مشاكل السكن في بلدان العالم الغني
تاريخ النشر: 21st, March 2025 GMT
تشهد سوق إيجارات المساكن في بلدان الاقتصادات الغنية تحولًا كبيرًا. كانت الإيجارات في السنوات التي سبقت جائحة كوفيد- 19 مرتفعة. لكن ارتفاعها لم يكن متسارعًا. فوفقا لبيانات رسمية ارتفعت تكلفة استئجار المسكن بحوالي 2%. وفي أثناء الجائحة تباطأ تضخم أسعار الإيجارات. بل هبطت في بعض المدن مع بحث ملاّك المساكن المحموم عن مستأجرين.
اليوم الحكاية مختلفة. فأسعار الإيجارات في بلدان العالم الغني ترتفع بنسبة سنوية تصل إلى حوالي 5% أو نحو ذلك. هذا أسرع ارتفاع مُستدام على مدى عقود، ويشكل تحديًا ضخمًا لربع عائلات العالم الغني التي تستأجر مساكن.
في بعض البلدان أصبحت أسواق الإيجارات شديدة التقلُّب حقًا. فمعدل تضخم أسعار الإيجارات في فرنسا يبلغ 2.5% على أساس سنوي. وهو لا يبدو كبيرًا من أول وهلة لكنه أعلى كثيرا مقارنة بمعدله السنوي الذي كان يبلغ 0.3% قبل الجائحة.
أما معدل تضخم الإيجارات في أستراليا فأعلى بحوالي ثمانية أضعاف عن مستواه في أواخر العشرية الثانية. وفي البرتغال ترتفع الإيجارات بنسبة 7% في السنة. حتى في البلدان التي تشهد فيها سوق مشتريات المنازل ركودًا ترتفع أسعار الإيجارات بسرعة.
ففي نيوزيلندا هبطت أسعار المنازل الإسمية (بدون حساب التضخم) بنسبة 15% من ذروتها. وهذا أسوأ أداء الى حد بعيد من أي بلد غني آخر. مع ذلك أسعار الإيجارات أعلى بنسبة 14% عن مستواها في السابق.
هذه مشكلة للبنوك المركزية التي رفعت أسعار الفائدة لخفض التضخم العام فالإيجارات تشكل مباشرة 6% من سلَّة قياس تضخم السلع والخدمات في متوسط البلدان الغنية وما يصل الى 20% في سويسرا التي يوجد بها عدد كبير من المستأجرين.
كما يمكن أن يكون لها أيضًا أثر كبير غير مباشر بما أن إيجارات السوق تُستخدم كبديل لحساب تكاليف سكن المالك في مسكنه. فالإيجار المكافئ للمالك يشكل ما يصل الى ربع مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة. (الإيجار المكافئ للمالك يعني ما يُفترض أن يدفعه ملاك المساكن المقيمون بها إذا كانوا مستأجرين لها - المترجم).
الى ذلك تضخم الإيجارات بطيء في الاستجابة للتغيرات في الاقتصاد. فمعظم عقود الإيجار تمتد لشهور أو سنوات ما يعني أن ملاك المساكن يتأخرون كثيرًا في تغيير الأسعار للمستأجرين أو بعد مدة طويلة من ارتفاعها أو انخفاضها الفعلي. ففي حين تنخفض أسعار السلع والخدمات الأخرى يستمر التضخم في أسعار الإيجارات.
هل ستقول: إن ذلك يثير مشكلة للبنوك المركزية؟ وماذا بشأن المستأجرين؟ يشكل ارتفاع الإيجارات لمستأجرين عديدين خصوصًا الفقراء تكلفة شهرية إضافية ضخمة. لقد ذكر تقرير صدر في العام الماضي عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أن "تحديات سداد الإيجارات زادت في عام 2023 "مع ارتفاع قيمة الإيجار الشهري الوَسَطي (بين أعلى وأقل إيجار) بنسبة 10%."
ستكون الإيجارات المرتفعة في الغالب أحد العوامل وراء ارتفاع معدل التشرد (افتقاد المأوى) في بلدان عديدة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن أعداد الكنديين والأمريكيين الذين لا مأوى لهم ارتفعت بنسبة 20% و40% على التوالي منذ عام 2018.
ويبدو هذا أيضًا عدم إنصاف. فما يقارب 50% من عائلات العالم الغني تملك مساكنها ملكية تامة (سددت قروضها الإسكانية كاملة) في حين لدى عائلات عديدة أخرى مساكن مرهونة بأسعار فائدة ثابتة. وقليلون فقط من هؤلاء بالكاد شعروا بارتفاع أسعار الفائدة. فوفقًا لتحليلنا للبيانات الأمريكية في الفترة من 2021 الى 2023 (وهذه آخر سنة تتوافر عنها بيانات) زاد ملّاك المساكن انفاقهم على الأنشطة الترفيهية كالاستمتاع بممارسة الهوايات في أوقات الفراغ وتناول الطعام خارج البيت بنسبة 25% بالقيمة الاسمية (بدون حساب التضخم. (أما المستأجرون فقد زادوا انفاقهم بنسبة 16% فقط. مثل هذا الإحساس بالافتقار الى الانصاف قد يشجع المستأجرين على محاولة قلب النظام السياسي. ففي ألمانيا بحسب دراسة تجريبية أجراها طارق أبو شادي أستاذ السياسة والعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد مع زملاء آخرين "تشكل الإيجارات المرتفعة لأصحاب الدخول المتدنية في ألمانيا تهديدًا كبيرًا لمكانتهم الاجتماعية. وهذا يترتب عنه ميل أقوى لتأييد اليمين الراديكالي".
أسهمت السياسة النقدية في ارتفاع إيجارات المساكن. فبسبب قرارات بنك الاحتياطي الفيدرالي ارتفع متوسط أسعار الفائدة على الرهونات العقارية الأمريكية لمدة 30 عامًا من أدنى مستوى لها على الإطلاق وهو 2.7% في عام 2020 الى ما يقارب 7%. لقد أخرجت أسعار الفائدة المرتفعة أولئك الذين من المحتمل أن يصبحوا ملاكا من السوق العقارية. وهذا ما حذرت من حدوثه ورقة أعدها خبيرا اقتصاد ببنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2019.
لأن هؤلاء لم يعد بمقدورهم شراء مساكن لارتفاع أسعار فائدة الرهونات العقارية سيلزمهم بدلًا عن ذلك اللجوء الى الاستئجار والمنافسة على عدد ثابت جدًا من المساكن المعروضة في سوق الإيجارات السكنية في الأجل القصير. وهو عدد محدود لأسباب ليس أقلها الحواجز التنظيمية التي تَحُول دون تَحَوُّل المستأجر الى مالك عقار سكني. بالإضافة الى ذلك، سارع الملاك الذين يسددون رهوناتهم العقارية على أساس سعر فائدة متغير الى تمرير ارتفاع تكاليفها الى المستأجرين. وحسب دراسة أعدها مؤخرًا جاييون لي الباحث بجامعة كاليفورنيا في بيركلي يرتبط الارتفاع بمعدل 1% في أسعار الفائدة بارتفاع بنسبة 5.5% في أسعار الإيجارات.
أضاف الارتفاع الأخير في وتيرة الهجرة حول العالم إلى هذه المصاعب. فالقادمون الجدد نادرًا ما يكون لديهم المال أو التاريخ الائتماني الذي يمكِّنهم من شراء عقار سكني. في بريطانيا 75% من أولئك الذين وصلوا في الأعوام الخمسة الأخيرة إما مسـتأجرون من مالك عقار أو وكالة تأجير عقارات وذلك مقارنة بنسبة 16% من المستأجرين المولودين في بريطانيا. إلى ذلك، يميل القادمون الجدد إلى الإقامة في المدن حيث يقل المعروض السكني. ويقدر بنك جولدمان ساكس أن صافي معدل الهجرة السنوي الحالي في استراليا الذي يبلغ حوالي 500 ألف شخص (بعد طرح أعداد المغادرين) يرفع أسعار الإيجارات بنسبة 5%.
إلى جانب هذا الطلب المرتفع يواجه قطاع الإيجارات أيضًا نقصًا في المعروض. فجائحة كوفيد-19 جائحة دفعت شركات البناء إلى وقف تشييد الشقق التي تُستأجر في العادة وفضلوا بدلا عنها بناء المساكن العائلية (المستقلة او المنفصلة) في ضواحي المدن التي غالبًا ما تكون مملوكة لساكنيها وليست للإيجار. على سبيل المثال في عام 2020 في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة تراجعت تراخيص تشييد المباني السكنية متعددة الوحدات إلى نصف معدل ذروتها قبل الجائحة. وحتى اليوم يزدحم مركز المدينة بالشقق الفاخرة التي تم الشروع في تشييدها ولكنها لم تكتمل اطلاقا.
ربما يصل تضخم أسعار إيجارات المساكن في بلدان العالم الغني إلى ذروته الآن. فصناعة البناء تعدِّل أوضاعها وأسعار الفائدة لم تعد ترتفع. وفي بلدان عديدة تتباطأ الهجرة أيضًا. لكن السؤال الحقيقي هو: هل ستهبط أسعار الفائدة بدرجة كافية تتيح للناس العودة إلى سوق العقارات والشراء بغرض السكن وبالتالي ستَخِفُّ الضغوط الشديدة على قطاع الإيجارات؟ في الواقع، سيعاني المستأجرون في بلدان العالم الغني لبعض الوقت مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من عواقب سياسية لا يمكن التنبؤ بها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: أسعار الإیجارات الإیجارات فی
إقرأ أيضاً:
الذهب يسجل أعلى مستوى له على الإطلاق
الاقتصاد نيوز - متابعة
سجل الذهب، اليوم الأربعاء، أعلى مستوى له على الإطلاق، مدعومًا بالطلب على أصول الملاذ الآمن، والتوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية، بينما يترقب المتعاملون قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) بشأن السياسة النقدية.
بلغ سعر الذهب في المعاملات الفورية 3,035.12 دولار للأونصة بحلول الساعة 04:15 بتوقيت غرينتش، بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 3,038.90 دولارًا في وقت سابق من الجلسة.
وارتفعت العقود الأميركية الآجلة للذهب بنسبة 0.1% إلى 3,042.20 دولار، وفقا لـ"رويترز".
أسعار النفط تتراجع بعد اتفاق أميركي روسي على هدنة طاقة لمدة 30 يوما وقال كبير محللي السوق في (كيه.سي.إم تريد) تيم ووترر: "ينظر المتعاملون إلى الذهب باعتباره أصلًا مجهزًا جيدًا للتعامل مع حالة عدم اليقين الاقتصادي المرتبطة بالرسوم الجمركية".
ويشعر المستثمرون بالقلق من تباطؤ اقتصادي وتزايد مخاطر الركود، بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها ستؤدي إلى زيادة التضخم.
وأججت الرسوم الجمركية التوترات التجارية، وتشمل رسومًا ثابتة بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم، دخلت حيز التنفيذ في فبراير (شباط)، إضافةً إلى رسوم متبادلة على قطاعات معينة ستُفرض في 2 أبريل (نيسان).
وعلى الصعيد الجيوسياسي، شنت إسرائيل غارات جوية على غزة، قالت السلطات الصحية الفلسطينية إنها تسببت في مقتل أكثر من 400 شخص أمس الثلاثاء، مما أنهى هدوءًا نسبيًا استمر نحو شهرين منذ بدء وقف إطلاق النار. في المقابل، حذرت إسرائيل من أن الهجوم "مجرد البداية".
قفز سعر الذهب، الذي يُعتبر تاريخيًا وسيلة تحوط ضد عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، بأكثر من 15% منذ بداية العام.
وفي غضون ذلك، من المتوقع أن يُبقي البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة القياسي ثابتًا عند نطاق 4.25%-4.50%، في ختام اجتماعه للسياسة النقدية، الذي يستمر يومين، في وقت لاحق اليوم.
ويترقب المشاركون في السوق أيضًا خطاب رئيس البنك، جيروم باول، عقب قرار أسعار الفائدة، لاستشراف مسار السياسة النقدية الأميركية.
ويرتفع الذهب، الذي لا يدرّ عائدًا، في ظل انخفاض أسعار الفائدة.
وعلى صعيد المعادن النفيسة الأخرى، انخفض سعر الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 0.2% إلى 33.97 دولار للأونصة، وتراجع البلاتين بنسبة 0.4% إلى 992.85 دولار، كما انخفض البلاديوم بنسبة 0.1% إلى 966.24 دولار.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام