سودانايل:
2025-04-15@05:08:09 GMT

سيرة الفلسفة الوضعية (13)

تاريخ النشر: 22nd, March 2025 GMT

د. أبوبكر الصديق على أحمد مهدي
المرحلة الثالثة - الفلسفة الوضعية
الوضعية وأوغست كونت (1798-1857)
"إذا كان ليس من الامكان أن يقال عن كونت أنه قد ابتكر علماً، فيمكن ومن الامكان أن يُقال إنه قد جعل الخلق ممكناً لأول مرة في تاريخ الانسان، وإنه لإنجاز عظيم فعلاً. علاوة على ذلك، فجدارته الاستثنائية في تحليله التاريخي وفي فلسفته في العلوم الفيزيائية تكفي لتخليد اسمه الي الأبد".

- جون ستيوارت ميل. (كونت، 2000، ص 7)
"عموماً، يُعترف الآن علناً بأن "أوغست كونت" كان من أبرز ومن أهم مجموعة من المفكرين الكبار الذين تحولوا من خلال الإطاحة بالمؤسسات القديمة في فرنسا إلى التكهنات الاجتماعية." - جون مورلي. (كونت، 2000، ص 7)
وُلد نهج البحث العلمي أو الفلسفة الوضعية في القرن التاسع عشر، وتدين هذه الفلسفة والتي تعتبر نموذجاً أساسياً لبحوث العلوم الاجتماعية لهذا الرجل الذي يحمل اسم "أوغست كونت". ويعتبر المفكر الفرنسي أوغست كونت أكثر علماء الاجتماع والفلسفة تكوينياً في العلوم في القرن التاسع عشر.
وهو أي "أوغست كونت" (1789-1857)، الفيلسوف الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره أول فيلسوف معاصر للعلم، وقد ظهر وذاع صيته إلى درجة أكثر من مميزة في تفكير الفلسفة المتعالية المتأخرة ورفاقها الرحالة في التوحيد الليبرالي. وقد اعتقد "كونت" أن مبادئ وأدوات الدراسة والبحث المستخدمة في العلوم الطبيعية يمكن أيضاً استخدامها في العلوم الاجتماعية.
وبالمثل، وفي نفس المنحى، تم اقتراح الفلسفة الوضعية من قبل الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت، الذي شرحها على أنها عقيدة تصف وتشرح الملاحظة والعقل كطريقة مثلى لمعرفة السلوك الاجتماعي أو الانساني. إنه يصر على أن المعرفة الحقيقية تعتمد على الخبرة الحسية، ويمكن فقط للملاحظة أو للتجربة تحقيق ذلك وانجازه.
وعلى نفس الموال، يستخدم الوضعيين في العلوم الاجتماعية التقنيات العلمية المطبقة في العلوم الطبيعية لدراسة ظاهرة اجتماعية، معتبريها مجردة من القيمة الذاتية، وتنسب إلى التوضيح العلمي البحت. لذلك، يدرس الدارسون ويبحث الباحثون عن العالم الاجتماعي بموضوعية ويتبنون كل تلك الأساليب التي تنسجم فيها المناهج العلمية مع الشؤون الإنسانية.
وقد اقترح الباحثون عدداً كبيراً من النماذج ولكن كاندي (Candy) (1989)، أحد الرواد في هذا المجال، اقترح بأنه يمكن أن يكون لديهم جميعاً ثلاث تصنيفات ذات مغزى وذات معنى، وهي النماذج الوضعية والتفسيرية والنقدية.
ورغماً عن ذلك، اقترح باحثون آخرون مثل Tashakkori وTeddlie (2003) نموذج آخر يعتبر رابعاً، يأخذ مكونات من تلك النماذج الثلاثة المذكورات قبل قليل، ويسمى هذا الرابع بالنموذج البراغماتي. ولكن قبل الخوض في ذلك، دعونا الآن نلقي نظرة عميقة ومركزة على الفلسفة الوضعية.
ينسب مصطلح الفلسفة الوضعية إلى فرع من فروع الفلسفة كان قد برز وطفى على السطح الوجودي في أوائل القرن التاسع عشر كنتيجة لأعمال الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت.
وتفترض الفلسفة الوضعية أن الواقع أو الوجود موجود بشكل مستقل عن البشر أو عن الانسان، فوجوده وجود موضوعي. وحواس الإنسان لا تحيط به ولا تتحكم فيه ولا تحكمه ولا تسيره كيفما شاءت، بل القوانين غير المرنة هي التي تحيط به، هي التي تحكمه وتسيره.
ويعتبر الموقف الأنطولوجي للوضعيين هو موقف الوجود. ويحاول الوضعيين جاهدين معرفة العالم الاجتماعي بمثل الطرق وبنفس السبل التي يُعرف بها العالم الطبيعي. ففي الطبيعة، هناك ارتباط متين بين السبب والنتيجة في الظواهر، وبمجرد استقرارها، يمكننا نحن توقعها بثقة متناهية في المستقبل القريب أو البعيد.
وبالنسبة للوضعيين، فينطبق الشيء نفسه على العالم الاجتماعي، بمعني أن ما ينطبق ويطبق على العالم الطبيعي، ينطبق ويطبق على هذا الاجتماعي.
ونظراً لأن الواقعية أو الواقع خالي من السياق أو متحرر من السياق، فإن العديد من الباحثين الذين يعملون في أوقات أو أزمان وأماكن مختلفة سوف يتقاربون في الوصول الي نتائج مماثلة ومتشابه حول ظاهرة معينة.
أما الموقف المعرفي للوضعيين هو موقف الموضوعية غير الذاتية. فيأتي فيه الدارسون أو الباحثون كمراقبين مشاهدين موضوعيين محايدين لدراسة الظواهر التي تعرض بشكل مستقل وموضوعي جداً، ولا يحاولون التأثير على ما يمكن ملاحظته أو لا يؤثرون في المشاهدة ولا في الملاحظة والمراقبة ولا في النتائج.
وسوف يستخدمون اللغة والرموز للتعبير عن الظواهر في شكلها الأصلي كما هو، دون مساحيق تجميلية تغير من طبيعة هذا الشكل الأصلي، تماماً كما عُرض وكما ظهر، دون أي تدخل على الإطلاق.
كما يلاحظ Hutchinson (1988)، ان الوضعيين ينظرون إلى العالم أو الوجود كما يعرض "في الخارج"، وهناك امكانية الوصول إليه لفحصه والي دراسته وتحليله في شكل ثابت إلى حد ما".
ويعتقد ويؤمن الوضعيين أن القوانين تحكم الظواهر الاجتماعية كما تحكم الظواهر الطبيعية، وباستخدام الأساليب العلمية، من المرجح أن نعرف ونُعرف هذه القوانين، وكذلك يتم عرضها من خلال بيانات غير منحازة اي موضوعية محايدة.
وقد اقترح الفيلسوف الفرنسي أوغست كونت (1798 - 1857) أولاً، أن النموذج الوضعي يُعرّف بأنه النظرة الشاملة للبحث، والتي شُيدت فيما يسمى في مناهج البحث كأسلوب علمي للتحقيق أو للدراسة.
وقد أوضح كونت (1856) أن التجريب والملاحظة والعقل المعتمدين على الخبرة يجب أن يكونوا هم الأساس لفهم السلوك البشري والانساني، وبالتالي، هي الطريقة الشرعية الوحيدة لتوسيع المعرفة ولزيادة الفهم البشري الانساني.
ويواصل قائلاً: تتطلب الطريقة العلمية، في شكلها الكامل الشامل، عملية تجريبية يتم استخدامها من أجل اكتشاف ومعرفة وفهم الملاحظات والإجابات عن الأسئلة. وهذه الطريقة يتم استعمالها من أجل البحث عن ارتباطات أو عن علاقات السبب والنتيجة (السببية) في طبيعتها وفي جوهرها.
إنها حقاً بمثابة رؤية شاملة مختارة في البحث وللبحث، والتي تجتهد وتحاول عكس وبلورت الملاحظات في شكل حقائق أو وحدات قابلة للقياس.
ويعتمد البحث الموجود في هذا النموذج على المنطق الاستنتاجي، وعلى صياغة الفرضيات، وعلى اختبار هذه الفرضيات، وعلى تقديم الأوصاف التشغيلية والمعادلات الرياضية، والحسابات، والاستقراء والتعبيرات، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى الاستنتاجات والي النتائج. والغرض من كل ذلك أو بالأحرى من هكذا بحث هو تقديم التفسيرات والحصول على تنبؤات تستند إلى أو تعتمد على نتائج قابلة للقياس.
ودائماً توجد هناك أربع افتراضات تدعم تلك النتائج القابلة للقياس. وهي تلك الافتراضات التي أوضحها وفسرها كل من كوهين (Cohen) ومانيون (Manion) وموريسون (Morrison) (2000) وهي "الحتمية والتجريبية والتقتير والتعميم." ويساعد تفريغ هذه الافتراضات الباحثين والدارسين على فهم أفضل وأعمق لمعنى البحث ولتوقعات البحث الذي يتم إجراؤه ضمن هذا النموذج.
وباختصار غير مخل، يُظهر افتراض الحتمية أن هناك عوامل أخرى تحدد الأحداث والظواهر التي نشاهدها. لذلك، إذا أردنا فهم الروابط العرضية أو السببية بين العوامل أو بين المتغيرات المتباينة، فإننا نحتاج إلى القدرة على الحصول على تنبؤات، وعلى التحكم في التأثيرات المحتملة للعناصر أو للمتغيرات المستقلة عن العوامل أو عن المتغيرات التابعة.
ويُظهر افتراض التجريبية أن الباحثين في وضع يسمح لهم بدراسة وتحليل مشكلة بحثية، ونحن نطالب أو نطلب أو يجب أن نكون قادرين على جمع بيانات تجريبية يمكن التحقق منها ويمكن دراستها، والتي تدعم السياق النظري المختار للبحث، وتجعلك أنت كباحث قادر على اختبار الفرضيات التي وضعتها وتلك التي اخترتها.
تخبرنا افتراضات التقتير وعدم الاسراف بأن النموذج الوضعي يشير إلى محاولات الباحثين والدارسين الجادة في سبيل توضيح الظواهر التي يبحثون فيها ويدرسونها بأكثر الطرق الاقتصادية الممكنة.
وأخيراً، يُعلمنا افتراض التعميم أن النتائج المكتسبة أو تلك التي تم التوصل اليها من مشروع بحثي ما، تم إجراؤه في إطار نموذج الفلسفة الوضعية، في إطار واحد محدد، يجب أن تكون موثوقة في حالات أخرى من خلال الاستدلالات الاستقرائية.
إنه يوضح أن الباحث الوضعي (the positivist researcher) يجب أن يكون قادراً على ملاحظة الأحداث في الظاهرة المحددة، التي قام بفحصها وعمل على دراستها، وأن يكون أيضاً قادراً على تعميمها حول ما يمكن توقعه في مكان آخر وفي زمان آخر على هذه البسيطة أو في هذا الكون المترامي الأطراف.
وبسبب هذه الافتراضات، ينصح نموذج الفلسفة الوضعية بتوظيف نهج البحث الكمي كأساس وكعمود فقري يجعل الباحث دقيقاً وأكثر دقة في وصف المعلمات والمعاملات في البيانات التي يتم جمعها ويتم تحليلها ويُعمل على توصيلها وعلى نقلها، لفهم العلاقات التي تسكن وتكون كامنة في دراسة البيانات.
وبالمثل، فإن نموذج الفلسفة الوضعية يستخدم في الغالب المنهجية الكمية كما قيل، ويستخدم كذلك طرقاً مبتكرة، تشمل المجموعات التجريبية والضابطة وإدارة الاختبارات السابقة وتلك اللاحقة لقياس درجات الكسب ودرجات الانجاز.
وهنا، يقرر الباحث أن يأخذ له موقعاً محايداً خارج مكان البحث أو يعتذر التأثير على عملية البحث وان كان هو المتحكم في عملية البحث ولكنه محايداً جداً ولا يؤثر في نتائج الدراسة.
وقد طبق أو استخدم "كونت" الفلسفة الوضعية أو الايجابية كسلاح في مواجهة الفلسفة السلبية تلك التي سادت قبل ميلاد الثورة الفرنسية. ولم تكن هذه الفلسفة السلبية مرتبطة بالاستفسارات العاطفية بقدر ما كانت مرتبطةً بالاستفسارات العملية.
واعتبر كونت هذه التكهنات (الأسئلة النفسية) غير مواتية، لأنها لم تكن بناءة ولا مفيدة على الاطلاق. وكبديل لذلك، جلب كونت أو اتى بفلسفته "الوضعية"، التي تظل مهتمة بالاستفسارات حول كيفية سير الأمور في الواقع أو في هذا الوجود الجميل القبيح.
وتقدم وتعرض فلسفة كونت الوضعية نفسها بشكل سافر وجريء بطرق مختلفة ومتعددة وأيضاً متنوعة. وهناك نقطة واحدة حاسمة فيها وهي أنها فلسفة علمية جداً لا شك في ذلك ولا ريب على الاطلاق. ويجب ألا يكون العلم في حيرة من الأمور التجريبية أو مجرد اختيار الحقائق. ويعتقد كونت أن القوانين الطبيعية تحكم العالم أو الوجود بأسره، ومن المستطاع ومن الممكن ان يتم تعلم هذه القوانين من خلال تقنية العلم.
تعتمد المعرفة الإيجابية أو الوضعية على الخبرة والتجربة، ولا تنظر إلا إلى الظواهر الحقيقية. ولم ينكر كونت أبداً واطلاقاً وجود المجهول، لكنها أي هذه الفلسفة لم تكن مهتمة بأي شكل من أشكال الخوارق والمجهولات.
أما بالنسبة لشامبليس (Chambliss)، فإن جوهر الفلسفة الوضعية الكونتية ليس قدرياً ولا تفاؤلياً ولا مادياً. إنها أو جوهرها يتعامل مع المعرفة الحقيقية، وليست تلك الخيالية، المفيدة وليس مع كل المعرفة".
وأقول......
العَيشُ لا عَيشَ إِلّا ما اِقتَصَدتَ فَإِن
تُسرِف وتبذر لَقيتَ الضُرَّ وَالعَطبا
العِلمُ زَينٌ وَتَشريفٌ لِصاحِبِهِ
فاِطلُب هُديتَ فنونَ العِلمِ وَالأَدَبا
لا خَيرَ فيمَن لَهُ أَصلٌ بِلا أَدَبٍ
حَتّى يَكونَ عَلى ما زانَهُ حَدِبا
.......... أو كما أشعر أبو الأسود الدؤلي
.... وللسيرة سلسلة متتابعة من الحلقات...

 

bakoor501@yahoo.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الفلسفة الوضعیة فی العلوم أن یکون من خلال یجب أن فی هذا

إقرأ أيضاً:

بعد غياب 8 سنوات.. حمادة هلال يعود إلى السينما

متابعة بتجــرد: بعد إعلان الفنان حمادة هلال عن انتهاء سلسلة “المداح”، بدأ على الفور رحلة البحث عن سيناريو قوي يعود من خلاله إلى شاشة السينما بعد غياب استمر أكثر من ثماني سنوات، منذ آخر أعماله السينمائية “شنطة حمزة” الذي عرض عام 2017 وشاركه بطولته كل من يسرا اللوزي، أحمد فتحي، وسامية الطرابلسي.

ويبدو أن حمادة هلال وجد ضالته في نص سينمائي جديد ينتمي إلى الكوميديا، حيث قرر من خلاله الابتعاد عن شخصية “صابر المداح” التي ارتبط بها لخمسة أعوام متتالية، وبدأ بالفعل عقد جلسات عمل لتحضير المشروع ووضع اللمسات النهائية على السيناريو تمهيدًا لانطلاق التصوير قريبًا.

وفي موازاة ذلك، يواصل حمادة هلال حاليًا البحث عن نص درامي مناسب للظهور به في الموسم الرمضاني المقبل، على أمل أن يحقق من خلاله نفس مستوى النجاح الذي حظيت به سلسلة “المداح” بأجزائها الخمسة.

يُذكر أن مسلسل “المداح 5” ضم نخبة كبيرة من النجوم، من بينهم: هبة مجدي، دنيا عبد العزيز، خالد سرحان، يسرا اللوزي، سهر الصايغ، محسن محيي الدين، أحمد بدير، حنان سليمان، محمد علي رزق، تامر شلتوت، غادة عادل، جوري بكر، وخالد الصاوي، وهو من تأليف أمين جمال، شريف يسري، ووليد أبو المجد، وإخراج أحمد سمير فرج.

main 2025-04-13Bitajarod

مقالات مشابهة

  • حدث في مثل هذا اليوم 14 أبريل.. محطات بارزة غيّرت مجرى التاريخ
  • قرأت مقالات ملهمة عن سيرة الفريق الفاتح عروة
  • قائمة مواقع مجانية لمعرفة الأرقام المجهولة
  • الرياض تستضيف دورة البحث والتقصي في مجال المنشطات
  • طرق تنزيل قنوات النايل سات وأهم الترددات
  • سيرة الفلسفة الوضعية الحلقة (16) الأخيرة
  • السوداني إلى مسقط.. ملفات إقليمية ساخنة على طاولة البحث
  • بعد غياب 8 سنوات.. حمادة هلال يعود إلى السينما
  • عُمان والفرص غير المستغلة
  • روسيا تطلق 88 مُسيرة في هجوم ليلي على أوكرانيا