ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي، تأرجحت خطابات قادة الجيش السوداني وممثلي حكومة الأمر الواقع، الأمر الذي أظهر نوعاً من التباين في الخطاب الرسمي.

التغيير- الخرطوم: سارة تاج السر

ظهرت حالة من التناقض والارتباك في أحاديث مسؤولي حكومة الأمر الواقع في الخرطوم، ما بين الإصرار على الحسم العسكري وإنهاء الحرب ضد مليشيا الدعم السريع بتسوية تفاوضية.

رئيس مجلس السيادة الانقلابي، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ظل يردد هو ونوابه ومساعديه في الجيش، أنه لا حل للأزمة الحالية سوى بدحر المليشيا وإخراجها من المشهد تماماً، بيد أن نائبه في المجلس الانقلابي أظهر موقفاً يبدو مختلفاً وهو يختط طريقاً يعتمد الحوار.

مفارقات

رغم ارتفاع فاتورة الاقتتال التي دخلت شهرها الخامس فلا تزال مفردات الهزيمة والخيانة والتهديد تتصدر خطابات جنرالات الجيش، ليخرج الرجل الثاني في الحكومة بخارطة طريق تتركز على وقف فوري للقتال وتدشين حوار شامل يؤسس لمرحلة انتقالية، حيث اعتبر نائب رئيس مجلس السيادة الانقلابي مالك عقار إير أن ذلك سيمثل الخطوة الأولى التي ستؤدي إلى إجراء انتخابات ديمقراطية في البلاد.

وأوضح عقار الذي يرأس الحركة الشعبية- شمال، في آخر خطاب له في منتصف اغسطس الحالي، أن عملية سياسية شاملة ستعقب إنجاز خارطة الطريق وتضم جميع القوى السياسية المدنية المهتمة بتأسيس الدولة السودانية.

تبني مالك عقار لاستراتيجة إنهاء الصراع بعد مضي أكثر من 100 يوم على حرب 15 ابريل، قوبل بأصوات رافضة ومستنكرة من قبل بعض قوى الداخل على رأسهم الإسلاميين، إذ أكد عقار أن السلطة التنفيذية ستشرف على تنفيذ خارطة طريق لإنهاء الأزمة الحالية.

ومن ضمن الجهات التي خصها عقار بالرسائل، قوات الدعم السريع، حيث طالبها بالنظر بعين المسؤولية إلى التطورات الحاصلة، وقال: أسباب القتال التي أعلنتها الدعم، طغت عليها سلسلة من الجرائم والانتهاكات ويجب أن يعي أنه لا وجود لجيشين في دولة واحدة.

وأبدى عقار الذي جاء للمنصب بعد إقالة قائد الدعم السريع محمد حمدان (حميدتي)، اعتذاره للشعب السوداني عن “الاخفاق في تأسيس الدولة السودانية”، مؤكدًا التزامه ببذل كل الجهود لإيقاف الحرب.

كما تحدث عن أولويات الفترة القادمة التي تبدأ من تنفيذ الخارطة، لإيقاف الحرب وإيصال المساعدات لأنحاء السودان كافة، والتواصل مع جميع الأطراف، ومنع انتشار الحرب لباقي أطراف السودان.

وجاء عقار إلى عضوية مجلس السيادة وفقاً لاتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في اكتوبر 2020م، قبل أن يعينه البرهان نائباً له بعد اندلاع الحرب.

محلل سياسي: عقار متردد ومواقفه متأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي

غياب الحلول عملية

تباينت آراء المراقبين حول ما ورد في خطاب عقار، ففي الوقت الذي اعتبره البعض مبادرة تقرب الفرقاء السودانيين من عساكر ومدنيين (مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي والدعم السريع) ما يعني العودة لمربع ماقبل اندلاع الحرب، رأى آخرون أن عقار نفسه يمثل شخصية الأمر الواقع، فضلاً عن تردده ومواقفه المتأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل السلمي التفاوضي.

وقال الخبير المختص في العلاقات السياسية د. كباشي البكري في حديثه لـ(التغيير)، إن المتتبع لنائب البرهان، يلاحظ عدم ثبات مواقفه المتأرجحة ما بين الحسم الميداني والحل التفاوضي.

وتساءل عن إمكانية امتلاك عقار مجموعة قيادة من حكومة الأمر الواقع للدفع بالعملية التفاوضية بعيداً عن الخطب.

ورأى أن الرجل الثاني في الحكومة لا يرى صورة التدني في الخدمات التي تسير بإيقاع متسارع حتى في الأماكن الآمنة، وتوقع تفاقمها بزيادة هطول الأمطار وظهور الأوبئة والأمراض.

وقال البكري إن الصراع الحالي من المحتمل أن يدفع بانفصال الحكم في مناطق الوسط والشمال، واعتبر ان استمرار الحرب قد يوصل الناس لهذا السيناريو فضلاً عن متغيرات خطيرة.

ولفت إلى أن الإسلاميين يسعون للسيطرة على الحكم على أشلاء الموتي، وقال: الصورة بدات واضحة، حيث أن سلطات الأمر الواقع تسمح للإسلاميين بحرية الحركة وممارسة عملهم تحت حماية المؤسسات الأمنية والعسكرية، معتبراً ذلك من أكبر المهددات التي تواجه عملية التفاوض.

واختلف الناطق الرسمي الأسبق باسم الجيش، القائد العام لقوات كيان الوطن- شمالي السودان العميد المتقاعد الصوارمي خالد سعد، مع ما ذهب اليه البكري، وقال لـ(التغيير) إن المبادرة أحدثت تقارباً كبيراً بين مجلس السيادة وقوى إعلان الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع ممثلة في مستشاره السياسي يوسف عزت الماهري.

وتوقع الصوارمي أن تؤدي في الأيام المقبلة إلى اتفاق بين طرفي الصراع لاسيما حال استئناف المباحثات في منبر جدة.

ناطق رسمي أسبق: ما يثار بشأن انقسام الجيش غير صحيح ولا يخرج عن نطاق آراء المحللين

تباين آم آراء محللين؟

وأكد كباشي البكري وجود تباين واضح داخل القوات المسلحة بشأن الحل التفاوضي، واعتبر أن الأخيرة تفتقر للرؤية الكلية في التعاطي مع العملية سياسياً وعسكرياً، كما لا يوجد توحد حول الموقف من خيار التفاوض حيث يركز البعض على الحسم العسكري، في وقت تقول المؤشرات إن هناك صعوبة في تغيير موازين القوى بعد مرور أربعة أشهر على الحرب، وأن الواقع الميداني من حيث السيطرة منذ بداية المعارك لم يتغير، واتهم قوى بالداخل والخارج بالاستفادة من إطالة الحرب.

بيد أن البكري أشار إلى أن هناك أصوات عاقلة داخل الجيش تساند الحل التفاوضي عبر منبر جدة، لكنه ذهب إلى أن ذلك الصوت خافت ولا يملك قوى دفع إعلامية.

غير أن، الصوارمي خالد، فند حديث البكري ونفى بشدة أن يكون هناك انقسام حول الحل التفاوضي داخل القوات المسلحة، واعتبر أن ما يثار بشأن ذلك لا يخرج عن نطاق آراء المحللين.

وقال الصوارمي: ضباط الجيش وجنوده وفرقه المختلفة تقاتل تحت إمرة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وهو المتحدث بلسانهم ومن يحدد ما إذا كان هناك تفاوض أو لا.

انتقادات الإسلاميين

وقوبلت مبادرة عقار وهي الثانية من نوعها، بهجوم وانتقادات حادة من التيارات الإسلامية، على رأسها الحركة الإسلامية السودانية، التي أصدرت بياناً في الرد على نائب رئيس مجلس السيادة، واعتبرت ما أرسله المسؤول الثاني في الحكومة، عبر رسالته السادسة الموجهة لهم، “تنم عن فهم قاصر لا يتماشى وحالة الراهن”.

ووجهت رسالة للقوات المسلحة، مفادها أنها على العهد باقية ولن يثنيها عن واجبها غدر خائن أو تراجع جبان”- حسب البيان.

وقالت الحركة، إنها تعي تماماً أنّ الوقت الآن للتركيز على الملحمة الكبرى في استعادة البلاد من أيدي الغزاة والعملاء والمأجورين والخونة الذين تسوّروا بليل، يرهبون المواطنين ويسرقون الأحلام والذكريات ويمارسون أبشع أنواع الإرهاب والتدمير والتشريد والاغتصاب- على حد وصف البيان.

وقال البيان مخاطبا عقار: مضى الزمان الذي يتسوّر فيه “فرد” على إرادة وقرار أهل السودان.

وأضاف: لا تحتاج إلى رسائلكم المشوّهة، وإملاءاتكم المستفزة، والفيصل بيننا وبين رواج بضاعتنا رأي الشعب وصناديق الانتخابات وليس كلمات يتشدّق بها شذاذ آفاق لاسترضاء ساداتهم”.

وجددت الحركة الإسلامية “وقوفها صفاً واحداً خلف المؤسسة_العسكرية، وعدم الالتفات للمغرضين والمشككين، والجبناء”- طبقاً للبيان.

وكانت قوى الحرية والتغيير اتفقت مع جزء مما طرحه عقار واختلفت مع آخر، ويرى كثيرون أن الحل التفاوضي هو الأقرب لإنهاء أزمة الحرب الحالية والتي اشتدت مؤخراً، بالنظر إلى الحالة التي تشبه توازن الضعف بين طرفي النزاع، وعدم قدرة أي منهما على تحقيق نصر حاسم بعد مضي قرابة الخمسة أشهر من القتال.

الوسومالجيش الدعم السريع السودان الصوارمي خالد سعد عبد الفتاح البرهان مالك عقار مجلس السيادة الانقلابي محمد حمدان دقلو (حميدتي)

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السودان الصوارمي خالد سعد عبد الفتاح البرهان مالك عقار الحل التفاوضی الدعم السریع مجلس السیادة الأمر الواقع

إقرأ أيضاً:

شمعون: قائد الجيش برهن أنه جدي ولا مانع من انتخابه رئيسا

قال عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب كميل شمعون تعليقاً على استهداف البسطة على: "حذرنا مرارا من تداعيات الحرب وقامت القيامة عندما شبهت لبنان بغزة وللأسف وصلنا اليها".

واعتبر عبر "لبنان الحر" أن "الهدنة هي مفتاح التعامل بين دولتين، فعندما نسفنا الهدنة وصلنا الى الضحايا والدمار والتفجير وسببها اننا لا نحافظ على الحياد الإيجابي"، ودعا إلى "اتفاق هدنة جديد وإلى إيقاف كل سلاح غير شرعي وتطبيق اتفاق الطائف ولينضم الحزب الى الشرعية اللبنانية". وقال: "علينا ان نخرج من دوامة الحرب والمقاومة، فلبنان لن يرتاح بل علينا ان نفكر بمستقبلنا ومستقبل أولادنا. نحن نريد ألا ييأس اللبناني وأن يبقى في أرضه. يكفي تدخلات خارجية بالشؤون اللبنانية ولنلتفت الى كيفية العيش معا كلبنانيين".

ورأى ان "المفاوضات التي ستحصل بين لبنان وإسرائيل ستكون غير تلك التي بين إسرائيل والحزب، فالاخير لا يمثل لبنان وهو الذي افتعل جبهة الاسناد". وقال: "ايران سيطرت على لبنان في الدولة والحكومة والسلاح غير الشرعي واذا لم يكن أحد يريد الإقرار بذلك كمن يختبئ وراء اصبعه، ولا شك ان السيطرة خفت وستخف أكثر ولكن ما زالت حتى اليوم تستبيح القرار اللبناني ويجب ان نصل لمرحلة يصبح فيها القرار بيد اللبنانيين".

ولفت الى ان "الخوف الإيراني من الداخل أكثر مما هو من الخارج فهناك بيئة في ايران لم تعد تتحمل التشدد وقد نصل الى فك الدعم عن حزب الله فعصب الحرب هو المال، من هنا عندما ينقطع المال ستقف الحرب مهما كانت الأسباب". وأشار إلى ان "هناك استياء ولو غير معلن من كل ما يحصل في البيئة الشيعية والوضع الرديء الذي وصلوا اليه"، لافتا الى ان "السلاح غير الشرعي أوصلنا الى أقصى درجات الدمار والخوف بعضنا من بعض".

وقال: "على الجيش أن يقوم بواجباته وان يلملم السلاح غير الشرعي واذا لم يحصل ذلك فالبلد ذاهب الى التقسيم. اما ان نعود الى التسلح ونضع سلاحًا بوجه آخر وهو أمر مرفوض ومستبعد واما نعود الى فكرة لكم لبنانكم ولنا لبناننا".

أضاف: "حتى تحصل انتخابات رئاسية، على المدفع ان يسكت والمرحلة لا تزال تنتظر وقف الاشتباكات الى حين عودة لبنان سيد قراره والذهاب بعدها الى انتخاب رئيس" .

واعتبر ان "المعادلة النيابية لا تزال نفسها ولا يمكن ان نأتي برئيس تصادمي من الطرفين، ولكن ان يكون مقبولاً من الجميع ويتمتع بقدرة إصلاحية وان يكون مقبولاً لبنانياً ودولياً وصاحب كف نظيفة".

وختمك "لدينا ثقة بقائد الجيش لأنه حافظ على المؤسسة العسكرية وبرهن انه قائد جدي ولا مانع لدي من ان يتم انتخابه رئيساً، مع ان تجربتنا مع العسكر السابقين فاشلة جداً، لكن هذا لا يعني انه ينطبق على جميع العسكر، وانا مع التمديد للقائد".

مقالات مشابهة

  • رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة: ماضون نحو القضاء على التمرد وإستئصاله
  • "ترامب".. والحل الصهيوني!!
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • دوري الدرجة الأولى يدخل مراحل الحسم
  • أوامر رئاسية بإعداد مخططات عمل قطاعية والتنفيذ الميداني لها “بالسرعة القصوى”
  • الدفاع المدني ينشر مجمل الخسائر التي تكبدها جرّاء الحرب على قطاع غزة
  • مكالمة هاتفية تكشف تباينًا أميركيًا إسرائيليًا حول لبنان وغزة
  • شمعون: قائد الجيش برهن أنه جدي ولا مانع من انتخابه رئيسا
  • توم بيريلو: نقدر جهود مجلس السيادة لتسهيل زيادة حجم المساعدات الطارئة
  • عقار يخاطب فعاليات ملتقى حكام وولاة الولايات الثاني ببورتسودان