في خطوة مثيرة للجدل، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا بإغلاق وزارة التعليم الفيدرالية، في محاولة جريئة لنقل مسئولية التعليم بالكامل إلى حكومات الولايات والمجالس المحلية.

الخطوة التي اتخذها ترامب تعكس توجهًا محافظًا قديمًا يسعى لتقليص دور الحكومة الفيدرالية في التعليم، لكنها في الوقت نفسه تضع مستقبل النظام التعليمي في الولايات المتحدة على المحك.

الرئيس الأمريكي قالها صراحة: «سنغلقها - يقصد وزارة التعليم - وسنغلقها بأسرع ما يمكن. إنها لا تفيدنا بشيء».

هذا التصريح يعكس استراتيجية ترامب المعتادة في ممارسة الضغوط السياسية، حتى لو لم تُنفذ الخطة بالكامل على المستوى التشريعي.

قرار مثير

الأمر التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي، رغم أهميته الرمزية والسياسية، لا يعني أن وزارة التعليم ستُغلق فعليًا، فتفكيك وزارة حكومية يتطلب موافقة الكونجرس.

ويحتاج التصويت لإغلاق وزارة التعليم إلى حوالي 60 صوتًا في مجلس الشيوخ، وهو سقف لا يمتلكه ترامب حتى مع سيطرة الجمهوريين على المجلسين.

بمعنى آخر، ترامب قد لا يحتاج إلى مصادقة الكونجرس، إذ يمكنه عمليًا تحقيق الهدف نفسه عبر إضعاف وزارة التعليم من الداخل.

ومع ذلك، فإن التأثير العملي قد يتحقق عبر تفريغ الوزارة من مضمونها من خلال تسريح الموظفين وتقليص الميزانية، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار دورها الفعلي حتى إن لم تُغلق رسميًا.

وإغلاق وزارة التعليم قد يعيد رسم ملامح النظام التعليمي الأمريكي بطرق كبيرة، فمن دون الدعم الفيدرالي، ستجد المدارس العامة نفسها في مواجهة نقص حاد في التمويل.

وسيعمق تفاوت التمويل الفجوة بين الولايات الغنية، التي تستطيع تعويض هذا النقص بمواردها المحلية، والولايات الفقيرة، التي ستُترك لمصيرها.

المدارس العامة

التعليم ملفٌ سياسيٌ ساخنٌ في الولايات المتحدة، فالمحافظون يرون في سياسات التعليم الفيدرالية تدخلًا حكوميًا غير ضروري، ويؤمنون بأن التعليم يجب أن يُدار محليًا.

على الجانب الآخر، يعوّل أنصار العدالة الاجتماعية على برامج التمويل الفيدرالي لدعم المدارس العامة، خصوصًا في المناطق الفقيرة، وبرامج تعليم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

إضعاف وزارة التعليم يعني أن المدارس العامة ستواجه أزمة حقيقية في التمويل، ما سيؤثر على مستوى الخدمات التعليمية.

الدعم الفيدرالي يُستخدم في تمويل برامج التغذية المدرسية، وخدمات تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير البنية التحتية، وتقليل كثافة الفصول.

وبالتالي، فإن توقف هذه المخصصات سيؤدي إلى تدهور الخدمات في المدارس العامة، خاصة في المناطق الفقيرة.

إغلاق الوزارة قد يعيد إنتاج تفاوت طبقي في النظام التعليمي، إذ ستتمكن الولايات الغنية من تعويض نقص التمويل عبر فرض ضرائب محلية أو زيادة المخصصات التعليمية.

وفي المقابل، ستعاني الولايات الأمريكية الفقيرة من تدهور مستويات التعليم بسبب غياب الدعم الفيدرالي.

القسائم التعليمية

قد تشهد المدارس الخاصة ازدهارًا غير مسبوق، إذ إن إعادة توجيه الأموال الفيدرالية نحو برامج القسائم التعليمية سيعزز قدرتها على استقطاب الطلاب، تاركةً المدارس العامة تتراجع.

برامج القسائم التعليمية تُطبق في عدة ولايات، وتدعمها التيارات المحافظة باعتبارها وسيلة لتحرير التعليم من سيطرة الدولة.

لكن الديمقراطيين والليبراليين يعارضونها بشدة، معتبرين أنها تضعف التعليم العام وتزيد من الفجوة الاجتماعية.

تخصص الحكومة (الفيدرالية أو المحلية) مبلغًا ماليًا لكل طالب في إطار نظام التعليم العام، ويحصل أولياء الأمور على قسيمة (Voucher) تعادل هذا المبلغ (أشبه بالدعم النقدي).

وللأسر حرية الاختيار، حيث يمكن استخدام القسيمة لتغطية رسوم التعليم في أي مدرسة خاصة يختارونها، بدلًا من المدارس العامة المحلية.

هذه السياسة تعني أن المدارس الخاصة ستستفيد من التمويل الحكومي بشكل غير مباشر، بينما ستخسر المدارس العامة حصتها من هذه الأموال.

وبالتالي، فإن الأسر القادرة على تحمل فارق الرسوم ستتمكن من الاستفادة من القسائم، بينما ستظل الأسر الفقيرة عالقة في مدارس عامة تعاني من نقص الموارد.

مخاطر القسائم

الفكرة تبدو وكأنها تمنح الأسر، خاصة ذات الدخل المنخفض، فرصة للهروب من قيود التعليم العام المتردي إلى خيارات تعليمية أخرى.

لكن هذا الحل الذي يبدو سحريًا يدمر المدارس العامة، حيث تذهب العائلات بأطفالها إلى المدارس الخاصة ومعها الأموال العامة التي كانت مخصصة للمدارس العامة.

وستخسر المدارس العامة معظم الطلاب بسبب القسائم التعليمية وسينخفض التمويل، وتتراجع الموارد، وبالتالي، مستوى التعليم العام المقدم للفقراء الذين يلتحقون بها.

كما تتسبب في عدم المساواة، حيث إن القسيمة قد لا تغطي كامل الرسوم الدراسية في المدارس الخاصة، ما يجعل الاستفادة منها مقتصرة على الطبقات القادرة على تعويض الفارق.

ويترتب عليها تسييس التعليم، لأن بعض القسائم تُستخدم في مدارس دينية، ما يثير جدلًا حول خلط الدين بالدولة.

والأخطر، غياب الرقابة، حيث لا تخضع المدارس الخاصة لنفس معايير المحاسبة والجودة المفروضة على المدارس العامة.

تحديات قانونية

المعركة المتعلقة بإغلاق وزارة التعليم الفيدرالية قد تنتقل إلى ساحات القضاء، عبر الطعن على القرار التنفيذي باعتباره تجاوزًا لصلاحيات السلطة التنفيذية.

قانونيًا، ستكون المعركة معقدة، إذ إن تفكيك الوزارة يهدد مصالح قطاعات واسعة، من المعلمين إلى الطلاب وأولياء الأمور.

ويُحذر معارضون من أن تفكيك الوزارة إداريًا عبر تسريح الموظفين وتقليص المخصصات قد يُنتج أثرًا مشابهًا للإغلاق الكامل.

تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية أوسع لترامب لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية عبر تفكيك البيروقراطية، وهي سياسة تلقى ترحيبًا من القاعدة المحافظة.

وإضعاف وزارة التعليم يعني إعادة هيكلة العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والولايات، وهو ما يعيد إنتاج فكرة "الفيدرالية التقليدية" التي تُفضّل سيطرة الولايات على الملفات الداخلية.

هل ينجح؟

سيواجه ترامب مقاومة شرسة من الديمقراطيين، وربما من بعض الجمهوريين المعتدلين، وقد لا يتمكن من إغلاق وزارة التعليم فعليًا.

لكن تنفيذ القرار سيضعف وزارة التعليم عبر تفكيك وظائفها الأساسية، ما سيؤدي عمليًا إلى تقليص نفوذها.

وإذا نجح ترامب في تمرير هذه الاستراتيجية، فقد يشكل ذلك نقلة جذرية في بنية النظام التعليمي الأمريكي، تنقل التعليم من مسئولية الحكومة الفيدرالية إلى الولايات.

وقد يوسع الفجوات التعليمية والاجتماعية في أمريكا لعقود قادمة.

ما يفعله ترامب ليس مجرد قرار تنفيذي، إنه تحدٍ سياسي وهيكلي للنظام التعليمي الأمريكي بأكمله. وحتى لو لم يُغلق الباب قانونيًا، فإن تفريغه من مضمونه قد يحقق الأثر نفسه، تاركًا النظام التعليمي الأمريكي أمام مستقبل مجهول.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: وزارة التعليم مجلس الشيوخ دونالد ترامب ذوي الاحتياجات الخاصة الكونجرس قرار رئاسي وزارة التعليم الأمريكية إغلاق وزارة التعليم الحکومة الفیدرالیة النظام التعلیمی المدارس العامة المدارس الخاصة التعلیم العام وزارة التعلیم التعلیم ا

إقرأ أيضاً:

محافظ المنيا: زيارات ميدانية مستمرة لتفقد سير العملية التعليمية في جميع المدارس

تفقد اللواء عماد كدواني محافظ المنيا، اليوم الثلاثاء، مدرسة النيل المصرية الدولية لمتابعة سير العملية التعليمية وذلك في إطار جولاته الميدانية لتفقد ومتابعة مدارس المحافظة مستهلا جولته بمشاهدة بعض الفقرات الفنية والغنائية لطلاب وطالبات المدرسة الذين اصطفوا لاستقباله ثم تفقد بعض الفصول الدراسية للمرحلتين الابتدائية والإعدادية وتحاور مع التلاميذ واستمع إليهم ى مشاركتهم ومدى تفاعلهم مع المعلمين لافتاً إلى أهمية المشاركة والنقاش ولغة الحوار والفهم متمنياً لهم التفوق والنجاح.

وخلال الجولة تفقد المحافظ معامل الحاسب الآلي ومعمل العلوم، والمكتبة والفصول الدراسية لمرحلة رياض الأطفال وتابع تجهيزات الوسائل التعليمية والأنشطة المدرسية بمشاركة المعلمين والأطفال مشيداً بالعروض الرياضية والفنية التي قدمها الأطفال والطلاب بالمدرسة.

أكد المحافظ استمرار زياراته وجولاته الميدانية لتفقد المدارس الحكومية والرسمية والخاصة بقرى ومراكز المحافظة والمدن الجديدة لتفقد سير العمل بها والاطمئنان على انتظام الدراسة، مطالباً قيادات مديرية التربية والتعليم بتكثيف المتابعة الميدانية والمتابعة المستمرة لكافة المدارس والمنشآت التعليمية بمختلف قرى ومراكز المحافظة وحث الطلاب على الجد والاجتهاد والاهتمام بالدراسة والمنظومة التعليمية وتعميق قيم الولاء والانتماء للوطن.

وشهد المحافظ خلال تفقده لأقسام المدرسة تجربة عملية للطلاب من داخل المعمل البيولوجى لقياس نسبة السكر بعدد من الأطعمة وذلك سعياً نحو تغذية صحية سليمة، وكذلك طرق التدريس التفاعلية عن طريق المحاكاة لأحد الدروس بالمنهج خارج الفصل والتي تستهدف مشاركة الطلاب بشكل أكثر فعالية مما يساعد على رفع معدل الكفاءة وتنفيذ أكبر قدر من مخرجات التعلُم المقصودة.

من جانبها، أوضحت أماني الفار العضو المنتدب أن مدارس النيل جاءت بمبادرة رئاسية منذ عام 2009 وتمنح شهادة النيل المصرية الدولية وهى أول شهادة مصرية يمكن حاملها من الالتحاق بالجامعات الخارجية والداخلية ( الحكومية ـ الاهلية - الخاصة )، مشيرة إلى أن هناك توجيه من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية بالتوسع فى مدارس النيل المصرية مع الاهتمام بمحافظات الصعيد، مؤكدة انه من المخطط ان يتم انشاء فرع اخر لمدارس النيل الدولية بمحافظة المنيا، لافتة الى أن البطل الحقيقي داخل المنظومة التعليمية بمدارس النيل هو المُعلم حيث يتم تلقيه العديد من الدورات التدريبية التي تهدف إلى رفع القدرات والمهارات التعليمية والتربوية.

وأشار عماد عبد الرحمن العجان، مدير عام مدارس النيل الدولية، إلى دور المدارس في خدمة المجتمع، موضحا أن نظام النيل التعليمي الدولي يسعى لبناء شخصية الإنسان المصري المعاصر والحفاظ على الهوية المصرية من خلال مناهج دولية وفق أحدث المعايير العالمية.

واختتم المحافظ زيارته للمدرسة بالمشاركة فى ندوة تعريفية حول مبادرة " معاً ضد السرطان" تحت شعار "لست وحدك" والتى بدأت فعاليتها الأول من فبراير وتستمر حتى 30 يونيو 2025 وذلك ضمن جهود مدارس النيل لنشر التوعية فى كل مدراسها بالعوامل المؤدية للسرطان و كيفية الوقاية منه، كما تم عرض فيلم تسجيلي حول انجازات المدرسة على مدار العام الدراسي الحالي وتكريم عدد من الكوادر المتميزة تقديرًا لمساهمتهم في دعم الأنشطة التعليمية والمجتمعية وتعزيز التعاون بين المؤسسات التعليمية والمحافظة للنهوض بالمنظومة التربوية.

يذكر أن مدارس النيل المصرية تأسست عام 2010 بهدف تقديم خدمة تعليمية دولية بأسعار مخفضة، وتديرها حالياً شركة مصر للإدارة التعليمية من خلال 14 فرعاً على مستوى الجمهورية، تحت إشراف ورعاية معالي وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، وبالشراكة مع هيئة الامتحانات الدولية بجامعة كامبريدج، بما يضمن اعتماد شهاداتها محليًا ودوليًا.

مقالات مشابهة

  • ترامب يعد بإعادة التعليم إلى سلطة الولايات المتحدة
  • ترامب يمدّد الحظر على قبول السفن الروسية في الموانئ الأمريكية لمدة عام
  • WSJ: فريق مغمور كلفه ترامب بتدمير الجامعات الأمريكية بعد الاحتجاجات الداعمة لغزة
  • التحديات التي تواجه الشراكة بين روسيا وإيران في مجال الطاقة
  • الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب ترفض استخدام "الناتو" كأداة للحروب
  • نائب إيراني: الصراع مع طهران سيعني انهيار الولايات المتحدة الأمريكية
  • محافظ المنيا: زيارات ميدانية مستمرة لتفقد سير العملية التعليمية في جميع المدارس
  • التعليم تطالب المدارس الفنية الزراعية بسرعة تسليم استمارات الدبلومات الفنية 2025
  • إلزام المدارس بتنفيذ 10 تعليمات عاجلة لضمان انتظام العملية التعليمية
  • الطماطم المكسيكية في مرمى الجمارك الأمريكية.. رسوم جديدة تبدأ في يوليو المقبل