تونس- تتجه الأنظار في تونس، الأسبوع المقبل، إلى الجلسة الثالثة من المحاكمة في قضية ما يعرف بـ"التآمر على أمن الدولة"، وسط تصاعد القلق في الأوساط السياسية بشأن ظروف المحاكمة، في ظل تمسّك المحكمة بإجرائها عن بُعد، ورفض عشرات المعتقلين السياسيين المشاركة فيها بهذه الطريقة.

وعاشت المحكمة الابتدائية بتونس، أمس الجمعة، أجواء مشحونة في ثاني جلسات هذه المحاكمة التي تُجرى عن بعد ويحاكم فيها عديد المعارضين للرئيس التونسي قيس سعيد، قبل أن تقرر المحكمة تعيين جلسة ثالثة في 18 أبريل/نيسان الجاري ورفض مطالب محاكمة المعتقلين بحالة سراح.

وتشغل هذه القضية الرأي العام السياسي والحقوقي في تونس، وهي محط أنظار المتابعين الدوليين، وتشكل اختبارا حاسما لمصداقية العدالة، في وقت يتهم فيه معارضو الرئيس سعيد بإخضاعه القضاء وتوظيفه لفرض أحكام قاسية ضد عشرات المعارضين المعتقلين منذ سنتين.

أهالي المعتقلين السياسيين نددوا بمنعهم من الحضور داخل قاعة الجلسة (الجزيرة) محاكمة "جائرة"

وشهد محيط المحكمة، أمس، توترا بسبب مشاحنات بين الأمن وأهالي المعتقلين، الذين نفذوا -مدعومين بنشطاء حقوقيين وسياسيين- وقفة احتجاجية أمام المحكمة للتنديد بمنعهم من الحضور داخل قاعة الجلسة، وبما وصفوه بـ"محاكمة سياسية جائرة" ضد أبرز معارضي الرئيس.

وقالت منية إبراهيم زوجة القيادي المستقيل من حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي للجزيرة نت: إن أهالي الموقوفين تعرضوا للتنكيل والمنع من ممارسة حقهم الطبيعي بمتابعة المحاكمة داخل القاعة، وأضافت: "الحضور اقتصر على شخص واحد من كل عائلة".

واعتبرت إبراهيم أن قضية التآمر على أمن الدولة لا تعدو أن تكون "ملفا مفبركا يفتقر لأي دليل قانوني جدي"، وشددت على أن الهدف الحقيقي وراء تحريك القضية هو "استهداف من يعارض الرئيس قيس سعيد، ومحاولة تصفية المعارضة وتخويف المجتمع".

إعلان

وفي بهو المحكمة، بلغ التوتر ذروته بعد منع صحفيين دخول قاعة الجلسة، بينهم الصحفي زياد الهاني الذي احتج بقوة قائلا: "السلطة تخشى فضح الصحفيين خروقات المحاكمة"، كما نددت نقابة الصحفيين بهذا المنع وطالبت بمحاكمة "علنية".

وفي قاعة الجلسة غصّ المكان بالمحامين الذين تمسكوا بحضور المتهمين للمحكمة، رافضين محاكمتهم عن بعد من وراء الشاشات، مؤكدين أن ذلك يشكل "خرقا جسيما" لشروط المحاكمة العادلة، وتخللت المحاكمة انقطاعات متكررة، حيث تم رفعها 3 مرات وسط احتجاج الدفاع.

لا ضمانات

وقالت المحامية دليلة مبارك مصدق: "لا توجد ضمانات للمحاكمة العادلة، لأن السلطة ضربت عرض الحائط بحقوق المتهمين ودولة القانون"، وبينت أن ما يحدث "وصمة عار" في جبين السلطة التي تسعى وفق تقديرها لتصفية معارضي الرئيس سعيد.

وأكدت للجزيرة نت أن تعيين جلسة ثالثة الأسبوع المقبل لمحاكمة المعتقلين السياسيين بهذه السرعة يعكس رغبة السلطة بإصدار أحكام قاسية ضدهم، مشيرة إلى أن ما وصفته بـ"الملف الوهمي، لا يُقصد منه تحقيق العدالة أو حماية مؤسسات الدولة وإنما تصفية المعارضين السياسيين".

واقتصرت المرافعات في الجلسة الثانية للمحاكمة، على الجانب الشكلي من دون الدخول في الأصل، وشدد المحامون على أن المحاكمة عن بعد "تنسف مصداقيتها"، وقالوا إن: "القضاء أصبح أداة طيعة بيد السلطة التي تسعى لتوظيفه لإسكات خصوم الرئيس".

من جانبه اعتبر زعيم جبهة الخلاص نجيب الشابي وأحد المحالين بهذه القضية بحالة سراح أن "السلطة خائفة من انكشاف بطلان اتهاماتها بحق المساجين السياسيين نظرا لغياب الأدلة المادية وهشاشة الملف".

ورفض الشابي المشاركة في المحاكمة عن بعد، وقال للجزيرة نت "قاطعت جلسة قضية التآمر الوهمية حتى لا أكون جزءا من محاكمة صورية".

وكان الشابي قد توجه برسالة مفتوحة لرئيس الدائرة الجنائية لمقاومة الإرهاب لدى المحكمة الابتدائية بتونس لإعلامه بعديد الخروقات في الشكل والأصل لقضية التآمر.

إعلان

وعكس الجلسة الأولى لهذه القضية في الرابع من أبريل/نيسان الجاري رفض المتهمون، أمس الجمعة، المشاركة عن بعد في المحاكمة التي يعتبرونها بلا أدلة ومرتكزة على "اتهامات كاذبة" لمخبرَين لم يكشف القضاء هويتهما، كما دخل عدد من المتهمين بإضراب عن الطعام منذ أيام.

ومع ذلك، رفضت المحكمة مطالب المحامين بمحاكمة المعتقلين السياسيين بحالة سراح، كما رفضت استدعاء المتهمين للحضور في الجلسة، مبينة أن قرارها إجراء المحاكمة عن بعد، سببه "الخطر الأمني"، وهو ما اعتبره المحامون ذريعة للتعتيم على القضية.

وتستند المحكمة في قرارها إلى أحكام الفصل 73 من قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال، والفصل 141 مكرر من مجلة الإجراءات الجزائية المتعلق بإمكانية إجراء المحاكمة عن بعد.

أهالي المعتقلين السياسيين منعوا من الدخول للمحكمة وكذلك جرى منع بعض الصحفيين (الجزيرة) تداعيات مقلقة

ومنذ فبراير/شباط 2023 شنَّت قوات الأمن حملة مداهمات طالت سياسيين ورؤساء أحزاب بارزين بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، بينهم رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، والأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، وغيرهما من المعارضين.

ويحاكم المتهمون بموجب قانون الإرهاب الذي يتضمن نصوصا قانونية صارمة تصل أحكامها للإعدام والمؤبد، ما يطرح تساؤلات حارقة حول مستقبل الصراع السياسي في تونس بين السلطة والمعارضة وتداعياته على مصير المعتقلين السياسيين.

ويرى مراقبون أن تداعيات هذه القضية قد تكون سلبية على مستوى سمعة تونس في الأوساط الدولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، معتبرين أنه في حال استمرار المحاكمات بهذا الشكل، قد يتزايد القلق بشأن تحوّل تونس من مسارها الديمقراطي لآخر استبدادي.

ويرى حقوقيون استمرار المحاكمات بهذا الشكل، قد يقوِّض الثقة تماما في النظام القضائي ويحدث مزيدا من القمع للحركات السياسية المعارضة، ما يضعف قدرة الأحزاب والمنظمات الحقوقية على العمل بحرية في تونس.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المعتقلین السیاسیین المحاکمة عن بعد قاعة الجلسة فی تونس

إقرأ أيضاً:

المحكمة تشرع في محاكمة المنتدبة القضائية ومقاول بتهم ثقيلة

تحرير : زكرياء عبد الله

 

استأنفت المحكمة الابتدائية بالرباط، مساء الاثنين الماضي، محاكمة منتدبة قضائية ومقاول متورطين في فضيحة تسريب أكثر من 70 مراسلة تخص المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة ووزارة العدل.

وتم تأجيل الجلسة إلى 21 أبريل الجاري بعد أن طالب الدفاع بإدراج الدفوعات الشكلية التي تركزت على خروقات شابت التحقيق. المقاول المتهم، الذي شغل سابقاً رئيس ما يسمى بالهيأة الوطنية لتقييم تدبير الشأن المحلي ومحاربة الفساد، أصر على التظاهر بتدهور حالته الصحية ولا يستطيع متابعة الجلسة، نتيجة إيقافه قبل تسعة أشهر، لعرقلة سير المحاكمة.

ويتابع المتهم رفقة الكاتبة الخاصة سابقا للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط، إثر تسريب الثانية للأول، العشرات من المراسلات بين الرئيس الأول ووزير العدل وأيضا مع الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورؤساء مؤسسات دستورية أخرى، قصد الاطلاع عليها واستغلالها لتحقيق منافع شخصية.

وفضحت الخبرة التقنية المجراة على ثلاثة حواسيب محمولة في ملكية الموظفة ووحدتين مركزيتين لحاسوب بمحكمة الاستئناف الإدارية، عن احتفاظ الموظفة بما يزيد عن 70 مراسلة وقرارا وشكاية، وتسريبها لفائدة رئيس الهيأة الوطنية لتقييم تدبير الشأن المحلي ومحاربة الفساد، ضمنها تقرير لجنة تفتيش تسلسلي للمحكمة الإدارية بوجدة في 2015، موجه من الرئيس للوزير. وحاول المقاول المتهم استغلالها لتحقيق مصالح شخصية.

كما أظهرت التحقيقات اتصال المتورطين بموظفين آخرين بالمحكمة بطرق احتيالية انتحل خلالها مرة صفة بأنه قاض بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وأمرها بتحويل المكالمة للحديث مع الرئيس الأول السابق، وبعدما أخبرته الموظفة أنه في رخصة إدارية، أمرها بتحويل المكالمة لنائبه الأول، لكنه لم يكن موجودا بمكتبه.

بعد مرور 45 دقيقة، تلقت الموظفة نفسها مكالمة أخرى من نفس المتصل، الذي قدم نفسه على أنه عميد في الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. طلب منها تحويل المكالمة إلى الرئيس أو نائبه، وبالفعل تحدث مع النائب الذي استفسره عن سبب المكالمة. أثناء الحوار، طلب المتصل المزور من المسؤول القضائي الحصول على معلومات بشأن موظفتين في المحكمة، وسأله إن كانتا موجودتين في مكتبيهما. فرد النائب بأن توفير تلك المعلومات يتطلب إذنًا من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط، فأجاب المتورط أنه سينتظر التعليمات القضائية الجديدة.

الشرطة القضائية اجرت تحليلاً رقميًا على الأجهزة الحاسوبية الخاصة بالموظفة، مما ساعد في فك خيوط القضية وتقديم المتهمين للمحاكمة. الموظفة تواجه اتهامات بالتزوير وانتحال الصفة، بينما يواجه المقاول تهمًا مماثلة تشمل التزوير واستغلال المراسلات المسربة.

مقالات مشابهة

  • تونس.. احتجاجات المحامين ترفع الجلسة الثانية في قضية «التآمر»
  • غضب بين أهالي معتقلي التآمر في تونس بعد منعهم من حضور جلسات المحاكمة (شاهد)
  • استئناف جلسات المحاكمة في قضية التآمر بتونس
  • جلسة ثانية في تونس لمحاكمة معارضين متغيبين بتهمة "التآمر على امن الدولة"  
  • غضب بين أهالي معتقلي التآمر بتونس بعد منعهم من حضور جلسات المحاكمة (شاهد)
  • الأمن التونسي يمنع فعالية تحاكي محاكمة معتقلي ملف التآمر
  • المحكمة تشرع في محاكمة المنتدبة القضائية ومقاول بتهم ثقيلة
  • تعثر بدء محاكمة شيماء صاحبة صفعة قائد تمارة بعد خلافات بين محاميها
  • تظاهرات حاشدة في تونس ضد قيس سعيّد وإضراب عن الطعام للمعتقلين السياسيين