ترجمة: نهى مصطفى -

خلال شهرين من إصدار شركة صينية غير معروفة تدعى DeepSeek نموذجًا جديدًا قويًا للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، بدأ هذا الاختراق بالفعل في تحويل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي.

يتميز DeepSeek-V3، كما يُطلق على نموذج اللغة الكبير المفتوح (LLM) الخاص بالشركة، بأداء ينافس أداء النماذج من أفضل المختبرات الأمريكية، مثل ChatGPT من OpenAI و Claude من Anthropic و Llama من Meta ، ولكن بجزء صغير من التكلفة.

وقد أتاح هذا للمطورين والمستخدمين في جميع أنحاء العالم الوصول إلى الذكاء الاصطناعي المتطور بأقل تكلفة.

في يناير، أصدرت الشركة نموذجًا ثانيًا، DeepSeek-R1، يُظهر قدرات مماثلة لنموذج o1 المتقدم من OpenAI مقابل خمسة بالمائة فقط من السعر. ونتيجة لذلك، يشكلDeepSeek تهديدًا لقيادة الولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، مما يمهد الطريق للصين للحصول على مكانة عالمية مهيمنة على الرغم من جهود واشنطن للحد من وصول بكين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.

يُبرز الصعود السريع لشركةDeepSeek حجم التحديات والمخاطر في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي. فإلى جانب الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية الهائلة لهذه التقنية، ستتمتع الدولة التي تطوّر نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية، التي تشكّل العمود الفقري لتطبيقات وخدمات المستقبل، بنفوذ واسع النطاق. ولا يقتصر هذا النفوذ على المعايير والقيم المضمّنة في هذه النماذج فحسب، بل يمتد أيضًا إلى منظومة أشباه الموصلات، التي تعد الركيزة الأساسية والبنية التحتية التقنية والمعالجة الحسابية اللازمة لتشغيل وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، وتشمل الأجهزة والبرمجيات التي تمكّن الذكاء الاصطناعي من تنفيذ العمليات المعقدة بكفاءة. وتعكس القناعة الراسخة لدى كل من الصين والولايات المتحدة بأن هذه التقنيات قادرة على تحقيق تفوّق عسكري، الأهمية الاستراتيجية للريادة في هذا المجال وضرورة الحفاظ عليها على المدى الطويل.

ومع ذلك، فإن التركيز على أداء نموذج DeepSeek-V3 وتكاليف تشغيله المنخفضة قد يُغفل نقطة أكثر أهمية. فإحدى العوامل الرئيسة التي ساهمت في سرعة انتشار نماذج DeepSeek هي أنها مفتوحة المصدر، مما يتيح لأي شخص تنزيلها وتشغيلها ودراستها وتعديلها والبناء عليها، مع تحمّل تكلفة الطاقة الحاسوبية فقط. في المقابل، تكاد جميع نماذج الذكاء الاصطناعي الأمريكية المماثلة أن تكون ملكية خاصة، مما يحدّ من استخدامها ويزيد من تكاليف تبنيها من قِبل المستخدمين.

بدأت شخصيات بارزة في مجتمع الذكاء الاصطناعي الأمريكي يدركون بشكل متزايد المشكلات الناجمة عن التركيز على النماذج المغلقة المصدر. ففي أواخر يناير، أقرّ سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، بأن الشركة ربما «أخطأت في قراءة التاريخ» بعدم تبنيها نهج الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. وفي فبراير، توقّع إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة Google، مستقبلًا يُهيمن فيه مزيج من النماذج المفتوحة والمغلقة على التطبيقات اليومية. من الواضح أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الاعتماد كليًا على نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة التي تطورها الشركات الكبرى لمنافسة الصين، مما يستدعي من الحكومة الأمريكية تكثيف دعمها للنماذج مفتوحة المصدر، حتى مع استمرار جهودها في تقييد وصول الصين إلى التقنيات المتقدمة، مثل أشباه الموصلات وبيانات التدريب.

للحفاظ على هيمنتها، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع برنامج شامل لتطوير ونشر أفضل النماذج مفتوحة المصدر. لكن في الوقت ذاته، يجب عليها ضمان أن تظل الشركات الأمريكية الرائدة هي التي تبني أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر كفاءة، والتي يُشار إليها أحيانًا باسم «أنظمة الحدود»، والتي غالبًا ما يتم تطويرها ضمن شركات خاصة ذات تمويل ضخم.

إلى جانب ذلك، ينبغي على واشنطن تبنّي أجندة سياسية أوسع تعزز مكانة الذكاء الاصطناعي الأمريكي مفتوح المصدر على الساحة الدولية، وتدعم بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحفاظ على ريادتها في هذا المجال. ولا يقتصر ذلك على تحفيز تطوير النماذج مفتوحة المصدر داخل الولايات المتحدة، بل يشمل أيضًا تسهيل وصولها إلى المساهمين والمستخدمين في المجال الصناعي والأكاديمي والقطاع العام في الدول المتحالفة معها.

بدون هذه الخطوات الاستراتيجية، يُشير مشروع DeepSeek إلى مستقبل محتمل قد تستخدم فيه الصين نماذج مفتوحة المصدر قوية ومنخفضة التكلفة لتجاوز الولايات المتحدة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية.

لطالما كان الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عاملًا رئيسيًا في التقدم التقني، رغم قلة الاهتمام السياسي به مقارنة بالأنظمة المغلقة. منذ ظهور ChatGPT عام 2022، بدأ يُنظر إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية على أنها بمثابة «نظام تشغيل» جديد، حيث تعمل كجسر بين اللغة البشرية والبيانات التي تعالجها الآلات. وكما استمر نظام Linux مفتوح المصدر بجانب أنظمة احتكارية مثل Windows، برزت نماذج مفتوحة مثل Llama إلى جانب ChatGPT، مما يمهّد لانتشار أوسع للذكاء الاصطناعي. هذا التطور دفع بعض الباحثين لوصف المرحلة الحالية بأنها «لحظة لينكس» في مجال الذكاء الاصطناعي.

على مرّ العقود، ازدهرت مشاريع البرمجيات مفتوحة المصدر، مثل لينكس، بفضل مساهمات المطورين حول العالم، وهو ما أدى إلى تطويرها بسرعة وتحسين أمنها، حيث يمكن لأفضل المهندسين اختبارها وتحسينها بشكل متواصل. كما أن كونها خاضعة لإدارة أمريكية وأوروبية جعلها أحد عوامل تفوّق الغرب في مجالات عدة، مثل: أنظمة التشغيل، متصفحات الويب، قواعد البيانات، التشفير، وحتى لغات البرمجة.

تُهيمن Nvidia على صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي بفضل وحدات معالجة الرسومات (GPUs) وبرنامجها الحصري CUDA، مما يمنحها موقعًا متقدمًا في هذا المجال. ورغم القيود الأمريكية، استخدمت الصين رقائق Nvidia في تدريب نماذج DeepSeek، لكنها تسعى حاليًا للاعتماد على رقائق Ascend من هواوي، مما قد يُقلص الحاجة إلى الرقائق الأمريكية. إذا حققت النماذج الصينية انتشارًا واسعًا بدعم حكومي، فقد يُجبر المستخدمون عالميًا على التحول إلى شرائح هواوي، مما سيُضعف شركات مثل Nvidia و TSMC ويمنح الصين نفوذًا أكبر في صناعة الرقائق. هذا السيناريو يُشبه استحواذ الصين على سوق بطاريات الليثيوم، حيث قد تؤدي استراتيجيتها إلى إعادة تشكيل سلسلة التوريد العالمية، مُهددة الهيمنة الغربية في هذا القطاع. كيفية مواجهة هذا التهديد

لمواجهة النفوذ الصيني في الذكاء الاصطناعي، تحتاج الولايات المتحدة إلى تعزيز تطوير ونشر نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، مع التركيز على دعم الجامعات والشركات والمختبرات الوطنية. رغم ارتفاع الاستثمارات في هذا المجال، لا تزال متواضعةً مقارنةً بالتمويل الإجمالي للذكاء الاصطناعي. لذا، يجب تقديم حوافز حكومية لدعم المشاريع المتوافقة مع الشرائح الغربية، وتوسيع البرامج البحثية الوطنية، والاستفادة من موارد وزارتي الطاقة والدفاع. كما ينبغي تعزيز التعاون مع مبادرات كبرى مثل Stargate، التي تخطط لاستثمار 500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي الأمريكي خلال السنوات القادمة.

يجب على واشنطن تعزيز النظام البيئي التكنولوجي الأمريكي لدعم الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر عبر تطوير نظام حوسبة متكامل يتيح للمطورين الاستفادة من أفضل الشرائح الغربية، مما يعزز الطلب عليها ويحد من المنافسة الصينية. وينبغي ترسيخ تفوق التقنيات الغربية، إلى جانب قيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي. ورغم هيمنة بنية Transformer، فإن مناهج جديدة مثل Structured State Space Models ونماذج Inception diffusion تُظهر إمكانات مستقبلية واعدة، مما يستدعي دعمها لضمان الريادة الأمريكية في هذا المجال.

ينبغي على واشنطن تجنب فرض قيود واسعة على تصدير نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، وبدلًا من ذلك، تقديم حوافز لضمان توافقها مع الشرائح الغربية. كما يجب على لجنة التجارة الفيدرالية مراعاة دور شركات التكنولوجيا الكبرى في تعزيز الريادة الأمريكية عند النظر في قضايا مكافحة الاحتكار. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي التصدي لمحاولات الشركات الصينية خفض أسعار نماذج الذكاء الاصطناعي لإضعاف المنافسة، عبر دراسة فرض تدابير مكافحة الإغراق إذا تبيّن أن هذه الممارسات تهدف إلى إقصاء الشركات الأمريكية.

يجب على الولايات المتحدة تعزيز تنافسها مع الصين في الأسواق العالمية، حيث قد تستخدم بكين نماذج الذكاء الاصطناعي كأداة للنفوذ الاقتصادي. كما ينبغي لواشنطن التحقيق في إمكانية استخدام DeepSeek بيانات من GPT-4 دون تصريح، ودراسة تطبيق قاعدة «المنتج الأجنبي المباشر» على مخرجات الذكاء الاصطناعي، لمنع الشركات الصينية من الاستفادة من النماذج الأمريكية الرائدة، كما فعلت مع معدات تصنيع أشباه الموصلات.

ستكون هذه الإجراءات أكثر فاعلية إذا تبنتها دول أخرى. لذا، تحتاج واشنطن إلى تنسيق سياساتها مع شركائها في آسيا وأوروبا ومناطق أخرى لإنشاء كتلة دولية قادرة على إبطاء انتشار النماذج الصينية. ورغم ضخامة السوق الصينية، فإنها تظل صغيرة مقارنة بالسوق العالمية، وهو المجال الأكثر أهمية الذي يجب أن تركز عليه الولايات المتحدة لضمان هيمنة النظام البيئي الغربي للحوسبة والذكاء الاصطناعي في المستقبل.

ورغم أن القيود الأمريكية على تصدير الشرائح المتقدمة حدّت من قدرة الصين على الوصول إليها، فإن بكين ترى في الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر، المبني على تقنيات أقل تقدمًا، مسارًا استراتيجيًا لاكتساب حصة سوقية أكبر. ومن المرجح أن تستمر النماذج الصينية في التحسن عبر الابتكار الخوارزمي، والتحسينات الهندسية، والتصنيع المحلي للرقائق، بالإضافة إلى أساليب غير مشروعة، مثل التدريب غير المصرح به على مخرجات النماذج الأمريكية، والتحايل على ضوابط التصدير. ومع استمرار الصين في تحسين أداء نماذجها وأسعارها، فإن الحاجة إلى استراتيجية أمريكية متماسكة تصبح أكثر إلحاحًا.

يجب على واشنطن أن تتبنى استراتيجية استباقية تضمن توفير بدائل أمريكية متفوقة فور إصدار الصين لنماذجها الجديدة، ما يعزز الريادة الأمريكية في الذكاء الاصطناعي. يتطلب ذلك تحسين الإطار التنظيمي، مثل ذلك الذي وضعته إدارة بايدن لضبط انتشار التكنولوجيا، إلى جانب تسخير الموارد الحكومية لدعم النماذج المتقدمة قبل إتاحتها للعامة. تقف إدارة ترامب المقبلة أمام «لحظة لينكس» حاسمة، حيث يمكنها إما ترسيخ الهيمنة الأمريكية على الذكاء الاصطناعي المفتوح المصدر، أو المخاطرة بفقدان النفوذ لصالح الصين، التي قد تعيد توجيه السوق نحو تقنياتها الخاصة.

جاريد دانمون هو المستشار الأول للمبادرات الاستراتيجية في وحدة الابتكار الدفاعي (DIU)

نشر المقال في Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی مفتوح المصدر نماذج الذکاء الاصطناعی نماذج مفتوحة المصدر الاصطناعی الأمریکی للذکاء الاصطناعی الولایات المتحدة فی هذا المجال على واشنطن إلى جانب یجب على

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما

في أغسطس من العام الماضي، أجرى مركز «إبسوس» الفرنسي لأبحاث السوق وتحليل البيانات، استطلاع رأي، كشف أن "36%" من المصريين يستخدمون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتزداد النسبة إلى "40%" في الفئة العمرية بين "35 و 44 سنة"، وأكد "21%" منهم، أن هذه التكنولوجيا غيّرت حياتهم اليومية بشكل كبير لم يكن في الحسبان.

وربما لو أجري الاستطلاع مرة أخرى خلال الأشهر الثمانية الأخيرة، لتقافزت الأرقام بشكل لن يكون، أيضًا، في الحسبان، عقب طفرة تطور "شات جي بي تي"، و"ديب سيك" وإخوتهما في مجال "مساعدي الذكاء الاصطناعي"، وربما لو دقق أحدنا في "يد الآخر"، لوجد هاتفه الذكي يكاد يلوّح له قائلاً: "أهلاً يا صديقي، كيف يمكنني مساعدتك اليوم؟!".

عندما نقرأ مصطلح "استنساخ"، سرعان ما ترجع الذاكرة، فلاش باك، إلى عام 1997، حينما حدثت الضجة العالمية باستنساخ النعجة "دوللي" اصطناعيا، بتقنيات طبية تكنولوجية غاية في التعقيد "الجيني". وبعيدًا عن إشكالية الخلاف حول توقيت إجراء أول عملية استنساخ، سواء للفئران أو الحيوانات، فوجئ الجمهور بالمصطلح نفسه، لأول مرة، عبر الصفحات الفنية، كـ"اسم فيلم جديد" تم طرحه بعد عيد الفطر مباشرة، داهمته عواصف من الجدل، عقب التأجيل المفاجئ للعرض الخاص، وتراشق التصريحات بين صناع الفيلم، وجهاز الرقابة، وكانت المفاجأة الكبرى هي "بطل الفيلم" نفسه، الفنان سامح حسين، الذي تصدر التريند خلال شهر رمضان، بعد النجاح الكبير لبرنامجه الذي يقدمه عبر "السوشيال ميديا"، بعنوان "قطايف"، في قالب اجتماعي توعوي أخلاقي، وجاء الإعلان عن فيلمه "استنساخ" بمثابة "ضربة حظ" بتوقيت "يبدو مثاليا" عقب نجاحه في رمضان، كما تشارك بطولته الفنانة هبة مجدي، التي تألقت (أيضًا) في رمضان الماضي بمسلسليْ "المداح"، و"منتهي الصلاحية"، ولكن "التألق المزدوج" لبطليْ الفيلم، لم يشفع لهما أمام شباك التذاكر، فما زالت الإيرادات "هزيلة"، وإن كان صناع العمل يراهنون على الفترة المقبلة، بعد "تشبّع الجمهور من أفلام العيد" التي سبقت طرح "استنساخ".

الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما

وكانت "بوصلة" صناع الفيلم تتجه، قبل برنامج "قطايف"، إلى الاكتفاء بالعرض عبر المنصات الإلكترونية، نظرًا لكون بطل العمل ليس "نجم شباك"، وغيابه الطويل عن السينما، وتراجع إيرادات أفلامه السابقة، التي كان معظم جمهورها من "الأطفال"، خاصة أن البطل "يغيّر جلده الذي يعرفه جمهوره"، حيث يجسد سامح حسين دور "يونس العربي"، مريض نفسي سيكوباتي، كما أن فكرة الفيلم الجديد بعيدة تماما عن "اهتمامات الأطفال"، حيث تتناول الأحداث أفكارًا وجودية عميقة بين الفلسفة والهوية، في قالب تشويقي جاد، حول تداعيات الذكاء الاصطناعي والاستنساخ البشري، وآثارها على جوانب حياتنا الإنسانية والاجتماعية، والعلاقة المعقدة بين الإنسان والتكنولوجيا في المستقبل، والطريف، أننا سألنا "شات جي بي تي" عن "رأيه" في هذا الطرح، فكانت إجابته بأن المعالجة الدرامية تبتعد عن الواقع إلى حد كبير، فمساعد الذكاء الاصطناعي لا يستنسخ البشر، وإنما يعالج البيانات ويتفاعل مع المستخدمين بناء على البرمجة والتعلم، وانتقد "شات جي بي تي" ما ينسجه خيال صناع الدراما من "مخاوف" حول سيطرة الذكاء الاصطناعي، و"وصفها" بأنها "مبالغات درامية"، تعكس المخاوف البشرية بشكل عام من المجهول الذي تأتي به التكنولوجيا، وإن كانت "على حد تعبير شات جي بي تي"، مخاوف غير حقيقية، باعتبار أن خروج الذكاء الاصطناعي (أحيانا) عن سيطرة البشر، ليس مرجعه "نوايا خبيثة" من الذكاء الاصطناعي، كما يتوهم البعض، وإنما "قيادة غير حكيمة من البشر"، وإشراف "غير كافٍ"، و"مراقبة غير دقيقة" لتطبيقات حساسة، مما أدى لاتخاذ الذكاء الاصطناعي "قرارات غير متوقعة" بناء على خوارزميات معقدة، لم يتم حسابها بدقة من جانب البشر!!

الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما

ومنذ عام، تقريبًا، فتحت الدراما المصرية، أبوابها أمام قضايا "تقنية"، تتعلق بالتكنولوجيا المتطورة، والذكاء الاصطناعي، وتناول معظمها العلاقة "المريبة" مع بعض البشر "المؤذين" الذين يمارسون "جرائم إلكترونية" في الخفاء، ودارت "الحبكات الجديدة" في قوالب التشويق والإثارة والغموض، حول "توريط الأبرياء" بأساليب التحايل و"النصب" و"التزييف العميق" الذي يتم باستخدام "AI"، هذين "الحرفين باللغة الإنجليزية" اللذين باتا من "أساسيات الحوار الدرامي" لعدد من المسلسلات المصرية التي عرضت مؤخرا، ومنها "رقم سري"، و"صوت وصورة"، وفي دراما رمضان 2025: "أثينا"، و"منتهي الصلاحية"، كما قدم مسلسل "تيتا زوزو"، 2024، معالجة "إنسانية" مبتكرة، للعلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي، عن طريق "تطبيق ذكاء اصطناعي يخلق كائنا افتراضيا"، يتفاعل مع الأبطال، يؤنسهم ويؤثر فيهم، وتتغير به مسارات الأحداث، هذا المزج "العاطفي" بين الإنسان و"الآلة" ظهر منذ 2020، في مسلسل "النهاية" ليوسف الشريف، الذي جسد دور "روبوت"، صنعته البطلة (سهر الصايغ)، لتتغير به الحبكة ويتفاعل معه الأبطال، كما ظهر معه "روبوت يتعاطف مع البشر"، عمرو عبد الجليل، ودار الصراع حول سرقة "الوعي البشري" باعتباره "أعز ما يملك بنو آدم"، وبعده بعام، طرح مسلسل "في بيتنا روبوت"، معالجة كوميدية لفكرة تصنيع "روبوت" يساعد البشر في مهام عملهم، وتعاطف الجمهور مع اثنين من الفنانين جسدا "شخصيتيْ الروبوتين لذيذ وزومبا"، عمرو وهبة وشيماء سيف!

الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما

وشهدت السينما المصرية، فكرة "الروبوت"، في قوالب مختلفة، كان آخرها، في 2021، "موسى" للفنان كريم محمود عبد العزيز، الذي شارك البطولة مع "روبوت" اخترعه لنصرة الضعفاء، والانتقام من قوى الشر، في قالب فانتازي يعكس حلم الإنسانية الأبدي الذي ينشد تحقيق قيم الحق والخير والجمال، وكانت السينما المصرية قد بدأت مشوارها مع فكرة "الروبوت"، منذ خمسينيات القرن الماضي، بمحاولة "بدائية كوميدية"، في فيلم "رحلة إلى القمر"، 1959، بطولة إسماعيل يس، ورشدي أباظة، حول رحلة فضائية قام خلالها روبوت (إنسان آلي) بالسيطرة على الأبطال، وتحويل مساراتهم، ثم مساعدتهم للعودة إلى كوكب الأرض، وفي 1968، عُرض فيلم "المليونير المزيف"، جسد خلاله الأستاذ فؤاد المهندس، شخصية مهندس اخترع "روبوت" يؤدي الأعمال المنزلية، أطلق عليه "ماك ماك"، جسده الفنان حسن مصطفى، وفي 1987، عرض التليفزيون فوازير "جدو عبده زارع أرضه" للفنان عبد المنعم مدبولي، وظهر فيه "روبوت" يعمل كـ"جنايني"، أطلق عليه أهل القرية اسم "العمدة الآلي"، والطريف، أنه في نفس العام، عرض مسلسل "الزوجة أول من يعلم"، شاركت في بطولته الفنانة شهيرة، وجسدت دور مهندسة كمبيوتر، تستعين بما يشبه "المساعد الذكي"، عن طريق توصيل "الآلة الكاتبة بالتليفزيون"، لمساعدتها في العثور على "لوازم البيت". وبشكل عام، في أغلب الأعمال الدرامية التي تناولت الذكاء الاصطناعي، سواء في مصر، أو حتى هوليوود (مع الفارق الرهيب بالطبع)، تتمحور الفكرة الأساسية حول الأسئلة الأخلاقية والفلسفية والوجودية المعقدة، التي تعكس مخاوف مليارات البشر، باختلاف مستويات تطورهم، من المصير الضبابي الذي ينتظر كوكب الأرض، وتقف في مقدمته "جيوش الذكاء الاصطناعي"، وكأنها "تخرج ألسنتها" للجميع، في "سخرية غامضة" لن يكتشف "سرّها" أحد!!

اقرأ أيضاًسامسونج تستحوذ على شركة ناشئة في مجال الروبوتات بـ كوريا الجنوبية

«الجوانب القانونية لاستخدام الروبوت الذكي في المؤسسات الحكومية».. مؤتمر طلابي بـ«حقوق حلوان»

تطور غير مسبوق.. «جوجل» تضيف تحديثات إخبارية إلى روبوت Gemini

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي.. رفيق في السفر
  • الذكاء الاصطناعي يداعب خيال صناع الدراما
  • «ميتا» تعلن اعتزامها تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي على المحتوى العام للمستخدمين
  • ميتا تدرب نماذج الذكاء الاصطناعي بمحتوى لمستخدمين أوروبيين
  • أوبن أيه آي تقيد الوصول إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المستقبلية
  • النائب الحميدي : الذكاء الاصطناعي الصيني لا يعدّ بسرعة رئيس المجلس!
  • السفير الصيني في موسكو: احتكار الذكاء الاصطناعي سيعيق التنمية البشرية
  • الصين تقترح إنشاء نظام عالمي لإدارة الذكاء الاصطناعي
  • مايكروسوفت: نماذج الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات في اكتشاف ثغرات البرامج
  • إطلاق أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي.. مخصص للتعامل مع «الأوامر الصوتية»