الهجرة والاستقالة.. أزمة نقص الأطباء إلى أين؟
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
إحصائيات مفزعة: 11 ألف طبيب يستقيلون في 3 سنوات
دراسة وزارية: عدد المرخص لهم بمزاولة المهنة يوضح الفجوة
مقترحات غير عملية: حلول العقوبات التي لا تحل الأزمة
الخطط الحكومية: هل تكفي لوقف نزيف الهجرة الطبية؟
نقص الأعداد يحول شباب الأطباء إلى بطل بلا جيش
تعرضت شقيقتي لأزمة صحية كبيرة، فقمنا بنقلها على الفور إلى معهد القلب القومي، بامبابة (محافظة الجيزة)، وذلك لقرب مقر المعهد من المنزل، عند دخولنا إلى قسم الطوارئ، وجدنا عددًا من المرضى يجلسون على الكراسي، وبسبب أزمة شقيقتي التي جعلتها غير قادرة على التنفس، ذهبنا إلى موظف الأمن الذي ينظم دخول مرضى الطوارئ كل منهم بالدور، وتحدثنا معه بضرورة دخول شقيقتي للطبيب للكشف عليها.
قال موظف الأمن: «محدش بيدخل إلا بالدور، روحوا هاتوا تذكرة دخول»، وأثناء حديثنا معه ومناقشته بأن حالتها قد تسوء، وقع أحد المرضى على الأرض فاقدًا الوعي، فالتف حوله المرضى وموظفو الأمن، وبسبب الشجار وارتفاع الصوت خرج الطبيب ليكشف على المريض الملقى على الأرض.
قال الطبيب الشاب: «شيلوا الحالة وهاتوها جوه عشان أكشف عليها»، وبادر بعض الأهالي بحمل المريض، وإدخاله للطبيب الذي قام بالكشف عليه وأوصى بـ«ضرورة حجزه تمهيدًا لإجراء عملية جراحية على الفور»، كان الطبيب الشاب بمفرده، ومسئولاً عن الكشف على المرضى في الطوارئ، الذي يُعد من أخطر الأقسام في المستشفيات، حيث يستقبل المئات من المرضى، وأغلبهم حالات حرجة.
كان الطبيب يكتب التقارير الطبية للحالات التي تستدعي الدخول والحجز بالمعهد، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كان يقوم بمتابعة الحالات الموجودة على أسِرّة الاستقبال وملاحظة ما إذا كانت قد تحسنت أم لا. المشهد الذي كنت أحد الشهود عليه، مر بذاكرتي عندما أعلن نقيب أطباء مصر، الدكتور أسامة عبد الحي، عن هجرة 7 آلاف طبيب إلى الخارج خلال عام واحد.
وأوضح نقيب الأطباء أن «هناك طبيبًا لكل 1162 مواطنًا، بينما طبقًا للمعدل العالمي يجب أن يكون هناك طبيب لكل 435 مواطنًا»، وفي عام 2024، أصدرت نقابة الأطباء 8000 شهادة باللغة الإنجليزية، بين شهادات حسن السير والسلوك أو القيد بدرجة أخصائي أو استشاري، وتُستخدم هذه الشهادات في التقديم للسفر للخارج، وهي أحد المؤشرات الهامة التي شهدت معدلات متزايدة خلال السنوات الأخيرة، مما يوضح حجم الأزمة.
ناقوس الخطرالسؤال الذي يطرح نفسه، وسط هذه الملابسات: هل هجرة الأطباء إلى الخارج وما نشهده من نقص في الأطباء في عدد من المستشفيات هو أمر وليد اللحظة؟.. الإجابة: لا. فقد بدأ دق ناقوس خطر هجرة الأطباء منذ عام 2019، حين أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان دراسة عن مدى احتياج مصر للأطباء البشريين مقارنة بالمعدلات العالمية.
ذكرت الدراسة أن عدد الأطباء البشريين المرخص لهم بمزاولة مهنة الطب حتى نهاية عام 2018، دون احتساب الأطباء على المعاش- يقدر بـ212، 835 طبيبًا، بينما كان يعمل فعليًا في مصر وقتها في الجهات المختلفة، التي تشمل وزارة الصحة، والمستشفيات الجامعية الحكومية والخاصة، وجامعة الأزهر، والمستشفيات الشرطية، عدد يقارب 82 ألف طبيب فقط، بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة المهنة.
وأشارت الدراسة إلى أن معدل الأطباء في مصر يبلغ 8.6 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي هو 23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن. وقد طرحت الدراسة عدة توصيات، من بينها: تبني مؤسسات الدولة خطة لاسترجاع الأطباء للعمل بالقطاع الحكومي، تقوم على رفع المستوى التدريبي، وتأمين بيئة العمل، ورفع المستوى المادي والاجتماعي للأطباء. وتستهدف الخطة خلال السنوات الخمس القادمة عودة 60 ألف طبيب للعمل بالقطاع الصحي الحكومي.
كما نصت الدراسة على ضرورة العمل على زيادة عدد الطلاب المقبولين بكليات الطب البشري بالجامعات الحكومية، والخاصة عن 10 آلاف طالب سنويًا، بما لا يتعارض مع إمكانيات الكليات والمستشفيات الجامعية في توفير مستوى جيد من التعليم الطبي. كما أوصت بالتوسع في إنشاء كليات طب بشري جديدة، حكومية أو خاصة أو أهلية، بما لا يخل بمعايير الالتحاق، أو التدريب الطبي فيها.
إحصائية مفزعةفي سياق الأزمة المتزايدة التي يعاني منها القطاع الطبي في مصر، كشفت النقابة العامة للأطباء عن إحصائية مفزعة تتعلق بهجرة الأطباء واستقالاتهم. ففي الشهور الأولى من عام 2022، حتى تاريخ 20 مارس، تقدم نحو 934 طبيبًا بالاستقالة، ليصل إجمالي عدد الأطباء المستقيلين منذ بداية عام 2019 وحتى 20 مارس 2022 إلى 11، 536 طبيبًا. هذا العدد الكبير يعكس حجم الأزمة التي يواجهها القطاع الصحي في البلاد.
توزعت الاستقالات على السنوات الماضية كالتالي: في عام 2016، تقدم 1044 طبيبًا للاستقالة، وفي عام 2017 ارتفع العدد إلى 2549 طبيبًا. أما في 2018، فقد تقدم 2612 طبيبًا، وفي عام 2019 وصل العدد إلى 3507 أطباء. وفي عام 2020، تقدم 2968 طبيبًا، وفي عام 2021 وصل العدد إلى أعلى مستوى له، حيث بلغ 4127 طبيبًا، ما يعكس تزايدًا ملحوظًا في معدلات الاستقالات.
ووفقًا لسجلات النقابة، بلغ عدد الأطباء العاملين في القطاع الحكومي نحو 93، 536 طبيبًا، وهو ما يشكل نسبة 40.8% من الأطباء المرخص لهم بمزاولة المهنة تحت سن المعاش. ولكن هذه النسبة لا تعكس التحديات التي يواجهها القطاع، إذ أنها لم تشهد سوى زيادة طفيفة بمقدار 2.8% فقط منذ بداية عام 2019.
ورغم من الزيادة الطفيفة في عدد الأطباء العاملين، فإن المعدل ما زال بعيدًا عن المعدل العالمي الذي يقدر بـ23 طبيبًا لكل 10 آلاف مواطن. وفي مصر، هناك 9.2 طبيب لكل 10 آلاف مواطن، مقارنة بـ 8.6 في بداية عام 2019. وللتأكيد على حجم الفجوة، تشير دراسة أعدتها لجنة المجلس الأعلى للجامعات إلى أن هناك طبيبًا لكل 1162 مواطنًا في مصر، في حين أن النسبة العالمية هي طبيب لكل 434 مواطنًا.
تحديات.. وحلولأثار مقترح أحد النواب بمنع سفر الأطباء إلى الخارج لمدة خمس سنوات عقب التخرج حالة من الغضب في الأوساط الطبية، حيث اعتبرت نقابة الأطباء هذا المقترح خطوة غير مبررة. وفي بيان لها، أبدت النقابة رفضها لفكرة منع الأطباء من السفر، أو اشتراط سداد "فاتورة التعليم" كأداة للحد من هجرتهم، مؤكدة أن هذه الطروحات ليست فقط غير دستورية، بل غير عملية أيضًا ولا تمثل حلاًّ حقيقيًا للمشكلة.
وقالت النقابة إن معالجة أزمة هجرة الأطباء من خلال فرض قيود على حرياتهم الشخصية تُعد إغفالاً عمدًا للأسباب الجوهرية التي تدفع الأطباء للهجرة، مثل تدني الرواتب، وسوء بيئة العمل، والتعرض المستمر لحوادث الاعتداء، فضلًا عن غياب التأمين الفعلي للمستشفيات، ونقص التقدير المهني والمعنوي لهم. ووصفت النقابة هذه الحلول المقترحة بأنها عقوبات غير مناسبة، ولا تعكس فهمًا حقيقيًا للأزمة.
وأكدت النقابة أن الحلول الفعالة لهذه المشكلة تتطلب سياسات إصلاحية شاملة، تضمن بيئة عمل محفّزة، تعيد الاعتبار لمهنة الطب، وتمنح الأطباء المكانة التي يستحقونها، مشيرة إلى أن الحق في التنقل والسفر مكفول بالدستور المصري ولا يمكن فرض قيود عليه تحت أي ذريعة.
وأضافت النقابة أنه بدلاً من تحميل الطبيب أعباء إضافية فوق معاناته، كان من الأفضل توجيه الجهود نحو معالجة الأسباب الجذرية للهجرة. وأشارت إلى ضرورة توفير بيئة عمل تحترم مهنة الطب، من خلال دعم ملموس يشمل زيادة الرواتب، تحسين بيئة العمل، توفير الحماية للأطباء، وزيادة فرص التعليم والتدريب لتسهيل مسارهم المهني.
وحذرت النقابة من أن مثل هذا المقترح من شأنه أن يُفاقم أزمة هجرة الأطباء ويُعمق الشعور بالاغتراب المهني داخل الوطن. وأوضحت أن النقابة تعمل على تحسين بيئة العمل وزيادة الرواتب وتوفير حماية حقيقية للأطباء، وهي مطالب أساسية لضمان استمرارية الأطباء في العمل داخل البلاد.
وفي ذات السياق، أكد الدكتور طارق منصور، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، أن نقابة الأطباء كانت وما زالت في طليعة المنظمات التي حذرت مرارًا من أزمة هجرة الأطباء. وقال إن النقابة قدمت حلولًا واقعية وعملية لهذه الأزمة، بما في ذلك زيادة الرواتب، وتحسين بيئة العمل، وفتح فرص التدريب والتعليم، وهي سبل ضرورية للحفاظ على الكفاءات الطبية داخل مصر.
هل لدينا عجز؟طبقًا للإحصائيات المتوفرة، بلغ عدد الأطباء المقيدين في النقابة العامة للأطباء 365، 744 طبيبًا، في حين أن عدد الأطباء المسجلين كمتوفين بلغ 35، 170 طبيبًا، مما يعني أن العدد الإجمالي للأطباء الفعليين يُقدّر بـ330، 574 طبيبًا. إذا قارنّا هذا العدد بعدد سكان مصر البالغ 110 ملايين نسمة، فإن النتيجة تكون 3.3 طبيب لكل ألف مواطن، أي طبيب لكل 303 مواطنين، وهو ما يفوق المعدل العالمي.
وقد أكد الدكتور أبو بكر القاضي، أمين صندوق نقابة الأطباء، أن النقابة طالما حذرت من مقترحات زيادة عدد الخريجين من كليات الطب، مشددًا على أنه لا يوجد عجز في عدد الأطباء المسجلين في النقابة مقارنة بعدد السكان. ومع ذلك، أشار إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن في هجرة الأطباء إلى الخارج بسبب الظروف المحيطة.
وأضاف الدكتور القاضي أن زيادة أعداد كليات الطب والخريجين ستضيف عبئًا ماليًا إضافيًا على الدولة، محذرًا من أن الحل الأمثل يكمن في زيادة موازنة القطاع الصحي بدلًا من زيادة الإنفاق على إنشاء كليات جديدة.
وفي السياق ذاته، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عن خطط لزيادة أعداد دارسي الطب في مصر من 9 آلاف خريج إلى 15 ألف خريج هذا العام، مشيرًا إلى أن كليات الطب ستقوم بتخريج 29 ألف طبيب سنويًا بعد مرور 6 سنوات. وأوضح أن الدولة لا تمانع هجرة 10 آلاف طبيب سنويًا، معتبرًا أن ذلك يساهم في زيادة إيرادات الدولة من العملة الأجنبية، وهو ما يُعد دليلًا على جودة التعليم الطبي في مصر.
اقرأ أيضاًهجرة الأطباء "من جديد"
نقابة الأطباء لـ«الأسبوع»: تدني الأجور يدفع الآلاف للهجرة سنويًا.. ولا نتقاضى رسومًا مقابل سفرهم
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: معهد القلب القومي الدكتور طارق منصور عضو مجلس النقابة العامة للأطباء واقعة الطوارئ أزمة نقص الأطباء نقص الأطباء نقابة الأطباء هجرة الأطباء الأطباء إلى عدد الأطباء إلى الخارج بیئة العمل کلیات الطب طبیب ا لکل طبیب لکل ألف طبیب وفی عام مواطن ا فی عام سنوی ا فی مصر الذی ی عام 2019 إلى أن
إقرأ أيضاً:
أزمة الرسوم القضائية تتصاعد.. وغدا اجتماع طارئ للمحامين
في بداية مارس الماضي تم الإعلان عن زيادة من قبل محاكم الاستئناف للرسوم القضائية والخدمات المميكنة، وعلى الفور قام مجلس نقابة المحامين بعقد اجتماع بحضور نقباء الفرعيات لبحث تداعيات الرسوم الجديدة وكيفية إسهامها في الحد من حق التقاضي للمتقاضين غير القادرين.
ووصف بيان صادر عن النقابة في بداية الأزمة الرسوم الجديدة بأنها تتعارض مع المشروعية الدستورية وتم تفويض النقيب عبد الحليم علام للتفاوض مع كافة الجهات المعنية وبذل المساعي للحفاظ على حق المتقاضين واعتبر المجلس في حالة انعقاد دائم، ومع الوقت لم يطرأ جديد رغم مساعي النقيب مما أدى الى اتخاذ قرار مجلس النقابة بالاعتراض الفعلي وعدم توريد رسوم قضائية لمحاكم الاستئناف على مستوى محاكم الجمهورية خلال ثلاثة أيام بدأت من الثلاثاء الماضي وانتهت الخميس وكانت هناك غرفة عمليات بالنقابة تتابع تنفيذ قرار المجلس.
وتوعد النقيب عبد الحليم علام المخالف للقرار من المحامين بالتحويل للتأديب، وبالفعل رصدت الصور داخل حجرات التوريد بالمحاكم خاوية، وقامت بعض النقابات الفرعية بعمل وقفات احتجاجية اعتراضا على زيادة الرسوم القضائية، ورغم ذلك لم تكن هناك أى مبادرة للإعلان عن إلغاء القرار أو حتى دراسة تخفيضه، الأمر الذى جعل النقيب يدعو لاجتماع لمجلس النقابة غدا الثلاثاء لبحث الخطوات التصعيدية ضد القرار حسب وصف بيان نقابة المحامين.
واعتبر المستشار عدلي حسين رئيس محكمة استئناف القاهرة الأسبق الرسوم الجديدة بأنها لا تتناسب مع الخدمة المقدمة للمواطن، ومن المفترض أن وزير العدل ومجلس القضاء هو من يقر الزيادات وأن يراعى التناسب كشرط للتحصيل المالي لأنه خدمة يتكفلها ملايين المتقاضين يوميا.
وأعلن إيهاب رمزي عضو مجلس النواب أن الزيادات الجديدة للرسوم القضائية تتنافى مع الدستور ولم تمر عبر القنوات التشريعية المتمثلة فى البرلمان كما أنها تعيق حق التقاضي و تثقل كاهل المواطن.
وأشار «رمزي» إلى أن الزيادات للرسوم وإن جاءت تحت بند التحول الرقمي وتحديث الخدمات القضائية إلا أنها تخل بمبدأ كفالة حق التقاضي الذى كفله الدستور.
ويبقى الجميع في انتظار اجتماع غدا الثلاثاء الذى دعا إليه النقيب لبحث الجديد في الأزمة حتى لا تتعطل مصالح المتقاضين.
اقرأ أيضاًنقابات المحامين الفرعية تنتفض اعتراضا على زيادة الرسوم القضائية
نقابة المحامين بشمال القليوبية تكرم محافظ القليوبية
نقيب المحامين: «أزمة الفاتورة الإلكترونية ستعود من جديد.. وخسرنا 107 ملايين بسبب علاج الأسنان»