أحمد الرخ: التصوف ليس مذهبا أو فرقة بل منهج حياة متكامل
تاريخ النشر: 21st, April 2025 GMT
قال الدكتور أحمد الرخ، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، إن التصوف ليس مجرد انقطاع عن الدنيا أو زهد في الحياة، بل منهج حياة متكامل.
وأشار إلى مقولة الأديب الكبير نجيب محفوظ: “التصوف ليس رهبانية ولا انقطاعًا، ولكنه حياة”.
ونوه ان نجيب محفوظ في هذه المقولة كان يوضح أن التصوف ليس فقط ممارسات دينية أو عبادات، بل هو أسلوب حياة يشمل الانخراط في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، ويعني أن المتصوف لا يعيش في عزلة عن الناس أو عن مجريات الحياة اليومية.
وبين فى تصريح له أن التصوف هو منهج تعبدي مبني على معرفة الله عز وجل.
واستشهد بما ذكره الإمام تاج الدين السبكي في كتابه طبقات الشافعية الكبرى عن أن العلماء قد طرحوا أكثر من ألف تعريف للتصوف، وكل هذه التعريفات تلتقي في نقطة واحدة، وهي أن التصوف هو "فقه المعرفة بالله"، وبهذا المعنى، فإن التصوف هو طريق العارفين بالله الذين يسيرون على منهج النبي صلى الله عليه وسلم.
أركان الشريعة الإسلامية
وكشف عن ان "التصوف ليس مجرد عبادات كالذكر أو الصلاة أو الصيام فقط، ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بكل جوانب الحياة، فعندما نتحدث عن الشريعة الإسلامية، نجد أن الشريعة تتضمن ثلاثة أركان رئيسية: العقيدة، الأحكام العملية، والأخلاق.. أولاً، ركن العقيدة يتعلق بالإيمان بالله سبحانه وتعالى، ملائكته، كتبه، ورسله، ويوم الآخرة.. أما الركن الثاني، فيشمل الأحكام العملية التي تتوزع بين العبادات والمعاملات، وتتمثل في الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، بالإضافة إلى أحكام المعاملات مثل البيوع والإيجارات والبيع والشراء".
و الركن الثالث والأهم في هذه الشريعة هو الأخلاق، وهذا هو محور حديثنا اليوم، النبي صلى الله عليه وسلم بعث لتتميم مكارم الأخلاق، وأصبح تهذيب النفس من أساسيات الإسلام.. وكل عبادات الإسلام، مثل الصلاة والصيام والحج، تهدف إلى تهذيب النفس والابتعاد عن الرذائل والتحلي بالفضائل.. وعندما نراقب أنفسنا ونتحلى بالأخلاق الكريمة، فإننا بذلك نطبق المنهج الصوفي الذي يدعونا لمراقبة الله سبحانه وتعالى في كل أعمالنا".
وأوضح “الرخ” أن التصوف يعلم المسلم كيفية مراقبة الله في جميع جوانب حياته، سواء في العبادات أو في المعاملات مع الناس، قائلاً: "التصوف هو ليست فرقة من الفرق أو مذهب من المذاهب، بل هو منهج حياة، المسلم الصوفي هو الذي يسعى دائمًا لتحسين سلوكه، والتحلي بالفضائل، والابتعاد عن الرذائل، الإمام الجنيد رحمه الله كان يعظ مريديه على مراقبة الله في كل تفاصيل حياتهم، كما ورد عن الإمام عندما سُئل عن كيفية غض البصر، فأجاب: 'بعلمك أن نظر الناظر إليك أسبق إليك ممن تنظر إليه'، هذه تربية عالية جدًا، فهي تعلم المسلم أن يراقب الله في كل مكان وزمان".
منهج التصوف
وقال: "منهج التصوف يوجه المسلم لكي يراقب الله في كل تفاصيل حياته، ويُحسن عمله ويجوده في كل مكان، سواء في عمله أو في تعامله مع الناس, نحن لا نراقب فقط من حولنا أو من في المناصب، بل نراقب الله عز وجل في كل شيء، ومن هنا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حثنا على تحسين العمل والجودة في كل شيء، قائلاً: 'إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه'".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: أحمد الرخ التصوف الأخلاق منهج التصوف المزيد التصوف لیس التصوف هو الله فی
إقرأ أيضاً:
مفتي الجمهورية يكتب: عَرَضٌ يَزُولُ وَيَبْقَى الإِمَام الطيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ليست العظمة أن يكون الإنسان في مأمنٍ من العوارض ولا أن يُعفى من سنن الابتلاء، ولكن العظمة أن يمر المرء بهذه العوارض كما تمر الرياح على الجبال فلا تزعزع رسوخها، ولا تنال من شموخها، فإن كانت الأجساد تأخذ نصيبها من الضعف، فإن الأرواح الكبيرة لا تعرف الوهن، وإن كان العارض يلوّح باليد، فإن الحقيقة ثابتة لا تبارح موضعها، هذا هو الإمام الطيب، ركنٌ من أركان الفكر، وصرحٌ من صروح الاعتدال، وحاملُ لواء الأزهر الشريف في زمنٍ تتنازعه الأهواء.
ما إن يمرَّ به عارضٌ صحيّ كما يمر بكل إنسان، إلا أنك لم تجده من أولئك الذين يُقاس قدرهم بهذه الساعة العارضة من الضعف أو الوهن، بل هو ممن تُوزن حياتهم بميزان العلم والعمل والمواقف الثابتة، فما تكون المحنة عنده إلا مَعْبرًا إلى مزيد من الثبات، ولا كان الابتلاء لديه إلا دليلًا على مكانة الرجال في ميزان الله.
إن الذين يتوهَّمون أن المرض ينال من الرجال كما تنال النكبات من العجزة، لم يدركوا معنى الصبر في فلسفة العظماء، ولم يفهموا أن الأجساد قد تضعف، لكن المبادئ لا تمرض، وأن القائد الذي أضاء العقول لن يخفت بريقه بعلةٍ تزور ثم تزول، قال النبي ﷺ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» (رواه مسلم).
وقد رفع الله الإمام الطيب بعلمه وحكمته، وجعل له في الأمة مقامًا محفوظًا لا تهزه العوارض، لقد كان الإمام الطيب وما زال طوال مسيرته سدًا منيعًا أمام محاولات التشويه والتشكيك، فلم يكن مجرد عالم يردد المحفوظ، بل مفكر يُجدد ويُحسن قراءة الواقع، لم ينحرف عن الجادة، ولم تأسره موجة عابرة، بل ظل متمسكًا بثوابت الأزهر وقيمه، حريصًا على أن يكون صوته صوت الحكمة، وكلمته كلمة العدل.
إن أعظم الرجال هم أولئك الذين تتجاوز قيمتهم حدود أوقات الضعف والوهن فيبقون في وجدان الأمة مناراتٍ تهتدي بها وسطورًا خالدة في صفحات التاريخ، والإمام الطيب واحد من هؤلاء الذين لا تنال منهم العوارض العابرة بل تزيدهم ثباتًا وإصرارًا، ليظل منارة مضيئة في سماء الفكر والاعتدال، إن العظمة ليست في تَجنُّب المحن، بل في كيفية التعامل معها بروح ثابتة، فالعوائق لا تزيد العظماء إلا صلابة في عزيمتهم.
ولقد تجسدت في شخصية الإمام الطيب عبقرية القيادة التي لا تهتز، فإمامنا الطيب لم يكن يومًا مجرد قائد في إطار رسمي، بل كان ومازال زال صاحب مشروع فكري يهدف إلى إصلاح المجتمع وتوجيهه نحو الطريق الصحيح، فتوجيهاته دائمًا نبراس يهدي الأمم إلى جادة الصواب في عالم مليء بالفتن والتحديات، وهكذا سيظل الإمام الطيب ويبقى بإذن الله حصنًا منيعًا لا يُقهر.
فكما أن الشجرة المثمرة تواجه الرياح العاتية بقوة وصلابة، فإن الإمام الطيب سيظل زعيمًا فكريًا وإصلاحيًا لا تهزّه الرياح العابرة، بل يزيده التحدي قوة وعزيمة، وبالتالي ليس المرض إلا اختبارًا،«أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» (العنكبوت: 2) لكنه لا يبدل جوهر الأشياء، ولا يغير من طبيعة الرجال، فإن كان العابر يمر، فإن الثابت يبقى، وإن كان الضعف يطرق الباب لحظة، فإن القوة التي وُهِبت للرجال الكبار تستعيد مكانها، وترجع إلى موضعها، ويعود الطود إلى شموخه
فلتمضِ الأيام كما شاءت، ولتكن الأقدار على ما أرادت، فإن العارض زائل، والحق باقٍ، وإن الرجال العظام يمرون بالابتلاء، لكنهم لا يتوقفون عنده، ولا يُحجبون عن أدوارهم فيه، بل يُمنَحُون مزيدًا من القوة، لأنهم كانوا دومًا في مقام التحدي والثبات، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الرعد: 17) فيا أيها العابر، مرَّ كما مرَّ غيرك، فإن الجبال لا يضرها الغبار، وإن الإمام باقٍ بعلمه، وفكره، وأثره، وسيظل كذلك لا تهزه الأيام ولا تنال منه العوارض العابرة.
نسأل الله أن يحفظ الإمام الطيب بحفظه وأن يبارك في عمره طودًا شامخًا لأزهر المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه