رغم التحديات.. جودة تعليم مميزة للمدارس الإسلامية في هولندا
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
حققت العديد من المدارس الإسلامية في هولندا نجاحا كبيرا، ونال بعضها مراكز متقدمة في التصنيف السنوي الذي تُجريه هيئة التعليم في البلاد للمدارس الابتدائية، رغم التحديات التي تواجهها على صعيد العمل.
وفي 19 يونيو/حزيران الماضي، جاءت مدرستان إسلاميتان في قائمة أفضل 42 مدرسة على مستوى هولندا، وفق تصنيف تجريه هيئة التعليم، ونشرته وكالة الأنباء الهولندية الرسمية.
وحلت مدرستا "النور" في مدينة ألفن آن دن راين (غرب)، ومدرسة "القلم" في مدينة خاودا (غرب) في قائمة التميز التعليمية في البلاد.
وأفادت مصادر محلية للأناضول، أن عدد المدارس الإسلامية وصل إلى 62 مدرسة، موزعة على 12 مقاطعة في البلد الصغير جغرافيا، والذي لا تتعدى مساحته قرابة 42 ألف كيلومتر مربع.
وتختص المدارس الإسلامية في هولندا بتدريس منهج المرحلة الابتدائية فقط، ويكون مزيج من المنهج التعليمي الهولندي، لكن تضيف عليه علم الأخلاق المستمد من الدين الإسلامي، ومبادئ اللغة العربية بدون التوسع بتدريسها.
الجودة والهويةوتهتم مثل هذه المدارس بتقديم المنهج الهولندي بحذافيره، فهي تتبع مباشرة لهيئة التعليم الهولندية، وتطبق عليها القوانين التي تسري على سائر المدارس الهولندية في البلاد.
ولم يتم بعد افتتاح أي مدرسة إسلامية للمرحلة التعليمية المتوسطة (الإعدادية)، إلا أنها خطوة مستقبلية يسعى إليها القائمون على هذه المدارس.
وبينما تبرز تحديات الاندماج للمسلمين في أوروبا، خلصت دراسة عن التعليم الإسلامي في هولندا إلى أن هذا التعليم يترسخ بقدر تعايش المسلمين في أوروبا، وفق كتاب صدر عن المركز الثقافي الاجتماعي في هولندا، يتناول مقاربة بالأسس الاجتماعية لمناهج التعليم الإسلامي في أوروبا معتمدا التعليم الإسلامي في هولندا نموذجا.
وتناول مختص التعليم الإسلامي بهولندا محسن الزمزمي في كتابه السياق الثقافي الاجتماعي الذي احتضن نشأة وتطور التعليم الإسلامي، وقوفا عند مرحلة التأسيس وما صاحبها من حرص على المحافظة على الهوية للأجيال الأولى من المهاجرين، ثم ما تلاها من تحدي البحث عن الجودة للأجيال الجديدة.
ويرى الكاتب أن مطالب هذا الجيل الجديد تغيرت، ولم يعد يكفيه مجرد البحث عن الهوية، بل يطمح إلى تحقيق التمازج بين الحفاظ على الهوية والجودة التعليمية.
التوزيع الجغرافي وماهية المنهجونظرا لصغر مساحة هولندا جغرافيا، فإن توزيع المدارس الإسلامية في البلاد، يتيح لغالبية قاطنيها من المسلمين تسجيل أبنائهم، لقصر المسافات إلا في بعض الأحيان.
وتتكفل بعض مجالس المدن بتعويض نسبة من تكاليف المواصلات للعائلات ذات الدخل المحدود، في حين يتعين على الأهالي في حالات أخرى دفع كامل التكاليف.
وتعود أصول غالبية التلاميذ المسجلين في المدارس الإسلامية في هولندا إلى نحو 20 جنسية، تتصدرها الجنسيتان التركية والمغربية، وهما الجاليتان المسلمتان الأقدم في هولندا والأكثر عددا.
كما تضم هذه المدارس طلابا من جنسيات أخرى بينها العربية والأفريقية والفارسية.
القانون والرقابةتلتزم المدارس الإسلامية في هولندا بقوانين التعليم، أولها أن الهولندية هي لغتها الرسمية، كما تغلق أبوابها في كافة المناسبات والعطلات الرسمية الهولندية، إضافة إلى منح عطلات في عيدي الفطر والأضحى.
وتعرضت لجملة من حملات النقد والكراهية من قبل الأحزاب المتطرفة في هولندا، التي دعت في أكثر من مناسبة إلى إغلاقها، وعدم منح تراخيص لافتتاح مدارس جديدة مماثلة.
بيد أن امتثال الكوادر التعليمية والإدارية العاملة فيها للقانون والتعليمات الرسمية من الدولة، أفشل كل تلك المساعي.
التحديات والهواجسوحول التحديات التي تواجه المدارس الإسلامية في هولندا، أكد عبد الكريم الصالحي مدير مجموعة مدارس "الأمانة" الإسلامية (عددها 12 مدرسة)، أن التحدي الأبرز للمدارس الإسلامية "يظهر من داخل المجتمع الإسلامي نفسه، إذ يفتقر (بعض) مسلمي هولندا إلى النظرة العميقة للمعلومات المتعلقة بالمدارس الإسلامية".
وقال "تكاد تكون معلوماتهم حول المدارس الإسلامية شحيحة للغاية، ولذلك نعاني من فجوة فاصلة بين الطرفين".
واعتبر الصالحي في حديثه للأناضول، أن عزوف بعض المسلمين عن إلحاق أبنائهم بالمدارس الإسلامية "يعود لقلة التواصل بين الجانبين".
أما فيما يتعلق بالتحدي الثاني الذي تواجهه هذه المدارس، فقد أشار الصالحي إلى "خطاب الكراهية الذي تتبناه الأحزاب العنصرية"، لا سيما حزب "من أجل الحرية" الذي يتزعمه اليميني المتطرف خيرت فيلدرز.
وأضاف "يعتبر أصحاب هذا الفكر (اليميني) أن المدارس الإسلامية لا تتماشى مع الثقافة الهولندية، وأنها غريبة عن عادات المجتمع الهولندي، لذلك يطالبون بإغلاقها".
وتابع "المدارس الإسلامية ملتزمة بالقانون، وتعمل تحت سقف الأنظمة والقوانين الهولندية".
وفي السياق، تحدث الصالحي عن تحد ثالث يقف عقبة أمام منهجية المدارس الإسلامية، وهو "الحرية المطلقة التي تطالب السلطات الهولندية بمنحها للتلاميذ، وعدم إجبارهم على اعتناق أي ديانة".
وأردف "نحن مطالبون من قبل هيئة التعليم الهولندية بعدم التدخل في حرية المعتقد والثقافة لدى التلاميذ، وهذا الأمر يتطلب منا احترام القانون في البلد الذي نعيش فيه".
وتمنع السلطات الهولندية جميع أولياء الأمور، سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك، من إجبار أبنائهم على اعتناق ديانة بعينها، أو تبني ثقافة محددة، وتعاقب كل من يخالف هذا القانون بعقوبات متفاوتة تصل أحيانا إلى سحب الوصاية عن الأطفال في حال وجود أدلة تثبت إرغامهم (ذكورا وإناثا) على اعتناق أي فكر ديني أو ثقافي.
الرؤية المستقبليةوحول الرؤية المستقبلية لهذه المدارس، أفاد الصالحي بوجود مساع حقيقية لافتتاح أول مدرسة إسلامية في هولندا للمرحلة الإعدادية، في مدينة أوترخت، قرب العاصمة أمستردام.
ورأى أن تلك الخطوة ستفيد في تعليم الطلاب اللغة العربية، حيث إن السلطات الهولندية تمنع تدريس اللغة العربية بالمدارس الابتدائية بشكل موسع، و"من ثم سوف تكون هذه المدرسة (في حال إنشائها) معنية بتدريس العربية لتلاميذ الجاليات المسلمة في هولندا".
ارتياح وإنجازويشعر أولياء الأمور بارتياح حقيقي، إزاء التحاق أبنائهم بالمدارس الإسلامية في هولندا، ويعتبرونها "فرصة ثمينة لتعليم أبنائهم مبادئ الدين الإسلامي".
ووفقا لشهود عيان، لا يُمانع بعضهم بتكبد الجهد الناتج عن إلحاق أبنائهم بهذه المدارس، حتى لو تكبدوا مشقة المسافات الفاصلة بين موقع المدرسة ومكان سكنهم.
وقال عدنان الكيلاني، ولي أمر أحد التلاميذ في مدرسة "الحبيب" الإسلامية بمدينة ماسترخت (جنوب)، إن الأسر "بدأت تجني ثمار إرسال أبنائها إلى تلك المدارس، وهناك حالة ارتياح واضحة".
وأشار الكيلاني في حديثه للأناضول إلى النتائج المرضية التي حصلوا عليها، أبرزها إتقان الأبناء لمبادئ اللغة العربية وأخلاق الدين الإسلامي، معتبرا ذلك "إنجازا كبيرا".
وأضاف "التلاميذ أصبحوا على دراية كبيرة بمبادئ الإسلام، وعلم الأخلاق، والمناسبات الإسلامية، بالإضافة إلى اندماجهم في المجتمع الهولندي الذي يعيشون فيه".
وحول الأسباب التي تدفع الأهالي لتسجيل أبنائهم في تلك المدارس، أكد الكيلاني أن السبب الأهم "أن هذه المدارس نالت مراتب متميزة في التعليم والأداء على مستوى هولندا، وفي الوقت ذاته تدرّس المنهج الهولندي، بطريقة احترافية متميزة".
ورأى أن منهجية المدارس الإسلامية في هولندا "شكلت حافزا مهما للأهالي، وأدركوا قيمتها عندما بدؤوا يشاهدون أبناءهم وهم مهتمون بالتقاليد الهولندية والعربية على حد سواء".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: التعلیم الإسلامی اللغة العربیة هذه المدارس فی البلاد
إقرأ أيضاً:
«المشاط»: معدلات التشغيل وتنمية مهارات الشباب أحد أكبر التحديات التي تواجه قارة أفريقيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى مجموعة البنك الدولي؛ كلمة محافظي مجموعة الدول الأفريقية لدى البنك، وذلك خلال اجتماع المجموعة مع أجاي بانجا، رئيس مجموعة البنك الدولي. جاء ذلك خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والمنعقدة بواشنطن حتى 26 أبريل الجاري.
التحديات التي تواجه أفريقيا
وفي كلمتها، أشارت الدكتورة رانيا المشاط إلى أحد أكبر التحديات التي تواجه أفريقيا، وهي ضرورة ضمان وجود مسارات رئيسية لخلق فرص العمل وتجهيز القوى العاملة بالمهارات اللازمة التي تتطلبها السوق، لافتة إلى أن نحو ثلث الأفراد في سن العمل الذين لا يمتلكون وظائف يعيشون في أفريقيا.
وقالت «المشاط»، إنه بالرغم من الجهود التي تقوم بها مجموعة البنك الدولي لخلق فرص عمل، إلا أننا بحاجة لحجم أكبر من تلك الوظائف بما يتناسب مع التحديات الحالية، ولذلك، نحث مجموعة البنك الدولي على تعزيز أجندة الوظائف والتحول الاقتصادي من خلال بعض المسارات الحيوية، ومنها تمويل البنية التحتية المادية والرقمية، من خلال تقديم مجموعة البنك دعم إضافي في بناء وتجديد وتوسيع وتحديث السكك الحديدية، والطرق، والجسور، والموانئ والمطارات، وأنظمة إمداد المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، أنظمة الري وغيرها من البنى التحتية في مجال التكنولوجيا الزراعية، وشبكات الاتصالات الرقمية وخدمات الإنترنت، المنصات، الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ومراكز الابتكار التي ستفتح الفرص في قطاعات التكنولوجيا والخدمات.
أهمية تمويل التصنيع المحليكما أشارت "المشاط" إلى أهمية تمويل التصنيع المحلي، مطالبة كذلك بدعم مجموعة البنك الدولي لتطوير مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية، وتعزيز الصناعات المحلية مثل المنسوجات، والإلكترونيات، والكيماويات، وكذلك المصانع الخاصة بمكونات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، والتوربينات الهوائية والمائية، وأنظمة القياس.
وأكدت أن تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة تمثل كذلك فرصة رئيسية، فمن الممكن أن يقوم البنك أيضًا بدعم تلك الأنشطة، خاصة في القطاعات الاستخراجية، الزراعية، والطاقة لمعالجة المواد الخام محلياً للحفاظ على القيمة المحلية؛ وكذلك في مجالات السياحة البيئية وإدارة النفايات لتوليد فرص العمل مع الحفاظ على الأهداف البيئية، هذا فضلًا عن أهمية تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومبادرات ريادة الأعمال في أفريقيا، والتي يمكن دعمها من خلال الدعم المالي، والائتمان الميسر، والمصادر التمويلية البديلة (مثل رأس المال الاستثماري) التي يمكن أن تساعد الشركات على توسيع فرص العمل، وتمكين رواد الأعمال الأفارقة الشباب من الحصول على الأدوات اللازمة لبدء وتطوير أعمالهم الخاصة.
تقرير "مستقبل الوظائف 2025"وحول تقرير "مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يسلط الضوء على التركيز المشترك على المهارات المعتمدة على التكنولوجيا والقدرات البشرية؛ قالت "المشاط" إنه من المهم أن تكون تدخلات مجموعة البنك الدولي في مجال رأس المال البشري متعددة القطاعات وفعالة في الاستفادة من نهج التعاون المتكامل داخل مجموعة البنك الدولي، من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، موضحةً أنه بالنظر إلى أن خلق فرص العمل يتطلب قوة عاملة ماهرة، لذا من الضروري أن تقوم مجموعة البنك بتمويل برامج التدريب المهني والإرشاد لتمكين الأفراد والمجتمعات من تلبية احتياجات الصناعة، مما سيحول الوظائف غير الرسمية إلى رسمية، ويعزز الديناميكية الاقتصادية.
وأوضحت "المشاط"، أنه من الضروري معالجة الحاجة إلى جمع وتحليل بيانات دقيقة وقوية لدعم اتخاذ القرارات السياسية والتنموية، مطالبة مجموعة البنك الدولي بتسريع تنفيذ وتقديم البيانات والتحليلات الجديدة ضمن "جدول أعمال المعرفة" لمواكبة التطورات الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية. ولفتت إلى أنه استنادًا إلى تحليل مجموعة البنك الدولي نفسه، يجب أن نأخذ في الاعتبار نتائج تقرير التنمية العالمية لعام 2023 حول "المهاجرين، واللاجئين، والمجتمعات" للتأكيد على الحاجة إلى إدارة فعالة للهجرة الاقتصادية للمساعدة في موازنة التباينات السكانية وضمان التنمية المستدامة.
وفي ختام كلمتها؛ أكدت "المشاط"، أن نجاح هذه المسارات يتطلب التعاون القوي، معربة عن تأييد مجموعة محافظي الدول الأفريقية استمرار تعاون مجموعة البنك الدولي مع "مختبر استثمارات القطاع الخاص" و"المجلس الاستشاري رفيع المستوى المعني بالوظائف" لتطوير وتنفيذ الأدوات المبتكرة وأدوات تقليل المخاطر، مع ضمان تحديثات منتظمة وتواصل شفاف، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات والفرص للتعاون والتكامل من خلال منصات التمويل المشتركة الحالية والجديدة.