الثورة / متابعات

في قطاع محاصر يختنق تحت الركام، لم يعد العطش مجرد معاناة يومية، بل تحول إلى تهديد وجودي يُهدد حياة السكان. غزة، التي ترزح تحت نير حرب متواصلة منذ أكثر من عام ونصف، تواجه اليوم إحدى أشد الأزمات الإنسانية في تاريخها، بعد أن أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على قطع شبه كامل لإمدادات المياه، في تجاهل صارخ لجميع الأعراف والاتفاقيات الدولية.

وسط دمار البنية التحتية، وانهيار محطات التحلية، وشحة الوقود، أصبح الوصول إلى الماء تحديًا يوميًا لأكثر من مليوني إنسان.

هذه ليست مجرد أزمة خدمات، بل مشهد متكامل لمأساة يخطط لها لتجفيف الحياة من جذورها.

استهداف ممنهج للبنية التحتية للمياه

قطاع غزة يعاني من أزمة عطش غير مسبوقة بعد قيام الاحتلال الإسرائيلي بقطع الإمدادات الرئيسية للمياه وتعطيل محطات التحلية ومنع دخول الوقود والمساعدات، خط “ميكروت” الذي يغذي مدينة غزة بنسبة 70% من احتياجاتها المائية تم إيقافه بشكل متعمد بعد أن مرّ عبر حي الشجاعية شرق المدينة، كما دُمّرت شبكات المياه والآبار بفعل الغارات المستمرة، ما أدى إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية المائية.

الاحتلال لم يكتفِ بقطع الإمدادات بل استهدف عمدًا المرافق الحيوية وشبكات التوزيع، ما جعل توفير المياه مهمة شبه مستحيلة.

انهيار حصة الفرد من المياه

وتشير تقارير فلسطينية رسمية إلى تراجع حصة الفرد من المياه من 84.6 لتر يوميًا قبل الحرب إلى ما بين 3 -15 لترًا فقط حاليًا، وهي كميات لا تغطي الحد الأدنى للبقاء.

الكميات المتوفرة حاليًا لا تتجاوز 10 – 20 % من احتياجات القطاع وتعتمد على توفر الوقود لتشغيل الآبار ومحطات التحلية المحدودة، النقص الحاد بالمياه أجبر السكان على الوقوف في طوابير طويلة للحصول على كميات محدودة، فيما أصبحت مشاهد نقل المياه في خزانات بدائية واقعًا يوميًا يعيشه أكثر من مليوني إنسان.

بلدية غزة تحذر وتطلق مناشدات عاجلة

بلدية غزة أكدت أن خط “ميكروت” الذي يمر عبر المنطقة الشرقية لحي الشجاعية قد توقف عن العمل نتيجة التوغل العسكري الإسرائيلي، مشيرة إلى أنها تجري تواصلاً مع الجهات المختصة لمحاولة الوصول إلى موقع الخط ومعاينته تمهيدًا لإعادة تشغيله.

البلدية دعت السكان إلى ترشيد استهلاك المياه وأعلنت عن توزيع كميات محدودة عبر شاحنات وخزانات متنقلة بالتعاون مع لجان الأحياء وأصحاب الآبار الخاصة.

كما أكدت أنها تبذل ما بوسعها لتوفير الحد الأدنى من المياه رغم محدودية الإمكانات واستمرار العدوان.

دمار واسع في مرافق المياه والصرف الصحي

الإحصاءات تفيد بتدمير 39 بئرًا بشكل كامل وتعرض 93 بئرًا لأضرار جسيمة، ولم يعد يعمل سوى 17% فقط من أصل 284 بئرًا جوفيًا.

كما تعرضت 67% من مرافق المياه والصرف الصحي للتدمير، وتوقفت 80% من آليات البلدية عن العمل، بما فيها مضخات المياه ومعدات المعالجة.

ومع توقف 95% من محطات التحلية الدولية بسبب انقطاع الكهرباء، بات الوصول إلى مياه نظيفة تحديًا وجوديًا في قطاع غزة، مما يهدد بانهيار صحي واسع النطاق.

تحذير من كارثة إنسانية

المقررة الأممية الخاصة فرانشيسكا ألبانيز صرّحت بأن انقطاع الكهرباء يعني توقف تام لمحطات التحلية مما ينذر بإبادة جماعية، بينما اتهمت منظمات دولية كهيومن رايتس ووتش وأوكسفام الاحتلال باستخدام المياه كسلاح حرب من خلال حرمان السكان من الحد الأدنى الإنساني للحياة والذي يتراوح بين 15 و20 لترًا يوميًا حسب منظمة الصحة العالمية.

مشاهد مأساوية

اضطر آلاف السكان إلى استخدام مياه البحر لأغراض الغسيل والاستحمام، كما حاول بعضهم تحليتها بطرق بدائية كالتبخير عبر الحطب دون جدوى تُذكر.

مشاهد شاحنات المياه غير المعقّمة، والطوابير الطويلة لملء خزانات متهالكة، تنقل صورة حية لكارثة إنسانية تهدد القطاع بالكامل، في ظل غياب الأفق وغياب أي تدخل دولي فعال حتى الآن.

استمرار الحصار، ومنع دخول المعدات الثقيلة ومواد البناء، يعرقل أي محاولة لترميم ما تبقى من شبكات المياه، ويزيد من احتمالية تفشي الأمراض مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الكثافة السكانية نتيجة النزوح المتكرر.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: یومی ا

إقرأ أيضاً:

الاحتلال تحت الحصار الإعلامي.. الأمم المتحدة تكشف زيف روايته في غزة

نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، مقالا، للمدير السابق للمركز القومي للمعلومات، ومؤلف كتاب "11 يومًا في غزة"، غادي عيزرا، قال فيه: "الرواية السائدة في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة أن دولة الاحتلال ترتكب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وتجويعهم، وإساءة معاملة أسراهم".

وأوضح عيزرا، في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "هذا ما ما قرّره مجلس حقوق الإنسان قبل أيام فقط، ويبدو هذا ظاهريًا تصريحًا آخر معاديًا لدولة الاحتلال، كما جرت العادة منذ بدء العدوان على غزة قبل عام ونصف".

وتابع: "رغم ما تبذله دولة الاحتلال من جهود كبيرة في تسويق دعايتها المُضلّلة الخاصة باستمرار العدوان على غزة، لكنها في الوقت ذاته تصبّ جام غضبها على المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، بزعم أنها لا "تشتري" البضاعة الاسرائيلية، ولا تتعامل معها، وتركز على أن الاحتلال هو، وهو فقط، المتهم بارتكاب الجرائم ضد حقوق الإنسان".

وأردف: "تعمّد المؤسسات الدولية تغييب السردية الاسرائيلية عن الأحدث، وتبنّي الرواية الفلسطينية، ليس مجرد جرأة، لأنه لا يتم إصدار مثل هذه التصريحات عن طريق الخطأ، بل نحن أمام نهج متبع، وتوسع استخدامه في الأشهر الأخيرة باستعداء دولة الاحتلال في التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية".

وأبرز مؤلف كتاب "11 يومًا في غزة" أنّ: "الفكرة منها إلقاء اللوم عليها بسبب الأفعال التي تتهم بارتكابها، بهدف إقامة تناسق وهمي بين الاحتلال والمقاومة تمهيدا للمساواة بينهما".

وضرب على ذلك مثالا أنه: "في تقرير أخير صادر عن مجلس حقوق الإنسان نفسه، تبين أن جنود الاحتلال يُقيّدون المواليد الفلسطينيين، وفي مقابلة مع رئيس دولة الاحتلال، يتسحاق هيرتسوغ، قبل بضعة أسابيع، قارن مقدم البرامج في هيئة الإذاعة البريطانية -بي بي سي- الصور القاسية لإطلاق سراح المختطفين الاسرائيليين من غزة، بظروف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، كما ذكر محامو محمود خليل، زعيم الاحتجاج في جامعة كولومبيا، أنه شعر بأنه قد "اختطف" من قبل السلطات الأمريكية".


وأوضح أن "هناك العديد من الأمثلة التي تشهد على نفس التماثل من جانب مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في تقاريرها المعادية للاحتلال، حيث أعلن فيليب لازيريني، مفوض عام الأونروا، التي يتلقى الفلسطينيون تعليمهم في مبانيها، أن ممارسات قوات الاحتلال: سوف تزرع التطرف في جيل كامل من الأطفال في غزة".

وأكد أنّ: "القاسم المشترك بين هذه الأمثلة أنها لا تنتمي لأجهزة الدعاية المعتادة المؤيدة للفلسطينيين، بل مؤسسات دولية أممية، وهذا ليس صدفة، بل هي مواقف مقصودة ومخصصة، والمعنى العملي هنا أن دولة الاحتلال يجب أن تفهم أنها ستبقى ملاحقة بالأسلحة المعلوماتي المتوفرة في غزة، من خلال توجيه الاتهام لها نفسها بارتكاب الجرائم ضد الفلسطينيين فيها".

واختتم بالقول: "هي مطالبة بأن تستعد لمواجهة مثل هذه المنهجية، والنتيجة أن تجدد العدوان على غزة سيطرح العديد من التحديات عليها، المتمثلة في الرواية والسردية والاتهامات".

مقالات مشابهة

  • انفجارات عنيفة تهز مخيم نور شمس والاحتلال يضغط لإخراج السكان من منازلهم
  • الاحتلال الاسرائيلي يحول المياه في غزة الى أداة سلاح قتل بطيء 
  • الأبيض تحت القصف المستمر: رعب يومي وموت يلاحق السكان رغم “فك الحصار”
  • سلاح حزب الله قد يدخل بلداً عربياً.. تقرير إسرائيليّ يكشفه
  • تصعيد يفاقم الأزمة الإنسانية.. إسرائيل تعتزم توسيع عمليات الاجتياح في غزة
  • حكومة غزة: إسرائيل تحول المياه إلى سلاح قتل بطيء للفلسطينيين
  • عن نزع سلاح حزب الله.. هذا ما قاله خبير إسرائيليّ
  • الحصار البحري اليمني يفاقم أزمة الشحن لدى العدو الصهيوني: ارتفاع التكاليف وتأخير البضائع وتوقف ميناء أم الرشراش
  • الاحتلال تحت الحصار الإعلامي.. الأمم المتحدة تكشف زيف روايته في غزة
  • غزَّة تحت الحصار.. حين يتحوّل التجويع إلى سلاح حرب