولوجيتها الدينية السياسية على مناهضة الإمبريالية والاستبدادية والاستعمارية، وأصبحت الأنظمة الاستبدادية العربية متماهية مع الرؤية الإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية في بناء التصورات الأساسية حول المنطقة، وأصبحت تتبنى السردية الأمريكية الإسرائيلية حول تعريف الاستقرار وماهية الصديق والعدو.
الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة
وبلغت الكراهية والعدوانية تجاه الحركات الإسلامية في المنطقة أوجها بعد الانقلاب على "الربيع العربي"، وهو ما تجلى في بناء استراتيجية تقوم على التخلص من الإسلاميين محليا، وتسليم قيادة المنطقة إقليميا للمستعمرة الاستيطانية اليهودية، ومحو وإزالة وتصفية القضية الفلسطينية، من خلال نسج تحالفات مع الأنظمة العربية الاستبدادية والإمبريالية الأمريكية والمستعمرة الصهيونية، أسفرت عن توقيع اتفاقات السلام "الإبراهيمية"، وبناء تحالفات عسكرية مشتركة، من خلال استراتيجية أمريكية غربية طموحة تسعى إلى إدماج المستعمرة الاستيطانية اليهودية في نسيج المنطقة العربية الإسلامية، تحت ذريعة مواجهة خطر مشترك تمّ اختزاله بمقولة "الإرهاب" الإسلامي، والذي بات يكافئ مصطلح "الإسلام السياسي".
خلال السنوات التي أعقبت الانقلاب على انتفاضات "الربيع العربي" التي أظهرت قوة ونفوذ حركات الإسلام السياسي التي ترى في الإسلام دين وسياسة، تعاملت الأنظمة الاستبدادية العربية بقسوة مع نمط الإسلاميين المسيسين باستخدام القوة العسكرية أو العنف القانوني أو مزيج بين المقاربتين، ولجأت الأنظمة الاستبدادية المحافظة إلى مزيح من الاحتواء والإخضاع، وساد الاعتقاد لدى معظم الخبراء والباحثين بنهاية رؤى الإسلام السياسي وبروز نمط جديد من التدين، يستند إلى ظهور تغيرات في الممارسة الدينية من التعبئة السياسية من أجل الخلاص المجتمعي، وإلى تحول الإسلام إلى نهج غير مُسيس وشيوع نمط من التدين يقوم على سعي شخصي فرداني روحاني، حيث فُسّر تراجع الإسلام السياسي بسبب رفض المجتمعات لأطروحات ونهج الإسلام السياسي بعد الإخفاق في إيحاد حلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، دون الالتفات إلى أن انحسار الإسلاميين جاء بسبب الانقلابات العسكرية المسلحة واستخدام العنف المادي والقانوني، وتشكيل تحالفات عسكرية دولية واسعة للقضاء على المنظمات الجهادية العالمية.
خلاصة القول أن الخوف من عودة الإسلام السياسي بعد "طوفان الأقصى" ومنع انبعاثه والقضاء على "حماس"، هدف مشترك للأنظمة الاستبدادية العربية والإمبريالية الغربية والاستعمارية الصهيونية، فظهور كينونة مسلمة مقاومة يخل بالنظام العالمي الموجود، ليس من حيث الأمن أو الثقافة فقط، بل كذلك من حيث الفلسفة. وإن ظهور كثير من الأفعال السياسية باسم الإسلام يمكن وصفها بطريقة مفيدة باعتباره الإسلام السياسي، وقد تمّ وسم ظهور الإسلام السياسي بتطوّرين: إزاحة الغرب عن المركز، والمحاولة المتصاعدة في شدّتها لإيقاف تلك الإزاحة عن المركز من خلال إعادة تقرير تفوّق العرقية البيضاء والعرقية اليهودية.
فالتحدي الذي يفرضه الإسلام السياسي يمكن مقاربته من خلال النظر إليه باعتباره إطارا مفككا للاستعمارية الصهيونية والغربية على الصعيدين الإبستمولوجي والاستراتيجي، فالحركات الإسلامية تتوافر في جوهرها على أجندة تؤسس لكينونة مناهضة لسياسات ومصالح ومشاريع الغرب الإمبريالي، فقد نشأت كرد فعل على الاجتياح الكولونيالي والإمبريالي للعالم الإسلامي الذي تزامن مع نشوء الحركة الصهيونية وتأسيس وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وعلى وقع صدمة انهيار وسقوط الخلافة الإسلامية (العثمانية).
وقد تطور الإسلام السياسي كأيديولوجيا سياسية في إطار الدولة ما بعد الكولونيالية، وتشكُل الدولة الوطنية (العلمانية)، وبهذا أصبحت أهداف وغايات الحركات الإسلامية مناهضة للدكتاتورية والإمبريالية والصهيونية، من أجل استعادة "الخلافة" كرمز للهوية السياسية الدينية الإسلامية.
x.com/hasanabuhanya
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسلام السياسي الإمبريالية الاستبدادية الإسلام السياسي استبداد الحركات الاسلامية إمبريالية طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإمبریالیة الأمریکیة حرکات الإسلام السیاسی الاستبدادیة العربیة الأنظمة الاستبدادیة الإسلام السیاسی على الإسلام السیاسی بعد الاستقرار الإقلیمی الهیمنة الأمریکیة النظام الاستبدادی الحرکات الإسلامیة القضیة الفلسطینیة بعد الانقلاب على للإسلام السیاسی النظام العالمی الربیع العربی طوفان الأقصى الاستقرار فی فی المنطقة على اختلاف عن المرکز الخوف من من عودة من خلال وهو ما من حیث
إقرأ أيضاً:
مرتقب بمهد الصهيونية.. مؤتمر يهودي بفيينا لرفض الإبادة بغزة
فيينا – تستعد العاصمة النمساوية فيينا لاحتضان مؤتمر “اليهودية ليست الصهيونية” بمشاركة شخصيات يهودية رفيعة للتعبير عن رفضهم للإبادة التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ أكثر من عام ونصف.
جاء ذلك وفق ما تحدثت به الناشطة النمساوية داليا ساريغ فيلنر، إحدى ممثلات المبادرة اليهودية ضد الصهيونية في النمسا، التي تستعد لتنظيم الحدث تحت اسم “المؤتمر اليهودي الأول ضد الصهيونية” في يونيو/ حزيران المقبل.
وأوضحت ساريغ فيلنر أن “المبادرة اليهودية ضد الصهيونية” ليست الحركة اليهودية الوحيدة المناهضة للصهيونية في العالم، مشيرة إلى قيام حركات يهودية أخرى ضد الحركة الصهيونية منذ ظهورها ومنذ قيام إسرائيل في 1948.
والصهيونية هي حركة سياسية ظهرت وسط المجتمعات اليهودية في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر، وتأسست على مفهوم إنشاء كيان سياسي ليهود العالم واختارت أرض فلسطين التاريخية لذلك، على حساب شعبها الأصلي الذي بدأت بتهجيره منذ العام 1948 تحت وطأة المجازر والاستيطان.
** أول مؤتمر يهودي مناهض للصهيونية
وقالت فيلنر إن “المبادرة اليهودية ضد الصهيونية” في النمسا تأسست بعد مؤتمر فلسطين الذي عقد في فيينا العام الماضي.
وأكدت أن المبادرة اتخذت قرارا بتنظيم “المؤتمر اليهودي الأول ضد الصهيونية” في فيينا تأكيدا على أن “اليهودية لا تعني الصهيونية”.
وقالت الناشطة النمساوية إنها وزملاءها أعضاء في منصة جامعة تحمل اسم “يهود من أجل العدالة للفلسطينيين” تضم عشرات الآلاف من اليهود والعديد من الجمعيات في أوروبا.
وذكرت أنهم في تلك المنصة على تواصل مع اليهود المناهضين للصهيونية في أجزاء مختلفة من العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وبيّنت أن المؤتمر له هدفان أساسيان، أولا إظهار أن انتقاد الصهيونية في النمسا ليس معاداة للسامية، وثانيا ضمان إيصال أصوات اليهود المناهضين للصهيونية إلى جميع أنحاء العالم بشأن القضية الفلسطينية.
** مؤتمر مضاد في المكان الذي انطلقت منه الصهيونية
وعن سبب انعقاد المؤتمر في فيينا، قالت ساريغ فيلنر إن الاختيار وقع عليها لأنها مسقط رأس ثيودور هرتزل مؤسس الصهيونية، ومهد انطلاقها.
وأضافت: “أردنا أن نجتمع هنا، وقلنا: لنعقد المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية كموقف ضدها. في هذا المؤتمر، ستُناقش مناهضة الصهيونية، لكن القضية الرئيسية ستكون بحث سبل دعم حرية فلسطين”.
** المؤتمر يسعى لإنهاء الإبادة الجماعية بغزة
وأكدت فيلنر أن الدافع الأهم وراء المؤتمر هو إنهاء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقالت: “هذه (الإبادة الجماعية) هي بوضوح العنصر الذي يحفزنا، ويُظهر لنا مدى إلحاح التحرك، ويجب وضع حدٍّ لها فورا”، مشددة على أن “الإبادة الجماعية بغزة هي السبب الرئيسي لتكثيف نشاطنا”.
وأكدت أن المؤتمر يهدف كذلك إلى “توحيد القوى في مختلف البلدان على المستوى الدولي، وزيادة الضغط على حكومات الدول، وخاصة في الغرب، ودفعها لإنهاء تعاونها مع إسرائيل، وبالتالي إنهاء هذه الإبادة الجماعية”.
وقالت ساريغ فيلنر إن أكاديميين وناشطين معروفين دوليا بعملهم بشأن فلسطين، سيحضرون المؤتمر الذي يستمر من 13 إلى 15 يونيو المقبل.
وأوضحت أنه من الحاضرين في المؤتمر، المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، والباحث الفلسطيني سلمان أبو ستة، والممثلة الكوميدية الأمريكية كاتي هالبر، والأكاديمي الكندي جاكوب رابكين.
ولفتت الناشطة النمساوية إلى وجود محاولات جديدة لمنع إقامة الفعاليات الداعمة لفلسطين في النمسا، خاصة بعد 7 أكتوبر 2023.
وأوضحت بهذا الخصوص أنهم بدأوا يواجهون مشاكل مباشرة وغير مباشرة مع بدء الترويج للمؤتمر المرتقب، مثل إلغاء حجوزات صالات أجريت لتنظيمه.
الأناضول