المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
الشيخ: بيت آبائي وأجدادي مذ أقامه القطب الأول..
- أقيم بأموال المريدين كسائر العمارات الشاهقة في وسط المدينة.
- قاتل الله الحقد والحسد.
- انهما وقود الحق إذا اختل الميزان.
- وقودنا الحب وحده.
- ذلك يا سيدي أنك لم تذق عض الجوع ولا ضراوة الكدح ولا رهبة القوة الغشوم.
- اذن فهذه هي المسألة!
- المسألة؟!
- انكم تريدون نقوداً؟!
- بمعنى ما، ولكننا لا نريد رشوة.
- ماذا تريدون؟ صارحوني كما وعدتم.
- ليس في عقولنا مطالب أوضح مما نطقت به شكاوانا...
يريحنا أحياناً أن نطالب بنقيض ما هو قائم!
- لا يخلو كلامكم من خدر هو التمويه نفسه. حسن، إني أشم رائحة فوضوية!
- لا تهمنا الأسماء، وفي الوقت نفسه فهي لن تخيفنا.
- لعلكم تحلمون بالقتل؟
- القتل؟!
- بدأتم بالسخرية وستنتهون بالدم.
- أحلامنا تحوم حول هدف واحد هو التقدم...
الأسس الوجودية والمعرفية
تعتبر الواقعية بمثابة الأساس الأنطولوجي للفلسفة الوضعية. والواقعية تنظر إلى الواقع أو الي الوجود على أنه مستقل بذاته وخارجي عنا أو عننا هناك أي أنه موضوعي وجودياً. واستخدام مبادئ العلوم الطبيعية في دراسة الواقع الاجتماعي يعني، ضمنياً، الايمان بأن الحقيقة أيضاً قابلة للقياس. وتأثير هذا الجانب من الحقيقة على دور الباحث هو تأثير المراقب والمشاهد.
الباحث والوجود الذي يسعى الباحث إلى دراسته، كلاهما مستقلان عن بعضهما البعض. والحقيقة دائماً "موجودة"، ولكنها منفصلة عنه أي عن الباحث، ولذلك نقول عنها موضوعية، بعيدة عن ذات الباحث عنها أو الدارس لها، ويمكن لهذا الباحث اكتشافها باستخدام المنهج العلمي دون ربط كيانه بكيانها أو ذاته بذاتها أو يتوحدان في بعضهما البعض أي لا يكون هناك حلوليه في بعضهما البعض.
وقد وجد كروتي Crotty (1998) وفي الوقت المناسب تماماً، هذه الرابطة التي تربط الباحث بالواقع أو بالوجود في هذه الحروف التاليات:
"الشجرة في الغابة هي شجرة، بغض النظر عما إذا كان أي كائن آخر مدرك لها أو مدرك لوجودها أو على علم بوجودها أم لا. ككائن من هذا النوع، فإنه يحمل المعنى الجوهري للشجرة، تلك النبات في نوعها. وعندما يتعرف عليها البشر على أنها شجرة، فإنهم ببساطة يكتشفون معنىً كان موجوداً، وكان في انتظارهم طوال الوقت."
لذا، فإن الواقع أو الحقيقة موجودة بالفعل هناك، هناك في الخارج، ويتطلب من الباحثين اكتشافها "هذه الحقيقة" كما تبدو، وكما تعرض هي نفسها، وأيضاً لابد أن نعرف بأن الباحثين ليسوا مُنشئين للمعني أو لمعناها كشيء أو ككائن موجود، ولكنهم فقط مكتشفون لمعنى موجود بالفعل.
تم تطبيق كلمة الموضوعانية أو الموضوعية لشرح وتفسير هذه العلاقة المحايدة الموضوعية والمنفصلة وذاك الجوهر المستقل والخارجي للواقع أو للحقيقة أو للوجود. وتشكل هذه الموضوعية أيضاً الأساس المعرفي لهذه الفلسفة الوضعية.
الوضعية من حيث المكونات الأساسية الأربعة للنموذج
وهكذا، من حيث المكونات الأساسية الأربعة للنموذج، لنموذج الفلسفة الوضعية،
• يقال إن نظريتها المعرفية موضوعية،
• ويقال بأن واقعها الأنطولوجي "بسيط"،
• وعن منهجيتها بأنها تجريبية،
• وبديهياتها خيرية أو منفعية.
مرة أخرى، يجب أن يساعد تفريغ كل عنصر من هذه العناصر الباحث أو الدارس على فهم هذا النموذج بشكل أفضل وبشكل أمثل وبشكل أكثر من رائع.
وتؤمن نظرية المعرفة الموضوعية أن الفهم البشري يمكن الوصول إليه من خلال تطبيق واستعمال المنطق والعقل. ويظهر جلياً بأنه من خلال الدرس والدراسة، يمكننا الحصول على المعرفة، والتي تقترب تدريجياً من الطبيعة الحقيقية لما نفحصه ولما ندرسه. بمعنى آخر، يمكن أن يساعد البحث في اكتساب الفهم وفي زيادته كذلك، ويجعلنا أكثر موضوعية وحيادية في فهم العالم الذي نعيش فيه ونلهو ونلعب بين ذراعيه وفي أحضانه.
يفترض علم الوجود الملاحي الواقعي بقبول المعتقدات الخمسة التالية:
• وجود عالم مادي.
• يمكن معرفة بعض العبارات والتفسيرات المتعلقة بهذه الأشياء بأنها حقيقية من خلال التجربة الحسية.
• هذه الأشياء موجودة، سواء تم إدراكها أم لم يتم إدراكها. ويُفترض أن تكون كائنات الإدراك أو الكائنات المدركة مستقلة في الغالب عن الإدراك نفسه.
• يمكن أن تحتفظ هذه الكائنات بخصائص الأنواع التي نراها تتمتع بها، حتى عندما لا يتم ملاحظتها أو مشاهدتها. بمعني أن ميزاتها مستقلة عن الإدراك.
• من خلال الحواس، نفهم العالم بشكل مباشر، وكما هو بالضبط إلى حد كبير جداً. وفي الأساس، رغباتنا في الحصول على المعرفة مبررة ولها ما يبررها.
يعني مكون المنهجية التجريبية أن البحث سيشمل استخدام متغير واحد لتحديد ما إذا كانت التغييرات في هذا المتغير تؤدي إلى تغييرات في متغير آخر. المتغير السابق يسمى المتغير التوضيحي أو المتنبئ، والمتغير الأخير يسمى المتغير الموضح أو المتغير التابع.
ولا يمكن تطبيق هذه المنهجية إلا إذا استطعنا التحكم فيما سيحدث للمتغيرات أو المشكلات التي نتحرى عنها أو تلك التي ندرسها. ويتسلح الدارسين بهذا الضبط او بهذا التحكم ويساعدهم في عملية اختبار الفرضيات ومن ثم قبولها أو رفضها. تنسب المنفعة البديهية (The beneficence axiology) إلى الشرط الأساسي الذي يجب أن تهدف جميع الدراسات إلى تحقيقه من نتائج غنية وجيدة له:
• مشروع البحث،
• الإنسانية بشكل عام،
• المشاركون في البحث
كما يتضمن أيضاً حرص البحث على تجنب أو على الأقل تقليل أي خطر أو ضرر أو خطأ قد يحدث أثناء البحث وخلال الدراسة.
كيف يمكن تعريف الفلسفة الوضعية؟
تعتبر الفلسفة الوضعية بمثابة مفهوم يشكل اتجاهاً فلسفياً موجهاً نحو العلوم الطبيعية. وهي تحاول الحصول على نظرة مشتركة للكون أو للوجود (الأحداث المادية والبشرية)، من خلال استخدامات التقنيات وتوسيع النتائج التي اكتسبت من خلالها العلوم الطبيعية مكانتها المثالية في دنيانا المعاصرة.
منهجياً، يُفهم المفهوم الإيجابي أو الوضعي كمفهوم معارض جدلياً للتجريدات الميتافيزيقية للفلسفة التقليدية التي سبقته في المراحل.
فالوضعية هي فلسفة العلم أو فلسفة العلوم. إنها طريقة فلسفية أكثر منها مجرد نظرية. إنها تلك الفلسفة التي تؤمن بأن تناول تفسير الكون يعتمد على التجربة الإنسانية المحضة. وتؤكد على استخدام المنهج العلمي للعلوم الطبيعية في دراسة العالم الاجتماعي.
وتهتم الفلسفة الوضعية باستخدام المنهج العلمي المستخدم من قبل علماء الطبيعة وعلماء الاجتماع في معرفة السلوك البشري. ويمكن أن تعود فكرة الفلسفة الوضعية إلى بيكون (Bacon) وبيركلي (Berkeley) ولوك (Locke) وهيوم (Hume).
قبل "كونت"، أوصى القديس سيمون (Simon) أيضاً بهذه الفلسفة الوضعية. واقترح إعادة الهيكلة العلمية للمجتمع وتعزيز العلم، حيث كان يعتقد أن النمو او التنمية مبنية عليها. إن فكرة الوضعية المقدمة في شكل جنيني في ذهن القديس سيمون ومن بعده كونت وسعت هذه الفكرة وأغنتها.
لقد جلبت لنا الفلسفة الوضعية ثورة عظيمة أو نهضة مشهودة في مجال العلوم الاجتماعية. لقد وحدت الإيمان بالتقدم، والشغف بمساعدة ولمساعدة الإنسانية. إنها تعتمد على فكرة أن البحث العلمي للتاريخ من شأنه أن يُظهر طريقة علاج أمراض المجتمع وتمضيض وتطبيب جراحه المثخنة. لقد حدد أو عرف العديد من الأفراد ومن الأشخاص الفلسفة الوضعية على مر السنين وعلى مر الدهور، فعلى سبيل المثال، هم يشيرون إلى أن الوضعية تتضمن عقيدة أو مذهب من أربع قواعد:
1. قاعدة الظواهر التي تؤكد وجود التجربة الوحيدة؛ ويجب رفض كل التجريدات سواء كانت "جوهرية" أو كانت "روحية".
2. قانون الاسمية - الذي يؤكد أن الكلمات والتعميمات والأفكار هي ظواهر لغوية ولا تمنح مقاربة جديدة للعالم؛
3. فصل الحقائق عن القيم.
4. وحدة التقنية العلمية.
ويُعرّفها كل من بوريل ومورجان (Burrell and Morgan) (1979) على أنها نظرية المعرفة "التي تسعى إلى توضيح وتخمين ما يحدث في العالم الاجتماعي من خلال البحث عن الانتظام (تكرار حدوث الظاهرة) وعن العلاقات السببية بين العناصر المكونة له أي لهذا العالم الاجتماعي."
وتسمح لنا الأنماط المتباينة للدراسة بإدراك ظواهر متعددة ولأسباب متنوعة. وتعتمد المنهجية المختارة على ما يحاول ويجتهد المرء في القيام به، بدلاً من الالتزام بنموذج صارم محدد لا حياد عنه. لذلك، يجب أن تتماشى المنهجية المستخدمة مع الظاهرة الصارمة قيد الدراسة. قد تنطوي الظواهر المختلفة على استخدام منهجيات فريدة مميزة. ومن خلال التركيز على ظاهرة الاهتمام، بدلاً من المنهجية، والباحثين يمكنهم اختيار المنهجيات المناسبة لاستفساراتهم بأنفسهم.
... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...
bakoor501@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفلسفة الوضعیة من خلال
إقرأ أيضاً:
التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد
صدر التقرير الاقتصادي لبنك عوده عن الفصل الأول من العام 2025 بعنوان "تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد"، والذي جاء فيه أنّ الأشهر القليلة الأولى من العام 2025 شهدت تطورات سياسية واعدة، بدءاً بالانتخابات الرئاسية إلى تكليف رئيس الحكومة وصولاً إلى تأليف حكومة من ذوي الكفاءات تضمنت عدداً من الشخصيات المرموقة. لقد توافد إلى لبنان خلال الأشهر الثلاث الماضية عدد من الشخصيات الأجنبية الرفيعة المستوى وقد يكون على مشارف الحصول على المساعدة والدعم الدوليين في حال استطاع الإفادة من الفرصة التاريخية السانحة. هذا وقد أعاد المستثمرون العرب والأجانب وضع لبنان ضمن اهتماماتهم، فيما أعلن البعض عن جهوزيته للاستثمار في البلاد.
لقد ترك هذا الخرق السياسي وقعاً إيجابياً على الأسواق المالية اللبنانية. إذ شهدت سوق تداول العملات تحويلات من العملات الأجنبية إلى الليرة اللبنانية، ما ساهم في تعزيز احتياطيات مصرف لبنان من النقد الأجنبي بنحو 936 مليون دولار منذ بداية العام الحالي، بحيث عوّض عن الخسائر التي تكبدّها المركزي خلال الحرب الشاملة، لتبلغ زهاء 11.1 مليار دولار منتصف نيسان 2025. لقد قفزت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية بنسبة 167% خلال الأشهر الستة الماضية، من 6 سنت للدولار الواحد في أيلول إلى 9 سنت في 27 تشرين الثاني (تاريخ وقف إطلاق النار) إلى زهاء 16 سنت في يومنا هذا. إنّ هذه الفورة في أسعار اليوروبوندز إنما جاءت وسط رهان بأن الخروقات السياسية الأخيرة على الساحة المحلية ستمهّد الطريق أمام تطبيق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، وإعادة هيكلة الدين والقيام بمباحثات بنّاءة مع حاملي السندات. كذلك، سجّلت سوق الأسهم قفزة في الأسعار منذ إعلان وقف إطلاق النار، إلا أنّ أحجام التداول بقيت خجولة، حيث بلغ المتوسط اليومي لقيمة التداول الاسمية زهاء 1.8 مليون دولار منذ 27 تشرين الثاني 2024 داخل سوق تفتقر إلى السيولة والفعالية.
إنّ تغيّر النظام في سوريا يوفّر فرصةً ليس فقط للجمهورية العربية السورية ولكن أيضاً للمنطقة بشكل عام. فتحقيق الاستقرار في سوريا من شأنه أن يعود بالمنفعة على البلدان المحيطة، ولا سيما على لبنان. إذ سيزيد من إمكان التبادل التجاري وسيخفّض الضغوطات الناجمة عن تواجد عدد كبير من اللاجئين. وعلى العكس من ذلك، إنّ استمرار حال عدم الاستقرار من شأنه أن يسفر عن تفاقم المشاكل كالتجارة غير المشروعة، ويؤدي إلى تعاظم المخاطر الأمنية في المنطقة. هذا وإن إعادة فتح المعابر وخطوط النقل من شأنه أن يترك على الفور أثراً إيجابياً على التجارة والناتج المحلي.
إنّ احتمال السيناريو الإيجابي أصبح أكثر إمكانية في لبنان في المدى المنظور. ويفترض السيناريو الإيجابي استمرار وقف إطلاق النار، وإطلاق جهود واسعة النطاق لإعادة الإعمار، وإطلاق الإصلاحات التي طال انتظارها، والتوصل إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يؤمن الدعم الدولي. ففي حال تحققت الظروف المؤاتية لمثل هذا السيناريو، سيترفع النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي إلى زهاء 8%، وسيتراجع التضخم إلى المستويات العالمية، وستتعزز احتياطيات مصرف لبنان بشكل كبير وسيعود ميزان المدفوعات إلى تسجيل فائض أقله 4 مليار دولار. أما السيناريو الآخر فيفترض أن يستمر وقف إطلاق النار خلال العام 2025، ولكن في ظل استمرار التجاذبات السياسية الداخلية، ما سيعيق المسار الإصلاحي. وفق هذا السيناريو، سيقارب النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 2%، وستبقى احتياطيات مصرف لبنان ثابتة وسيكون ميزان المدفوعات في شبه توازن. وفق هذا المنظور الماكرو-اقتصادي، تفرض الحاجة لاستعادة الثقة تحدياً على السلطات السياسية في الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وملء الفراغات المؤسساتية بأسرع ما يمكن، واستعادة الدولة وجيشها لهيبتها ودورها، والتوافق على حلول لجميع المسائل العالقة، وإرسال الإشارات الصحيحة لمجتمع الأعمال والاستثمار بشكل عام. هذا ويبقى تحدي إعادة هيكلة المصارف هو التحدي الأبرز، والذي يتمحور حول تشريع قانون إعادة الهيكلة وقانون معالجة الفجوة المالية خلال العام المقبل، وتحديداً قبل الانتخابات النيابية في أيار 2026، والتي بعدها ستتحوّل الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
هذا وخلص التقرير إلى أنّه يجدر التوقف عند خمس تحديات اقتصادية رئيسية ذات أولوية في اعقاب الآمال الكبيرة المعقودة من قبل اللبنانيين على افاق العهد الجديد، وهي اولاً تحفيز النمو وخلق فرص العمل، حتى ينتقل الاقتصاد من وضع المراوحة إلى وضع النهوض في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، ثانياً خفض العجز الخارجي مع استمرار الاختلالات الخارجية بشكل بارز، ثالثاً التصويب النقدي اللازم وتعزيز الاحتياطيات بالعملات، رابعاً تصحيح المالية العامة التي تمثل نقطة ضعف مستمرة للاقتصاد اللبناني في الوقت الحاضر رغم التحسن النسبي المسجّل مؤخراً، خامساً إعادة الهيكلة المصرفية اللازمة وسدّ الفجوة المالية.
على مستوى القطاع الحقيقي، يعدّ تحفيز النمو وخلق فرص العمل أمرا أساسيا لتلبية المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية للبنانيين بشكل عام. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 38% منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ويشير التحليل الدقيق لمتطلبات القطاع الحقيقي والمالي إلى أن تحفيز النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي أمر ممكن من الناحية التقنية في المدى المنظور، ولكنه يتطلب بيئة سياسية داعمة وإطلاق إصلاحات هيكلية من شأنها أن تساعد على تحفيز الطلب على السلع والخدمات، وتعزيز الميزات التنافسية للاقتصاد اللبناني إلى جانب تعزيز عامل الثقة بشكل عام. فإذا عاد عامل الثقة الشامل وسط تسويات سياسية محلية وجهود الإصلاح، فسيكون هناك امكانية للناتج المحلي الإجمالي في لبنان لاستعادة مستوى ما قبل الأزمة في غضون نصف عقد تقريبا، وبالتالي تسجيل نمو إيجابي في الناتج المحلي الحقيقي لعدد من السنوات، مع ما يلحق ذلك من تأثير طبيعي على دخل الفرد والظروف الاجتماعية والاقتصادية بشكل عام. إن شروط هذا التعافي المأمول تكمن بالتأكيد على الإرادة السياسية الداخلية خلال العهد الجديد، وإرساء مناخ تسووي داخلي، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وأجندة إصلاح جذرية، وصحوة ضمير لدى العملاء الاقتصاديين المعنيين بشكل عام. والمفتاح هنا هو تحفيز الطلب الخاص، وخاصة الاستثمارات الخاصة، علماً أن الاستثمار له الأثر الأكبر على النمو من خلال التأثير المضاعف للاستثمار. ويحتاج لبنان إلى رفع نسبة الاستثمار الخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً انطلاقاً من أدنى مستوى له منذ 30 عاماً والذي يقل عن 10% اليوم. ومن شأن نمو الاستثمار أن يعزز عامل العمالة في النمو الذي يدعو إلى خلق فرص عمل لاستيعاب أكثر من 30 ألف لبناني ينضمون إلى القوى العاملة كل عام. وهذا يبرز اليوم بين القضايا الملحة، علماً أن معدل البطالة تضاعف خلال نصف العقد الماضي ليتجاوز 30%. ويتطلب تحفيز الاستثمار الخاص تحسين بيئة الأعمال من خلال خفض التكاليف التشغيلية، وتحسين سهولة ممارسة الأعمال في لبنان، إضافة الى الاستقرار السياسي والأمني المنشود.
وعلى المستوى الخارجي، فإن نموذج مواصلة العجز التجاري الكبير الذي يعتمد على التدفقات المالية الكبيرة ليس مستداماً. والأولوية هنا هي إعادة تحفيز حركة الرساميل الوافدة وخفض الواردات وتعزيز الصادرات. ومن الضروري أن تتخذ الدولة تدابير من شأنها تعزيز الإنتاج المحلي على حساب الواردات، أي تحفيز السلع البديلة للاستيراد والمنتجات الموجهة للتصدير في محاولة لتقليص العجز التجاري في لبنان. ومن المهم في هذا السياق تحسين وتوسيع نطاق برامج دعم الصادرات الحالية وإدخال برامج تحفيز جديدة تستهدف القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. ويعتمد تشجيع الإنتاج المحلي على رفع بعض الرسوم الجمركية لحماية المنتج المحلي، وإعطاء حوافز ضريبية للمنتجين المحليين، وتسويق الإنتاج المحلي في الخارج.
وعلى المستوى النقدي، هناك حاجة إلى استقرار نقدي جذري لتحقيق التعافي الاقتصادي الشامل. هناك حاجة لتعزيز احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان من خلال اللجوء إلى المساعدات الخارجية. فلسد الفجوة واستعادة الثقة، يتعين على البلاد أن تلجأ إلى الدعم الخارجي المأمول. المطلوب هو تأمين تمويل من صندوق النقد الدولي كشرط أساسي لانخراط الجهات المانحة الأخرى، نظراً لإلحاح الجهات المانحة على وجود جهة رقابية دولية لتطبيق الإصلاحات في لبنان.
وعلى مستوى القطاع العام، يشكل التصحيح المالي أهمية بالغة. فلا يستطيع لبنان الحفاظ على استقراره النقدي الذي تحقق خلال العامين الماضيين دون إجراء إصلاحات جذرية في القطاع العام. وليس أمام الدولة خيار سوى خفض احتياجاتها التمويلية المالية في المستقبل. ويجب أن يأتي التصحيح المالي من خلال التقشف في الإنفاق، وتحسين تعبئة الموارد، وسد فجوة التهرب الضرائبي، وإصلاح قطاع الكهرباء. على صعيد الإيرادات، فإن المطلوب هو تعزيز تعبئة الموارد، بمجرد أن تبدأ الحكومة العتيدة في مكافحة الفساد بجدية ليكون أي تدبير ضريبي مقبول من قبل اللبنانيين. بالتوازي مع ذلك، هناك حاجة إلى سد ما يقرب من نصف فجوة التهرب المالي، أي ما يعادل 1.0% من الناتج المحلي الإجمالي سنويًا على مدى فترة السنوات الست القادمة. ان نسبة الإيرادات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ اليوم أقل من 15% في لبنان مقابل 26% في الأسواق الناشئة و40% في البلدان المتقدمة. يعني ذلك ان هناك مجال لزيادة تعبئة الموارد ببضع نقاط مئوية لا سيما من خلال مكافحة التهرب الضريبي. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الحاجات التمويلية وتقلص حجم الدين العام ما قد يمكن البلاد من الحفاظ على نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 80٪ بعد إعادة هيكلة القطاعين العام والمالي.
وعلى المستوى المصرفي، يواجه القطاع المالي أزمة ذات طبيعة نظامية، ناجمة عن السياسات العامة التي اعتمدتها الدولة بشكل رئيسي. وتتطلب الأزمات النظامية أساليب متميزة تتجاوز تلك المستخدمة في الأزمات التقليدية أو أزمات البنوك الفردية. وعلى هذا النحو، تبرز الحاجة الملحة إلى اعتماد خطة إنقاذ اقتصادية ومالية شاملة تعتمد على مقاربة نظامية للحلول، تكون مناسبة لإعادة تأسيس دور القطاع المالي باعتباره الوسيط المالي الرئيسي في البلاد، الأمر الذي من شأنه أن يحد من الاقتصاد النقدي المتفاقم، وضمان خلق القيمة الاقتصادية المضافة التي تهدف إلى دعم النهضة الاقتصادية في لبنان. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة لخطة حكومية بدعم من صندوق النقد الدولي قادرة على المساعدة في إعادة بناء الثقة في القطاع المالي، وهو شرط أساسي لبدء التعافي الاقتصادي السريع في لبنان بشكل عام. وفي حين أن أي خطة يجب أن تتضمن بلا شك تضحيات من قبل القطاع المصرفي، والتي من شأنها أن تساهم في تغطية الخسائر، إلا أنها يجب أن تأخذ في الاعتبار القدرات المتاحة للقطاع المالي، بدلاً من إثقال كاهله بحلول خارجة عن القدرات الحالية والمستقبلية. إن إعادة التوازن المصرفي هي من مهام السلطات العامة، وعلى وجه الخصوص السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والبرلمان). وينبغي أن تكون البنوك مستعدة لأن تتعاون مع الدولة التي ينبغي أن تقود بنفسها نهج إعادة الهيكلة المنشودة بشكل عام.
وختم التقرير بالقول أنّ صياغة وتنفيذ السياسات التي من شأنها أن تستجيب للحاجات الاقتصادية والاجتماعية للبنانيين وإطلاق الاصلاحات الضرورية التي طال انتظارها يمكن أن تكون قادرة على الحد من الاختلالات ومكامن الوهن في الاقتصاد اللبناني، وتوفير دعم نسبي للاستقرار النقدي، والمساعدة على ضمان الانتقال المطلوب من حقبة الوهن الاقتصادي إلى عصر التحسن التدريجي في المستوى العام للمعيشة والرفاهية بشكل عام.
لقراءة التقرير الكامل اضغط على الرابط التالي: https://tinyurl.com/3axf5ppv
مواضيع ذات صلة الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد Lebanon 24 الحكومة الفنزويلية: العقوبات هي "حرب اقتصادية" ومسؤولة عن المعاناة التي تواجهها البلاد 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال Lebanon 24 التحديات الاقتصادية في لبنان: الواقع والآمال 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية Lebanon 24 بنك إنكلترا يثبت أسعار الفائدة عند 4.5% رغم التحديات الاقتصادية 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات Lebanon 24 الرئيس السوري: عودة سوريا إلى البيت العربي خطوة لتوحيد الصفوف لمواجهة الأزمات المشتركة ومواجهة التحديات 23/04/2025 15:38:04 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان إقتصاد قد يعجبك أيضاً رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها Lebanon 24 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:18 | 2025-04-23 23/04/2025 08:18:34 Lebanon 24 Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت Lebanon 24 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 08:00 | 2025-04-23 23/04/2025 08:00:05 Lebanon 24 Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة Lebanon 24 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:55 | 2025-04-23 23/04/2025 07:55:25 Lebanon 24 Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند Lebanon 24 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:54 | 2025-04-23 23/04/2025 07:54:28 Lebanon 24 Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية Lebanon 24 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 07:53 | 2025-04-23 23/04/2025 07:53:51 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله Lebanon 24 بالفيديو إبن سلاف فواخرجي حديث مواقع التواصل... إليكم ما فعله 08:55 | 2025-04-22 22/04/2025 08:55:22 Lebanon 24 Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل Lebanon 24 المرض نفسه يجمع كريم فهمي وياسمين عبد العزيز.. اليكم التفاصيل 12:23 | 2025-04-22 22/04/2025 12:23:47 Lebanon 24 Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة Lebanon 24 تقدمان خدمات ذات طابع غير قانوني.. توقيف سيدتين في هذه المنطقة 14:59 | 2025-04-22 22/04/2025 02:59:38 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر Lebanon 24 بعد وصول الحرارة إلى 35 درجة.. أمطار غزيرة ستضرب لبنان هذا ما كشفه الأب خنيصر 03:24 | 2025-04-23 23/04/2025 03:24:25 Lebanon 24 Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! Lebanon 24 3 خطوط جديدة.. التنقل من بيروت وإليها أصبح أسهل وأرخص! 02:30 | 2025-04-23 23/04/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 08:18 | 2025-04-23 رجي: سياسة الحكومة ترتكز على فرض سيادتها وحصر السلاح بيدها 08:00 | 2025-04-23 وفد صندوق الزكاة إختتم "زيارة مثمرة" إلى دولة الكويت 07:55 | 2025-04-23 البستاني من واشنطن: التعاون مع صندوق النقد لإجراء اتفاق واجب وضرورة 07:54 | 2025-04-23 "الخارجية" أدانت الهجوم الإرهابي في كشمير: لبنان متضامن مع الهند 07:53 | 2025-04-23 الحجار ترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الداخلي المركزي: إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية رسالة ايجابية 06:58 | 2025-04-23 بري استقبل دياب والمدعي العام التمييزي وأبرق الى الفاتيكان معزيا فيديو بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) Lebanon 24 نجا من الموت بأعجوبة.. إعلامي لبناني شهير يعترف بأنه كان سببًا في فقدان إنسانة حياتها (فيديو) 04:17 | 2025-04-14 23/04/2025 15:38:04 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24